هناك قاعدتان متعارضتان فى هذا الموضوع ، أحدهما قاعدة قرآنية صادقة ، والأخرى قاعدة بشرية كاذبة.
القاعدة القرآنية أن الله تعالى يتحدث عن المشركين و الكافرين و المؤمنين و المسلمين والضالين و المنافقين ..الخ باعتبارهم صفات وليس أشخاصا معينين .فالله جل وعلا يجعل الخلود فى الجنة للمتقين والذين آمنوا وعملوا الصالحات .. وهى صفات وليس أشخاصا معروفين بالاسم والزمان والمكان. ثم يوم القيامة سيتحدد مصير كل واحد باسمه.. حيث تكون كل الأعمال مكشوفة واضحة .
والله تعالى يتحدث فى هذه الدنيا عن أن الخلود فى النار هو مصير الكافرين والذين كفروا والذين أشركوا و المنافقين والذين استكبروا و الظالمين و المعتدين ..ولا يقول لنا أسماءهم بالتحديد .
وحتى فى القصص القرآنى للأنبياء السابقين والأمم السابقة وحتى فى القصص القرآنى الذى نزل معاصرا للأحداث فى عصر النبى محمد ـ هذا القصص نجد فيه نفس التجريد وعدم الاهتمام بالأسماء ، فالله تعالى يتكلم عن المنافقين والأعراب بأنواعهم و المشركين والكفار و الصحابة السابقين والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، و الذين هم مرجون لأمر الله جل وعلا إما أن يعذبهم وإما يتوب عليهم.. وأزواج النبى .. لم يذكر إسما سوى أبى لهب و زيد ..
وبالتالى فلا يصح لنا أن نستشهد بالآية التى تتحدث عن السابقين الأولين من المهاجرين والانصار لنقول انهم فلان وفلان وفلان من الشخصيات التاريخية لأننا بذلك نكون قد تدخلنا فى علم الله جل وعلا و وقعنا أسرى للقاعدة الأخرى البشرية الكاذبة التى تجعلنا نتصور أننا نتحكم فى الجنة والنار فنجعل الجنة من نصيب فلان وفلان ونجعل النار مصير فلان وفلان ، أو تتمنى أن تكون الجنة لهذا الصديق أو لهذا الرفيق لأنه صالح و كريم و على خلق عظيم .
هذا لا يجوز .. لأنه تدخل فى غيب الله تعالى و ما سيحدث يوم القيامة.
إن كل ما يقع تحت بند ( الغيب الالهى ) هو من حقوق الله جل وعلا وحده ، ولها يوم هو يوم الدين والذى سيحكم فيه هو الله جل وعلا الذى يعلم خائنة العين وما تخفى الصدور.
أى أنه ليس فى إمكان البشر الدخول فى تلك المنطقة المحرمة وهى هل فلان من الصحابة من اهل الجنة ام لا ، وهل صديقى فلان الطيب ابن الحلال المؤدب الطاهر الظافر لا بد ان يدخل الجنة لأنه عيب أن يخش النار.. هذا ( كلام مصاطب ) . ولن أعتذر عن السخرية من هذا الفعل لأنه تدخل فى اختصاص المولى عز وجل ينبىء أننا فعلا لا نقدر الله جل وعلا حق قدره.
ولأنه غيب فوق امكاناتنا فانه من الممكن أن نظل قرونا نجادل فيه دون الوصول الى نتيجة. وهذا ما وقع فيه المسلمون حين ظلوا قرونا يتجادلون فى تلك الغيبيات الى أسموها ( السمعيات ) .
ولذا أنصح أهل القرآن بالتفرغ الى ما ينفع الناس فى القرآن و مانحن مؤهلون لبحثه .
ومما هو صالح للناس أن نوضح صفات المؤمنين الصالحين وصفات المشركين الكافرين أملا فى أن يهتدى الناس الأحياء الذين يعيشون بيننا ، وإذا أعرض أحدهم فلا شأن لنا به . احتوى القرآن الكريم فى معظم آياته على وصف الايمان و التقوى و صفات من يدخل الجنة و نعيم الجنة،وفى المقابل أحتوى على صفات المنافقين الكافرين المشركين الظالمين والعذاب الذى ينتظرهم حتى ينذر من كان حيا. ووظيفة أهل العلم هو الدعوة بهذه الآيات أملا فى الاصلاح ، ولكن لا شأن لهم بما سيحدث لفلان أو فلان لأن ذلك غيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا.