لم يجد السيد حسام زكى المتحدث ،بأسم الخارجية المصرية، ما يختلف عليه فى خطاب الرئيس أوباما التاريخى بالقاهرة ، والملئ بالمشاعر الجياشة التصالحية تجاه المسلمين حول العالم، سوى أشارته السريعة للأقباط، فصرح لوسائل الإعلام قائلا " نختلف معه عندما تحدث عنهم كأقلية بل هم بنظرنا من أصحاب البلد وليسوا أقلية"..وما قاله السيد حسام زكى كرره الكثيرون مستدعين حديث النسيج الواحد والسبيكة الواحدة وخلافه.
وحسنا التقط السيد حسام زكى المعنى الذى قصده الرئي&Oe;س باراك أوباما رغم إنه لم يذكر صراحة كلمة " أقلية"، ولكن الرئيس أوباما فى أجزاء كثيرة من الخطاب يرسل أشارات تحمل معانى ودلالات وتبعث برسائل محددة... والرسالة التى أعتقد أنه قصدها فيما يخص الأقباط ليست فقط أنهم أقلية بل أقلية مضطهدة،وأن هناك تهديدا لحريات المعتقد والتنوع الدينى فى مصر.. حيث جاء ذلك فى سياق الحديث عن أزمة الحريات الدينية فى الدول الإسلامية. قال الرئيس أوباما " يجب أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم، لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين، ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة. ثمة توجه مزعج في أوساط بعض المسلمين ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقاً لموقفه الرافض لعقيدة الآخر. إن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها، ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان والأقباط في مصر.. إن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش".
أوباما كأستاذ قانون ومحرر سابق لمجلة قانونية مرموقة، وكأنسان مثقف ينتمى لأقلية يعلم جيدا أن الأقباط أقلية، وأن كل التعريفات العلمية لمفهوم الأقلية تنطبق عليهم، كما أنهم مصنفون كأقلية فى معظم الكتب التى تناولت الأقليات فى الشرق الأوسط وبمختلف اللغات، ومعظم المؤسسات الحقوقية والبحثية المختصة بشئون الأقليات فى العالم تصنفهم كأقلية... على أى أساس يجادل من ينكرون هذه الحقيقة إذن؟، وعلى حد قوله فى موضع آخر " ليس لدى صبر تجاه الأشخاص الذين ينكرون الحقائق والتاريخ".
لن ندخل فى جدل واسع حول مفهوم الأقلية وسنكتفى بتعريفين فقط للأقلية وفقا للتمايز الظاهر ولوضعية الحقوق.
تعرف الموسوعة البريطانية الاقليات بأنهم "جماعة من الأفراد يتمايزون عرقيا أو دينيا أو لغويا أو قوميا عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه".
وتعرف الموسوعة الأمريكية الأقلية فتقول " بأنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعة المسيطرة في نفس المجتمع، وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة ،وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع. وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطنى الدرجة الأولي".
وجب التنويه أن وضع الأقلية لا ينفى كون الأقباط جزء من النسيج أو مكون من مكونات السبيكة أو كونهم من أصحاب البلد أو كونهم مواطنون أصلاء ومن أحفاد الفراعنة أو كون جذورهم تمتد إلى اعماق التاريخ المصرى.
مصطلح الأقلية لا يهين أحد ولا ينتقص من شأن الأقباط بل هو مصطلح قانونى وفقا لتعريفات القانون الدولى تترتب بناء عليه التزامات على الحكومة المصرية.. ولهذا فهى تسعى دائما إلى انكاره حتى تتملص من هذه الالتزامات فى مخالفة صريحة للقانون الدولى.
والجدير بالذكر أن أغلب الدارسين النزيهين لموضوع الأقليات فى مصر يعرفون أن مفهوم الأقلية ينطبق بلا جدال على الأقباط.
ربما يكون اللبس عند البعض حول كون الأقباط مضطهدون أم لا، وقد شاهدت الفنان الكبير عادل امام يقول فى حوار مع عمرو الليثى على قناة دريم أن هناك تمييز يقع على الأقباط ولكنهم غير مضطهدين... وما يقوله الفنان الكبير بحسن نية يقوله الكثيرون من الشخصيات المحترمة فى مصر، بأن هناك تمييز وليس أضطهاد.
وقد قمت من ناحيتى بجمع أكثر من عشرين تعريف لمعنى الأضطهاد ووجدت أن جميعها تنطبق على الأقباط.. ونحن لا نختلف كثيرا مع الفنان الكبير عادل أمام، فالإضطهاد فى القانون الدولى هو ببساطة تمييز مستمر وممنهج، وهو جريمة وفقا للقانون الدولى، ولهذا يقول القانونى المصرى البارز والقاضى السابق بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب فؤاد عبد المنعم رياض " جريمة التمييز إذا مورست بشكل منهجى ضد فئة محددة لأسباب دينية أو عرقية أو بسبب الجنس يمكن أن تقع تحت طائلة العقاب أمام المحاكم الدولية وتسمى جريمة الإضطهاد".وعرفت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا الإضطهاد فى قضية كيوبسك بأنه " إنكار جسيم وصارخ على أسس تمييزية لحق أساسى ثابت فى القانون الدولى العرفى أو الاتفاقى".
أما نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية فعرف الإضطهاد على أنه " حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من حق أساسى أو من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولى، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع"، وادرجت المحكمة الإضطهاد كجريمة ضد الإنسانية وفقا للمادة السابعة من نظام المحكمة.
وحتى لا نغرق فى سيل من التعريفات، ومن خلال قراءتى لعشرات المصادر التى تناولت المفهوم فأننى أرى إنه إذا كان هناك تمييزا منظما ضد فرد أو جماعة أو أقلية تقوم به حكومة ما، أو تتستر عليه ،أو تتواطئ مع منفذيه، أو تنكر وجوده، أو تخلق المناخ الذي يشجع عليه ، أو لا تتعهد بمقاومته والتخفيف منه ،فإن هذا يعني إضطهاد هذه الحكومة لذلك الشخص أو تلك الجماعة أو هذه الاقلية. فالاضطهاد في الأساس هو أنتهاك متعمد لحقوق المواطنة من قبل حكومة ما مع عدم التعهد بمعالجة هذا الانتهاك.
فالمفروض في التمييز إنه عارض وأن القانون يقاومه والحكومة تصدر التشريعات وتتصرف على أرض الواقع بطريقة تظهر بوضوح مقاومتها لهذا التمييز ،وبخلاف ذلك يكون التمييز إضطهادا.
ولهذا السبب تنكر الحكومة المصرية وجود تمييز ضد الأقباط لأنها تعلم جيدا أن أستمرار هذا التمييز يعد إضطهادا، ولهذا ردت الحكومة المصرية بعصبية شديدة على تقرير منظمة العمل الدولية عام 2007 والذى تحدث عن وجود تمييز ضد الأقباط فى مصر حيث ذكر التقرير "ومن أكثر أشكال التمييز صلافة تلك التى تستهدف الأقباط فى مصر،إذ لا يتمتعون بنفس الفرص للحصول على التعليم ولا بفرص متكافئة فى التعيينات والترقيات فى الوظائف. والقليل منهم يعينون فى مناصب رئيسية فى الحكومة أو كمرشحين لعضوية البرلمان. وقبولهم فى الشرطة والمدارس العسكرية محدود، ولا يعمل إلا القليل منهم كمعلمين وأساتذة".
كانت رسالة أوباما للعالم الإسلامى مفعمة بالمشاعر الإيجابية البناءة حيث ذكر كلمة إسلام ومشتقاتها 69 مرة خلال الخطاب واستعان أربعة مرات بآيات قرآنية، ومع ذلك فأن فحوى الرسالة تقول إذا كانت المشكلة لديكم فى إتهام الإدارة الإمريكية السابقة للإسلام وتحميله المسئولية عن الكثير من المشاكل، فاننى جئت إلى هنا لابرئ الإسلام من العنف والتطرف ومن انتقاص حقوق المرأة ومن إضطهاد الأقليات ومن رفض الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومع هذا فأنا اضعكم امام المرآة واقول لكم أن كل هذه المشاكل موجودة فى مجتمعاتكم الإسلامية وحاولوا أن تجدوا لها حلولا.
وبالنسبة للأقباط فان هذه الأقلية أقدمها لكم كنموذج لمعأناة الأقليات غير المسلمة فى الدول الإسلامية ، وهى مهددة ليس فقط فى حرياتها الدينية وحقوقها الأساسية ولكن أيضا فى وجودها ذاته فى ظل تنامى التطرف ورفض الآخر.
وكانت مشكلتكم اننا نحاول فرض قيمنا عليكم.. هذا لن يحدث من ادارتى، ولكن كل الأديان تقر بأن كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم، لأن هذه هى القاعدة الذهبية فى المعاملات.
واخيرا وجب التنويه أن أوباما يعرف مشكلة الأقباط جيدا، فقد أستلم العديد من الرسائل العاجلة المتعلقة بوضع الأقباط فى مصر ارسلها النشطاء الأقباط فى امريكا، ومنها رسالة تحوى مائتى صفحة توثق ما وقع على الأقباط من مظالم فى العقود الثلاثة الأخيرة.
كما شارك الأقباط فى صياغة الرسالة العاجلة، التى أرسلها عشرة من أعضاء الكونجرس المعروفين، له قبل الزيارة وركزوا فيها على دعم الحريات الدينية وحرية الأقليات فى الشرق الوسط ومما جاء فيها:
" إننا نطلب منك الدفاع عن الأقليات الدينية التي تعاني في المنطقة، والتي تشاركنا قيمنا الثرية في الحرية الدينية. إننا نحثك على الطلب من مصر محاربة الإرهاب والوقوف إلى جانب الأقلية القبطية، المستهدفة على الدوام من عنف المتطرفين".
كما أرسل تحالف من المنظمات القبطية والمسلمة فى امريكا رسالة اخرى تطالبه بدعم الديموقراطية والمساعدة فى "إقامة ديمقراطية حقيقية ترتكز علي إطلاق الحريات العامة والحريات الدينية وتعلي حكم القانون واستقلال القضاء وإحترام حقوق الانسان وحقوق الاقليات".
لقد حدث عمل مكثف لصالح الأقباط فى العاصمة واشنطن قبل زيارة أوباما للقاهرة واسفر عن نتيجة جيدة جدا إذا بنى الأقباط عليها، وبشكل سريع، عملا منظما دوريا ،وليس موسميا،فى العاصمة الأمريكية.. الكرة فى ملعب الأقباط فى امريكا وعليهم التحرك بشكل جماعى، وليس فردى، لوضع قضيتهم على خريطة أهتمامات الإدارة الأمريكية الجديدة بالنسبة للشرق الأوسط .
وربما أستمع أوباما من قبل إلى صوت زوجته ميشيل والذى كان طبيبها القبطى السابق فى شيكاغو يحدثها عن معأناة شعبه المستمرة فى مصر.
المهم أن الرسالة وصلت واستمع اليها مئات الملايين حول العالم وربما المليارات..ولكن الأهم أن نقرأها نحن باهتمام فى مصر من آجل مستقبل بلدنا.