سيدي جمال مبارك .. الآن يمكنك أن تعتلي عرش مصر!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٠٨ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


أوسلو في 7 يونيو 2009

لا أخشى على الشعوبِ من الطغاة أكثر من خشيتي عليها من أبنائهم، فهم مُفككون، مرضى نفسيون، كارهون لمن أعطوا ظهورَهم لسياط آبائهم، متمسكون بشرعية الاحتقار والازدراء ، مؤمنون أنَّ وراثة الحُكم تستلزم أيضا وراثة الأرض والناس والخيرات حتى التاريخ تعاد صياغته لصالحهم، وتنبت شجرة العائلة من جديد فينسبونها للأنبياء والرسل والمصلحين والأشراف والثوار.

عندما يمر في ذهني مشهد مصرنا في عهدك بعد رحيل والدك الطاغية الأكثر إيغالا في القسوة من طغاة العصر تقفز إلى ذهني حكايتان تكشف كل واحدة عن نوعية العلاقة المستقبلية بينك وبين رقيقك المتلذذين بكرباجك، فإذا كنتُ أنا أرى مصرَ تنهار في عهدك أبيك، فهي تنتهي، لا قدر الله، في عهدك، وتصبح قاعاً صفصفاً تذروه الرياح، وتَضْحىَ أمنية كل مصري أنْ تغرق به مركب قديم أمام شواطيء مالطا فالموت سيكون الحلمَ الورديَّ للمواطنِ المصري في عهد جمال مبارك.

الحكاية الأولى تلك التي حدثت في بورسعيد إثر ما سُمّي آنئذٍ بموكب السيد الرئيس عندما أسرعتَ أنتَ إلى استراحة الوزراء وقلتَ لهم غاضباً: يا ولاد الكلب الريس بتاعكم كان حيموت وانتم بتدلعوا هنا، فلما انبرى رئيس الوزراء مُهدئا من روعك، وقال لك بأنه مثل والدك فكيف توجه له هذه الشتائم، كان ردك المباركي الذي رباك عليك القصر وسيده: وانت كمان ابن كلب زيهم!

هنا انكشف المشهد المصري في مستقبل أم الدنيا عن جحيم سيجعل المصريين يلعنون يوم أن سقطوا من بطون أمهاتهم في عهد الوالد أو الابن، أو يلعنون يوم أن حمل القصرُ اسمَ مبارك فعجّل من يوم القيامة المصري!

الحكاية الثانية عندما أهداك وزيرُ الدفاعِ سيارةً مصفحةً مصنوعةً في الخارج خصّيصا لك، وحاول المسكينُ أنْ يجعلها مفاجأةً لعلك ترضىَ عنه، ولكن المفاجأة كانت من نصيبه وأنتَ تُلقى على الأرض مفتاحَ السيارة بميداليته الذهبية مُحتجا على لونها، فكأنك وضعت جيشَ العبور كله تحت حذائك، وكنتَ نموذجا مثاليا لتربية لقنكَ إياها الزعيمُ الطاغية، وانكشف المشهد المصري للمرة الثانية عن مدرسة لتعليم الطغاة في العالم برمته، فيأتوك أفرادا وجماعات لكي يتدربوا على يديك في كيفية قمع شعوبهم، تماما كما كان منيغستو هلامريم، النجاشي الأحمر، يتعلم من الرئيس الألماني الشرقي هونيكر، فكانت النتيجةُ نصفَ مليون قتيل إثيوبي في البلد المنكوب بالطاغية الشاب الذي قتل الطاغية الأكبر هيلاسلاسي خنقاً، ودفنه في حوض إسمنتي تحت أحد مراحيض القصر في أديس أبابا!

ثلاثة أرباع المليون من رجال الأمن سيقومون بحمايتك من غضب شعبٍ لا يغضب، وآلاف من الاعلاميين الذين تدخل بطونَهم أموالٌ حرام عليهم وعلى من يعولون سيتولون مهمة تلميعك، وتأهيلك، وتزييف أوراق الوطن، فالتعاون بين جهاز أمنك وأقلام المننتسبين للسلطة الرابعة جعل مقالات المنافقين والجبناء ومُحللي الحرام كأنها خرجت لتوها من مكتب ضابط أمن بعد أن وضعها في دبر مواطن ظن مباركاً الأبَ أو الابنَ ولياً للأمر، فإذا هما مُمثلا الشيطان في أرض الكنانة.

الطاغية الابن يزلزل كياني كله رعباً وفزعاً فالتوريث الجمهوري ليس نابعا عن حكومة ملكية، لكنه نقلُ مِلكية الشعب من رئيس منتخَب إلى رئيسٍ منتخَبٍ بفضل صناديق اقتراع تم تحديدُ النسبة التي يريدها الزعيم قبل فتحها بوقت طويل.

كيم إيل سونج يعطي رقبة الشعب إلى ابنه كيم يونج ايل، وعندما شعر الزعيم الابن بأن الوقت قد حان لتسليم العبيد إلى وريث جديد، أوحى إلى كل أجهزة الدولة أنْ تستعد لتقديم الولاء لحفيد كيم ايل سونج، فالأحفاد أيضا لهم حق الحلم بتحويل الوطن إلى كابوس، فكيم يونج أون سيكون الكيم الثالث الذي يحكم الدولة السجن!

أزعم أنك، سيدي الرئيس جمال مبارك، بعدما شاهدت الرئيسَ الشابَ أوباما يقفز صاعداً سلالم القصر ليعانق والدَك وقد تمكن الطبُ من جعله حياً نصفه موت لدقيقتين تمنيت أنت أن تكون مضيفَ زعيمِ البيت الأبيض، لكنه، لا ريب، يعرف مُسبقا أنك الحاكم الفعلي لأم الدنيا، ولعلك تذكرت الملك الراحل، الحسين بن طلال، عندما جعله الطب المتقدم الأمريكي ميتاً نصفه حياة ليومين أو أقل، فعاد ليُعَيّن ابنه وريثاً لعرش الهاشميين وسجونهم ومعتقلاتهم واتصالاتهم السرية والعلنية مع الموساد، ثم عاد أو أعيد لتفارقه الروح .

وأزعم أيضا معرفتك أن أعضاء مجلسي الشعب والشورى لا يساوي أيٌّ منهم في عُرفك صفعةً على الوجه من ضابطٍ صغيرٍ فيعرف أنه تحت قبةِ البرلمان شاهدُ زورٍ على ذبح وطن، وأن الذين غيرّوا الدستورَ في دمشق ليصبح ابنُ الرئيسِ الرئيسَ الابنَ في أقل من ربع الساعة هم القتلة الأكثر التصاقا بتاريخ أمم حكمها طغاة، وساعدها استعمار خارجي، وزوّر هويتها مثقفون وإعلاميون ومفكرون وأكاديميون وقضاة ومحامون وصفوة الشعب ونخبة القوم، وهؤلاء ستتورم أيديهم من التصفيق لك في أول خطاب تلقيه، ثم تبصق علينا جميعاً، فنسخةٌ جديدة من الدكتور أحمد فتحي سرور تستعد لتهبط بالمطرقة على مكتبه، وترمز بها للطرق على رؤوس ممثلي الشعب المخدوع في سلطة تشريعية تتلقى التوجيهات من القصر الجمهوري.

في عام 1970 تم تغيير الدستور في هاييتي لتخفيض سن الرئيس من أربعين إلى عشرين عاما حتى تتم تهيئة الأجواء ليصبح ابنُ الرئيسِ جان كلود دوفالييه رئيسا أبدياً للجزيرة، وعندما رحل الوالد الطاغية في 21 ابريل عام 1971 قفز الطفل المدلل وهو في التاسعة عشرة من عمره ليهلك الحرث والنسل ويكمل خراب بلده كما أوصاه والده!

ومع ذلك فأنت حالة خاصة، فوالدك قضى ربعَ قرنٍ في تحضير طبخة التوريث، وحجب أي تفكير في رجل ثان أو نائب له لئلا يظن مصريٌّ واحدٌ أننا نتساوى مع أحد من أسرة مبارك الارهابية، وأمسك والدك المجرمُ الطاغية ُكلَّ أطرافِ البلد بقبضة واحدة، وأنفق من ميزانية الفقراء مليارات على أمنه فهو يحمي نفسَه ويحميك في ربع قرن مشؤوم لمستقبل أكثر ظلما وظلاما من كل العهود السابقة في تاريخ مصر.

محاولات كثيرة للانقلاب العسكري باءت بالفشل، فالطاغية الوالد منصت جيد لأجهزة الأمن الاسرائيلية التي نجحت في كبح جماح القوى الوطنية داخل الثكنات العسكرية لأبطال العبور، فانتقمت تل أبيت منهم جميعا بحماية أبيك من غضبة الجنرالات، ولم يعد بامكان ثلاثة لواءات أن يجتمعوا دون أن يكون رابعهم شيطان من القصر، أو يتحادثوا سرا، أو يتزاوروا عائليا، أو يتابعوا الانترنيت، فالستار الحديدي جعل الدولة البوليسية مرهونة باشارة من قاتلي المصريين في إسرائيل، ولم يعد في قدرة أحد من أسرة مبارك أن يحتفظ بجاسوس يعمل لحساب الدولة العبرية لأكثر من بضعة اشهر حتى يخنع، ويبرك، ويفرج عنه!

الاشارات الخضراء بدأت في الظهور علانية، فهي من فنانين كبار وممثلين ومطربين ورؤساء تحرير صحف كبرى وصغرى، وهي من كل النقابات ومؤسسات الدولة والجامعات وأكثر الأحزاب، مؤكدين تمنياتهم أن يكون لسع سوطك على ظهورنا ومؤخراتنا أخف من كرباج أبيك ، لكن الحقيقة أننا جميعا مجرمون، ومشاركون في كارثة تدمير مصر، وجبناء، وبائعو وطن في سوق النخاسة، ومهرجون نلعب لعبة تبرير وصولك للحكم رغم أن اجرامك ودراكيوليتك وشغفك بدماء مواطنيك سيجعل المصريين يتمنون عودة الاغتصاب والتعذيب في عهد والدك.

الأغبياء الملعونون من السماء والأرض يطلبون مهلة لك، ووقتا تجريبياً لمعرفة نتيجة حقل التجارب على المصريين، في الوقت الذي التفت الشعب المصري المتدين حول قيمة وهمية كذبوا على الله وقالوا بأنها صلب الدين، وهي طاعة الطاغية والتلذذ باغتصابه إيانا، والصمت على احراق وطن، والسكوت على نهبه، وتحويل الصبر من توكل على الله إلى تمديد في عمر المستبد.

خمسة محاور لو كان للشعب المصري نصيب منها لما كان حلم أبيك في توريثك مصرنا أكثر من أضغاث أحلام أو زهايمر سياسي :

الأول : الجيش الذي كان بطلا، ففرّقته هذه الأسرة اللعينة، وجعلته كأنه مُخدّر بعد هزيمة، ونائم بعد نكبة، وضعيف بعد أسْرٍ، وميّت بعدما انتزعتم الروحَ منه.

الثاني: أجهزة الأمن التي تبتلع ثلث ميزانية الدولة، وأصبح لكل أربعة مصريين بالغين رجل أمن يحميك منهم، وأعطاهم أبوك متنفساً للقهر، ففصلهم عن الشعب فصلا تاماً، وأصبحوا في صف خصومه. ورعب الزنزانة.

الثالت: اصحاب القلم واللسان من الإعلاميين الجبناء الذي خانوا القلم ونونه وما يسطرون، وأضحت صحفهم وفضائياتهم ومطبوعاتهم وندواتهم وملتقياتهم الاعلامية امتدادا لسلطة الأمن، وهراوة الرئيس ،

الرابع: التلفزيون والفضائيات المصرية والعربية والقادرة لو لم تخضع لتهديد مبارك على التمهيد لثورة والاطاحة به في وقت قياس.

الخامس: رجال الدين، الاسلامي والمسيحي، والقوى الدينية في المسجد والكنيسة، والجماعات الدينية المحظورة والمسموح لها، ولو علّم هؤلاء أتباعهم كراهية الاستبداد، وأن رضا الله عنهم مرهون بمقاومتهم الطغيان، لانتهى اسم مبارك من تاريخنا الحديث إلى الأبد.


سيدي الرئيس جمال مبارك،

الآن يمكنك أن تطل علينا من شرفة قصر عابدين أو العروبة أو شرم الشيخ أو برج العرب، وتجمع بصقة كبيرة وتقذفها في وجوهنا جميعاً فنحن لم نحافظ على مصرنا منكم، وبررنا ارهابكم، وأعطيناكم الكرباج لتسلخوا أقفيتنا به، وفتحنا صفحات مطبوعاتنا لتلمعيكم، وقرأنا واستمعنا لعشرات الآلاف من الحكايات الموثقة والمعروفة للقاصي والداني عن عفن هذه الأسرة التي لم يكره مصر والمصريين منذ خمسة آلاف عام أحد مثلما فعلت أسرة مبارك، ومع ذلك فنحن ننام، ونستيقظ، ونأكل، ونشرب، ونربي أولادنا، ونشاهد مسرحيات ومسلسلات، ونكذب على الله، ويكره بعضنا بعضا في دينه أو مذهبه أو طائفته أو طبقته الاجتماعية أو خلافه الفكري، ولو أن كراهيتنا تلك توجهت للمجرم الحقيقي لما بقي والدك في الحكم أكثر من ولايتين ليدفنه التاريخ في هوامشه.

لم أعد أصدق برنامجا أو تحليلا سياسيا أو صلاة لمسلم أو قبطي أو جمعة يتيمة أو قداسا في أحد الآحاد، ولا أصدق القضاة أو المحامين أو أساتذة الجامعات أو المعترضين أو المحتجين أو دور النشر أو أصحاب القلم أو اسياد النت الجدد.

لا أصدق أي خبر يأتيني من هناك ولو كان ذبح الخنازير، أو جولتك بين الفقراء، أو قدرة الرئيس المحتضر على تجميع أفكاره، أو استعراض عسكري، أو رفض زيارة ليبرمان، أو صفقة اليونسكو لفاروق حسني أو ضيوف البيت بيتك أو الحوارات السياسية الملمعة لك من الزعيم صاحب مدرسة المشاغبين وشاهد ما شافش حاجة.

ترتعش الآن كل شعيرات جسدي وخلاياه عندما أتصور المشهد المصري وأنت على رأسه، وقد جاءك المصريون بأكبادهم المريضة، وفقرهم المدقع، وتدينهم الزائف، وعلمائهم المنافقين، وفضائييهم الكاذبين، ونخبتهم الفاسدة، وصفوتهم الجبناء، وربع مليون مصري من القضاة والمحامين والأكاديميين وجنرالات الجيش ولواءات الشرطة وقد أحنوا رؤوسهم، واصطكت أسنانهم، وارتعشت ركبهم، وقدموا لك وثيقة تتملك بموجبها رقابهم لربع قرن جديد لن تصل مصر إلى ربعه قبل أن تكون قد دفنت ربعها في مقابر جماعية.

أعترف لك بأنني ألعن في يقظتي ومنامي كل من يؤيدك وأيد أباك حيا وميتا، ولن أحيد ما حييت عن قناعاتي بأن مصر في جانب وأسرة مبارك في جانب آخر، ومن يحب الوطنَ وأرضَه وترابَه وتاريخه وشعبَه وأهله لا يمكن أن ينحاز لك أو لأبيك، بل لعلي لا أبالغ إنْ قلت والصمت أيضا على جرائمكم كالتعاون مع إسرائيل.

سألني مصري التقيت به مؤخرا: لماذا تكره الرئيسَ مبارك كأنه عدوك الوحيد؟

قلت له: كان عليك أن توجه السؤال لمبارك نفسه: لماذا يكره المصريين كل تلك الكراهية العمياء كأنه أقسم أن ينهي مصر إلى الأبد في عهده الأسود أو عهد ابنه المشؤوم؟

سيدي الرئيس جمال مبارك،

أكرهك كما كرهت أباك وأسرتك ولصوصكم وناهبي خيرات بلدي ومعذبي أبنائهم ومخربي كل ركن فيها والمساهمين في انحدارها وانحسار دورها والتمهيد لاهالة التراب عليها وجعلها دولة فقيرة متسولة يتمنى أبناؤها أن يكونوا مثل أفقر دول أفريقيا.

أكرهك وأباك لأنني أحب مصر وجيشها وشعبها وشرفاءها وترابها وأرضها وتاريخها ومساجدها وكنائسها، وسيظل قلمي ما شاء الله شوكة في عيونكم، وتحريضا ضدكم، وقصيدة حب في مصرنا ولو بدت للحمقى من قسوتها كأنها كراهية.

أنتظر بصبر أيوبي نافد البيان رقم واحد، وأستعد برسالة تهنئة لمصريين أحرار وشرفاء ووطنيين لم يستطيعوا على طغيانكم صبرا!

لكن هذا لا يمنع أن دموعي ستغرق وجهي كله عندما تلقي خطابك الأول، خاصة وأن المصفقين لك والمهللين لن يصدقوا أنك بصقت عليهم وعلينا في نهاية الخطاب.

أبناء الطغاة لا يرحمون، ولو كان سيف الاسلام القذافي أو أحمد علي عبد الله صالح أو حتى عدي صدام حسين، لو كان حيا، لفعلوا مثلما تفعل أنت!

أيها الرئيس المصري القادم

الشرفاء لا يمزحون، والأحرار لا تظهر رؤوسهم قبل البيان رقم واحد، وما لا تراه في رسالتي التشاؤمية لا يشاهده إلا عشاق لمصر يستعدون لتحريرها منكم!

وعلى المصريين الاختيار الحر ما بين الموت سحقا تحت حذائك أو الحياة شرفا في التعاون والتكاتف والتسامح والخروج شعبا وجيشا وأحرارا لانهاء عصر مبارك الذي دنس أرض الله الشريفة، فهل يختار المصريون الحياة أم يفضلون .. الموت؟


محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو النرويج

Taeralshmal@gmail.com

اجمالي القراءات 13920