-1-
يوم الخميس 4/6/2009 سيلقى أوباما خطابه التاريخي الموجه إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة.
فما الذي يجري ؟
فقبل أيام وجه وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند كلمة أكد فيها على ضرورة إعادة صياغة العلاقات مع العالم الإسلامي، في سعي واضح للتقرب مع العالم الإسلامي، في نفس التوقيت الذي يوجه الرئيس أوباما الكلمة الثالثة للعالم الإسلامي. ومن الواضح أن هناك ارتباطاً بين توجه إدارة أوباما و بين كلمة مليباند، وأن هذا الأمر يدخل في إطار إستراتيجية &Igravgrave;ديدة للتحالف الأمريكي البريطاني تجاه العالم الإسلامي. فلا لا شك أن الغرب كله الآن مشغول بحل القضية الفلسطينية، لا حباً بالفلسطينيين، ولا حباً باليهود، ولكن تأميناً لمصالحه في هذه البقعة الحيوية من العالم، حيث مصادر الطاقة المهمة لصناعاته، وتقدمه الاقتصادي، وحيث الممرات المائية والطرق البحرية لتصدير هذه الطاقة. ولكن، علينا أن لا ننكر أن الدور الأمريكي بقيادة أوباما، وتعهده أثناء حملته الانتخابية على حلِّ القضية الفلسطينية، بإقامة دولتين متجاورتين: فلسطينية وإسرائيلية، وإصراره ومثابرته على السير في هذا الطريق في المائة يوم الأولى والثانية من ولايته، رغم المشاكل الداخلية الضخمة والمصيرية التي تعاني منها أمريكا، دليل واضح على أن هناك نية حقيقية لإنهاء هذا الصراع. ولا شك، أن هذا يدخل في إطار التحالف الأمريكي – البريطاني القائم منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن والذي ازدهر وتقدم في عهد ريجان- تاتشر. ولكن هل تكفي النوايا الصادقة لحل هذه القضية المعقدة جداً؟
-2-
ولو سألنا ما هي ملامح السياسة الأمريكية الجديدة تجاه العالم الإسلامي؟ لكانت أجابتنا تتلخص فيما يلي:
1-السعي لحل القضية الفلسطينية بإقامة الدولتين الجارتين الفلسطينية والإسرائيلية. فالنزاع العربي – الإسرائيلي منذ أكثر من ستين عاماً إلى الآن، كان سبب كل الفوضى والمشاكل التي حدثت وتحدث في الشرق الأوسط.
2-مساعدة أمريكا على محاربة الإرهاب، وجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقراراً وأمناً.
3-ضبط أسعار البترول بضبط الإنتاج، لكي يستطيع الاقتصاد العالمي التعافي والخروج من الأزمة التي تخنقه الآن.
4-علينا ألا ننسى أن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان ومن جنوب لبنان هو من ضمن الجهود الدبلوماسية الأمريكية والغربية، وهذا يعتمد على موقف سوريا و"حزب الله" من التسوية السلمية.
5- دعوة أمريكا للعالم الإسلامي لكي يخرج من الكهوف التي بناها بنفسه وبأفكار بعض الفقهاء الجهلة، وراح منها يحارب العالم بأكمله، ويرميه بالجاهلية والكفر.
-3-
إن التوجه الجديد للسياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي، يرتكز على الدبلوماسية، والحوار السياسي، والإقناع بالجدل، هو الطريق الأمثل الذي يمكن لدولة عظمى كأمريكا أن تتبناه. ولكن نجاح هذه الجهود كلها، لن تؤتي أُكلها إلا إذا كان لدى العالم الإسلامي الاستعداد الكافي والكامل لمثل هذه الجهود. واعتقد شخصياً – وآمل أن أكون مخطئناً – أن العالم الإسلامي الآن بتنوعه، وتباينه، وتنازعه، وكثرة مشاكله، ونخر الأصولية المتشددة والمتعصبة في عظامه، يصعب عليه الاستجابة لمثل هذه الفرصة الذهبية، التي أعتقد بأنها لن تتكرر. فأنا أعتقد بأن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يسبق السلام! وأعنى بالتطبيع هنا- كما قال العفيف الأخضر في رسالته إلى أوباما- فتح المجال أمام السائحين اليهود والإسرائيليين لزيارة العالم الإسلامي، والسماح لطائرات شركة "العال"، بعبور الأجواء الدول الإسلامية واستخدام مطارات هذه الدول، والسماح للطلبة العرب والمسلمين واليهود بالدراسة في الجامعات العربية والإسلامية والإسرائيلية. فأزمة العالم العربي والإسلامي ليست افتقاد السلام، ولكن افتقاد التطبيع مع الآخر الغربي والإسرائيلي. وبدون ذلك سيكون العالم الإسلامي قد فوّت على نفسه – كما فوّت في السابق – الفرصة الذهبية النادرة، لكي ينتقل برمته من مجتمعات القرون الوسطى إلى المجتمعات الحديثة.
-4-
وهناك سؤال مقلق يدور في العالم العربي وهو:
هل تتخلى الولايات المتحدة عن دعم التغير في العالم العربي والإسلامي لصالح مصالحها؟
علينا أن نُعرِّف أولاً ما هو المقصود بالتغيير؟
هل هو تغيير الأنظمة السياسية القائمة؟
أم هو تغيير المجتمع، وتحويل المجتمع الإسلامي – كما هو المجتمع المسيحي الآن – إلى مجتمع حداثة، ونقل العالم الإسلامي من القدامة إلى الحداثة. فبعد تجربة العراق، تبيَّن أن تغيير الأنظمة لا يُغير المجتمع، بل يمكن أن يزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، كما هو الحال في العراق وأفغانستان الآن. على أمريكا أن تبذل جهودها في التعليم والثقافة في العالم الإسلامي، وتستعمل قوتها الناعمة Soft Power (العلم والثقافة والفن والاقتصاد) لتحويل العالم الإسلامي من مجتمع القرون الوسطى إلى مجتمع القرن الحادي والعشرين.
-5-
الحكم الاستبدادي في العالم الإسلامي، سببه الشعوب غالباً، وليس الحكّام.
لذلك على أمريكا الآن أن تركز على تغيير الشعوب، وليس تغيير الحكّام لأن تغيير الحكّام. وإبقاء الشعوب على ما هي عليه بجهلها، وتخلفها، وبثقافة القرون الوسطى، سيأتي بحكام أسوأ من الحاليين. فقيم التغيير والديمقراطية يجب أن يبدأ بناؤها من القاعدة، وليس من الرأس أو من الأعلى. وهنا تتحقق المصالح الأمريكية، ويتم الزواج المتكافيء بين الفرقاء؛ أي بين اليهود والعرب، والغرب والمسلمين، وأمريكا والمسلمين. وبدون ذلك فسيظل الزواج القسري، وغير المتكافيء، معرضاً للانفصال والطلاق في أي وقت.
السلام عليكم.