لقد قررت عدم الكتابة أكثر في موضوع الشهادة في الإسلام ، وقد كتبت عدة مقالات فيها رأيي وعقيدتي وما أحب أن ألقى الله عليه ، فأنا أشهد بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد بأن محمدا عبد الله ورسوله .
ولكن تلقيت سؤالا من إبنتي داليا سامي تسألني وتلح علي في السؤال لأكتب لها الإجابة – من وجهة نظري طبعا – ولذلك قررت أن أكتب هذا البحث في الرد على سؤالها.
السؤال: ولكن موضوع التشهد محير بالنسبة لى فالتشهد الحالي ان كان متواترا بدون اى خطأ كما هي الصلاة ولكن نجدة ذكر للرس&aelول محمد وذريتة والخليل ابراهيم وذريتة والدعاء لهما ولذريتهما والسلام عليهم وعلى عباد الله الصالحين وووو .. حتي اجد كما لو ان التشهد الحالى اشبة بدعاء جميل لانبياء الله ولكنة ليس صلاة لنتقرب بها الى الله او ذكرة وحدة (واقم الصلاة لذكري ) !! فتارة اقولة وتارة اذكر اية التشهد وارجع ارتبك فاذكرهما معا واطلب من الله ان يهدينا سواء السبيل ... فاتمني ان نري رايك فى هذة المسالة؟
نقول بعد حمد الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصلاة فقال "واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" البقرة43 ، وجعل لها أوقاتا معلومة فقال "ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"النساء103 ، وجعل لأدائها طقوسا فقال "يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" المائدة6 ، وجعل لها قبلة فقال "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" البقرة144.
ومما جعل الناس في حيرة من أمرهم أن الله قد فصل الوضوء والتيمم ، كما عرض القبلة وأمر بالصلاة إلا أنه سبحانه لم يذكر لنا في القرآن أوقاتها أو كيفية أدائها ، وقد تسائل الناس ما العلة من ذلك ، بل وأصبح السؤال المكرر لكل من أراد أن يأخذ بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع : كيف تصلي من القرآن؟ وما هي أوقات الصلاة من القرآن؟
والحقيقة أنني وغيري كثيرون أجهدنا أنفسنا في إستخلاص إجابة من القرآن لهذه الإسئلة ، ورغم الجهد المحمود من الكثيرين من الاخوة لوضع إجابات منطقية ، يصبح السؤال قائما وهل عجز رب العزة سبحانه أن يضع إجابة فاصلة وآية صريحة كآية الوضوء يشرح فيها كيفية الصلاة وأقواتها وهي على هذه الدرجة من الأهمية؟
ولكن بعد فترة تأمل وتدبر للقرآن إمتثالا لأمر الله تعالى "افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها" محمد24 ، توصلت بفضله تعالى للدراسة التي سأضعها بين أيديكم مؤكدا على أنها عمل بشري يحتمل الصواب والخطأ ، نحمد الله على الصواب ونستغفره فيما مالت به نفوسنا من خطأ
أولا: نقر بأن سؤالنا هذا للتدبر والنظر وليس لرد الأمر على رب العزة سبحانه وتعالى فهو سبحانه لا يسأل عما يفعل ونحن مسئولون (لا يسال عما يفعل وهم يسالون)
ثانيا: الصلاة هي العبادة التي أحاطت بكل العبادات ، ففي التوجه للقبلة حج معنوي وإتبان نفسي ، وفي الوقت المضروب لها زكاة وصيام ، والصلاة ذكر لقوله تعالى "انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري" طه14 ، وهي طلب الله من كل الأنبياء والمرسلين ومن كل الأمم ، وهي على هذا النحو أهم عبادة فرضها الله على خلقه ، ولما كانت العبادة – أي عبادة – تستمد قدسيتها من قدسية المعبود بها والمصرفة إليه ، فإن الصلاة لا تؤدى إلا بالخشوع الواجب مع إستحضار القلب بالكلية وترك مباهج الحياة وإنشغال القلب بالكدريات الدنوية ، مع إستغراق حالة الرهبة لكيان المصلي تلك الرهبة التي تفتح باب السكينة والخشوع المؤدي للطمأنينة ، فيتم بذلك كمال وظائف الإنسان من جوارح بحالات القيام والركوع والسجود وقلب بحالة الرهبة والخشوع وروح بحالة الطمئنينة والسكون .
لذلك نهى الله سبحانه عن قرب الصالة حالة السكر في قوله "يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون..." الآية النساء43 ، والسكر هنا ليس فقط سكر الخمر ولكن حالة الانشغال بكدرات الحياة إنشغالا لا ينفع معه إستحضارا لهيئة الصلاة على الصورة السابقة وهو مفهوم السكر في قوله تعالى "...وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" الحج2
فعبادة هذا حالها لا يكفيها وصفا من الله لها في القرآن ، لأن الكلام مهما كان مؤثرا على الورق يفتقد للروح والحياة ، ولكن هذه العبادة تحتاج للرسول بأمر من رب العزة أن يؤديها وفقا لمقصود رب العزة منها ، حركات وقول وهيئة أداء فيتعلمها منه المسلمون ويشاهدونه في درجة خشوعه وإستغراق الصلاة بالكلية له ولكينونته ، مع تعلمهم لحركات البدن وأقوال اللسان ، فيأتي تعلمهم لها (جوارح وقلب وروح) على النحو الذي شرحناه آنفا ، وطبعا ليس هناك أفضل من رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة السلام ، ليكون مثالا يحتذى في كيفية الصلاة وأوقاتها وأركانها وهيئتها والخشوع الواجب لها .
فأداها عليه الصلاة والسلام تنفيذا لأمر الله وبصفته (أول المسلمين) تطبيقا وإلتزاما بالأوامر والنواهي الموجودة في كتاب الله القرآن لقوله سبحانه وتعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(163)"[سورة الأنعام] ، فكانت تلكم الآيات الكريمة هي أول دليل من القرآن على وجوب أخذ صفة الصلاة بأوقاتها وأشكالها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، ذلك لأن صلاته لله رب العالمين ، وهو أول المسلمين ، فوجب على ثانيهم وثالثهم وهلم جر إتباع أولهم في صفة الصلاة والنسك الذي يؤديه لله بصفته أولهم ، كما أن الله تعالى قال (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم) البقرة128 ، وهوفي حق إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، فتكون المناسك بالرؤيا ، وليست بالنص ، والصلاة نسك ، فكانت بمشاهدة المسلمين لرسولهم وهو يؤديها ، وقد أداها وفقا لرؤيته لها على النحو الذي أراده رب العزة سبحانه وتعالى رؤية لا تحتمل جهالة أو زيغ ، فكان أدائنا مثل ما فعله الرسول.
ثالثا: جاء الدليل الثاني من القرآن في بيان رب العزة سبحانه أن لكل أمة من الأمم الثلاثة الباقية بكتبهم حتى يوم الدين (يوم القيامة) وهي التوراتية والإنجيلية والقرآنية ، شرعة ومنهاجا ، في قوله سبحانه وتعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ، فعرفنا أن هناك فرق جوهري بين الشرعة والمنهاج ، فدققنا النظر فوجدنا الآيات السابقة تتكلم عن (التوراة) و (النبيون) ، وعن (الإنجيل) و (عيسى) ، وعن (القرآن) و (محمد) عليهم جميعا السلام ، فكان نسب الشرعة للكتاب لأنها النص ، ونسب المنهاج للرسول لأنه الأداء ، فكان دليل أضافي من القرآن على وجوب إتباع الرسول في كيفية أداء الصلاة والنسك.
لا مانع هنا أن يكون أداء الرسول للصلاة جاء على نفس الشكل الذي كان يؤدي بها إبراهيم عليه السلام صلاته ، فإن في ذلك تكريم للرسول عليه السلام وتشريف لأمته أن تتبع مناسك إبراهيم عليه السلام بل هو الأقرب للفهم لأننا نؤدي الحج حتى الآن تنفيذا لآذان إبراهيم عليه السلام ودعاءه لنا بالحج لقوله تعالى" واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق" الحج27 ، فيكون الأقرب والأصوب أن تكون حركات صلاتنا متطابقة مع حركات صلاة إبراهيم عليه السلام ، وأن يكون الكلام متماثل وليس متطابق ذلك أن القرآن نزل على محمد ولم ينزل على إبراهيم وإن كان لديه وحي مماثل لقوله تعالى " ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم"فصلت43 ، ففاتحة الكتاب مثلا تبدأ بالبسملة ثم الحمد والتقديس والاعتراف بأنه سبحانه مالك يوم الدين والتسليم بعبادته والاستعانة به ثم الدعوة للهداية ، وهو ذلك نفسه منطقيا في صلاة إبراهيم عليه السلام ، كما نؤكد على الانقطاع التاريخي بين صفة صلاة إبراهيم عليه السلام وصفة صلاة محمد عليه السلام رغم التسليم بتطابقهما لإعتبار النص القرآني " وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"الأنفال35 ، وأسلوب الحصر بـ (ما وإلا ) يجعلنا نتصور ضياع صفة الصلاة الصحيحة عند البيت منذ أدخلت عبادة الأصنام للبيت الحرام على زمن قصي بن كلاب على ما أتذكر ، حتى أعاد هيئتها محمد عليه السلام.
رابعا: يمكن للمسلم الذي يأخذ بالقرآن وحده مصدرا للتشريع فهم كل الأوامر القرآنية بإتباع وطاعة الرسول من منظور (الشرعة والمنهاج) فيقبل الأفعال المتواترة للرسول وهو الأقرب للصواب والسلامة في الدين .
خامسا: كيف نستطيع وضع جدول للمنهاج ، ونقول أن هذا هو منهاج الرسول ؟ الموضوع ببساطة ننظر إلي ما وصل إلينا بالتواتر الصحيح غير المنقطع أداءا من عوام المسلمين ، بدأ من فعل الرسول وحتى وقتنا هذا ، لا نحتاج في تعلمه أو أداءه إلي نص الحديث ، بل والحقيقة أن أي إختلاف ظهر هو بعد ظهور ما يسمى بالحديث والذي أراد تكريس الاختلاف في الدين كله وحتى القرآن الكريم الذي لم يسلم من أحاديث تتدعي بزيادته أو نقصانه والصلاة التي لم تسلم من أحاديث توقع الحيرة في طريقة أداءها ، وقد تم تعريف التواتر بأنه ما يصلنا عن جماعة من الصحابة ثم جماعة من التابعين ثم تابعوا التابعين وهكذا ، وعندي التواتر هو ما وصلنا عن كل الأجيال وحاز إجماعا لا خلاف عليه ، وقد يكون في النص ، والنص الوحيد المتواتر وصولا عن كل الصحابة عن كل التابعين وعن كل تابعوا التابعين وهكذا الي اليوم هو النص القرآني ، أما الأفعال التي وصلتنا بهذه الطريقة فهي مناسك رسول الله وعلى رأسها الصلاة ، فقاعدة التواتر مشتركة بين النص القرآني والصلاة.
والعجيب أن بعض من يأخذون بالقرآن وكفى ، يقبلون القرآن الكريم ويرفضون الصلوات الخمس ، ويقولون لا دليل عليها من القرآن ، مع أنها تشترك مع القرآن في دليل صحته وهو التواتر الذي وصلنا به تواترا شاهدا على الحفظ الذي لا يكون معه تحريف ولا يقبل معه جهالة ، وبنظرة تاريخية نجد أن المسلمين الأوائل إختلفوا بما كان مقدرا في علم الله ، إختلافا أدى بهم للحرب والاقتتال وأوقع مئات الآلاف من القتلى في الجانبين ، ومع ذلك فقد عظم كلا المعسكرين نفس الكتاب (القرآن) ولما دارت الدوائر على معسكر معاوية إستنجد برفع المصحف على أسنة الرماح ، فما كان من معسكر علي إلا تعظيم المصحف ووضع السلاح والقبول بخدعة التحكيم ، وهذه الحوادث التاريخية تأكد حقيقتين الأولى حقيقة تواتر المصحف حفظا والثانية تؤكد كذب جميع الروايات في الكتب الحديث عن طريقة جمع القرآن وتدوينه ، وعن وجود مصحف خاص بعلي بن أبي طالب ، كان يضعه على بغلة ويمشي به في طرقات المدينة ولم يقبله منه أبو بكر أو عمر لأن هذه القصة المزيفة لو كانت صحيحة ، لرفض معسكر علي نسخة المصحف بيد معسكر معاوية على أنها ليست الصحيحة أو المعتمدة أو أن فيها تحريف ، ولكن هذا لم يحدث بما يدحض كل الروايات التاريخية عن كذبة جمع القرآن وكيف تم هضم حق علي بن أبي طالب في المشاركة ورفض نسخة المصحف التي تحت يديه ، لأنه لو كان ذلك كذلك ما قبل علي ومعسكره التحكيم على مصحف يعتقدون بعدم صحته.
وكذلك الصلاة فمع إختلاف الفريقين وحربهم فإن كل معسكر كان يصلي بنفس الطريقة التي يصلي بها أصحاب المعسكر الثاني بدون أي إختلاف بينهم في طريقة رفع الآذان أو أداء الصلوات أو عددها أو مواقيتها ، وما حدث خلاف مطلقا في ذلك حتى عصر التدوين وظهور البخاري وكتب الحديث والتي كرست للإختلافات ، ولكن والحمد لله فإن أحدا لم يتعلم الصلاة من البخاري أو مسلم أو البيهقي أو الترمذي أو مسند أحمد أو سنن أبو داود أو ابن ماجه وغيرهم ، ولكنه يتعلم الصلاة بعفوية ويسر ممن سبقه في أداءها وكما قلنا سلسلة ذهبية وكابرا عن كابر يقف المسلم اليوم يصليها وتنتهي هذه السلسلة برسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
قلت (اختلفوا بما كان مقدرا في علم الله) ذلك لأن إختلاف الأتباع يكون أحد الأسباب المباشرة لانقطاع التواتر لأن أحدهم سيرفض أن يتبع ما عليه الآخر ، ولكن في حالة إختلاف المسلمين الأوائل لم يحدث إنقطاعا للتواتر بل تأكيدا عليه من كلا المعسكرين بما يؤكد صحة النص القرآني وصحة نهج الأداء في العبادات والنسك التي أمرنا الله بأدائها وعلى رأسها الصلاة
سادسا: كل ما مضى شرحه كان مقدمة ضرورية للتأكيد على صحة وصول الصلاة إلينا تواترا صحيحا مماثلا لتواتر وصول القرآن لنا ، ومن أهم شروط قبول العبادة المتواترة هو قبولها بالكلية دون تعديل أو تحريف ، فلا يمكن أن أقول جاءنا القرآن كله متواترا ومقبولا إلا آية كما فعل رشاد خليفة ، لأن الاستثناء يهدم الأصل ، فرفضه للآية 128 من سورة التوبة رغم أنه يسري عليها ما يسري على القرآن من تواتر يهدم فكرة التواتر كأصل لقبول النص كما ينفي صحة النص نفسه وفي ذلك هدم للدين كله ، كذلك بالنسبة للصلاة لو قبلت الصلاة تواترا ثم قلت ولكن أرفض التشهد داخل الصلاة رغم أن التشهد جاء متواترا مع الصلاة تواتر الصلاة نفسها فهذا معناه أنه يجب علي أن أبحث عن أصل آخر للصلاة غير التواتر أو أن أقول بعدم صحتها بالكلية ويمكن التغيير في شكل أداءها أو إجتهاد كل منا في طريقة أداء الصلاة وعددها وهنا نكون فعلا قد هدمنا الركن كله ، استغفر الله العظيم .
فلو أعيانا البحث عن وجود أصل أو أساس آخر لوصول الصلاة إلينا غير التواتر فيجب قبولها كما هي بما فيها التشهد بصيغته والصلاة الإبراهيمية
شبهات حول التشهد:
أولا: يقول الرافضين للتشهد بصيغته الحالة أن أحد أسباب رفضهم هو كثرة الروايات وإختلافها حول نصوص التشهد بما يلقي الشبهات حول صحتها جميعا ، فهناك ستة صيغ مختلفة بروايات مختلفة على النحو التالي:
1- (التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) يقول ابن مسعود : وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام على النبي . رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود
2- (التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله ، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) أخرجه ابن أبي شيبه والبيهقي عن عائشة بسند صحيح
3- (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله [2] ) رواه مسلم وأبوعوانه عن ابن عباس
4- (التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهوأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) رواه أبوداود والدار قطني وصححه عن ابن عمر
5- (التحيات الطيبات والصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباده الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) رواه مسلم وأبوعوانه عن أبي موسى الأشعري
6- (التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباده الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) رواه مالك والبيهقي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب
وكذلك لم تسلم الصلاة الإبراهيمية من كثرة الصيغ والروايات ، فقالوا من الأولى أسقاط كل الروايات والقبول فقط بالآية 18 من سورة آل عمران ، والتي في الشهادة بوحدانية الله من الله وملائكته وأولوا العلم.
ونقول لهم في الرد على هذه الشبهة من أوجه أولها أننا لم نأخذ بصيغة التشهد من الروايات ولكننا أخذناها ضمن الأداء الذي تعلمناه كابرا عن كابر في سلسلة ذهبية تنتهي بالرسول عليه الصلاة والسلام ، فعندما تعلم أحدنا الصلاة من أبيه لم يقل له أبوه هذه كيفية الصلاة وعليك بالرجوع لكتب الحديث لتأخذ صيغة التشهد ، ولكنه علمها له كل واحد ، فلا يؤثر وجود روايات كثيرة عن هذه الصيغة في كتب الحديث طالما أنها ليست معتمده في تعلم فرض الصلاة بالكلية بما فيه صيغة التشهد.
وثاني الأوجه حدث مع القرآن نفسه في الروايات من إختلاف حول جمعه وترتيبه ، فهل نرفض القرآن كله للاختلاف حول جمع القرآن بما يلقي بالشك على القرآن نفسه ، فالروايات حول تاريخ جمع القرآن تلقي بظلال الشك حول القرآن نفسه.
فقد قيل أن أول مَن حاول جمع القرآن علي بن أبي طالب . بعد بيعة أبي بكر قعد في بيته . فقيل لأبي بكر : كره بيعتك ! فأرسل إليه فقال : أكرهتَ بيعتي ؟ قال : لا واللهِ ! قال : ما أقعدك عني ؟ قال : رأيتُ كتاب الله يُزاد فيه فحدّثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلاّ لصلاة حتى أجمعه . قال له أبو بكر : فإنك نِعم ما رأيت ! – هذا حديث محمد بن سيرين عن عكرمة . وقيل جمع علي القرآن كما أُنزِل الأول فالأول ، بحسب تاريخ نزوله . وأخرجه ابن أشته في (المصاحف) من وجه آخر عن ابن سيرين أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ.
ويُرجع أهل السنة الفضل في جمع القرآن لأبي بكر الصديق . "أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) بسند حسن عن عبد خير قال : "سمعت عليًّا يقول : أعظم الناس في المصاحف أجرًا أبو بكر . رحمة الله على أبي بكر هو أول مَن جمع كتاب الله" ! لكن ابن أبي داود ينقل أيضا الحديث المناقض لابن سيرين عن عكرمة أن عليًّا كان أول من جمع القرآن.
"وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية في كتاب الله فقيل : كانت مع فلان قُتل يوم اليمامة . فقال : إنّا لله ! وأمر بجمع القرآن فكان أول مَن جمعه في المصحف" . يفسّره السيوطي : "المراد بقوله (فكان أول مَن جمعه) أي أشار لجمعه".
وهكذا ينسبون الأولية في جمع القرآن الى كلٍّ من الخلفاء الراشدين الأربعة .
لكن لم يكن لهم في مهام خلافتهم متّسع من الوقت للاهتمام شخصيا بجمعه . لذلك أخرج ابن اشته في كتاب (المصاحف) عن ابن بريدة قال : "أول من جمع القرآن في مِصحف سالم ، مولى أبي حذيفة ، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فجمعه . ثم ائتمروا ما يسمونه . فقال بعضهم سمّوه : السفر . قال ؛ ذلك تسمية اليهود ، فكرهوه ، فقال : رأيتُ مثله في الحبشة يُسمى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف" . فسّره السيوطي : "وهو مجمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر".
لاحظ الاختلافات وكثرة الاحتمالات في قصة جمع القرآن .
والحديث المعتمد عن صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق ، بإشارة عمر ، أمر زيد بن ثابت في جمع القرآن ؛ "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرجال ... فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر". فيكون زيد بن ثابت هو أول جامع للقرآن . والشبهة الكبرى في ذلك أن زيدا ، على حياة النبي ، لم يكن قد بلغ الحلم بعد .
2 – وذكروا أيضا أنّ أمهات المؤمنين ، أزواج النبي ، قد حاولن هنّ أيضا جمع القرآن .
فذكروا أن عمر بن رافع ، مولى حفصة ، بنت عمر وزوج النبي ، جمع لها مصحفا ، عُرف باسمها . وهذا يُلقي شبهة أخرى على الصحف التي جمعها زيد بأمر أبي بكر وعمر ، "فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر" كما نقل البخاري من حديث زيد بن ثابت .
وذكروا أيضا أن أبا يونس ، مولى عائشة ، بنت أبي بكر وزوج النبي المفضّلة ، جمع لها مصحفا عُرف أيضا باسمها . وقد روى عروة بن الزبير حديثا عن عائشة : "إن سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي آية . فلما كتب عثمان المصاحف لم نُقدر منها إلاّ ما هو الآن" ، أي (73 آية) . وروي عن حميدة بنت أبي أوس قالت : "قرأ عليَّ أبي ، وهو ابن ثمانين ، في مصحف عائشة : (يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا – وعلى الذين في الصفوف الأولى) ، وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف " .
فعليُّ يشهد بأن كتاب الله يُزاد فيه ؛ وعائشة تشهد بأن عثمان غيّر المصاحف .
فهناك تيّار ينسب جمع القرآن الى كل من الخلفاء الراشدين . وهناك تيار ينسبه الى موالي أمهات المؤمنين .
3 – وهناك تيار ثالث ينسب مصاحف أخرى لأئمة القراء الذين أوصى بهم النبي : مصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أُبي بن كعب ، ومصحف معاذ ، ومصحف سالم ، مولى حذيفة . وأشهرهما مصحف ابن مسعود ، ومصحف أُبي . "وإن المصحفين ظلاّ موجودين يُقرأان إلى ما بعد عثمان بمدة طويلة ، وإن ترتيب سور كل منهما مغاير لترتيب الآخر من جهة ، ومغاير لترتيب المصحف العثماني من جهة أخرى . وإن في أحدهما زيادة ، وفي أحدهما نقص ".فلم تكن الفاتحة ، ولا خاتمة القرآن (المعوذتان) في مصحف ابن مسعود ، وكان يحكهما ويقول ؛ إنهما ليستا من كتاب الله. فابن مسعود يشهد بأن ( الفاتحة ) ليست من القرآن .
وفي مصحف أُبي ، كانت سورة اسمها " الحفد " وأخرى اسمها " الخلع " وكان عليّ يعلّمهما الناس ، وعمر بن الخطاب يُصلّي بهما . وقد أسقطهما عثمان في الجمع الأخير.
4 – وهذا هو الواقع القائم بين هذه التيارات : كان الناس في الأقطار يقرأون القرآن بقراءَة القرّاء المختلفة . روى ابن الأثير (86:3) أن الأمة قبل عثمان كانت تقرأ القرآن في أربع نسخ مختلفة : نسخة أُبي في دمشق ، ونسخة المقداد في حمص ، ونسخة ابن مسعود في الكوفة ، ونسخة الأشعري في البصرة . وممّا يدل على اختلافها البعيد اقتتال أهل الشام وأهل العراق في معارك أذربيجان ، بسبب قراءاتهم المختلفة للقرآن الواحد . وهذا ما أفزع القائد حذيفة (وكان مولاه سالم قد جمع له قرآنا) ففزع الى عثمان بن عفان يحرّضه على توحيد المصاحف .
وحديث الأحرف السبعة ، يرفع النصوص المختلفة من أربعة الى سبعة .
قال حذيفة بن اليمان : "غزوتُ مرج أرمينية فحضرها أهل العراق والشام . فإذا أهل الشام يقرأون بقراءَة أُبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع به أهل العراق ، فتكفرهم أهل العراق . وإذا أهل العراق يقرأون بقراءَة ابن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام ، فتكفّرهم أهل الشام".
وهذا الاختلاف والاقتتال والتكفير في حرف القرآن ، في الثغور والفتوحات ، قد وصل الى الغلمان والمعلمين في بيوت حفظ القرآن . "وقد رُوي حديث عن أنس بن مالك جاء فيه : إنّ الناس اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون . فبلغ ذلك عثمان ، فقال : عندي تكذبون وتلحنون فيه ! فمن نأى عني كان أشدّ تكذيبا ولحنا ! يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إمامًا"..
فالتكفير والاقتتال في مدارس القرآن ، وفي غزوات الفتح ، على صحة حرف القرآن ، شهادة قائمة على وقوع التحريف في نص القرآن ، قبل الجمع العثماني . وأنى لعثمان ولجانه المختلفة الوصول الى النص الأصلي المنزل ، بعد أن أمسى قبل جمعه سبعة أحرف ، أي سبعة نصوص ، بقراءات مختلفة . إن إتلاف عثمان ، برضى الصحابة لجميع المصاحف سوى مصحفه ، برهان قاطع على اختلافها في حرف القرآن ، ودليل قائم على استحالة الوصول الى النص الصحيح المنزل المعجز .
ففي الوضع القائم للقرآن على سبعة أحرف ، عند وفاة النبي ، شبهة أولى ضخمة على صحة حرف القرآن . وفي الوضع الذي انتهوا إليه عند الجمع العثماني شبهة أخرى ضخمة على صحة حرف القرآن . وهذه الشبهات التاريخية القائمة لا يصح معها ادّعاء وسلامة الحرف القرآني ، موضوع التنزيل ، وموضوع التحدي بإعجاز القرآن . فالتحدي بإعجاز حرف القرآن ، لا أساس له . والواقع التاريخي "لحفظ" القرآن ينقض معجزة "حفظه" المزعومة .
ونكتفي بهذا القدر من كل هذا الطعن في المصحف الشريف وطريقة جمعه بين الصحابة عامة والخلفاء خاصة بما يلقي بظلال الشك حول إعجاز المصحف وحفظه ، فهل نأخذ بكل هذا الركام من الروايات ونطعن في القرآن ، أم نضرب عرض الحائط بكل هذه الروايات ونتمسك بأن المصحف الموجود بين أيدينا اليوم برسمه وشكله هو الذي كتبه النبي بيده الشريفة واستأمن عليه الأمة جميعا فنقلوه كابرا عن كابر ونسخوه من النسخة الأصلية والتي أصابها كحبر وورق ومواد عوامل التعرية التاريخية فزالت وأنتهت وبقى القرآن برسمه وشكله وتنسيقه كما هو بحرف واحد ، ومن أشد الأدلة النقلية والعقلية على صحته أنه عندما رفعوه على أسنة الحراب قبله علي بن أبي طالب ، ولو كان علي بن أبي طالب رحمة الله مقتنع بتحريفه كما قالت الرايات السابقة لأختلفت القصة تماما في واقعة التحكيم بين الفريقين
كما أن الله سبحانه وتعالى يقول (وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا) الفرقان5 ، والخط العام في القرآن عندما يقول الكفار شيئا غير صحيح يرد الله سبحانه وتعالى عليهم فيما أفتروه ، أما إذا قالوا شيئا ظاهرة الصحة ونيتهم سوء يفضح الله نيتهم ويؤكد على الظاهر الصحيح ، أما إذا قالوا شيئا صحيحا سكت القرآن في الرد عليهم ، والمثال على الحالة الأولى ، عندما قالوا (أساطير الأولين) قال لهم الله (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما) ، مثال الحالة الثانية قوله تعالى (اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) المنافقون1 ، هنا فضح الله نيتهم وأكد على صحة كون محمدا عليه السلام رسوله ، مثال الحالة الثالثة قولهم (اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا) سكت الحق في الرد عليهم وهذا السكوت يؤكد صحة الواقعة كونه كان يكتب القرآن.
والدليل الآخر قوله تعالى (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون) العنكبوت48 ، فظرف الزمان في قوله (من قبله) يدل على إختلاف حال النبي بين زمنين ، قبل الرسالة وهو لا يعرف القراءة والكتابة وبعد الرسالة وهو يكتب القرآن ويقرأه فلا يرتاب المبطلون ويقولون أن محمدا ابتدع القرآن فكيف وهو من قبله لم يكن يقرأ أو يكتب وكانت القراءة والكتابة معجزته والتي هي من جنس القرآن .
إذا بما أن تواتر الصلاة هو تواتر القرآن فيجب أن تعامل الصلاة بكل تفاصيلها معاملة القرآن بكل حروفه فلا يجب رفض أي منها مهما قل ، وإلا كان ذلك بابا لرفض التواتر من أصله والبحث عن دليل آخر على صحة ما نحن عليه الآن.
ثانيا: يقول الرافضين لصيغة التشهد أن المتن المقروء مخالف لقوله تعالى"وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا"الجن 18 ، وقوله تعالى "انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري" طه14 ، وقوله تعالى"واذا ذكر الله وحده اشمازت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون" الزمر45 ، وقوله تعالى"ذلكم بانه اذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير" غافر 12 ، وقوله تعالى"وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون" يوسف 106 ، وظاهر آيات القرآن كله تدعونا لدعاء الله وحده لا شريك له ، وهذا النص التشهدي في الركوع الأوسط والركوع الأخير فيه ذكر لغير الله ، فلا تكون الصلاة هنا لذكر الله ، وينطبق على المصلين هنا قوله تعالى(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)
نقول لهم بعد حمد الله وسؤاله التوفيق في الرد على هذه الشبهة :
1- معنى الدعاء في قوله تعالى (فلا تدعوا مع الله أحدا) معناه العبادة لقوله تعالى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ، فلما أعتزلهم ما يعبدون من دون الله وهبنا له أسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا) ، فهنا أعتبر الحق دعاء قوم إبراهيم لغير الله عبادة لغير الله ، فكان إعتزال إبراهيم لعبادتهم ، فالعاء لغير الله هو عبادة غير الله ، أي تصريف العبادة لغير الله ، ونحن في صلاتنا نبدأها ونيتنا تصريفها لله وحده ، فلا يؤثر في ذلك ذكر غير الله بالصلاة كأن أتلوا آية قوله تعالى (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) ، أو قوله تعالى (واذكر في الكتاب موسى) وقوله (وأذكر في الكتاب اسماعيل) وقوله (وأذكر في الكتاب إدريس) ، أو حتى قوله تعالى (تبت يد أبي لهب وتب) ، فهنا ذكرنا أسماء كثيرة لغير الله فهل تبطل صلاتنا؟ طبعا لا ، لأن النية لم تتجه إبتداء لتصرف عبادة الصلاة لغير الله ، بل إتجهت لتصريفها لله وحده ، ومن شرط تمامها تلاوة القرآن بغير محاذير أو ضوابط ، وكان النص القرآني يحتوي على ذكر أسماء الأنبياء والرسل بل حتى وبعض العاصين كفرعون وأبي لهب ، فيكون ذكرنا لأسمائهم في الصلاة ليس ذكرا لهم ولكن تلاوة للذكر الحكيم .
2- أيضا يفهم قوله تعالى (ذلكم بانه اذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) وباقي النصوص من ذات المنطلق ، أن الدعاء عبادة ، إذا دعي الله وحده أي إذا عبد الله وحده كفرتم ، وهذا هو حال كفار قريش ومن إستن بسنتهم من أدعياء الصوفية وغلاتهم ، ولنتدبر قوله تعالى" الا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار" الزمر3 ، إذا فقد صرفوا العبادة إبتداءا لأوليائهم ، وأعتبروا ذلك زلفى تقربهم إلي الله ، ولكن ذكر أسماء الأشخاص لضرورة النص القرآني أو لتمام أركان عبادة الصلاة فيها تعظيم للخالق لا دعاء لمخلوقاته ، فهو الذي نبأ الأنبياء وأرسل الرسل ويؤتي فضله من يشاء من عباده ، فلا ضير في ذلك ولا مخالفة لظاهر النصوص ، لأن فهم آيات القرآن يجب أن يكون بتكاملها ، لاستنباط الحكم الصحيح لا بتضاربها – حاشا لله – وقلنا أن آيات القرآن ليست جزر منعزلة ولكنها تفهم بترابط أدلتها وفقا لسياقها والله أعلم.
3- ولنتدبر نص التشهد ونرى هل فيه دعاء لغير الله أم لا؟ كما نرى هل يتفق وطبيعة فرض الصلاة أم لا؟ ، نقول فيها (التحيات لله والصلوات والطيبات) قلنا أنه منذ أن خلق الله الخلق وقامت الممالك كان كل ملك أو جبار يحب أن تحيه الناس بتحية خاصة ، فمنهم من قبل من الناس رفع الأيدي ومنهم من طالبهم بالوقوف إحتراما وإجلالا ، ومنهم من أحب أن تنحني له الناس ، ومنهم من أرادهم يسجدون في حضرته ، ولكن لم نعرف ملكا طلب من أتباعه ورعيته أن يفعلوا معه كل أنوان التحيات ، فجائت صلاة المسلمين تبدأ برفع الأيدي ويتخللها الوقوف والركوع والسجود فضلا عن الانحناء تعظيما لله ، فكانت صلاة المسلمين لربهم فيها جماع التحيات التي صرفها الناس لملوكهم وآلهتهم عبر التاريخ ، فجائت صيغة التشهد لتقر بأن التحيات لله والصلوات والطيبات ، ثم نقول (السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وهذا النص يتطابق مع قوله تعالى (صلوا عليه وسلموا تسليما) ، ولم يقل ذلك في الصلاة أو في غيرها ، كما أن النص نفسه يمكن ذكره في الصلاة لأنه من القرآن ، فيكون قولنا السلام عليك يا أيها النبي متفق مع القرآن وقد علمنا كيفية الصلاة ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين هو دعاء لأنفسنا بالرحمة والمغفرة مثل دعاء يحيى بن زكريا ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) ، كما أن ذلك فيه طلب للجنة التي قال الله عنها (تحيتهم فيها سلام) ، أشهد أن لا إله إلا الله ، إقرارا بوحدانيته واستحقاقه تنزيها أن تصرف كل العبادات بما فيها صلاتي هذه ، وأشهد أن محمدا رسول الله إقرارا بأنني أعبد الله على الشرعة والمنهاج اللذان نزلا على محمد وبلغهما ولم يقصر
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ، هو دعاء لمحمد بصلاة الله عليه أي رحمته ومغفرته له ، متفق مع قوله تعالى (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، ومع قوله تعالى(قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى) فكان الدعاء لآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، يتفق وقوله تعالى (ان الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين) آل عمران33 ، وكذلك قوله تعالى (ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله فقد اتينا ال ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما) النساء 54 ، فقولنا كما صليت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم ، إقرار بواقع وفقا للنص القرآني ، في العالمين انك حميد مجيد ، متفق وقوله تعالى (قالوا اتعجبين من امر الله رحمت الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد) وهو قول الملائكة لسارة زوج إبراهيم عندما بشروها بإسحاق.
فصيغة التشهد التي نقرأها الآن بعد تدبرها تتفق وصحيح القرآن ولا تختلف عنه وليس فيها عبادة أو ذكر لغير الله سبحانه وتعالى ، بل فيها تعظيم له سبحانه وتنزيه له ودعاء له ونرجوه أن يستجيب ، فلا ضير في ذلك.
وأقول لابنتي داليا سامي (أدعوا الله يا ابنتي أن أكون قد وفقت في إنهاء حيرتك وجلاء همك من هذه المسألة ، فلو كان ذلك كذلك أحمد الله سبحانه وتعالى ، ولو لم تكفي مقالتي لإنهاء حيرتك وإنتشالك من همك ، فهذا قصارى ما أحسن ، وأستغفر الله على جهلي وقلة حيلتي ، وأنصحك عندها يا بنيتي أن تسألي العلماء وأهل الذكر ، ولك تحيات أب يكفيه شرف المحاولة والتدبر)
وتبقى كلمة ، هذا نتاج تدبرنا لكتاب الله وهو ليس حكرا علينا أو وقفا لنا بل هو ميسر للذكر ، وتدبرنا يحتمل الصواب والخطأ ، والله سبحانه وتعالى وحده منزه عن الخطأ ، نسأله أن يهدينا وكل المسلمين لما فيه سواء السبيل.
شريف هادي