الخلاص
الإتباع والخلاص

زهير قوطرش في الخميس ١٤ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


الإتباع والخلاص.
الحركات الدينية وخاصة السياسية منها تعتمد مبدأ الشفاعة والخلاص لمتبعيها ,ويقوم مبدأ الخلاص والشفاعة على عقيدة الإتباع.وقد بلغت ذروة هذه العقيدة عند كل ديانة في تبنيها مبدأ اتبعني وأنت من المخلصين.بمعنى أخر ...لا يهم الخالق في يوم الحساب سجل أعمال الأفراد ,يكفي أنهم أتبعوا هذا الرسول أو هذا النبي ,فسيكون لهم شفيعاً مهما اقترفوا من ذنوب. وكل ديانة أو رسالة يسعى القائمون عليها والذين يشكلون الاكليرك أي هرم المؤسسة الدينية على أقناع أتباعe;هم وتضليلهم بأنهم هم الذين عندهم الحقيقة المطلقة وما عداهم في النار. وانسحب هذا المفهوم ضمن الديانة الواحدة الى المذاهب والطوائف ,وحتى الى المريدين من شيوخ الحسبة ومن القساوسة والرهبان والحاخامات.ومع كل أسف ,فقد تبنى المسلمون هذه العقيدة لدرجة أن بعض الأدبيات التراثية الإسلامية ,تبنت نظرية استقصائية تقول فيما معناه أن المسلمين هم أتباع خاتم الرسالات ,وان الرسالة الخاتمة تنسف سائر أعمال الأولين ,ولا شفاعة ولا خلاص إلا بالارتداد عن الديانات السابقة والدخول في ديانة الإسلام حتى يُقبل من العبد دينه عند الله.
هذا المبدأ الذي ينافي ما جاء في القرآن في غاية البيان والوضوح قوله عز وجل .
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ( الخطاب موجه لأصحاب نظرية الخلاص والشفاعة من المسلمين) وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ( أي أصحاب الديانة اليهودية والمسيحية) مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
.(الدعوة واضحة ,وضوح الشمس ,من يعمل سوءاً لا شفيع ولا خلاص له حتى ولو كان من أتباع محمد أوالأنبياء السابقين سلام الله عليهم)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا
.هذه الآيات القرآنية تنسف نظرية الخلاص والاتباع. حيث أن خلاص الإنسان يكمن في عمله الصالح مع الإيمان .وهنا يتبادر إلينا سؤالاً هاماً ,الأيمان بماذا؟ .قال الله عز وجل.
"وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " هي اشارة واضحة الى ركن الإيمان اليقيني : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.
نحن نعيش في القرن الواحد والعشرين .والرسل والأنبياء جميعاً انتقلوا الى رحمة الله ,ما معنى أن نؤمن بهم كأشخاص أصحاب رسالة ,ونؤمن بما أنزل عليهم من كتب!!!!!ولم يقتصر الأمر القرآني في دعوته بما ذكر بل تعدى ذلك إلى عدم التفريق بين أحد من الرسل بقوله عز وجل"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"
ما معنى الإيمان بالرسل وهم أموات عند ربهم ,وما معنى أن لا نفرق بينهم ألا تدعونا هذه الآية الى الحوار الديني وبراءة الأديان من الفهم العنصري الذي انجرفت إليه الحركات الدينية في الشرق والغرب.أليست هذه دعوة الى أتباع خاتم الرسالات الى النظر الى أخوانهم على أنهم من المؤمنين والذين لا يتميزون عن بعضهم البعض إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ما معنى أن يكون الحوار الديني بين الإسلام والمسيحية خاصة محل خلاف,وما جدوى الأمر بالإيمان بالرسل وتصديق شرائعهم وأتباع نورهم,ثم لا يقودنا هذا الإيمان الى حوار صادق مع اتباع هؤلاء الرسل والأنبياء. ودليلي على ذلك من القرآن الكريم قوله عز وجل
" وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"
وتصديقاً لنظرية الأتباع والخلاص ,فإن أكثر المفسرين للقرآن الكريم ,أبت عليهم عنصريتهم من الاعتراف بأن الذين تقصدهم ألآية الكريمة هم من النصارى حقاً ,وأصروا أن الله عز وجل يقصد من سياق الآية أنهم النصارى الذين دخلوا الإسلام .مع أن الآية واضحة في وصفهم أنفسهم بقوله( إنا نصارى) وليس (كنا نصارى) وقوله أيضاً(بأن منهم قسيسين ورهباناً) ولم يقل (بأن منهم صحابة أو شيوخ أو علماء دين إسلامي).
لهذا أعيب على العلمانين العرب الذين يعملون ليل نهار على نقد الدين الإسلامي بإتباعهم قراءة الموروث التاريخي الذي تحكمت فيه الظروف السياسية( لغاية لنفس في يعقوب ),واطلب منهم قراءة القرآن قراءة تستنبط دلالاته التي تدعوا الى نبذ فكرة الاتباع والخلاص والاختلاف والتفريق .كون العلمانية كما عرفها أكثر العلمانيين ,هي حيادية في موقفها من الدين .لكن لابد أن تسحب حياديتها الى مشروعها الثقافي في دراسة ونقد الدين.وأؤكد على قول الله عز وجل ,هذا القول الذي ينبض بالعدل ورفع الظلم.
"فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"

اجمالي القراءات 14316