نظرت الىّ رفيقة العمر وشريكة (الكفاح ) السيدة (أم محمد ) زوجتى فى قلق ، ونصحتنى أن أترك الموقع ، وأنشر فى عشرات المواقع التى ترحب بالنشر لى ، وأوفر على نفسى كل هذا العناء والارهاق النفسى الذى يذكّرها بمعاناتنا أمام السنيين فى مصر . ترى أنه قد آن الأوان لى أن أرتاح وأتخفف من عبء يضيفه الموقع ، ورواده أقل من من المواقع التى يمكن ان تنشرلى ، بالاضافة الى البحث عن شركات نشر تنشر لى ما لم يتم نشره من كتب وابحاث . وهى ترى أننى أكتب بالقرآن لأهل القرآن ، وبالتالى فلا بد لأهل القرآن أن يؤمنوا بالقرآن ، ولهم مطلق الحرية خارج الموقع ولكن لا يصح أن يعطلوا الموقع عن أداء رسالته .
تخيلت نفسى بدون موقع (أهل القرآن ) فاحسست بخواء .. هو ليس مجرد موقع على الانترنت بل هو لى الأوكسجين الذى اتنفسه ، ولقد تكونت به ومن خلاله صداقات من نوع فريد بين أشخاص لم يلتقوا ولم يتعرفوا ببعضهم إلا من خلال الموقع . ومن سنة الحياة أن يحدث الاختلاف ،بل هو ضرورى لو أمكن التحكم فيه والاستفادة منه .
وأقول مخلصا : لو عرضت علىّ شركة نشر أن تنشر كتبى وأبحاثى التى لم تر النور ـ بعد ـ مقابل عدم نشرها فى الموقع لرفضت، فأملى أن تكون متاحة مجانا للموقع ورواده ، وهى عصير العمر ، وهو ـ أى الموقع ـ الوسادة التى أستريح لها فى نهاية العمر. وفى هذه الدنيا لا توجد راحة خالصة ، ولهذا لا بد من المعاناة ، وأفضل أنواع المعاناة ما كان فى سبيل الله جل وعلا حتى يتقبل رب العزة عملنا ويتفضل علينا بالراحة الخالصة فى جنة صدق عند مليك مقتدر.
الجملة الأخيرة هى إشارة لقوله جل وعلا فى خاتمة سورة القمر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) .
ومن خلالها أتحدث الى الأحبة فى الموقع ، من يتفق أو يختلف معى ،أقول الآتى :
1 ـ أولا أعتذر عن بعض الكلمات التى كتبها قلمى. من عيوبى الكثيرة ذلك الشيخ الأزهرى فى داخلى ، ولقد حاولت ـ ولا زلت ـ أن أروضه وأهذبه بالقرآن الكريم ، وأفلح كثيرا ، فأتسامح وأغفر وأسكت ، ولكن عندما تزداد الاساءات يصحو هذا الشيخ الأزهرى مزمجرا ثائرا ، فيصارعنى ويغلبنى فيكتب قلمى بعض العبارات . أقدم إعتذارى عن أى ضيق سببته رسالتى السابقة ، وأدعو الله جل وعلا أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يهدينا الى ما يحبه جل وعلا ويرضاه .
2 ـ بكل الصدق أقول :إن ما أكتبه فى تصحيح العقيدة ـ خصوصا فى شهادة الاسلام و التفريق و التفضيل بين الرسل ـ مبعثه الحب و الحرص . الحب على هداية المسلمين عامة ، وأحبتى فى الموقع على وجه الخصوص . هو الحب لهم والحرص على أن نكون جميعا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
3 ـ وحتى لا يتبادر الى الأذهان أننى أفرض نفسى بهذا هاديا يملك الحقيقة المطلقة أقول وبكل إخلاص ـ والله جل وعلا عليم بما فى قلبى وأنا أكتب هذا الان ـ إننى لا أكتب من موقع التعالى ـ فالعلو لرب العزة سبحانه وتعالى ، ولكن من موقع الخبرة والنصيحة .
لقد أتى علىّ حين من الدهر كنت فيه أومن بالسائد بين المسلمين ،أقول الشهادتين وأشرف المرسلين والشفاعة ، وكان والدى رحمه الله جل وعلا قد جعلنى احفظ القرآن وأنا فى الثامنة من عمرى ، وكان مجرد حفظ ، واستمر مجرد حفظ دون تعقل ،إلى أن بدأت فى الاجابة على أخطر سؤال يسأله مسلم حريص على اسلامه وعلى المسلمين ، وهو ( المسلمون اليوم فى أسوأ حال فهل السبب هو الاسلام أم من المسلمين ) من وقتها فى منتصف السبعينيات وأنا أجيب على هذا السؤال بالقرآن و تراث المسلمين موضحا التناقض بين الاسلام والمسلمين ، وأن هذا التناقض يبدأ بتأليه محمد عليه السلام ، ثم تتسع ساحة التأليه.
لم يكن سهلا الطريق ،و تعلمت من القرآن كيف أصبر وأصابر متذكرا حالى من قبل حين كنت متمسكا بتلك الأساطير شأن من يعترض علىّ ويهاجمنى . أتذكر قوله جل وعلا فى هذا الصدد : (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) ( النساء 94 ) . فمن موقع الخبرة و النصيحة أتكلم لكم ،والدافع هو الحب لكم والحرص عليكم .
4 ـ ليس هذا تقليلا من شأن الأحبة المختلفين معى فى الرأى ، ولكنه تاكيد على واقع غير منكور ، موجزه كالآتى :
* منذ ثلاثين عاما ـ وقبل أن نتعرف على بعضنا ، ومن يختلف معى من الأحبة كان منغمسا فى عمله الذى وهبه عمره وفكره وعقله ووقته ، وتفوق فى عمله وارتبط بعمله وارتبط به عمله ،وقد تكون له أوقات فراغ قرأ فيها فى الاسلاميات ، ولكنه قد وجّه وجهه وتركيزه وبؤرة شعوره الى عمله ، ثم بدأ أخيرا ـ ومتأخرا ـ فى البحث فى الاسلاميات ، ولأنه صاحب عقل مختلف فقد وجد طريقه الى (أهل القرآن ) فاتفق مع بعض ما نقول ، ولكن لا يزال يحمل بصمات كثيرة من العقائد السائدة خصوصا تاليه خاتم المرسلين ، وليس سهلا التنازل عنها ، فهذا يستلزم وقتا ، ولكنه يتعجل فى الدفاع عما يعتقده حقا .
من الناحية الأخرى : ففى الوقت الذى انشغل فيه أولئك الأحبة بعملهم ووظائفهم كنت متفرغا بالكتابة والخطابة فى تصحيح عقائد المسلمين بدءا من نبذ تأليه البشر والحجر الى مقاومة الظلم والطغيان . وقف ضدى كثيرون ولا يزالون ، ووقف معى أيضا بعض الناس وتكاثروا ، وكانت المشكلة أن بعض من يأتى يحتاج الى أن أبدأ معه من الصفر ، يريدنى أن أتفرغ له وأقنعه دون أن يكلف نفسه عبء القراءة ،أو أن يشتط فيقع فى المحظور فى موضوع الصلاة والعبادات ..أو أن يوافق على عدم تأليه الأولياء والأئمة والشيوخ ، ويظل متمسكا بتأليه النبى محمد عليه وعانيت من هذا وذاك وذلك ، وليس هنا محل التفصيل ولكنه للتاكيد على أن ما يحدث فى الموقع هو تكرار دقيق لما كان يحدث فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات .
جئت للموقع مسلحا بتلك الخبرة البحثية والنضالية ومعها خبرة المعاناة ممن يأتى بنفس حالى من قبل ( متمسكا بالتحيات و اشرف المسلمين وصلى على من سيشفع فيك )، وتكرر نفس المشهد فى الموقع ، ولكن مع اختلاف شكلى فالانترنت غير المسجد وغرف المحاضرات والصحف المقروءة ،أى يتيح الانترنت للكثيرين فى التسلل لاحداث الفتن ، يتلاعب بنا وهو آمن مستريح فى مكان لا نعرفه ، كما يتيح صداقات جميلة وصادقة من خلال المكتوب وليس المقابلة المادية .
*قام الموقع بتوثيق الصلة بيننا برغم الاختلاف الى أن دخلنا فى صلب العقيدة فحدث ما حدث . وكان لزاما اتخاذ موقف مبعثه الحب والحرص . ولهذا تم تعديل شروط النشر .
5 ـ أريد ان يظل الموقع مفتوحا لكل الأحبة وفق الالتزام بشروط النشر . أريد للموقع أن يستفيد من لمحات الاستاذ فوزى فراج وخبرته فى الحياة بين مصر وأمريكا ، ومن تجارب وخبرات الاستاذ شريف هادى الحياتية و القانونية ، فالمجال متسع أمامهما وأمام الجميع ليكتب فى المتفق عليه بيننا . ولقد طلبت هذا من قبل وأعيد تأكيده .
6 ـ أريد من المختلفين معى فى العقيدة إعطائى عامين أنشر فيهما كل ما لم يتم نشره على الموقع من كتابات العشرين عاما التى كانت فى مصر ، وبعدها يمكن تعديل شروط النشر لتعطى مزيدا من الحرية. هو رجاء لهم بالصبر و المزيد من البحث والدراسة خلال هذين العامين لتعويض الفجوة الزمنية بيننا التى تزيد على عشرين عاما ، وحتى لا نضيع الوقت فى جدال وأسئلة تمت الاجابة عنها من قبل ولكن لم يتم نشرها على الموقع .
هو رجاء أتمنى الاستجابة له حتى يستمر بهم الموقع يؤدى رسالته ..
أخيرا
1 ـ فيما تبقى لنا من عمر ـ وهو قليل ـ نرجو أن نترك شيئا للمستقبل ، ليس مجرد ما نكتب ،بل تجهيز جيل جديد من أهل القرآن يكمل المسيرة ، و يبنى على ما بنينا عليه . لقد اختلف الحال بين اليوم ومنتصف السبعينيات ، كنت وحيدا . فتكاثر الناس حولى ، وبازدياد الاضطهاد تضاعف العدد ، وألان فالفكر القرآنى أصبح بالانترنت وحمق الخصوم ـ عالميا ، وسيتيح له المستقبل المزيد من الانتشار لأنه يربط الاسلام بالحاضر والمستقبل علميا وسياسيا وحقوقيا ، وبالتالى فان ما تكتبونه اليوم سيحظى باهتمام المستقبل ، وهو محفوظ فى فضاء الانترنت ، وعلى قدر ما يكتبه أحدنا سيكون الحكم له أو عليه ، من عقليات الأجيال القادمة التى ستتطور وتنبذ أساطير السلف وتاليه البشر ، وتكون أقرب لجوهر الاسلام.
2 ـ فيما تبقى لنا من عمر ـ وهو قليل ـ أرجو أن نتذكر أن الموت يزحف نحونا ، وأن فرصة التوبة تتضاءل كلما إقترب الموت ، وبالتالى فمن موقع الحب والحرص أدعو الأحبة المختلفين الى وقفة مراجعة مع النفس فيما يخص تأليه خاتم المرسلين. لا ندرى متى سيدركنا الموت ، ولكنه جدّ قريب ممن أشرف على الستين عاما مثلى . ولهذا أنصح نفسى قبل نصح الأحبة بالاستعداد للحظة الاحتضار بتصحيح العقيدة وعمل الصالحات .
خالص محبتى