دعا الشيخ محمد الهبدان من خلال قناة المجد ''النساء الشريفات'' إلى عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى كحالة صحية طارئة.. ونبه إلى خطورة عباءة الكتف؛ وللنقاب المزيف الذي يباع في الأسواق والذي يظهر العينين وجزءاً من الوجنتين.. وشدد على أن النقاب المشروع هو ذلك الذي تغطي به المرأة عيناً وتبدي عيناً واحدة من خلال فتحة صغيرة.. واقترح الهبدان على النساء اللواتي يجدن صعوبة في الرؤية عبر النقاب الشرعي ذاك ''أبو عين وحدة'' أن يلبسن نقاباً يغطي منطقة العينين بطرحة عليها شبك تمكنها من الرؤية عبر الثقوب دون أن تُرى عيناها بوضوح!!
للوهلة الأولى؛ لما سمعت بالفتوى أعلاه -خلتُ أنها فتوى معزولة لا مكان لها إلا في مخيلة مولانا الهبدان، ولكني لما بحثت وجدت عشرات المفتين الذين يؤيدون هذه الفتوى بل ويذهب بعضهم ؛ كالشيخ محمد العثيمين والشيخ صالح الفوزان والمفتي محمد صالح المنجد؛ إلى ضرورة أن تكون العين التي تظهر هي العين اليسرى حصراً استنادا لقول يُنسب لابن عباس (!!!) وإن كانوا يصرون على أن الأولى هو تغطية الوجه بالكامل!!
والحق أن المرء لا يملك أمام تلك الفتاوى إلا أن يضحك ويتألم مشفقاً على حال النساء اللواتي يجبرن - فكرياً أو اجتماعياً - إلى الانصياع لدعاوى كهذه.. والمفارقة هنا هي أن أولئك الفقهاء تقبلوا تغير لبس الرجل مع تغير الزمن فما عاد هناك من يلبس الجلابيب والأردية والمطارف والحطة والكوفية التي كانت تلبس في صدر الإسلام إلا القلة القليلة؛ علماً بأن أمهات الكتب أوردت شروطاً ''للزى الإسلامي الرجالي'' لا تطبق الآن، منها أن لا يتعدى الكاحل ولا يفصل الجسم ولا يشبه ما يلبسه ''الكفار'' ولا تستخدم فيه الجلود ولا الحرائر؛ وهي قواعد يكسرها الرجال - كل يوم - دون أن يتوعدهم أحد بجهنم.. وذلك في الوقت الذي تُطالب فيه المرأة في عصرنا هذا بأن تكون نسخة لسالفتها التي عاشت قبل 1500 سنة الأمر الذي وضع المسلمة أمام إشكالية مجحفة:
كيف تتعايش مع العصر ومتطلباته وضغوطه دون أن يجلدها ضميرها لعدم التزامها بما يبسطه الفقهاء من شروط قاسية لا يمكن التماهي معها؟!
وهي معضلة لا تعاني منها للعلم سوى الخليجيات اللواتي حكم عليهن بالسواد حتى الممات. أما باقي مسلمات العالم فلا يلبسن العباءة والنقاب إلا فيما ندر ولا يتشحن بالسواد بل على العكس.. ترى مسلمات ماليزيا وإندونيسيا والدول الإفريقية يكتسين بالألوان الزاهية حتى عند زيارة العتبات المقدسة..
في المدن الأوروبية - التي بدأ الحجاب ينتشر فيها بكثافة لا سيما في ألمانيا - أجبرت المحجبات دور الأزياء بالتوجه إليهن بخطوط أنيقة محتشمة.. وصارت صناعة أزياء المحجبات صناعةً مطردة قيل إن أرباح أحدى الشركات التركية منها تتجاوز الـ 250 مليون يورو سنويا. وهناك مصممون توجهوا لأزياء المحجبات بقوة كالمصممة الهولندية سيندي فان والمصممة كاترين فايلاند التي كلفتها شرطة لندن بتصميم زي للشرطيات المسلمات.
رجال الدين طبعاً لا يروق لهم كل ذلك بالطبع ويصفونه وأقتبس ''بخطة يهودية داعرة لإفساد نساء المسلمين'' والحق أن تخبط المسلمات في اختيار أزيائهن ليس بذنبهن كلياً.. فرجال الدين لم يقدموا لهن - لليوم - بديلاً مقبولاً؛ خياراً مستساغاً؛ يمكنهن عبره التوفيق بين الحجاب والأناقة التي صارت متطلباً اجتماعيا وحضارياً بل ونفسياً أيضاً.. ولا يسعنا ونحن نسمع فتوى ''للنقاب الأعور'' إلا أن نقول إن الطريق أمامنا لازال طويلاً؛ لنقنع هؤلاء الفقهاء بأننا لا نستطيع اليوم أن نحيا بقيم وأساليب البادية.. التي عفا عليها الزمن وجفاها