لماذا يكون الصراع بين الأديان و الملل و المذاهب و الأفراد؟

مصطفى فهمى في السبت ٠٩ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لماذا يكون الصراع بين الأديان و الملل و المذاهب و الأفراد؟
نطرح هذا الموضوع اليوم لما نراه من صراع محتدم فى كافة المجالات و أولها الدين الذى هو مؤثر على تصرفات البشر أفرادا و جماعات بل و دول و أديان، تأثيرا قويا سواء كان مباشرا فى مقدمة التفكير و يظهر بشكل دينى صريح، أو غير مباشر مستقرا فى العقل الباطن و يكون ظهوره مقنعا بأشكال غير دينيه، و يتزايد ذلك الصراع كلما زاد احتكاك الناس بانفتاح الاتصال بينهم كما هو حاصل اليوم
الدين له معنيان
الدين بمعنى اللإيمان و الدين بمعنى المعتقد
الدين بمعنى "الإيمان" له معنى فى اللغة العربية يعنى الثقة مع التصديق المطلق
و الدين بمعنى "المعتقد" أى العقيدة و يقال أعتقد الشئ أى أشتد و صلب، و هذا معناه أن العقيدة لا تقبل أن تكون محل شك عقلى من صاحبها أو من يعتنقها
و يمكن القول أن "الإيمان" محصور فى القلب حيث الحدس و الشعور فى حين أن "المعتقد" محصور فى العقل و لكن العقل المقصود هنا ليس هو العقل المنفتح المفكر و المتدبر و لكن هنا يكون العقل المنغلق غير المفكر الذى يحيل المعتقد و تفاصيله إلى حقيقة مطلقة
و عليه يكون الدين عند الناس مطلق بمفهومى ـ الإيمان و العقيدة ـ هو الثقة و التصديق المطلق و الحقيقة المطلقة
و هكذا يتحول دين الفرد أو الجماعة من الناس فى نهاية المطاف و يتحور إلى مطلق، و المطلق بحكم طبيعته واحد، لا يقبل المشاركة أو التعدد أو التغير، و بتواجد مطلق آخر فى الساحة فإنه يدخل معه فى صراع من أجل أن يفنيه و من أجل بقائه هو وحده و تحقيق ذاته، و ينقلب ذلك على الأفراد و الجماعات من أصحاب الأديان المختلفة و بل و يصل إلى الملل و المذاهب فى الدين الواحد و يتخذ شكل الصراع بينهم من أجل بقاء المطلق الذى يؤمنون به و يعتقدون فيه و لا يكون مطلق غيره، و إلا يكون ما يؤمنون به و يعتقدون فيه غير مطلق بوجود مطلق غيره حيث من المستحيل قبول فكرة تعدد المطلق أو وجود مطلق غير ما يدين به الفرد أو الجماعة.
و يتخذ ذلك الصراع بين الأفراد أو الجماعات من أجل بقاء مطلقهم ليكون الوحيد على الساحة، أشكال عدة يتراوح مداها ما بين الكلام بالحجة و الدليل العقلى (وهو نسبى العلم و المعرفة) لإثبات المصدق لديهم و المعتقد، و بين القهر و الإبادة بالحروب العسكرية لإعلاء المصدق لديهم و المعتقد (وهو مطلق خارج حدود علم و معرفة العقل و شعور و حدس القلب).
و نظن أن ذلك المسلك للأفراد و الجماعات بما فيه من تعصب ـ كلّ لمطلقه ـ، يُرد إلى ما يسمى بالأصوليات الدينية (التى تكون مختلطة فى معظم الأحوال بالأساطير و النقل بدون عقل و الأعراف المتوارثة) لأنها تعتبر عند كل فرد أو فريق منهم من قبيل المطلقات و المطلق لا يقبل المشاركة و لا يقبل إلا التفرد.
و إن كان المطلق الواحد الأحد لا يكون إلا الله سبحانه و تعالى و لا غيره، فلا يصح و لا يجوز على الفرد أو الجماعات من الناس تبنى فكرة الجزم أو الإدعاء بأن ما توصلوا إليه بقلوبهم و عقولهم المنغلقة من إيمان و عقيدة هى الحقيقة المطلقة و لا غيرها، خلافا لما أراده الله و ذكره فى قرآنه
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)} المائدة
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)} المائدة
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)} يوسف
و يكون الفصل بين الناس بما يدينون حق أوحد لله
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} الحج
و يكون على الناس تبنى سبيل فكرة الحقيقة النسبية، و الاعتراف بين بعضهم البعض بقصور أفهامهم للمطلق الواحد الأحد الذى هو الله، حتى يمكن التعايش فيما بينهم و بين معتقداتهم و إلا يكون هناك آلهة متعددة تعيش فى وجدان الأفراد و الجماعات أصحاب الأديان المختلفة بل أيضا بين أصحاب الدين الواحد و يكون الصراع محتوما.

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) سباء}
هذا قولنا و فهمنا من مكاننا و فى زماننا و حسب علمنا و سيأتى بعدنا من يفعل مثلنا.
و الله أعلم
مصطفى فهمى
المراجع
(1) العقل للفهم. (2) القرآن بفهمه بالعقل. (3) المعجم لمعرفة لسان العرب

ملحوظة: ننوه على نشر مقال تالى بإذن الله يبحث فى "فهم المطلق الثابت بأدوات المتغير النسبى" يكون أكثر شمولا فى طرح المقصود

اجمالي القراءات 34040