حول الشهادة الثانية في الإسلام
الإيمان بالرسالة الخاتمة يقتضي الإقرار بالشهادتين معاً

جمال أبو ريا في الجمعة ٠٨ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد ومن اتبع طريقه إلي يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدي محمد عبد الله تعالي ورسوله وصفيه وحبيبه، كما أشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه اليقين، .....بداية أتوجه بالشكر إلي الدكتور الفاضل أحمد صبحي منصور علي سعة صدره وصبره علي حينما أدليت بدلوي الذي تَمَثّلَ في التعليق علي مقاله الذي كتبه بعنوان: (شهادة الإسلام هي لا إله إلا الله فقط)، فقد كان سبباً في زيادة فقهي بخصوص هذا الموضوع نظراً لاختلاف وجهات النظر بيننا والتي تباينت تبايناً شديداً فيما يتعلق بفحوي هذا المقال.. وبالطبع فأنا أتفهم غيرته علي الإسلام ودأبه علي إظهار صورة الإسلام بما يليق بها ولا أشك قيد أنملة في حسن نيته.... ولكنني حينما قرأت القرآن بالمزيد من التدبر وجدت أنه قد جانبه الصواب تماماً في هذا المقال نظراً لإيراده بعض آيات في غير موضعها إطلاقاً والتي لم تخدم موضوعه البحثي في قليل أو كثير من ناحية، ونظراً لعدم ذكره الآيات الصحيحة وإلقاء الضوء عليها بصدد هذا الموضوع لإظهار الحقيقة من ناحية أخري، وأيضاً نظراً لخلطه بين الرسالات السابقة بوجه عام والرسالة الخاتمة بوجه خاص، الأمر الذي جعل الموضوع يختلط ويلتبس عليه وعلي الكثير من القراء .... كل هذا قد حدث عن غير قصد منه ولا أزكي علي الله أحداً... بل وأكثر من ذلك فإننا نجده في مقاله المذكور قد خرج عن عادته تماماً في بعض الأشياء، فقد استخدم فيه صيغة التكفير لا التنوير، ولكنني أعترف بروعة معظم مقالاته التي أقف أمامها مشدوهاً من الإعجاب لمنطقيتها الشديدة وأفكارها الجديدة والتي تُجسِد الإسلام بصورته الحقيقية، كما أنني أري أنه لم يسبقه إليها أحد من اللاحقين أو علي الأقل قد سبقه الكثير إليها قبله ولكن لم يكن الحظ حليفهم في نشرها أو الإدلاء بها نظراً لأسباب كثيرة منها تكفير الآخر لهم، وعدم تهيئة الظروف المناسبة للإفصاح أو التعبير عنها...

ونظراً لطول مقال الدكتور أحمد صبحي منصور والذي نحن بصدد مناقشته الآن فإنني سوف أتناول أهم مقتطفاته والتي تخدم موضوع بحثي بما يفي بالغرض تماماً بحيث يكون الرد غير منقوص أو مقل، وسوف أبدأ مستعيناً بالله:

يقول دكتورنا الفاضل عن المسلمين: شهادة الاسلام هى أصلا شهادة توحيد أى شهادة واحدة ، ولكنهم يجعلوها شهادتين ، يقسمونها بالتساوى بين ذكر الله تعالى وذكر محمد ، ولا يخلو ذكر لله تعالى من وجود محمد معه كأنما يستكثرون ذكر اسم الله تعالى وحده . وهذه بالطبع مغالطة عظيمة مجافية تماماً للحقيقة والواقع، اللهم إلا إذا سلك هذا المسلك بعض المذهبيين أو قل معظمهم، وعلي كل حال فهم ليسوا بحجة علي الإسلام والمسلمين...فالمسلم الحق يذكر محمداً عليه الصلاة والسلام بأنه عبداً لله كما يشهد له الرسالة. وقبل ذلك فهو يشهد بألا إله إلا الله وحده لا شريك له... فهو قد قرر سلفاً بأنه لا يوجد إله غير الله تعالي، أما النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام فهو عبد لله ورسوله ولا حول ولا قوة له إلا بالله العلي العظيم وأنه لا يعلم من الغيب شيئاً سوي الذي أطلعه الله تعالي عليه فقط مصداقاً لقوله تعالي: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (الجن 26، 27)، وأنه لا يحاسب البشر في قبره كما تدعي المذاهب المنحرفة، فأين القسمة بالتساوي هنا....؟؟... إن المسلم الذي يشهد بذلك فإنه يعلن عبوديته الكاملة لله سبحانه وتعالي دون ولي أو شريك وذلك بشهادته بأن النبي الكريم محمد عبداً لله تعالي فقير إليه وليس له الفضل في أي شئ حتي في اختيار الله تعالي له كنبي أو رسول، فأين الشرك هنا....؟؟؟...... يقول أيضاً: تمييزهم (محمدا ) وحده بذكر اسمه مع الله تعالى فى شهادة الاسلام يتجلى فيه التفريق بين الرسل ، فلماذا نذكر محمدا دون عيسى أو موسى أو لوط أو ابراهيم أواسحق أو يونس ..الخ
والسؤال المهم هنا هو: كيف يكون ذكر المسلم للنبي محمد صلي الله عليه وسلم...؟؟ هل يذكره بما يجعله نداً لله تعالي فيصلي ويصوم ويزكي ويحج له ابتغاء وجهه هو وليس وجه الله..؟؟.... إن المسلم الذي يفعل ذلك يكون قد ارتكب إثماً عظيماً يصل فعلاً به إلي حد الشرك... ولكن حينما يذكر هذا المسلم النبي الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بأنه عبد لله وصفية ونبيه ورسوله، وشهد أنه قد أبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة، وأنه لا يعلم من الغيب شيئاً إلا الذي أطلعه الله تعالي عليه، فيكون بذلك قد حقق قمة العبودية والتوحيد لله تعالي كما قلت سابقاً..... أما لماذا يذكر المسلم اسم محمد دون سائر الأنبياء فهذا سؤال بديهي وإجابته أيضاً في منتهي البداهة ، هذا فضلاً عن أن القرآن الكريم يجيب عنه بوضوح شديد.... أما الإجابة البديهية علي هذا السؤال فهي أن ذكر النبي محمد عليه الصلاة والسلام دون سائر الأنبياء فلأنه خاتمهم والشهادة له بالصدق في تبليغ رسالة السماء هي الشهادة بأن تلك الرسالة صحيحة، وهذه الشهادة تقتضي من هذا الشاهد أن يؤمن بكل ما جاء وما ذُكِر فيها من أنبياء وملائكة بأسمائهم وأشخاصهم، .... إن شهادة المسلم لسيدنا محمد بالنبوة والرسالة إنما هي شهادة منه بتصديق خبر السماء وبأن الله تعالي إله واحد.... فعلي الرغم من أن جميع البشر ذوي الفطر السوية يستطيعون أن يدركوا أن الذي خلق الكون هو إله واحد دون إرسال رسل أو أنبياء، إلا أن بعضهم ممن فسدت فطرهم يشركون معه آلهة أخري مزعومة بغير علم.... لذا فإن القرآن الكريم والكتب السماوية الأخري السابقة قد جاءت لتخبر الناس بأن هناك إله واحد فقط، وهذه هي أول مقتضيات الإسلام، فإن صح هذا المقتضي صح كل ما بعده وإن فسد فقد فسد كل ما بعده.... يقول الله تعالي: (هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) إبراهيم 52) وهذا أول هدف نزل من أجله القرآن وجميع الرسالات السابقة، فشهادة أن النبي الكريم محمداً عبد الله تعالي ورسوله هي شهادة بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهي أيضاً شهادة بصدق جميع الرسل الذين أخبرنا الله تعالي عنهم والذين لم يخبرنا أيضاً عنهم.....فكل تلك الصفات مجتمعة تتوافر في المسلم لمجرد أنه قد شهد للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة..... فعندما يشهد المسلم بأن عيسي رسول الله مثلاً فلا بد أن يشهد بأن محمداً رسول الله لأنه هو الذي أعلمه بنبوة عيسي عليه الصلاة والسلام وهكذا..... وقد أجاب القرآن الكريم أيضاً عن هذا السؤال حينما طلب من المسلم أن يؤمن بالنبي الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وخصه وحده بالاسم دون سائر الأنبياء الذين طلب الله تعالي منا أن نؤمن بهم جميعاً دون ذكر لأسمائهم.... ولكن ما معني ذلك.....؟؟... بالطبع فإن المعني واضح تماماً ألا وهو أن نشهد بصدق إبلاغه لنا بالقرآن الكريم.... وهذه النقطة تقودنا إلي نقطة أخري مكملة لها:

حول موضوع الإيمان بالأشخاص في الإسلام:
لقد بينا فيما سبق أن ذكر النبي محمد صلي الله عليه وسلم في الرسالة الخاتمة ليس تفضيلاً للنبي محمد عليه الصلاة والسلام علي غيره من الأنبياء إطلاقاً وقد ذكرت أسباب ذلك فأرجو الرجوع إليها، بيد أن هناك نقطة مكملة لهذا الأمر، ألا وهي ذكر الآيات التي تحث علي الإيمان بالرسول محمد صلي الله عليه وسلم باسمه وشخصه دون الأنبياء السابقين، يقول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) (النساء 136)، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف 158)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ 28)، وفي الآيات السابقة يخبرنا الله تعالي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد بُعِث للناس كافة، لذا فقد طلب منا أن نؤمن به كرسول أتي برسالة مهيمنة علي جميع من سبقها من رسالات..... ونلاحظ في الآيتين (النساء 136)، (الأعراف 158) أن الله تعالي قد أمرنا بالإيمان بالرسول صلي الله عليه وسلم قبل اتباعه، فالأيمان به هو الذي يجعلنا نتبعه، وإلا فكيف يمكن لأي شخص أن يتبع الرسول دون أن يؤمن بصدق ما جاء به أو أنه مرسل فعلاً من عند الله تعالي....؟؟...!!... وهل للإيمان معني غير الشهادة له بالرسالة والنبوة...؟؟...!!..

يقول الله تعالي: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف 157).... ونلاحظ في تلك الآية أن الله تعالي قد أشاد بالذين يتبعون الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وأن هذا الرسول هو مكتوب في الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل، هذا فضلاً عن أن الله تعالي قد بعثه استجابة لدعاء النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما دعا ربه فقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (البقرة 129)، وهذا ما لم يحظ به أي نبي آخر علي الإطلاق.... وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي علو شأنه ورفعة منزلته عند الله تعالي.... ولكن الله تعالي قد اشترط علي المؤمنين به عدة شروط إذا توافرت فيهم فسوف يكونون من المفلحين.... وهذه الشروط هي:

1- الإيمان به وبصدقه فيما بلغ عن رب ا لعزة أولاً.
2- تعزيره.
3- نصره.
4- إتباع النور الذي أنزل معه.

وبالطبع فإن الشروط الثلاث الأخيرة لن تحقق ما لم يتحقق الشرط الأول، فحينما يؤمن المسلم بصدق رسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فيما بلغ عن ربه فسوف يعزره بعد ذلك وينصره ويتبع النور الذي أنزل معه.... وهذا بالطبع لن يتحقق إلا بالشهادة له بأنه عبد لله ورسوله......

يقول الدكتور منصور:

وتميز (محمد) بذكره وحده الى جانب الله تعالى فى شهادة الاسلام فيه تفضيل صريح لمحمد على من سبقه من الأنبياء و المرسلين ،وليس من حق أى مخلوق أن يفاضل بين الأنبياء ، ومن يفعل ذلك لا يكون فقط كافرا بالله تعالى ورسوله ولكن يكون أيضا مدعيا للالوهية دون أن يعلم.

لقد شرحنا سالفاً أن ذكر النبي بالعبودية والرسالة والنبوة بجانب توحيد الله تعالي إنما هو شهادة لله تعالي بالعبودية المطلقة دون منازع، وهي أيضاً شهادة من هذا الشاهد بأنه قد صدق الرسالة الخاتمة وآمن بها كما آمن بجميع الملائكة والنبيين والرسل واليوم والآخر وجميع الكتب السابقة، فكل ذلك يمكن أن يلخصه الشاهد بأن محمداً رسول الله في هذه الشهادة فقط، ولكن العكس غير صحيح علي وجه الإطلاق، بمعني أنه لا يمكن الشهادة لأي نبي بالنبوة أو رسول بالرسالة أو أن التوراة أو الإنجيل هما كتب سماوية دون أن نشهد ونصدق بنبوة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وبالتالي التصديق والإيمان بالرسالة الخاتمة..... فالشهادة بأن محمداً رسول الله هي شهادة جامعة لكل الشهادات التي يجب أن ينبغي للمسلم أن يشهدها..... فأين التفضيل الصريح هنا، بل وهل يوجد أي نوع من أنواع التفضيل سواء كان صريحاً أو غير صريح في تلك الشهادة....؟؟.... بالطبع لا.... هذه واحدة..

أما الثانية... فهناك فرقاً شاسعاً بين التفضيل والتفريق في القرآن الكريم، فهيا بنا نتأمل الآيات والتي استشهد بها الدكتور أحمد صبحي منصور لنكتشف ذلك بأنفسنا:

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (النساء 150)....... (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة 285).

ونلاحظ في الآيتين الكريمتين السابقتين أن الله تعالي لم يقل (ويريدون أن يفضلوا بين الله ورسله)، ولم يقل أيضاً علي لسان المؤمنين: (لا نفضل أحداً من رسله) مما يدل علي أن التفريق لا علاقة له بالتفضيل من قريب أو بعيد، وإذا أمعنا النظر في آيات القرآن الكريم لوجدنا هناك نوعان من التفريق، أما النوع الأول فهو التفريق بين الله ورسله، وأما النوع الثاني فهو التفريق بين رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فالتفريق الأول (وهو التفريق بين الله تعالي ورسله) يتمثل في قول الكافرين لعبارة (نؤمن ببعض ونكفر ببعض)..... وقد نلاحظ ذلك في مذاهب الفلاسفة عندما يؤمن بعضهم بالله تعالي ويوحده دون الإيمان بأي رسول، بل إنه يدعي أن الله تعالي منزه عن إرسال أي رسول لأن الله تعالي أسمي وأعلي من ذلك...!!.... وقد سلك هذا المسلك بعض الفلاسفة مثل أرسطو عندما تبني فكرة (المحرك الأول) ويقصد بذلك (الله) الذي قد خلق الكون ثم تركه (بزعمه) وانشغل عنه بذاته العلية لأنه أسمي وأرفع من أن يتدخل في شئون عباده....!!... وقد تبني تلك الفكرة أيضاً الفيلسوف (إسبينوزا) الذي آمن بالله تعالي وقام بتوحيده ولكنه رفض الإيمان بأي رسول..... وقد سلك مسلكه العالم الفيزيائي والرياضي الفذ (ألبرت أينشتين) حينما قرأ كلاً من التوراة والإنجيل اللذان تلاعبت بهما أيدي البشر فرفضت فطرته السوية قبول النقائص والخرافات التي ذكرتها عن الله تعالي من أكاذيب وأوهام، وبالتالي فإنه قد رفض كل تلك الكتب وقرأ حينئذ للفيلسوف (إسبينوزا) وآمن بالله تعالي علي طريقته.... ولكنني أعتقد أنه (أي ألبرت أينشتين) لو كان قد قرأ القرآن الكريم لآمن بإذن الله تعالي نظراً لتواضعه وحنفه للحق كما قرأت عن سيرته المشرقة المشرفة...

كما أنك لو سجلت في منتدي الملحدين العرب لوجدت بعض الأعضاء الذين يؤمنون بالله تعالي بل ويؤمنون بوحدانيته ولكن دون الإيمان بأي رسول من رسله...!!.. إذ أنهم يسيرون علي درب إسبينوزا وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة الذين روجوا لتلك الفلسفات الهدامة......

وقد تناول الله تعالي ذكر الذين يفرقون بين الله تعالي ورسله في القرآن الكريم فقال عنهم: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ....) (الأنعام 91).... أما النوع الثاني من التفريق فهو التفريق بين رسل الله تعالي والذي يتمثل في (البقرة 285)، فقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم وينقلون رسالة عيسي ورسالة محمد، كما كان النصاري يقفون بإيمانهم عند عيسي فضلاً عن تأليهه، وينكرون رسالة محمد كذلك، وكان القرآن ينكر هذا علي هؤلاء وأولئك ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان بالله ورسوله دون التفريق بين الله ورسله، وبدون تفريق بين رسله جميعاً، وبهذا الشمول كان الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من الناس غيره لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله تعالي، ومقتضيات هذه الوحدانية أن التوحيد المطلق لله سبحانه وتعالي يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس، وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية الله تعالي في الحقيقة وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية، فدين الله للبشر ومنهجه للناس هو هو لا يتغير في أساسه، كما أنه لا يتغير في مصدره، لذلك عبر السياق هنا عمن يريدون التفرقة بين الله رسله (بأن يؤمنوا بالله تعالي ويكفروا برسله)، وعمن يريدون التفرقة بين الرسل (بأن يؤمنوا ببعضهم ويكفروا ببعضهم)، عبر عن هؤلاء وأولئك بأنهم (الذين يكفرون بالله ورسله)، وعد تفرقتهم بين الله ورسله وتفرقتهم بين بعض رسله وبعض كفراً بالله ورسله.

إن الإيمان وحده لا يتجزأ، الإيمان بالله هو إيمان بوحدانيته سبحانه ووحدانيته تقتضي وحدة الدين الذي ارتضاه للناس لتقوم حياتهم كلها كوحدة علي أساسه وتقتضي وحدة الرسل الذين جاءوا بهذا الدين من عنده لا من عند أنفسهم ولا في معزل عن إرادته ووحيه، ووحدة الموقف تجاههم جميعاً، ولا سبيل إلي تفكيك هذه الوحدة إلا بالكفر المطلق، وإن حسب أهله أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وكان جزاؤهم عند الله أن أعد لهم العذاب المهين أجمعين.

(أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء 151).

ولو كانت كلمة (تفضيل) تعني (تفريق) كما ظن دكتورنا العزيز لكانت الآية هكذا (تلك الرسل فرقنا بعضهم علي بعض)، وليست (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ....) (البقرة 253).

أما من حيث التفضيل فقد فضل الله تعالي الرسل بعضهم علي بعض بأن كلم الله تعالي أحدهم أو أكثر ورفع البعض الآخر درجات، وإنني أري أن الإنسان حينما يتدبر القرآن الكريم يجد هذا التفضيل ويستشفه من تلك الآيات ومن التاريخ دون مشقة أو عناء... كما أنه من حقه أن يجتهد في البحث ليعلم أسباب الأفضلية عند نبي أو رسول دون آخر... ولا أري في ذلك غضاضة أو تعدي علي حق من حقوق الله تعالي أو تدخل في شئون الله تعالي طالما أن هذا لا يتعلق بمسألة التفريق من قريب أو بعيد.

لماذا ضرورة وجوب الإقرار بالشهادتين معاً...؟؟...:

لقد أوضحت فيما سبق أن الشهادة الثانية (شهادة أن محمداً رسول الله) هي الشهادة الجامعة لجميع ما ينبغي للمسلم أن يؤمن به، هذا فضلاً عن إقرار صاحبها بالعبودية التامة لله تعالي بلا شريك أو ولد.... بل وأكثر من ذلك فهي شهادة من الشاهد ذاته بأنه أطاع الله تعالي وصدقه حينما قال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ....) (الفتح 29).. ، فالمؤمن هنا يشهد بما قاله الله تعالي له، إذن فتلك الشهادة الثانية هي شهادة لما قاله الله تعالي في القرآن الكريم.... ومن ذلك يتضح أن تلك الشهادة لا يحدث بمقتضاها أي شائبة شرك مع الله تعالي إطلاقاً شريطة عدم إتباع الروايات الساقطة التي تجعل بعضها النبي الكريم نداً لله تعالي، والتي يُظهِر بعضها الآخر النبي الكريم بصورة لا تليق بإنسان كريم فضلاً عن كونه نبي مرسل من عند الله تعالي، كما أوضحنا أن تلك الشهادة لا تعني التفريق بين الله ورسله ولا تعني أيضاً التفريق بين الرسل كما أسهبنا في تلك النقطة، وقد شرحنا أيضاً الفرق بين التفضيل والتفريق من آيات كتاب الله تعالي بما لا يدع ذرة من الشك في نفوس الذين يؤمنون بالله تعالي ورسوله... وهنا نأتي مرة أخري للسؤال الذي نحن بصدده وهو: (لماذا ضرورة وجوب الإقرار بالشهادتين معاً)...؟؟...

لقد أسلفنا القول بأن هناك من يؤمنون بوحدانية الله تعالي دون إيمانهم بالرسل فيقولون عن الله تعالي كما قال القرآن (إذ قالوا ما أنزل علي بشر من شئ)، وبالتالي فإن إيمان هؤلاء الأشخاص مردود عليهم تماماً ولن يقبله الله تعالي كأتباع الفلاسفة ممن هم علي شاكلة إسبينوزا وأرسطو وغيرهم... ولكن السؤال هنا هو: كيف عرفوا أن هناك إلهاً اسمه الله....؟؟...!!..

والجواب علي ذلك واضح وفي منتهي الإعجاز.... إذ أن لفظ الجلالة (الله) موجود منذ فجر التاريخ وفي كل مكان وبجميع اللغات.... فلفظ (الله) ليس له ترجمة في جميع لغات العالم، ففي الإنجليزية هو (الله) والفرنسية هو (الله) وكذلك في الألمانية والروسية واليونانية.... الخ... وهذا إن دل علي شئ فإنه يدل أول ما يدل علي وجود الله سبحانه وتعالي وهو خير إثبات لوجوده عند الملحدين والمشككين والمتشككين سواء بسواء.....

إذن فإن بعض الناس يؤمنون بألا إله إلا الله وقد ذكرنا أسباب ذلك، ولكنهم لا يؤمنون بالرسل، أو يؤمنون برسل دون رسل آخرين، أو يؤمنون بجميع الرسل ما عدا الرسول الخاتم أو آخر رسول بعثه الله تعالي فيهم، فأولئك هم الكافرون حقاً ويستحقون العذاب المهين كما أخبرنا الله تعالي (ندعوا الله تعالي ألا نكون منهم إن شاء الله).

إذن فلا بد أن يشهد الشخص ألا إله إلا الله ويشهد أن الرسول حق كما أخبرنا القرآن والمقصود بالرسول هنا هو آخر رسول بعثه الله تعالي إليه فهذه شهادة منه كما قلنا بصحة ما قبله، وبما إن الرسالة الخاتمة قد نزلت علي النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، إذن فهو أولي بالإيمان وبالشهادة له بأنه عبد لله ورسوله، فهذا سوف يجعله يؤمن بالقرآن الكريم وبكل ما فيه بالتبعية.... إذ أن الأولوية في الترتيب تكون كالآتي:

1- إيمان القوم بأن الله تعالي واحد لا شريك له.
2- إيمانهم بآخر رسول نزل وبعثه فيهم
3- إيمانهم بالكتاب السماوي الذي أنزله هذا الرسول

وبالتالي فلا يصح أن نعكس الشرطين رقم (2، 3) فنضع أحدهما مكان الآخر....!!..

يقول الدكتور أحمد صبحي: ومن المضحك أن نتصور النبى محمدا ينطق شهادة الاسلام فيقول ( أشهد أنه لا اله إلا الله وأننى محمد رسول الله )، ولكن عليه أن يلتزم بقوله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) أى عليه أن يشهد بالشهادة الاسلامية الصحيحة التى شهد بها الله جل وعلا ، وشهد بها معه الملائكة وأولو العلم قياما بالقسط والعدل.

ونقول لسيادته، وهل من المضحك أيضاً أن نقرأ في الصلاة بعد الفاتحة بعض الآيات التي تذكر اسم محمدً في القرآن الكريم كالآيات: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ....) (آل عمران 144)، والآية: (الأحزاب 40)، والآية: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (محمد 2)، وأيضاً الآية: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ....) (الفتح 29)..... أين المضحك في ذلك..؟؟... أليس ذلك هو قمة الامتثال لأمر الله تعالي بأن نردد آياته ونحن مؤمنين بها وواقفين بين يديه سبحانه..... بل والأكثر من ذلك أليس هذا هو قمة الشرف للرسول عليه الصلاة والسلام بأن يقرأ تلك الآيات الكريمات مقراً ومعترفاً بفضل الله تعالي عليه بأنه كان عبداً يتيماً فقيراً وقد أنعم سبحانه عليه واصطفاه علي جميع خلقه كخاتم للأنبياء والمرسلين....؟؟.. أليس ذلك أدعي بأن يذكر ربه ويحمده ويشكره علي هذا الشرف العظيم الذي وهبه الله تعالي إياه..؟؟..

يقول الدكتور منصور: إن شهادة الاسلام جاءت فى صيغتها الصحيحة فى قوله جل وعلا : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ )( آل عمران 18 : 19 ).

ونقول له: إن تلك الآية السابقة قد أوردتها في غير موضوعها تماماً وغير ذات علاقة بالموضوع سواء من قريب أو بعيد، فهل حينما يشهد المسلم بأن محمداً عبد الله ورسوله قولاً وفعلاً فإنه بذلك يشهد أنه إله مع الله..؟؟... حاشا لله....بالطبع كلا ثم كلا..... ومن المؤسف أن الدكتور أحمد صبحي قد غير صيغة التشهد التي يصلي بها مليار ونيف من المسلمين منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلي صيغة أخري من القرآن دون أن يأذن الله تعالي له بذلك ولم يسبقه إليها في ذلك أحد من المسلمين.... أليست هذه بدعة ألحقها بالصلاة دون أن يدري....؟؟... لقد قلت منذ البداية أنني لا أشك في حسن نية هذا الرجل الفاضل، ولكنها قولة حق يجب أن تقال من باب التذكرة والتواصي بالحق.

ويقول الدكتور أيضاً: ومن اسف اننا تناسينا هذا التشهد وابدلناه بصيغة متهافتة منتحلة مختلفة الصياغات أسميناها " التحيات " حتى نجعل لاسم محمد ذكرا وتعظيما فى صلاتنا وهى ـ أى صلاتنا ـ المفترض فيها أن تكون لذكر الله تعالى وحده وتعظيمه وحده.

وبالطبع فعلينا أن نطالب دكتورنا الفاضل بأن يأتي بدليله علي صحة ما يقول، أي علينا مطالبته بإثبات أن صيغة التشهد الحالية غير صحيحة وذلك بتتبع تلك الصيغة عبر التاريخ منذ فجر الإسلام إلي يومنا هذا والتدليل علي ذلك بإيراد الصيغ التي يقول أنها قد تم تحريفها مع إثبات أن الصيغة التي يقول بها من آيات آل عمران هي الصيغة الصحيحة والتي كانت تتلي منذ الرعيل الأول للإسلام حتي عصر معين وأن يذكر لنا في أي دولة قد تم هذا التحريف... بالطبع كل هذا لا نجد له أي إجابة عند الدكتور منصور أو غيره، فالصلاة تواترت بشكل دقيق منذ فجر الإسلام أي منذ أن كان النبي الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام بين أظهر الصحابة مروراً بالتابعين إلي يومنا هذا ولا يستطيع أحد أن يثبت أي شئ مما يقوله الدكتور منصور في تلك النقطة بالذات.

يقول الدكتور منصور: ثالثا : شهادة الله جل وعلا للقرآن الكريم هى ايضا تاكيد للشهادة بأنه لا اله إلا الله :

ونقول متسائلين: ومن الذي نزل عليه القرآن الكريم.... أليس هذا الرجل الذي أمرنا الله تعالي أن نصلي ونسلم له وعليه....؟؟... أليس هذا الرجل الذي أمرنا الله تعالي أن نؤمن به ونعزره ونوقره وننصره ونتبع النور الذي أنزل معه.....؟؟...!!... أليس هذا الرجل الذي أمرنا الله تعالي أن نتأدب معه فلا نرفع أصواتنا فوق صوته وألا نجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض لئلا تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.....؟؟.. والجواب بالطبع (بلي وبلي)، إذ أن علو شأنه ومنزلته عند الله تعالي تجعلنا نذكره كعبد ونبي صالح وليس في ذلك أي شبهة شرك أو تأليه (حاشا لله تعالي)، ونصلي عليه ونشهد له بتبليغ الرسالة والأمانة

ثم يقول دكتورنا الفاضل: وحين تؤمن بالقرآن الكريم وتردد شهادة الله جل وعلا بأن القرآن نزل من عند الله جل وعلا وأنزله بعلمه فإنك تشهد بنبوة محمد ونبوة كل من سبقه من الأنبياء ـ بلا تفريق وبلا تفضيل حسبما جاء فى القران الكريم.

ونلاحظ هنا أن الدكتور منصور قد عكس الوضع تماماً في تلك النقطة.... فالله تعالي قد أودع عدة صفات في شخص الرسول محمد تؤيد مصداقيته وتنفي عنه الكذب نفياً قاطعاً.... فمنذ أن كان صغيراً حتي نزل عليه القرآن الكريم كان فقيراً يتيماً وقد لبث في الناس عمراً من قبل نزول الرسالة، كما أنه كان لا يقرأ كتاب قبل ذلك ولا يخطه بيمينه حتي لا يرتاب المبطلون.... لذا فإن الإيمان به كرسول هو الذي جعل الناس تؤمن بما أُنزِل إليه وليس العكس (بالنسبة للعصر الأول للإسلام)، أما الآن فإن إعجاز القرآن يجعل كل ذي لب وبصيرة يؤمن بأن هذا الكتاب من عند الله تعالي، ولكن كل هذا لا يلغي تلك الصفات التي أودعها الله تعالي في شخص الرسول قبل نزول الرسالة عليه والتي أخبرنا عنها في القرآن، فمن المستحيل أن يذكر الله تعالي آيات زائدة ليس ليس لها فائدة في القرآن الكريم (سبحانه وتعالي)......!!...

ويقول: حين تشهد بأن القرآن الكريم منزل من عند الله جل وعلا فانك تؤكد شهادة أن (لا اله إلاا الله ).

ونحن نقول: حينما تشهد بأن محمداً عبد الله تعالي ورسوله فإنك تشهد بأن القرآن الكريم منزل من عند الله تعالي وبالتالي فإنك سوف تشهد حينئذ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.....!!... فهل وقف الأمر عند الشهادة للقرآن والامتناع عن الشهادة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة والرسالة...؟؟..!!..

ثم نجد سيادته بعد ذلك يقول: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران 84 : 86 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن ( الرسول حق ) . والرسول يعنى هنا الرسالة

ثم يقول في موضع آخر مؤكداً ما قاله: ويلاحظ ان وصف ( الحق ) فى (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ) لا يطلق على شخص ، وإنما هو وصف للقرآن الكريم أو لرب العالمين أو يأتى بمعنى العدل ، وبالتالى فالشهادة هنا ليست لشخص محمد وإنما لما نزل عليه من البينات، أو الرسالة.

ونحن نؤكد له أن الرسول غير الرسالة تماماً، فكلاهما موضوع مستقل بذاته، إذ أن هناك مرسِل (بكسر السين) وهو الله جل وعلا، وهناك مرسل إليه (بفتح السين)، ويقصد به الرسول، كما أن هناك الرسالة وهي القرآن الكريم.... فلا بد للمؤمن بالرسول (أي رسول) أن يشهد أنه حق قبل أن يتبع رسالته، وقد ذكرنا قبل ذلك الآيات التي يحثنا الله تعالي فيها علي الإيمان بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام وأن عبارة (عدم وجوب الإيمان بأشخاص في الإسلام) إنما هي عبارة لا معني لها.....!!....

أما معني الآية: (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ) فهي شهادة القوم لآخر رسول بعث فيهم بالرسالة... فعلي قوم نوح أن يشهدوا بنبوة نوح لأنه آخر نبي بالنسبة لهم، وبالتالي فإن إسلامهم بذلك يكون مكتملاً لأن الشهادة له بالنبوة والرسالة هي شهادة منهم بالإيمان بكل ما قبله وبكل ما أخبرهم عنه فيما يتعلق بوحي السماء.... وكذلك قوم موسي وكذلك قوم عيسي.... وختاماً قوم محمد أيضاً، فلا بد أن يشهدوا له بالرسالة والنبوة لكي يصح إيمانهم.

وبذلك فإن عبارة الدكتور منصور الآتية والتي ختم بها المقال لا أساس لها من الصحة، والعبارة هي: وانتهى القرآن الكريم نزولا ، ومات خاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام، ومالبث أن عادت عقائد الشرك تغزو قلوب المسلمين فاخترعوا لها بالافتراء أديانا أرضية ، تبدأ عقيدة الشرك فيها بإضافة اسم محمد الى شهادة الاسلام توطئة لتقديس مخلوقات أخرى الى جانبه.

فقد أظهرنا لكل ذي لب ما يدحضها ويبين خطأها.... ندعوا لنا وللدكتور الفاضل أحمد صبحي منصور أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا....

اجمالي القراءات 16778