يحكى أن بلدة يمر بها نهر ماء ، أبتليت بطاعون الجنون وقع في النهر ، وأصبح كل من يشرب من النهر مجنون ، وقد فطن ملك البلدة لهذا الطاعون وقرر محاربته ، ووضع حراس على النهر لكي لا يشرب منه أحد ، كما أرسل العلماء لتنقية الماء من طاعون الجنون ، وخلال ذلك قرر إستيراد ماء الشرب من الخارج.
وذات يوم إستيقظ على جنون الملكة ، وعرف أنها شربت من الماء ، العجيب أنه اكتشف أن من يصاب بطاعون الجنون يظن نفسه عاقلا جدا وأن الجنون الحقيقي من نصيب العقلاء ، فأحضر الوزير على الفور وسأله هل Úcute;رفت بجنون الملكة؟ قال نعم يا مولاي فقد شربت من النهر ، فقال الملك وأين الحراس؟ ، قال الوزير جميعهم شربوا من النهر ، فقال إذا احضر الطبيب للملكة ، فقال الوزير وقد جن جميع الأطباء أيضا ، فسأل الملك وكم عاقل بقي لم يشرب؟ فقال الوزير أنا وأنت فقط يا مولاي ، والعجيب أن كل أهل البلد يظنوننا مجانين وهم العقلاء ، فقال الملك وما العمل يا وزير؟ فقال الوزير هناك حلا واحدا ، فسأل الملك ما هو هذا الحل؟ قال الوزير أن نشرب من الماء وقد جئتك بكأس ماء من النهر فأشرب يا مولاي.
الحقيقة انه اختبار صعب وقع فيه الملك ، وكل منا يسأل نفسه ، هل وقعت في نفس الاختبار الذي وقع فيه الملك؟ الحقيقة أنني مررت به عدة مرات ، فمثلا عندما يسألني سائل: كيف تأخذ بالقرآن وحده مصدرا للتشريع؟ وأين الحديث؟ هل أنت أعلم من ابن تيمية بل ومن ابن حنبل وأبو حنيفة ومالك والشافعي؟ والحقيقة أن هذا السؤال في حد ذاته هو دعوة صريحة وصارخة للشرب من الكأس ، والأمثلة في حياتنا اليومية أكثر من أن تعد أو تحصى ، أنت لست أفضل من فلان ولست أعلم من علان ، والتليفزيون بيقول كذا وكذا ، والصحافة قالت كذا ، وهكذا وكلها دعوات صريحة للشرب من الكأس ، فما عسانا أن نفعل؟ هل نشرب من الكأس أم لا؟
المنطق يقول أن الرأي الجماعي هو الرأي الأكثر شعبية وليس ضروريا أن يكون الصحيح أو الأكثر منطقية ، ولكن أيضا نسبة الخطأ في الرأي الجماعي أقل بكثير من نسبتها في الرأي الفردي ، ولكن أيضا من يضمن أن في هذه المسألة وفي هذه اللحظة كان الصواب حليف الرأي الجماعي؟ ، هي إذا إشكالية كبرى ، والتجربة تقول أن من يتمسك برأيه دائما ويرفض التنازل عنه يقع حتما في الخطأ ، بل ومن العلوم الحديثة في الإدارة أن القائد يجب أن يتمتع بخاصية الرجوع للحق والصواب ، كما أن التجربة تقول أن كل من يتنازل عن رأيه دائما لمصلحة رأي الآخرين هو إمعة جاهل لا مقيم في مستنقع الخطأ.
ولحل هذه الإشكالية يجب أن يتمتع كل منا بصفة التأني غير المخل في إتخاذ القرار أو الرأي مع دراسة جميع جوانب الموضوع الذي سيصدر فيه رأيا دراسة تلم فيها بكل جوانب الموضوع وتحيط بأبعاده ، تستمع فيها للرأي الآخر وترد على أسئلته وتفنده ، وبعد إتخاذ القرار أو الرأي وإعلانه تكون مستعدا لإعادة دراسته إذا ما أثار أحدهم ردا منطقيا أو ألقى الضوء على جوانب أخرى لم تكن قد درستها ، ولا تحصن نفسك بقولك أنا أعلم منه أنا أفضل منه فمن النكبات التي أبتلينا بها نحن العرب هي صيغة (أفعل تفعيل) أفضل تفضيل ، فمهما كنت من الراسخين في العلم فبشريتي قد تغلبني فيزيغ بصري عن الحقيقة ويتوهم عقلي خلافها ولا عيب في ذلك أبدا لأنها طبائع البشر ، خاصة لو كنت أمر بتجربة جديدة وفريدة في حياتي وهي الانتقال من بيئة إلي أخرى متباينة عنها تماما مع تحملي بأعباء لم تكن لي في بيئتي الشخصية ، ولكن مع هذا كله إذا وجدت أن رأيي هو الأصح بعد الدراسة والتأني والرد على كل الأسئلة والانتقادات لرأي الخاص ، هنا فقط سأتحلى بالحسم المرتبط بالحزم ولن أشرب من الكأس ما تبين لي أن داء الجنون قد أصاب ماءها.
كانت هذه خواطر راودتني وأنا أطلع على الموقع وأقرأ موضوعاته ، وقد شدني مقالة في التأصيل لأستاذي الدكتور أحمد تحت عنوان (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) ، والحقيقة أنه كلما قرأت عن محنة الدكتور أحمد وتحمله الأذى في سبيل الدفاع عما يؤمن به يزداد إعجابي به واحترامي لشخصه النبيل وإيماني بأنه فارس في زمن ندر فيه الفرسان ، والمقال في مجملة أتفق مع الكثير مما جاء به ، فمثلا قوله أن (تلك) هي إشارة إلي رسل سابقين صحيح وأتفق معه فيه تماما ، ولكن ما لا أتفق معه فيه هو ربط النص بالحدث ، لأن العبرة والعظة بل والحكم المأخوذ من النصوص القرآنية هو أعلى من الحدث في حرفيته فالنص القرآني مجرد من أسبابه لأن أحكامه متجدده بتجدد الليل والنهار ، فمع إيماننا بأن التفضيل قد وقع في الآية لنبي الله داوود وللنبي الذي بشرهم بطالوت ملكا عليهم ، ولكن هذا لا يمنع أن الله سبحانه قد فضل رسلا آخرين ، وأن تفضيل الله سبحانه وتعالى هو من فضل الله ، وفضل الله يؤتيه من يشاء من عباده (المائدة 54 ، النور 21 ، الحديد 21 ، الجمعة4 وآيات أخرى) ، والله سبحانه وتعالى عدد فضله وتفضيله لبعض الرسل بأن كلم موسى تكليما وأتى عيسى بن مريم البينات وأيده بروح القدس ، وأتى داوود زبورا ، فهل معنى ذلك أن محمد عليه الصلاة والسلام وباقي الرسل لم يفضلهم الله سبحانه وتعالى بفضل خاص بهم لم يشترك معهم فيه غيرهم؟ طبعا الإجابة بالنفي ، فالله سبحانه وتعالى فضل كل رسول برسالة تخصه لم تنزل على غيره ، بل أن الله سبحانه وتعالى قال لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام "ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون الا انفسهم وما يضرونك من شيء وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" النساء113 ، فهل يكون فضلا بلا تفضيل؟ ، ولو كان الفضل عظيما فهل سيكون التفضيل صغيرا بسيطا أم سيكون من ذات طبيعة الفضل عظيما؟
ولكل من قال أن التفضيل هو مر يخص الله سبحانه وتعالى فهو وحده صاحب الفضل ، نقول سمعا وطاعة ونعم الله وحده صاحب الفضل يؤتيه من يشاء ولا يسأل سبحانه عما يفعل ونحن جميعا مسؤلين ، ولكن هناك فرق بين من أن أبحث وأستخرج من كتاب الله عن فضله وتفضيله لعباده من أن أعطي الفضل بنفسي وبدون الرجوع للنص كدليل – حاشا لله – أن أكون من الجاهلين ، نعم الفضل بيد الله ، ولننظر تفضيله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن على النحو التالي:
1- مدح الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال "ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" النحل120 ، ومدح محمد عليه الصلاة والسلام فقال "محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما" الفتح29 ، فنجد أن الله سبحانه عندما مدحه مدحه هو والذين معه أي أمته ، كما مدحهم بما مدح به إبراهيم عليه السلام الذي كان قانتا لله حنيفا وكذلك محمد وأمته ركعا سجدا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، بل وزاد أنهم أشداء على الكفار شجاعة وتضحية في سبيل الله ، ورحما بينهم رقة وإنكسار نفس هذبها كتاب الله سبحانه وطاعة أوامره.
2- قال تعالى للمؤمنين "لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة 128 ، فكان مدحا عظيما لرسوله عليه الصلاة والسلام الذي يهتم بهموم أمته يعز عليه عنتهم ويحرص عليهم يرجوا لهم الخير والمصلحة والثبات في الدنيا والفوز في الآخرة ثم هو رؤوف بهم ورحيم عليهم ، وسبحانه وتعالى أعطاه صفتين وصف بهما نفسه ، ولكن الفرق بين صفة المخلوق وصفة الخالق كالفرق بين ذات المخلوق وذات الخالق ، والمقصود في باب التكريم أن جعلهما عطف بيان ووصف للرسول فهو عليه السلام عزيز عليه ما عنت فيه المؤمنين وهي صفة الرأفة ، وحريص عليهم جميعا وهي صفة الرحمة ، فكان في صفة الرأفة بيان لما يعز عليه من عنتهم وفي صفة الرحمة بيان حرصه عليهم.
3- قال تعالى "ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" الأحزاب 40 ، وهنا شهادة من الله سبحانه وتعالى أن محمد رسول الله ، إقترنت بها حكم كوني أن الله سبحانه وتعالى ختم به النبوة فلا نبي بعده لذلك لا يكون له ولد ولا يعقب حتى لا يقول أحد أنه سلسلة النبوة لم تنقطع ، وهنا إشارة عظيمة أن محمد عليه السلام هو آخر الأنبياء من نسل إبراهيم ، ولنتدبر قوله تعالى"واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" البقرة124 ، ودعاء إبراهيم "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء" إبراهيم40 ، فجعل الله النبوة في الصالحين من ذرية إبراهيم لأن عهده سبحانه لا يكون لظالم ، فلو عقب محمد عليه السلام ولد فهل سيكون صالح أم ظالم؟ وهل ستكون كل ذريته ظلمة حتى يكون هو خاتم النبيين؟ طبعا غير منطقي لذلك نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون أبا لأحد من رجال المسلمين فتنقطع به ذرية الأنبياء من نسل إبراهيم ، فهي سلسلة ذهبية مباركة ذات طرفين أحد أطرافها إبراهيم والطرف الآخر محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام ، فهل بعد ذلك فضل أم نقول وكان فضل الله عليك يا محمد عظيما.
4- قال تعالى في حق عيسى عليه السلام"...واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس..." الآية البقرة 253 ، فكان تأيده سبحانه وتعالى لعيسى عليه السلام (بروح القدس) فماذا كان تأييده لمحمد عليه السلام؟ كان بنفسه سبحانه وتعالى وبنصره وبالمؤمنين فقال له "وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين" الأنفال 62 ، والشاهد هو قوله (حسبك الله) وقوله (أيدك) فالمؤيد بكسر ما قبل آخره هو الله والمؤيد بفتح ما قبل آخره هو محمد ، فهل بعد ذلك فضل وتفضيل؟
5- ثم هل كان تأييد عيسى بن مريم عليه السلام بروح القدس خاصة به هو فقط أم أن الله سبحانه وتعالى قد أيد محمد أيضا بروح القدس؟ ، قال تعالى"...واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس..." الآية البقرة87 ، وقال تعالى"تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من امن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد" البقرة 253 ، وقال تعالى"اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك اذ ايدتك بروح القدس" المائدة110 ، وقال لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام "قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين" النحل 102 فتعدت التأييد للرسول إلي التثبيت لأمته وهو دليل على حفظ الرسالة الخاتمة لتكون تثبيتا للذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين في كل زمان ومكان.
6- قال تعالى"ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب 56 ، وصلاة رب العزة رحمة لقوله سبحانه وتعالى "يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" آل عمران 74 ، والملائكته إستغفار لقوله تعالى"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" غافر 7 ، والبشر دعاء لقوله تعالى " واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا(48) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وكل جعلنا نبيا(49)" [سورة مريم] ، وهذا كله تفضيل من الله سبحانه وتعالى لنبيه أن أمر صرح بصلاته سبحانه عليه ثم صلاة الملائكة له وأمر بصلاة المؤمنين له ، وهنا سبحانه وتعالى ذكره بوصفه (نبي) وليس (رسول) لوجوب عموم الصلاة عليه والتسليم له في كل حال ، لأن مقام النبي يستغرق مقام الرسول ، أما مقام الرسول فهو محدد بقيام النبي بتفيذ المهمة المرسل من أجلها ، ولم نسمع عن نبي أو رسول أمر الله المؤمنين به من أتباعه أن يصلوا عليه ويدعون له أفليس هذا فضل وتفضيل لم يناله غيره؟
7- قال تعالى"واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين" آل عمران 81 ، ولم نسمع عن رسول أو نبي قبله شرفه الله سبحانه وتعالى بأن أخذ له الله سبحانه وتعالى العهد والميثاق ، بل ووثقه بقوله (وأخذتم على ذلكم اصري) وصدقه بقوله (قالوا أقررنا فاشهدوا) أليس ذلكم الشرف العظيم تفضيل له؟
8- قوله تعالى مخاطبا نبيه"وانك لعلى خلق عظيم" القلم4 ، فمن قال بأن الخلق هنا تعني أخلاق الرسول فذلك مدح تفضيل لا محالة ، ومن قال بأن الخلق هنا هي مجموعة القواعد السامية في القرآن الكتاب الذي نزل على محمد عليه السلام فإن المدح والتشريف هنا أعظم لأنه سبحانه وتعالى اختصه بأعظم رسالاته ، والأمر هنا يحمل على المعنيين كلاهما لعدم وجود مخصص.
والأدلة أكثر من أن تحصى في هذه المقالة السريعة عن فضل الله على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام نكتفي منها بما أوردناه ، ونؤكد أننا لا نتدخل في حكم الله – حاشا لله – ولكننا فقط نستقرئ الآيات ونستنطقها بالحق وبما تذخر به من مدح محمد عليه السلام وتفضيله فيما أختصه به رب العزة سبحانه وتعالى
اولوا العزم من الرسل:
الحقيقة أن كثيرا من العلماء إجتهدوا لمعرفة من هم أولي العزم من الرسول ، فمنهم من قال كل الرسل ومنهم من قال نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا الصلاة والسلام ومنهم من قال إسماعيل لصبره على الذبح وأيوب لصبره على المرض ونوح لصبره على الرسالة ، والحقيقة أنها جميعا إجتهادات في غياب النص الصريح ، ولا يمكن أن يؤكد أحد على سبيل الجزم من هم أولي العزم من الرسل.
ولكن أقول أنني أستطيع أن أجزم على سبيل اليقين بإسم واحد منهم فقط هو محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
وحتى نصل لهذه النتيجة القطعية في الدلالة والثبوت لنتدبر قوله تعالى " فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون" الأحقاف35 ، وكما نؤكد دائما أن القرآن والمنطق صنوان لا يفترقان ، فلندرس هذه الآية بالمنطق الصحيح ، أن هناك أمرا إلاهيا من رب العزة سبحانه وتعالى للرسول عليه الصلاة والسلام بماذا؟ (بالصبر) على أن يكون مثل صبر أولوا العزم من الرسل ، والمنطق هنا يقول أن الرسول بين أمرين إما التسليم والتنفيذ وإما الرفض والعصيان ، وقطعا لو كان الرفض والعصيان ما إستحق أن يكون رسولا ولكن ووفقا للنص القرآني فإنه علىه الصلاة والسلام أزعن وسلم للأمر الرباني بالصبر ، وقوله تعالى (كما) تفيد التماثل في نوع الصبر من نوع صبر أولي العزم ، والتماثل يفيد الاستغراق والشمول في الحكم ، فصبره كصبر أولي العزم من الرسل يجعله منهم حصرا وجزما ، فيكون وفقا لنص الآية رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام هو الوحيد من أولي العزم المصرح به من أولي العزم في النص القرآني
الشهادة:
لقد تكلمت كثيرا في موضوع الشهادة من قبل في أكثر من مقال وكلها منشورة على الموقع لمن يحب الرجوع لها في صفحتي ، وحتى لا أطيل أتطرق أولا لموضع لزوم أو عدم لزوم جمع الشهادتين دائما ، وأنا ضد رأي الدكتور أن إقران الشهادة كفر أستغفر الله ، ولكنني أيضا ضد من قال بوجوب تلازم قولهما معا ، فلا أرى في ذلك تلازم ولكن يجب الإيمان بأنه لا إله إلا الله توحيدا خالصا يحمل جميع معاني توحيد الربوبية والألوهية والقصد والطلب منه سبحانه ، وأن محمد رسول الله إقرارا بتمام العبادة لله على شرعة الله التي أنزلها على محمد وهو (القرآن العظيم) وعلى منهاج محمد الرسول عليه الصلاة والسلام في طريقة تأدية العبادات ووفقا للأوامر المطلقة في كتاب الله تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول..." الآية.
جاء معنى الإسلام في الملة المسيحية هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى (لا إله إلا الله) والإيمان برسوله عيسى عليه السلام وذلك من قوله تعالى" واذ اوحيت الى الحواريين ان امنوا بي وبرسولي قالوا امنا واشهد باننا مسلمون" المائدة111 ، فهل نستنكر على أمة الملة الخاتمة ملة الإسلام أن يقتفوا أثر من سبقهم في الإيمان فيكون بالله (لا إله إلا الله) وبرسوله (محمد رسول الله)؟
وأخيرا فأعود وأكرر ذلك مبلغ علمي ومدى فهمي ، فلو كان صحيحا صائبا نحمد الله على التوفيق ولو كان غير ذلك نستغفر الله منيبين مذعنين ، ولا ألزم غير نفسي بشهادة أظن أنها حق أقولها وأكررها لوجه الله تعالى.
شريف هادي