قصة يعقوب (ص)والأسباط(ص)

رضا البطاوى البطاوى في الخميس ٣٠ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

يعقوب والأسباط(ص)
البشارة بيعقوب (ص):
بشرت الملائكة إبراهيم (ص)وزوجه العاقر بابنه إسحق(ص)والنافلة وهو ابن إسحق (ص)يعقوب (ص)وفى هذا قال تعالى بسورة هود"وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب "ويعقوب اسمه الأخر إسرائيل وليس ليعقوب(ص) ابنا لإبراهيم (ص)لأنه لم ينجب سوى إسماعيل (ص) وإسحاق(ص)مصداق لقوله بسورة إبراهيم "الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربى لسميع الدعاء ".
طعام يعقوب (ص):
حرم يعقوب (ص)على نفسه بعض الأطعمة وهى لحوم كل ذىave; ظفر وشحوم وهى لحوم البقر والغنم إلا فى مناطق الظهر والحوايا وهى الأمعاء وما اختلط بعظم وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "كل الطعام كان حل لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " وقد حرمها الله على بنيه فيما بعد عند نزول التوراة بسبب بغيهم فقال بسورة الأنعام "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا وما اختلط بعظم وذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون " .
يعقوب (ص)والأسباط(ص):
أنجب يعقوب (ص)12 ولدا ذكرا ،10من زوجة و2 من زوجة أخرى وكان الإثنان هما الأصغر سنا فى الأولاد وفى يوم من الأيام رأى ابنه يوسف (ص)رؤيا فى منامه فذهب إلى أبيه فقال له :يأبى إنى شاهدت فى المنام أحد عشر نجما والشمس والقمر شاهدتهم لى ساجدين فقال له الأب :يا ولدى لا تحكى منامك لإخوتك فيمكروا بك مكرا إن الهوى للإنسان كاره عظيم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين قال يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين "وطبعا السبب فى نهى الأب لابنه هو خوفه من أن يؤذيه اخوته بسبب المقام الكريم الذى حصل عليه فى المنام وقال الأب للابن :وهكذا يصطفيك إلهك ويعرفك من تفسير الأحاديث ويكمل نعمته عليك وعلى أهل يعقوب كما أكملها لأبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن إلهك عارف حكيم وفى هذا قال تعالى "وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك إبراهيم وإسحق إن ربك عليك حكيم "وهذا يعنى أن يعقوب (ص)عرف أن يوسف (ص)سيكون رسولا وسيعرف تفسير الأحلام وسينزل عليه النعمة وهى الوحى وق قال اخوة يوسف لبعضهم :ليوسف وأخوه أحب إلى والدنا منا ونحن جماعة إن أبانا لفى تيه عظيم وهذا يعنى أن الأولاد يعتقدون أن الوالد متحيز ليوسف (ص)وأخيه دون داعى وفى هذا قال تعالى "لقد كان فى يوسف واخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين " ثم قالوا لبعضهم اذبحوا يوسف أو أبعدوه أرضا تخلو لكم نفس والدكم وتكونوا من بعده قوما مسلمين فقال أحدهم :لا تذبحوا يوسف وارموه فى ظلمات البئر يأخذه بعض السيارة إن كنتم عاملين وهذا يعنى أن الأولاد اعتقدوا أن ذهاب يوسف (ص)من مكان الأسرة سيجعل الوالد يحبهم وينسى يوسف (ص)وقد اعتقدوا أن الصلاح يبنى على الباطل الممثل فى القتل أو الإبعاد عن البلد وأن أحد الإخوة استعظم قتل يوسف (ص)فنصحهم بإبعاده فقط وفى هذا قال تعالى "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين " وبعد أن رضوا بقول أخيهم اتفقوا على كيفية تنفيذ المؤامرة وكان أول شىء فيها هو ذهابهم لأبيهم وقولهم له :يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لحافظون وهذا يعنى إتهامهم لأبيهم بعدم الثقة فيهم وإخبارهم لأبيهم بحبهم ليوسف (ص)وهو كذب وفى هذا قال تعالى "قالوا يا أبانا ما لم لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون "وقال الأولاد لأبيهم :يا أبانا ابعثه معنا فى الغد يفرح ويلهو وإنا له لحامون وهذا يعنى أن الخطوة الثانية بعد إظهار حبهم ليوسف (ص)هى طلبهم يوسف(ص)للخروج معهم حتى يلهو ويفرح معهم ثم أكدوا لأبيهم أنهم صائنون حامون ليوسف (ص)من كل خطر وفى هذا قال تعالى "أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون "ورد يعقوب (ص)قائلا :إنى ليغمنى أن تأخذوه معكم وأخشى أن يفترسه الذئب وأنتم عنه ساهون وهذا القول بين فيه الأب حزنه على خروج يوسف (ص)مع اخوته بسبب خوفه من أكل الذئب له وهم عن حراسته غافلون ساهون وفى هذا قال تعالى "قال إنى ليحزننى أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون "عند هذا قال الأولاد :لئن قتله الذئب ونحن جماعة إنا إذا لضائعون ،هنا يؤكد الأبناء للأب أن يوسف (ص)واحد من جماعتهم ولئن قتل فإن الجماعة هى الخاسرة ومن هنا نعرف أنهم كانوا يعيشون بمنطقة صحراوية تكثر بها الذئاب وفى هذا قال تعالى "قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون "وظل الأولاد يتكلمون مع الأب حتى وافق فى النهاية على خروجه معهم فى الغد وفى اليوم التالى أخذ الأخوة يوسف (ص)معهم وقد اتفقوا على إنزاله فى غيابت الجب وهى ظلمات البئر وفى هذا قال تعالى "فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابت الجب "وأوحى الله ليعقوب (ص)فقال :أن الله عرفه أنه سوف يعلم الأولاد بهذا المكر وهم لا يعلمون وفى هذا قال تعالى "وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون "ونفذ القوم الأمر حيث وضعوا يوسف (ص)فى البئر البعيد عن الديار ثم تركوه وحيدا وعادوا إلى موضع معين انتظروا فيه حتى دخل الليل حتى يعودوا لأبيهم والسبب هو أن ينفذوا الخطوة الثالثة وهى البكاء على يوسف (ص)أمام الأب فى الظلام حتى لا يرى حقيقتهم وبالفعل أتوا إلى الأب فى العشية ينوحون وفى هذا قال تعالى " وجاؤ أباهم عشاء يبكون "ثم بدأ الأولاد فى تبرير الأمر فقالوا :يا أبانا إنا أخذنا نتنافس فى اللعب ونسينا يوسف عند حاجاتنا فافترسه الذئب وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين ومن هذا القول يظهر لنا أن الأولاد يرجعون أمر هلاك يوسف (ص)للنسيان والإنشغال بالإستباق ،وأن الأولاد لم يجعلوا يوسف (ص)يلعب كما قالوا من قبل وهم يعلنون للأب أنه لا يثق فيهم حتى ولو كانوا أهل ثقة وهذا يعنى إتهامهم له بالضلال وأن الذئب هو الذى أكل يوسف (ص)حسبما قال الأولاد للأب وهو ما سبق أن اتفقوا عليه وفى هذا قال تعالى "قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " وبعد هذا الحديث عرضوا على الأب وتركنا يوسف (ص)عند متاعنا وهو ملطخ بدم وكانوا قد خلعوه عنه وهو معهم ثم جاءوا بدم شىء ما ووضعوه على القميص ورأى يعقوب (ص)القميص وبه الدم الباطل فعرف حقيقة الأمر وهو أن يوسف لم يقتل فقال لهم بل زينت لكم شهواتكم مكرا فصبر مستمر والله المعين على الذى تقولون وفى هذا قال تعالى "وجاءو على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصنعون "وبعد أن ترك الإخوة يوسف (ص)فى ظلمات البئر أتت قافلة بالقرب من البئر فأرسلوا واردهم وهو صاحب السقاية ليحضر لهم الماء وعندما أنزل دلوه فى البئر وهو ينظر فيه وجد غلام فى أسفل على درجة من درجات سلم البئر فقال يا فرحتى هذا طفل ثم أخرجه من البئر وجعله مع أصحابه أسيرا لهم يبيعونه كما يبيعون ما معهم من سلع وفى هذا قال تعالى "وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة "ولما أتوا المدينة التى يبيعون فيها باعوا يوسف (ص)بدراهم معدودة وهو ثمن بخس أى قليل والسبب فى بيعه بالقليل هو زهد رجال القافلة فيه باعتباره طفل لا يقدر على العمل ومن ثم تخلصوا من أعباء إبقاءه معهم وفى هذا قال تعالى "وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين " وكان الرجل الذى اشترى يوسف (ص)من مصر فلما ذهب به لبيته قال لزوجته :أكرمى مقامه عسى أن يفيدنا أو نتبناه ابنا لنا وهذا يعنى أنهم لم ينجبوا أولادا وأن الرجل طالب المرأة بإكرام الولد بتربيته تربية حسنة حتى ينفعهم فى الكبر أو يتبنوه ابنا ينفعهم أيضا وفى هذا قال تعالى "وقال الذى اشتراه من مصر لإمرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا"وتربى يوسف (ص)فى بيت الرجل الكريم ليتمكن فى الأرض ولما وصل سن الأشد وهى الشباب أعطاه الله الحكم أى العلم ومنه علم تأويل الأحاديث وهو علم تفسير الأحلام وفى هذا قال تعالى "ولما بلغ أشده أتيناه حكما وعلما "ولما بلغ يوسف (ص)سن البلوغ والشباب تبدل حال امرأة الرجل معه فبعد أن كان طفلا فى نظرها تحول لحبيب ومعشوق وظل حبه يكبر فى نفسها حتى ملك هذه النفس ومن ثم قررت أن تحول حبها القلبى لحب تمارسه مع الحبيب ومن ثم دبرت المكيدة وهى صرف من معها فى البيت بعد خروج زوجها لعمله وبعد ذلك قامت بإغلاق منافذ البيت الممثلة فى الأبواب وجلست المرأة مع يوسف (ص)تحدثه عن نفسه والمراد عن شهوته وبعد أن ظنت أنه سيستجيب لها قالت له هيت لك أى أنا لك والمراد عرضى ملكك فقال لها حماية الله إنه إلهى أحسن مقامى إنه لا يفوز الكافرون وفى هذا قال تعالى "وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون "وطبعا المرأة همت بيوسف (ص)والمراد أرادت منه الفاحشة وهم بها أى وأراد بها والمراد وحدث نفسه عن الزنى بها ولكنه لم يفعل والسبب رؤيته والمراد تذكره برهان ربه وهو حكم إلهه بتحريم الزنى وعقابه وفى هذا قال تعالى "ولقد همت به وهم بها لولا أن رءا برهان ربه "ولما لم يقدم يوسف (ص)عليها قررت هى أن تحتضنه فعرف ذلك فجرى فجرت خلفه ولما فشلت فى هذا شدته من الخلف فقطعت قميصه وعند هذا كانا قد وصلا للباب وحدث ما لم يكن فى حسبان المرأة وهو حضور زوجها أمام الباب وعند هذا قررت أن تبرر أمر زينتها ووجودها مع يوسف (ص)فى ذلك الوضع بأن ترمى يوسف (ص)بتهمة الإغتصاب فقالت لزوجها ما عقاب من أراد بزوجتك فاحشة إلا أن يحبس أو عقاب عظيم ؟ وفى هذا قال تعالى "واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم "واندهش يوسف (ص)من جرأة المرأة المجرمة فقرر الدفاع عن نفسه فقال للرجل :هى حدثتنى عن شهوتى ،وتصادف وجود رجل من عائلة المرأة مع الزوج فأصدر حكمه فقال :إن كان قميص يوسف قطع من الأمام فالمرأة صادقة وهو من الكاذبين وإن كان قطع من الخلف فالمرأة كاذبة وهو من الصادقين وطبعا الرجل بنى حكمه على أن الراغب لو كان يوسف (ص)لأقبل على المرأة بوجهه وهو الأمام ومن ثم فالمرأة ستقاومه بقطع قميصه من الأمام وأما إذا كانت هى الراغبة ويوسف (ص)ليس براغب فسيعطيها ظهره ومن ثم فستقطع قميصه من الخلف وفى هذا قال تعالى "قال هى راودتنى عن نفسه وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "فلما نظر لقميص يوسف (ص)شاهدوه مقطوع من الخلف فقال الرجل إنه من مكركن إن مكركن عظيم ثم قال ليوسف :يوسف انسى هذا الأمر ثم توجه بحديثه للمرأة فقال واستغفرى لجريمتك إن كنت من المذنبين وفى هذا قال تعالى "فلما رأ قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف اعرض عن هذا واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين "وطبعا نتيجة لعراك الرجل مع زوجته بسبب هذه الجريمة عرف الخدم ما حدث فنقلوا الأمر لخارج البيت ومن ثم عرفت به نساء المدينة فقلن :امرأة العزيز تحدث خادمها عن شهوته قد شغلها حبه إنا لنعرفها فى جرم عظيم ومن هنا نعلم أن الرجل كان يعمل عزيزا لمصر أو وزيرا أولا لمصر وأن حب المرأة لغير زوجها محرم فى حكم أهل مصر فى هذا الوقت وفى هذا تعالى "وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها فى ضلال مبين "وسمع الخدم كلام النسوة فنقلوه لسيدتهن فأحبت أن تثبت للنساء أن لا ذنب لها فى هذا الحب فبعثت الخدم لهن لدعوتهن للطعام وجهزت لهن مكانا للطعام وأعطت كل واحدة منهن سكينا لتقطع به الطعام فى الظاهر ولكنها فى الباطن أرادت إثبات أن جمال يوسف (ص)لا تقاومه أى امرأة وبعد أن جلسن على المائدة وأمسكن السكاكين قالت ليوسف (ص)اخرج عليهن فطلع يوسف(ص) أمامهن فلما شاهدته النساء ذهبت عقولهن فعظموه وجرحوا أيديهن بالسكاكين التى نزلت على الطعام فى أيديهن وقطعته وقطعت أيديهن ثم قلن حاش لله ما هذا إنسان إن هذا إلا ملاك كريم وفى هذا قال تعالى "فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ وأتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم " وتحقق لإمرأة العزيز هدفها فقالت :فهذا هو الذى عاتبتمونى عليه ولقد حدثته عن شهوته فاحتمى بربه ولئن لم يصنع ما أقول له ليحبسن وليكونن من الأذلين وهذا يعنى اعتراف المرأة بجريمتها أمام النساء وإصرارها على ارتكاب الفاحشة معه وتهديد يوسف (ص)بالسجن والإذلال إذا لم يستجب لها وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "فقالت فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين "عند هذا اختار يوسف (ص)السجن لأن عذابه أخف من عذاب الأخرة المترتب على استجابته لأمر النسوة ولذا دعا الله فقال رب الحبس أفضل عندى مما يطالبوننى به ثم طلب من الله أن يمنع عنه مكر النسوة حتى لا يستجيب لهن ويصبح من الكافرين فقال وإلا تبعد عنى مكرهن استجب لهن وأكن من الظالمين وفى هذا قال تعالى "قال رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "وسمع الله الدعاء فمنع عنه مكرهن وكان المنع عن طريق السجن فالقوم لما ظهر لهم من بعد ما عرفوا الآيات وهى البراهين الدالة على انتشار الفضيحة قرروا إدخاله السجن لوقت ينسى الناس فيها أمره وفى هذا قال تعالى "فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين " ولما دخل يوسف (ص)السجن أدخلوا معه رجلين فقال أولهما إنى أشاهدنى أعصر خمرا وقال ثانيهما إنى أشاهدنى أحمل فوق دماغى خبزا تطعم الطير منه ثم قالا ليوسف (ص) أخبرنا بتفسيره إنا لنراك من الصالحين وهذا يعنى أن كل رجل رأى حلم فى منامه ثم طلب من يوسف (ص)أن يفسر لهما الأحلام وفى هذا قال تعالى "ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الأخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا لنراك من المحسنين "فقال يوسف (ص)لهما :لا يجيئكما أكل تعطيانه إلا أخبرتكما بحقيقته قبل أن يجيئكما ذلكما مما عرفنى إلهى إنى نبذت دين قوم لا يصدقون بالله وهم بالقيامة هم كاذبون وهذا يعنى أن يوسف (ص)أراد أن يثبت لصاحبيه فى السجن أن علمه حق ليس به خطأ فى التفسير فأحب أن يثبت لهما قبل تفسير الحلمين صدق تفسيره وعلمه بغيرهم وذلك بإخبارهم بأصناف الطعام قبل أن تأتى وقد بدأ يوسف (ص)دعوته للإسلام بزميليه فى السجن حيث بين لهم على دين أهل البلاد فهو يصدق بالله والأخرة وهم لا يصدقون وفى هذا قال تعالى "قال لا يأتيكما ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالأخرة هم كافرون "ثم قال لهما وأطعت دين أباءى إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نعبد مع الله من شىء ،ذلك من نعم الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يطيعون وبين يوسف (ص) للفتية أنه على دين الحق وهو دين الله دين رسل الله إبراهيم (ص)وإسحق (ص)ويعقوب (ص)وأن دين الحق هو عبادة الله وحده وعدم إشراك أحد معه وأن الناس أكثرهم لا يطيعون الله أى لا يعبدون الله وفى هذا قال تعالى "واتبعت ملة أباءى إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " ثم قال لهما يا صديقى الحبس أألهة متعددة أفضل أم الله الواحد الغالب ؟ ما تطيعون من غيره إلا أحكام اخترعتموها أنتم وأباؤكم أوحى الله بها من وحى إن الحكم إلا الله أوحى ألا تطيعوا إلا إياه ذلك الدين الحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون وهنا بين يوسف (ص)أن الله الواحد أفضل من الآلهة المزعومة وأن أديانهم هم من اخترعوها من عند أنفسهم هم وأباؤهم لم يوحى الله بها وحيا من عنده والحكم لله وحده وفى هذا قال تعالى "يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون "وبعد أن أثبت يوسف لصاحبيه صحة كلامه عن الطعام قال لهما يا صاحبى الحبس أما أحدكما فيروى ملكه خمرا وأما الثانى فيقتل فتأكل الطير من دماغه انتهى الأمر الذى عنه تسألان ،فمصير الأول رجوعه لوظيفة ساقى الخمر للملك وصلب الثانى وأكله الطير لرأسه وفى هذا قال تعالى "يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الأخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذى فيه تستفتيان "ثم قال للساقى الذى عرف أنه خارج من السجن :اذكر حكايتى عند ملكك فلما خرج الساقى أنساه شيطانه تذكير الملك بالأمر فكانت النتيجة بقاء يوسف عدة سنوات فى السجن وفى هذا قال تعالى "وقال للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين "وفى يوم من الأيام قال الملك لمن حوله :إنى أشاهد سبع بقرات عظام يطعمهن سبع نحاف وسبع سنبلات خضر وأخرى جافات يا أيها الناس أجيبونى عن منامى إن كنتم للمنام تفسرون وفى هذا قال تعالى "وقال الملك إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ افتونى فى رؤياى إن كنتم للرءيا تعبرون " قال الملأ تخاريف أحلام وما نحن بتفسير الأحلام بعارفين عند هذا تذكر الساقى يوسف (ص)فقال :أنا أخبركم بتفسيره فابعثونى للسجن وفى هذا قال تعالى "قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون "ذهب الساقى للسجن وقابل يوسف (ص)فقال له :يوسف أيها الصديق أجبنا فى سبع بقرات عظام يطعمهن سبع نحاف وسبع سنابل خضراء وأخرى جافات لعلى أعود للناس لعلهم يعرفون الحقيقة وفى هذا قال تعالى "يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخرى يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون "رد يوسف (ص)قائلا:تزرعون سبع سنوات متواليات فما جمعتم فاتركوه فى غلافه إلا القليل الذى تأكلون ثم يجىء من بعد ذلك سبع سنوات جفاف يأكلن ما خزنتم لهن إلا قليلا مما تخزنون ثم يجىء من بعد ذلك عام فيه ينقذ الناس وفيه يشربون ومن هذا نعرف أن ما أتى فى الحلم رموز هى السبع بقرات والسنبلات هىسبع سنوات والسمان والخضر رمز لوفرة الإنتاج والعجاف واليابسات رمز لندرة الإنتاج وهى الجدب ونعرف أن يوسف (ص)قدم لهم خطة إنقاذ البلاد من الجدب بجمع المحاصيل وتخزينها فى أغلفتها ودرس المطلوب للأكل فقط وفى هذا قال تعالى "قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مماتأكلون ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتى من بعد ذلك عام يغاث الناس فيه وفيه يعصرون " ولما عاد الساقى للملك بتفسير الحلم قال الملك للحاشية :احضروا يوسف فذهب رسول من الملك ليوسف (ص)ليخرجه من السجن فرفض يوسف (ص)الخروج وقال للرسول عد لرئيسك فاستفهم منه ما أمر النسوة اللاتى قطعن أيديهن إنى إلهى بمكرهن عارف وهذا يعنى أنه طلب أن يكون يوسف (ص)مستشاره الخاص وبعث من يحضره من السجن فرفض الخروج حتى يحقق الملك فى قضية النسوة اللاتى قطعن أيديهن وتظهر من خلال التحقيق براءته وفى هذا قال تعالى "وقال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة التى قطعن أيديهن إنى ربى بكيدهن عليم "ولما عاد الرسول برد يوسف (ص)للملك استدعى الملك النسوة ثم سألهن :ما أمركن حين حدثتن يوسف عن شهوته ؟قلن :حاش لله ما عرفنا منه من فاحشة وعند هذا قالت امرأة العزيز :الآن ظهر الحق أنا حدثته عن شهوته وإنه لمن الصادقين ذلك ليعرف أنى لم أفترى عليه بالغيب وإن الله لا ينجح مكر المفترين وفى هذا قال تعالى "قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "من هذا يتضح أن الملك حقق رغبة يوسف(ص) فأجرى تحقيقا فى القضية فاعترفت النسوة بالحقيقة وهى براءة يوسف (ص)وقالت امرأة العزيز وما أخلى نفسى من التهمة إن النفس لموسوسة بالفاحشة إلا من رحم إلهى إن إلهى تواب نافع ومن هذا يظهر لنا إيمان المرأة وفى هذا قال تعالى "وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم " بعد انتهاء التحقيق قال الملك للحاشية :احضروه لى استشيره لنفسى فذهبوا للسجن وأحضروا يوسف (ص)فلما تحدثا قال الملك إنك اليوم عندنا مكين أمين والمراد مطاع مخلص فقال يوسف :عينى على ثروات البلاد إنى حفيظ عارف ويتضح لنا من هذا أن الملك جعل يوسف (ص)مقربا منه فطلب منه أن يعينه وزيرا للإقتصاد الذى هو ثروات البلاد وبين سبب طلبه وهو حفظه أى أمانته وعلمه بكيفية الاستفادة القصوى منها أى من ثروات الأرض وفى هذا قال تعالى "وقال الملك ائتونى به استخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قالب اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم "واستجاب الملك لطلب يوسف (ص)فأصبح هو عزيز مصر أى وزيرها الأول وبذلك مكن الله ليوسف (ص)فى البلاد يتصرف فيها كيف يريد فى أى مكان يريد وفى هذا قال تعالى "وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء"وبعد مدة لا نعلم قدرها أتى اخوة يوسف (ص)لمصر فدخلوا عليه فعرفهم وأما هم فلم يعرفوه وفى هذا قال تعالى "وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "ومن هنا يتضح لنا أن يوسف (ص)كان يدخل عليه كل الناس لقضاء حوائجهم وهذا يعنى أن الوزير لا يمنع أحد من مقابلته وأن يوسف (ص)عرف أخوته بسبب عدم تغير أشكالهم عما كانت عليه أيام كان معهم لأنهم كانوا كبارا وأن اخوة يوسف (ص)لم يعرفوه والسبب هو تغير شكله لأنه كان طفلا صغيرا وأما الآن فقد أصبح شابا كبيرا والصغير يتغير شكله بسبب تغيرات البلوغ الحجم وبعد جلوس يوسف (ص)مع اخوته اتفق معهم على التجارة ثم جهزهم بجهازهم والمراد أعطاهم حاجتهم حسب ما ذكروا عن عددهم وقال لهم احضروا لى أخ لكم من أبيكم ألا تعرفون أنى أتم الكيل وأنا أفضل العاطين فإن لم تجيئونى به فلا كيل لكم عندى ولا تجيئون ومن هنا نعرف أن يوسف عمل نظام البطاقات الذى يكتب به العدد والقرابة فى مصر ومن ثم طالب اخوته بإحضار الأخ الغائب ليتسلم نصيبه بنفسه وشدد عليهم فى إحضاره لأنه سيمنع الكيل عنهم إن لم يحضروه وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون إنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون " وطبعا يوسف (ص)أراد من وراء احضار أخيه تدبير مكيدة لاخوته حتى يتعلموا الدرس الذى لن ينسوه بعد ذلك قال الإخوة له سنحدث عنه آباه وإنا لعاملون وفى هذا قال تعالى "قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون "وعند هذا خرج يوسف (ص)وقال لعماله ضعوا سلعهم فى أماكنها لعلهم يعلمون بها إذا عادوا لأسرهم لعلهم يعودون ومن هنا يتضح أن يوسف (ص)رد لاخوته السلع التى أرادوا بيعها له فى مقابل الطعام وكان هدفه من الرد هو معرفتهم عدل العزيز حتى يعودا له وفى هذا قال تعالى "وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "ولما عاد الأولاد ليعقوب (ص)قالوا :يا أبانا منع العزيز الطعام عنا فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحامون ووضح الأولاد للأب أن السبب فى منع العزيز للطعام عنهم هو عدم حضور أخاهم معهم وأنهم سيحمون أخيهم إذا ذهب معهم من أجل الكيل وفى هذا قال تعالى "فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون "فقال لهم الأب هل أحفظكم عليكم إلا كما حفظتكم على أخيه من قبل فالله أفضل حافظا وهو أفضل النافعين ؟يتضح من الرد أن الأب وافق على رحيل الابن معهم كما وافق على ذهاب يوسف (ص)معهم من قبل وأن الأب واثق من حماية الله للإبن وفى هذا قال تعالى "قال هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين "وبعد موافقة الأب فتح الأولاد متاعهم فاندهشوا من وجود وجود سلعهم فيها والسبب فى دهشتهم وعدم إحساسهم طول الرحلة بعودة السلع وردها هو تفكيرهم المستمر فى رد الأب على طلب أخيهم وعند هذا تأكدوا من عدالة العزيز فعادوا للأب وقالوا يا أبانا الذى نريد هذه سلعنا عادت إلينا ونطعم أسرنا ونصون أخانا ونزداد كيل بعير ذلك حمل يسير ومن القول يتضح أن ما أراده يوسف (ص) قد تحقق وهو رغبة الإخوة فى العودة وأن الأولاد بينوا للأب أسباب طلبهم وهى بيع السلع وإطعام الأسر وحماية الأخ وزيادة كيل وفى هذا قال تعالى "ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير "فقال لهم يعقوب (ص)لن أبعثه معكم حتى تعطونى قسما بالله لتجيئونى به إلا أن يحاط بكم ،واستجاب الأولاد فأقسموا بالله على أنهم سيأتون بأخيهم إلا أن يقتلوا جميعا أو يأسروا أو يجرحوا أى يصيبهم ما يمنعهم من إعادة أخيهم فقال يعقوب (ص)الله على ما نقول شهيد وقد قصد يعقوب (ص) من القسم تخويف أولاده من عقاب الحنث بالقسم حتى يرتدعوا فى حالة ما إذا كان الشيطان قد وسوس لهم بشىء وفى هذا قال تعالى "قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل "قال يعقوب (ص)لأولاده :لا تذهبوا من مدخل واحد واذهبوا من مداخل متباعدة وما أمنع عنكم من الله من شىء إن الأمر إلا لله عليه اعتمدت وعليه فليعتمد المؤمنون ،وأمر يعقوب (ص)الأولاد هنا بدخول البلد من طرق متباعدة بدلا من طريق واحد وسبب هذا الأمر هو خوفه عليهم من الهلاك فإذا كان خطر فى طريق أصاب من ذهب فيه وبقى الأخرون سالمين وقد بين يعقوب (ص)لهم أن الله لو قضى لهم بالهلاك فلن يستطيع هو منعه عنهم وأن عليهم الاعتماد على الله أى الحذر حسبما قال الله وفى هذا قال تعالى "قال يا بنى لاتدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت فليتوكل المتوكلون "وأطاع الأولاد لأمر الأب فدخلوا المدينة من طرق مختلفة وطبعا لم يكن هذا ليمنع عنهم شىء إذا أراد الله بهم ضررا ولكن أمر الأب كان لحاجة فى نفسه أى لرغبة فى نفسه هى إبقاء أكبر عدد منهم على قيد الحياة وطبعا يعقوب (ص)فعل ذلك بسبب علمه الذى علمه الله إياه وفى هذا قال تعالى "ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه "وبعد أن دخل الأولاد من الطرق المتباعدة تجمعوا عند مقر العزيز ثم دخلوا عليه فصرف يوسف (ص)
أخوته عدا أخيه الذى احتضنه ثم قال له :إنى أنا أخوك فلا تحزن على ما كانوا يصنعون وفى هذا قال تعالى "ولما دخلوا على يوسف أوى إليه أخاه قال إنى أنا اخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون "ثم اتفق يوسف (ص)مع أخيه على المكيدة حتى يعلموا اخوتهم درسا لا ينسونه ثم يجمعوا شمل الأسرة بعده وابتدأ يوسف (ص)المكيدة بوضع الكيل فى رحال الاخوة ثم وضع السقاية وهى صواع الملك فى رحل أخيه ثم تركهم يسيرون مسافة ثم بعث خلفهم منادى ينادى أيتها العير إنكم لصوص وفى هذا قال تعالى "فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون "عند ذلك أقبل الإخوة على المنادى وصحبه لتأكدهم من انهم لم يسرقوا وقالوا :ماذا تفقدون ؟والمراد ماذا سرق منكم ؟قالوا ضاع صواع الملك ولمن أتى به كيل بعير وأنا على إعطاءه أمين ومن هذا القول يتضح أن يوسف (ص)وضع جائزة لمن يأتى بالشىء المسروق وذلك إتماما وإحباكا للمكيدة وفى هذا قال تعالى "قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "قال الإخوة : والله لقد عرفتم ما أتينا لنخرب فى البلاد وما كنا لصوص فهنا أقسم الإخوة بالله على براءتهم قال العزيز ومن معه فما عقاب السارق إن كنتم كاذبين ؟قالوا استعباده من لقى فى رحله فهو عقابه هكذا نعاقب السارقين ويتضح من هذا أن عقوبة السارق فى شريعة إبراهيم (ص) وإسحق (ص)ويعقوب (ص)وهى استعباد السارق وفى هذا قال تعالى طقالوا تا لله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين "وعند هذا وضع الكل رحالهم على الأرض فبدأ يوسف (ص)بتفتيش أوعيتهم وهى رحالهم قبل أن يفتش رحل أخيه وفى النهاية أخرج السقاية من رحل أخيه وهكذا نجح كيد يوسف (ص)حتى يأخذ أخيه فى دين وهو حكم الملك لأن الله أراد هذا وفى هذا قال تعالى "فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله "وعند هذا قال إخوته إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل وهذا يعنى إتهامهم ليوسف (ص)بالسرقة لحادثة حدثت وهو طفل صغير وهو لا يعرف معنى السرقة ولا يعاقب عليها وعند هذا أخفى يوسف (ص)أمر الحادثة فى نفسه ولم يظهر براءته لهم ثم قال أنتم أسوأ مقاما والله أعرف بما تقولون ومن هنا نعرف أن يوسف (ص) أراد أن يظهر لإخوته براءته من التهمة ولكنه أمسك نفسه حتى تتم المكيدة وفى هذا قال تعالى "قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصنعون"قال الإخوة :يا أيها العزيز إن له أبا عجوزا كبيرا فأمسك أحدنا مكانه إنا نعرفك من المصلحين وهذا يعنى أنهم أرادوا تنفيذ القسم حتى ولو لحق بأحدهم الضرر حتى يعيدوا أخيهم لأبيهم وفى هذا قال تعالى طقالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "وقال لهم يوسف (ص) :أعوذ بالله أن نستعبد إلا من لقينا حاجتنا لديه إنا إذا لكافرون فهنا رفض طلبهم لأنه ظلم لا يفعله خوفا من الله وفى هذا قال تعالى "قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "ولما قنط الإخوة من استجابة العزيز لطلبهم اجتمعوا فى مكان للتشاور فقال أكبرهم :ألم تعرفوا أن أباكم قد أخذ منكم قسما بالله ومن قبل أضعتم يوسف فلن أترك البلد حتى يسمح لى أبى أو يقضى الله لى وهو حسن القاضين ويتضح من هذا أن الإخوة اجتمعوا للتشاور مع بعضهم وأن أكبر الإخوة ذكرهم بقسمهم مع الأب وأعلن لهم أنه لن يترك المدينة حتى يسمح الأب له بالعودة أو يوحى الله حكما فيه وفى هذا قال تعالى "فلما اسيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل فرطتم فى يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى أو يحكم الله لى وهو خير الحاكمين "ثم قال الأخ الكبير عودوا لأبيكم فقولوا يا أبانا إن ولدك سرق وما شهدنا إلا بما عرفنا وما كنا للمجهول عالمين وفى هذا قال تعالى "ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين "ثم قال الأخ الكبير وقولوا له واسأل أهل القرية التى كنا فيها وأصحاب العير التى جئنا فيها وإنا لصادقون وفى هذا قال تعالى "وسئل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون "قال الأولاد لأبيهم ما أوصاهم به الأخ الكبير فقال الأب لهم لقد زينت لكم شهواتكم كيدا فصبر عظيم عسى الله أن يجيئنى بهم جميعا إنه هو العارف الحكيم وطبعا لم يصدق الأب أولاده فى الأمر والسبب هو كذبهم فى أمر يوسف (ص)واتهمهم بتدبير مكيدة للتخلص من أخيهم وفى هذا قال تعالى "قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "وأعرض الأب عنهم وخاصمهم وقال يا حزنى على يوسف ونتيجة حزنه ومن ثم نزول دموعه باستمرار أصيب بالعمى المسمى ابيضاض العين وفى هذا قال تعالى "وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم "فقال الأولاد له :والله تظل تتذكر يوسف حتى تكون غاضبا أو تكون من الهالكين وهنا أوضح الأولاد للأب نتيجة حزنه وهو غضبه المكتوم أو هلاكه وفى هذا قال تعالى "قالوا تا لله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين "قال لهم يعقوب (ص)إنما أقول همى وغمى إلى الله وأعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الأب لأولاده أن شكواه هى إلى الله وليس إليهم وأن يعرف من الله ما لا يعرفون وهو بقاء يوسف (ص)على قيد الحياة ثم قال لهم يا أولادى ارحلوا فابحثوا عن يوسف وأخيه ولا تقنطوا من رحمة الله غنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكاذبون وهنا يطلب الأب منهم البحث عن الأخوين حتى يعيدوهم مهما طال زمن البحث فعليهم ألا يقنطوا من لقاءهم وفى هذا قال تعالى "قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله غلا القوم الكافرون "وترك بعض الأولاد الديار وذهبوا للبحث فذهبوا للعزيز ودخلوا عليه فقالوا كيا أيها العزيز أصابنا وأسرنا الذىا واتينا بتجارة جيدة فأتم لنا الكيل وزد لنا إن الله يثيب الزائدين ومن هنا يتضح أن المجاعة اصابت القوم ومن ثم فهم يطلبون حقهم وشىء زائد فوقه حتى يمنعوا عنهم وعن أسرهم أذى الجوع المنتشر وفى هذا قال تعالى "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين "فقال لهم يوسف (ص)هل عرفتم ما صنعتم بيوسف وأخيه حين كنتم كافرون "وفى هذا قال تعالى "قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ انتم جاهلون "أنهى يوسف (ص)المكيدة بهذا السؤال حتى يلم شمل الأسرة ولذا عرفه اخوته فقالوا إنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يطع ويتبع الله فإن الله لا يضيع ثواب المصلحين وفى هذا قال تعالى "قال إنك أنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا غنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "قال الأخوة والله لقد فضلك الله علينا وإنا كنا لمذنبين قال يوسف لا لوم عليكم اليوم يتوب الله عليكم وهو انفع التوابين خذوا قميصى هذا فارموه على وجع والدى يرتد مبصرا وجيئونى بأسركم جميعا ومن هنا نعرف أن الإخوة عرفوا الحق وهو أن الله فضل يوسف (ص)عليهم وأن يوسف قد غفر لهم ذنبهم معه وطلب من الله أن يغفر لهم وأن على بعضهم الذهاب بقميص يوسف (ص)لرميه على وجه يعقوب (ص)حتى يعود بصره له ثم المجىء بالأسر كلها وفى هذا قال تعالى "قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين اذهبوا بقميصى هذا فالقوه على وجه ابى يأت بصيرا واتونى بأهلكم أجمعين "ولما جاءت القافلة لديار يعقوب(ص)انفصل الأولاد عنها للمجىء له بالقميص وإخباره عند هذا قال لمن معه من الولاد كإنى لأشم رائحة يوسف لولا أن تكذبون فقالوا له والله إنك لفى تيهك السابق فلما أن أتى البشير رمى القميص على وجه يعقوب (ص)فعاد مبصرا فقال لأولاده ألم أحدثكم انى أعرف من الله الذى لاتعرفون وفى هذا الجزء حدثت معجزتان الأولى شم يعقوب (ص)رائحة يوسف (ص)من مسافة بعيدة لا يمكن الشم منها أبدا والثانية رجوع البصر ليعقوب (ص)دون علاج برمى القميص على وجهه وفى هذا قال تعالى طولما فصلت العير قال أبوهم إنى لجد ريح يوسف لولا أن تفندون قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم فلما ان جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم اقل لكم إنى اعلم من الله ما لا تعلمون "قال الأولاد للأب يا أبانا استغفر لنا خطايانا إنا كنا مذنبين فقال :سوف أطلب لكم من اللع الغفران إنه هو الغفور الرحيم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف طقالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم "واجتمع كل أهل يعقوب (ص)وسارت القافلة لمصر فلما دخلوا بيت يوسف (ص)احتضن يوسف (ص)ابويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين ثم أجلس والديه على كرسى الملك وعند هذا سجد له الأبوان والإخوة وهو سجود تكريم فقال يوسف لأبيه يا أبى هذا تفسير منامى من قبل قد جعلها إلهى حقا وقد أحسن الله بى حين أخرجنى من السجن وجاء بكم من البادية من بعد أن أوقع الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يريد غنه هو العليم الحكيم ومن هنا نعلم أن رموز الحلم وتفسيرها هى الشمس الأم والقمر الأب والأحد عشر كوكبا هو الإخوة الأحد عشر والسجود هو الدخول تحت حكمه وفى هذا قال تعالىطفلما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرا إن شاء الله أمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين أخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم "ثم توجه يوسف (ص)لله فقال رب قد أعطيتنى من الحكم وعرفتنى من تفسير الحاديث خالق السموات والأرض أنت ناصرى فى الدنيا والأخرة أمتنى مسلما وألحقنى بالمسلمين وفى هذا قال تعالى "رب قد أتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض انت ولى فى الدنيا والأخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين ".
تكذيب يوسف (ص)إن أهل مصر رغم كون يوسف (ص)كان عزيزا لبلدهم إلا أنهم رغم غنقاذه لهم من المجاعة لم يصدقوا برسالته وكذبوه إلا قليلا منهم امرأة العزيز وفى هذا قال تعالى بسورة غافر "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا "وأهلك الله القوم الكفار وأنجى يوسف (ص)ومن أمن برسالته .
وصية يعقوب (ص):
لما حضر يعقوب (ص)الموت قال لأولاده ماذا تعبدون من بعد وفاتى ؟قالوا نعبد إلهك وإله ابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون وفى هذا قال تعالىا بسورة البقرة "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون "وكان يعقوب (ص)قد وصاهم فقال عن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تاموتن إلا وأنتم مسلمون

اجمالي القراءات 31738