الظلم - وكيف يكون شتى

يحي فوزي نشاشبي في الجمعة ٢٤ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                     بسم الله الرحمن الرحيم 

                                     الظّــلم وكيف يكون شتى

إن بعض الأحداث تجعل المرء يتأمل ويحدّق في كلمة الظّلم وفي فعل ظلم أكثر من المعتاد . ويتساءل في الأخير قائلا :
قد تكون هناك أنواع وألوان شتى من مفاهيم حول هذا الفعل المتعدي والمعتدي على الغير .
النوع الأول : هو ذلك الشخص الذي تتغلب عليه أنانيته وجشعه فيلحق الضرر بغيره إن حرمانا أو اغتصابا أو انتهاك&Ccededil; وهو واع وعالم أنه ظالم .
النوع الثاني : فهو ذلك الشخص الذي يصدر عنه نفس التصرف المذكور أعلاه لكنه يراه حقا من حقوقه ولا يتصور أدنى تصور نوع أو حجم أو ثقل الضرر الذي يلحقه بالغير ، ولعله يصبح أصما أمام كل تأنيب أو أي وخز ضمير .
النوع الثالث : هو ذلك الشخص الذي يكون بكيفية أو بأخرى أقنع نفسه بأنه هو فقط المظلوم والمهان .
وأما عن المواقف والتصرفات والأقوال والأفعال التي ترسم أنواع الظلم ، فبقليل من الإنتباه والتأمل يمكننا أن ننهلها من بحر .

01) التصرفات التي تتخذ آيات الله هزؤا ، ومنها ذلك الذي يظلم نفسه في موقف الطلاق بينه وبين زوجته ، فلا يلتزم بما عليه من واجبات ، فيعتدي على مطلقته بعد أن تكون بلغت أجلها فيرفض تسريحها ويتفنن في تنغيص حياتها .( سورة البقرة رقم 231).

02) الظلم الذي يصدر عن أحد الطرفين– الزوج أوالزوجة – فيدوس أحدهما أو كلاهما دوسا مفضوحا ذلك الحد الذي قرره الله ووضعه وهو العدة ، حيث قال في سورة الطلاق : ( با أيها النبيئ إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا .) رقم 01.

03) الذي لا يتورع فيمارس الجهر بالسيئ من القول بدون أي مبرر أو دافع أو ضرورة .

04) الشرك بالله : ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنـيّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) – لقمان -13-

05) عقوق الوالدين ظلم – الآية رقم 23- الإسراء -
06) الإستجابة للوالدين وطاعتهما ظلم ، بل هو ظلم عظيم ، وقد حذر الله الإنسان حتى لا يقع في ذلك في قوله عزّ وجـلّ : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهــداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلــيّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . ) - العنكبوت – 08
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلــيّ ثم إلــّي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) 15- سورة لقمان –

07) الغرور والكبر :
( ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور.) -18- لقمان –

08) الإعتداء على الآخرين بانتهاك حرمة وقدرة حاستهم السمعية .
وأما عن الأمثلة في هذا الموضوع فلكل أن يحدث ولا حرج ، لأن الأمثلة سينهلها نهلا . ومنها مثلا :
أن يقيم شخص حقل زفاف فيحرص في إعداد وضبط قائمة مدعويه فيفتخر ويذهب مزهوا بأن عدد ضيوفه بلغ مئات ، ولكنه يغفل أو يتغافل أن الحقيقة هي غير ذلك ، وكيف ذلك ؟
إنه يثبت فوق سطح منزله وفي كل زواياه إن أمكن مضخمات الصوت فتنطلق الحفلة ساهرة وفوهات مضخات الصوت مصفرة صارخة غير باحة نافثة وباصقة كل ما يحلو لها ، وبقطع النظر عن ما تبثه إن تلاوة قرآن أو مديح أو أناشيد أو أمر بمعروف – بأسلوب غير معروف – أو بغير معروف – أو موسيقى ، وهكذا يكون صاحب هذا العرس سهر وفرح ومرح واختال وافتخر لكن على حساب مئات أخرى إن لم تكن آلافا غير واردة أسماؤها بقائمة ضيوفه ومن غير المدعوين لهذا العرس. وغير حاضرين . والطامة الكبرى أن من عادة ظلمنا هذا الليلي أنه يستمر ويمتد ويسترسل وقد يقترب قليلا أو كثيرا من الفجر الكاذب. وبكل اختصار تنطلق هذه الأصوات المنتهكة للحرمات والحريات والناس أيقاظ رغم أنفهم يتجرعون أنواعا شتى من مرارة الأرق.
وباختصار اشد تتحول هذه المناسبة التي يخالها صاحبها سعيدة إلى مناسبة ملوثة للسمع .
بل وحتى الواعظ من على منبره ، عندما يذهب نفسه حسرات ويسقط صريع التشنج فيتحول صوت وعظه وإرشاده إلى سوط عذاب .
ولأمر ما جاءت موعظة سيدنا لقمان عليه السلام لابنه قائلة : ( يا بنـيّ إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) – 16- لقمان –
ثم ( ولعل بيت القصيد يكمن في ما يلي: )
( واقصد في مشيك واغضــض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
- لقمان – رقم 19 –

09) أما عن المآسي التي تحدثها الكلمة الخبيثة ، فهنا أيضا لك أن تحدّث ولا حرج وبكثير من الأسف ، ثم لأمر ما ضرب الله لذلك مثلا في حديثه المنزل :
( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبـت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.) 26 + 27 – سورة إبراهيم –

10) وهناك أنواع هائلة من إهانة بعضنا بعضا ناجمة عن غفلة وغرو وعجب وعن النفس الأمارة بالسوء - لاسيما وهي العدو الحميم – وقد لخص الله العزيز الخبير ذلك في الآيات : 11+ 12 + 13 - بسورة الحجرات – وهي هضم حقوق الآخرين والسخرية منهم والتنابز بالألقاب والظن السيئ والإسراف فيه والتجسس والغيبة والإعتداء على فعل برئ هو من أجل وأحب وأنبل الأفعال ، وهو فعل - لتعارفوا - ولـيّ عنقه وتحويله في الأخير إلى فعل – لتعــاركوا – في الآية رقم 13 – بسورة الحجرات -

11) المعلم في القسم عندما يهين التلميذ لأنه لم يـأت بالجواب الصحيح .
12) الوالدان عندما يسرفان في شكر أحد الأولاد بمسمع ومرأى من الشقيق أوالأشقاء
والعكس صحيح هو الآخر ، وكلا الأسلوبين ظلم سواء الأول المثير للغيرة أو حتى الحسد أو الثاني الجارح المهين .

13) الأنثى عندما تهاون وتبخس في حقوقها الإرثية مثلا أو عندما يمرض أخوها الذكر فسرعان ما يلتجأ إلى الطبيب ، وأما إذا زارها هي مرض فإن ذكر الطبيب يأتي على مضـض .

14) وتلك المؤسسة التي تتدخل في عملية ما لإصلاح عطب في شبكة مياه أو غاز أو مجار مثلا ، فتصلح العطب وتنسحب غير آبهة وغير مكترثة بما أحدثته من حفر وربما خنادق وتخريب وتشويه في الطريق العمومي ، وبأسلوب فيه مسحة من تحدّ وهجاء للجميع ، متجاهلة واجبها وهو أن عملها لا يعتبر عملا متقنا وتاما وعملا صالحا إلا بعد أن تصلح كل عطب وترجع كل شئ إلى أصله الأول السليم .
وإن ما يشير من جهة أخرى إلى أن عمال تلك المؤسسة يحلو لهم التقصير في عملهم ، أنهم يحرصون كل الحرص في فتح أبواب عدادات الماء – بصفة خاصة – بآلاتهم ومفاتيحهم التي لا يمكن أن تصمد أمامها الأبواب ، فيقرأون ما كتبه العداد فينصرفون تاركين الباب مفتوحة – إصرارا منهم وظلما – معرضين العداد إلى كل ما يمكن تصوره من اعتداء وتخريب وبالتالي معرضين صاحب العداد المعني إلى كل المساءلات والسلبيات والمطالبات والتكاليف التي ستفاجئه حتما إن آجلا أو عاجلا .

15) وتلك الوثيقة الرسمية التي مفادها أن شخصا (مسلما ) توفي ببلد أوروبي، فاتخذت الإجراءات اللازمة لحصر ورثته وحصل ذلك فعلا حيث أن المذكور بالوثيقة أنه ترك ورثة وهم أولاده من ذكور وإناث – وهم مقيمون داخل (الوطن المسلم ) فلما جاء التساؤل القائل:
- وزوجته ؟ لماذا لم تذكر ؟ أليست وارثة ؟
جاء الرد ( المفاجئ) : لأنها غير مسلمة ومقيمة بالخارج .
وسكت السائل مخاطبا نفسه: أليس في هذا إجحاف وظلم ؟ هل يعقل أن يتفق المسلمون جميعهم على هذا ؟
وهناك صورة أخرى واقعية ، لعل الواجب هو ذكرها ، على سبيل الإنصاف ولعل الحقيقة ستنفجر في يوم من الأيام !?
إن رجلا كان هو الوارث الوحيد لشقيقه .
فتوفي هذا الرجل بدوره وخلف 03 أولاد ذكورا و03 أولاد إناثا .
فجاءت الوثيقة الرسمية قائلة : إن ورثته هم أولاده الذكو الثلاث فقط ، متجاهلة الإناث . فرفع التساؤل رأسه ثم طأطأها بعد أن جاءه الرد المسكت ( لكنه غير مقنع ) قائلا :
إن ذلك هو رأي الفقهاء ، وإن هذه الحالة تقتضي اعتبار حق الورثة الذكور وتقتضي هضم حق الإناث . ( أما ما يقوله الله في تعليماته المنزلة ) فهو وحده العالم !? .

16) وصورة ذلك الأب العامل اليومي المسكين الذي يكون متوجها وفي يده فاتورة كهرباء ثقيلة بالنسبة لإمكانياته المحدودة لاسيما وقد أثقل كاهله بما تحمّله من دين جديد لتغطية تكاليف الفاتورة .
تصور هذا الشخص وهو يمشي ذليلا مطأطئ الرأس المثقل بالدين متوجها نحو مكاتب تلك المؤسسة المهددة بحرمانه من الكهرباء وحتى من الغاز إن هو لم يكن في الموعد ولم يحترم الأجل المضروب للتسديد .
تصور هذا الشخص المغلوب على أمره وهو يمشي ثم ولأمر ما– ومن غير عادته - أنه رفع شيئا ما رأسه ليواجه بمنظر معبر بأسلوب بليغ فصيح ومبين لمعنى الإسراف والتهور ولمعنى التحدي والهجاء والسخرية والإستهزاء ولمعنى العار في من ينهى عن خلق ويأتي مثله .
ماذا يكون رآه فوق رأسه يا ترى ؟ هذا الرجل المطأطئ رأسه ؟
بينما هو يمشي الهوينى متيمما مكاتب شركة الكهرباء والغاز رأى فوق رأسه وأمامه طابورا مكونا من عشرات من الأعمدة الكهربائية للإنارة العمومية ، رآها وهـي ( منيرة ) وأضواؤها ساطعة متطاولة لتنافس الشمس في وضح النهار .
وعلى الرغم من الذهول الذي يكون غطاه فإنه استمع إلى تساؤل نابع من داخله:
وهذه (اللمبات ) التي لا تعد ولا تحصى ، أو هي تعد وتحصى بالآلاف وهي متقدة أياما وأياما في بحر السنة ، فما هو يا ترى حجم ما تكون استهلكته ؟ ومن هو يا ترى المسؤول في هذا الإسراف ؟ فما هو يا ترى حجم وثقل ولون هذا الظلم ؟

17) وذلك الشخص أو ذلك المسن أو ذلك الطفل الذي يوقظ من نومه -بعد منتصف الليل حتما – على رجفة واضطراب وهلع ، لا يدري ماذا جرى وماذا حدث ؟ وإذا بالحقيقة تقول : ليس هناك ما هو خارق ، ماعدا موكب سيارات في زفة عروس لا يحلو لأهل العرس إلاّ الإنفجار بعد منتصف الليل بقليل أو بكثير محولين أبواق السيارات وأبوابها إلى ضوضاء وإلى أنكر الأصوات وما أدراك ما هي من أصوات منكرة وملوثة للأجواء .
ومن يدري ؟ لعل الجميع يعتقدون أنهم يحسنون صنعا وأن كل ذلك الهرج وتلك الإنتهاكات والإعتداءات تندرج في مراسيم العرس أو من مناسكه ( إن جاز هذا التعبير).

18) وهناك ظلم آخر، يتمثل في تصرفات بعض المسلمين– والأمنية هي أن يكونوا قلة – وهي اعتقادهم أنهم يحسنون صنعا ويطمعون في أن يؤجروا عند الله عندما ينتهكون حرمة مقبرة جالية يهودية وينبشونها نبشا ويعيثون فيها إتلافا وبعثرة وعندما ينتهكون حرمة كنيستهم ويتفننون في تشويهها بكل ما أوتوا من شهوة التخريب لإشفاء غليل غريب دفين مفعم بالحقد والضغينة والغل والسخرية ، وكذلــك الأمر بالنسبة لكل من تجرأ من المسيحيين فزار المقبرة ، لأن مصيره هو أن يرشق بالحجارة .
19) وعندما نتأمل هذه التعليمة القرآنية :
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) 190 – البقرة
بل عندما نتأمل ما جاء في الآيات من 190 إلى 193 في سورة البقرة نلاحظ أن الله حريص في تنبيه المسلمين إلى واجب ضبط النفس حتى بالنسبة لمن يقاتلهم في المسجد الحرام وما أدراك ما هو ، تنبيههم إلى عدم الإنسياق وراء شهوة الإنتقام وإشفاء الغليل ، لأن ذلك محرم ولأنه ظلم ولأن الله لا يحب الظلم .

20) وظلم آخر مقترف – مع الأسف – بشكل واسع ومنذ قرون وهو اتهام رسول الله محمد عليه الصلاة والتسليم بما لم يأت به ولم يقله ولم يأمر به .

21) وهكذا قد ينفــد حبر حزمة من أقلام قبل أن تنفد تلك الصور العارضة لألوان الظلم الذي يلحقه الإنسان بأخيه الإنسان ، بل الأدهى والأمر ذلك الظلم الذي يلحقه كثير من المسلمين بالأمانة التي حمّلوها فلم يحملوها فشوهوها وعرضوها في تلك الصورة المهزوزة .





اجمالي القراءات 13940