دبي - العربية.نت
خصّ مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو قناة "العربية" بمتابعة خاصة لقرار إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، فحضر في استوديو القناة لفترة زادت على الساعة، علّق خلالها على قرار المحكمة، وشرح خلفياته، والخطوات المنوي إجراؤها مستقبلاً.
وقال أوكامبو للزميل طلال الحاج إنه "لابد للبشير من أن يواجه قدره، سواء بعد شهرين أو سنتين"، مقارناً القضية بحالة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، الذي حوكم بتهم بارتكاب جرائم حرب ضد المسلمين في إقليم كوسوفو، والبوسنة وكرواتيا. وأيضاً حالة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، الذي يواجه 17 تهمة بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية بسبب الدور في الحرب الأهلية الشرسة التي دارت في سيراليون حين اتهم بمساندة متمردين اشتهر عنهم تمثيلهم بالمدنيين.
وهذه أول مذكرة توقيف تصدرها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس دولة يمارس مهامه منذ تأسيسها في 2002. وعمر البشير (65 عاماً) متهم بارتكاب جرائم في دارفور, الاقليم الواقع في غرب السودان والذي يشهد حرباً اهلية منذ 2003 اوقعت 300 الف قتيل و2.7 مليون نازح بحسب الامم المتحدة, في حين تؤكد الخرطوم ان النزاع لم يسفر عن اكثر من 10 آلاف قتيل.
وأكد المدّعي الدولي أن المذكرة ستلاحق الرئيس السوداني في أي بلد حلّ فيه، ملمحاً إلى إمكانية اعتقال البشير بمجرد سفره، إذ يمكن تعقبه وتوقيفه في الجو، "فلم يعد قادراً على التنقل بحرية وحضور المؤتمرات الدولية"، خاصة في البلدان الموقعة على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية. وتعليقاً على إعلان البشير نيته حضور قمة الدوحة المقبلة، أكد المدعي العام أن هذه المشاركة يمكن أن تعرض البشير للتعقب والاعتقال، "من قبل الدول التي التزمت بالمحكمة الدولية"، مضيفاً أن المذكرة "ستلاحق البشير بمجرد خروجه من السودان، داعياً الحكومة السودانية لتوقيف الرئيس، مذكراً إياها بأنه "لا يمكنها رفض قرارات مجلس الأمن".
وعن الفترة المتوقعة لتسلّمه، أكد أوكامبو أنه سيقدم إخطاراً بالمذكرة إلى مجلس الأمن الدولي في أول يوينو المقبل، "وبعدها سندفع لإنفاذها".
وبينما نفى إمكان إجراء محاكمة غيابية، شرح أوكامبو الدافع لإعلان المذكرة بشكل علني، معتبراً أن ذلك شكل خطوة ضرورية على طريق تنفيذ قرار التوقيف، من خلال إعلام الدول الأعضاء في مجلس الامن بالمذكرة، ليجري العمل على تنفيذها.
وأكد مدّعي المحكمة الدولية، في لقائه الخاص بـ"العربية"، أن قرار التوقيف لا يهدف لتغيير الحكم في السودان، كما لا يستهدف الرئيس البشير بشكل شخصي، منتقداً تركيز الإعلام على شخصية الرئيس السوداني، "بينما لم نسمع عن كيفية وقف الجرائم بحق الكثيرين، مضيفاً "الآن لن يعود بإمكان طائرات البشير أن تقصف المدنيين في دارفور. كما لن نقبل باغتصاب الفتيات في الإقليم".
وأضاف: "هناك 5 ملايين شخص يموتون ببطء في معسكرات لجوء بدارفور. وقبل أسبوعين قصفت طائرات البشير القطاع، فقتلت الأطفال وهجرت الآلاف"، وتساءل: "هل يمكن في هذه الحالة الحديث عن إمكان تهديد مذكرة التوقيف لعملية السلام في دارفور، وعن أي سلام نتحدث في هذه الحال؟".
وتابع "البشير يتحكم بكل شيء في السودان. ولدينا أدلة دامغة تظهر تورّطه المباشر في جرائم دارفور، لذلك تم إصدار مذكرة التوقيف بحقه وحده؛ لأن مثل هذه الأدلة لا تتوافر ضد شخصيات أخرى".
ولفت إلى أن المذكرة صدرت بموجب الفصل السابع من قانون مجلس الأمن الدولي، إلا أنه أكد، في المقابل، "أننا لن نطلب من أي شخص الذهاب إلى السودان لتنفيذ مذكرة التوقيف، لكن الحكومة السودانية ملزمة بموجب القانون الدولي بتنفيذ مذكرة التوقيف على أراضيها".
وعن فشل المحكمة سابقاً بتطبيق مذكرتي التوقيف بحق وزير الشؤون الانسانية السوداني احمد هارون وأحد قادة ميليشيات الجنجويد المؤيدة للحكومة علي كشيب في ابريل/نيسان 2007 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. ورفضت الخرطوم تسليمهما لأنها ترفض اي سلطة للمحكمة الجنائية عليها، قال أوكامبو "سنواصل جمع الأدلة لضمان تطبيق العدالة، سواء استغرق ذلك شهرين أو عامين".
كما نفى إمكانية عقد صفقة حول المذكرة، مشيراً إلى أن أي اتفاق من هذا النوع كان يفترض عقده قبل إصدار طلب التوقيف، وليس بعده. وأكد أن القضية لا تحمل بُعداً قومياً ولا دينية، بل تقتصر على شخص واحد، هو الرئيس السوداني.
ورداً على اتهامات "الكيل بمكيالين"، التي وجهها البعض إلى المحكمة، خاصة أنها لم تتحرك في قضايا كبرى، كاجتياح العراق، والحرب على غزة، وحتى معتقل أبوغريب، كما انها لم تطالب باعتقال الرئيس الصيني للجرائم في التيبت، على سبيل المثال، وهو ما أثار شعوراً باقتصار تطبيق القانون على الضعيف، ردّ أوكامبو بنفي المعايير المزدوجة، مؤكداً أنها تحقيقات ذات طابع قانوني محض، وترتبط بالسلطات القضائية للبلدان.
وأضاف "السلطة الفلسطينية قدمت طلباً للتحقيق في جرائم الحرب على غزة، ونحن ننتظر الأدلة التي يمكن أن توفرها لها، مع الجامعة العربية، للمضي قدماً في التحقيقات وتقييم الوضع؛ لأن جرائم الحرب في غزة كانت فظيعة".