إن ربك " هو " أعلم, وليس أنا, أو أنت, أو هو, أو هى!!
يقول صدق من قال فى كتابة الحكيم فى سورة الأنعام رقم 116 و 117
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
والمعنى المفهوم ببساطة, بل بمنتهى البساطة, ودون فلسفة لغوية أو عبقرية فكرية , أو لف ودوران, كما هو واضح من الآيتين , أن طاعة أكثر من فى الأرض سوف تؤدى الى الضلال, لأنهم ببساطة يتبعون – الظن – وعكسه اليقين, أى أن ما يتبعونه هو مجرد التخمين الذى ليس له أساس من الحقيقة, والتخمين كما نعلم قد يحتمل الصواب أو الخطأ, وهو ليس مبنيا على علم كامل او معرفة تامة أو يقين, ولذا فإن المولى يستطرد فى الآية التالية ليقول إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
وليس تكرار كلمة ( هو ) مجرد حشو فى أيات القرآن حاشا لله ان يفعل ذلك, وكان من الممكن ان تكون الآيه دون ان يتغير المعنى على الإطلاق ( إن ربك أعلم من يضل عن سبيله وأعلم بالمهتدين ) ولكنه سبحانه وتعالى لكى يتضح المعنى ولكى يتم التأكيد لكل من لا يستطيع ان يفقه حديثه, أضاف و كرر كلمة ( هو) مرتين فى نفس الآية عامدا متعمدا, لا لسبب سوى أن يقول ويؤكد (تأكيدا مؤكدا ليس من بعده تأكيد ) لكل بنى أدم أن العلم بالهداية والضلال ليس متروكا لأى بشر كان, وأنه خاص به هو فقط, مرة أخرى, تكرار كلمة ( هو) ليس تضييعا للوقت او حشوا فى كلمات الله – حاشا لله- التى أحكمت و فصلت من لدن حكيم خبير.
الظن واليقين هما ما دارت حوله الأيتان السابقتان, والبشر كما نعرف, وكما أشارت إليه الأية الأولى, أكثرهم يتبعون الظن, الذى هو كما قلنا عكس اليقين, والظن هو التكهن بالأشياء بناء على معلومات الشخص التى قد يعتبرها دقيقة من وجهة نظره, او قد يعتبرها أقرب للدقه والصواب, فيصدر حكما او رأيا ما, وهو ما حذر الله الرسول منه , من أن اكثر الناس فى رأيهم – فيما يتعلق أساسا بالهداية والضلال وهذا هو صلب الموضوع – فهم يخرصون اى يظنون او يخمنون , لماذا, لأن الله شدد وأكد فى الآية التالية من أن موضوع الضلال والهدى هما من الأمور التى احتفظ جل جلاله لنفسه (((هو))) بمعرفتها, حتى ان الشخص الذى يتعرض لهذا الموضوع ( عن الضلال والهدى) لا يستطيع ان يجزم بثقة تامة عن نفسه وعما إذا كان هو شخصيا وهو العالم بأمورة وأعماله , قد ضل ام قد أهتدى, لا يستطيع ان يجزم ويقول انه إهتدى وأن الله يعتبره قد إهتدى وأنتهى الموضوع ولا مجال للمناقشة بعد ذلك, فهو بذلك يعطى لنفسه مقدرة وسلطة من سلطات الله عز وجل, فإن كان لا يستطيع أن يجزم عن يقين عما سوف يؤول هو اليه من هدى أو ضلال, أفلا يعنى ذلك من المنطق أن ليس له , أكرر ,ليس له ان يقرر عن أى إنسان أخر إن كان قد ضل أو إهتدى !!!!!
ثم فى سورة النحل , رقم 125 يقول عز من قال, ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .
وتتكرر كلمة ( هو) مرتين , مرة أخرى رغم أن غيابها لم يكن سيؤثر فى المعنى المراد, فبعد ان يحض الرسول على ان يدعو الى سبيل الله, ليس بالسيف او القوة أو التهديد أو الإغراء, ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة, وأن يجادلهم بالتى هى أحسن, بالهدوء وبآيات الله التى أنزلها عليه, ثم بعد ان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبعد أن يجادلهم بالتى هى أحسن, بعد كل ذلك, ليس للرسول نفسه ان يعلم من منهم قد اهتدى او لم يهتدى, لأن الله سبحانه وتعالى يستطرد لكى يوضح للرسول, بأنه هو الذى يعلم من ضل عن سبيلة وهو الذى يعلم من إهتدى. تأكيدا أخر ومرة أخرى بأنه (((هو))) الذى لديه العلم وليس الرسول الذى كان مشتركا او مشتبكا معهم فى الدعوة والمناقشة والجدل, ليس للرسول الذى كان يناقشهم ويجيب على إسئلتهم ويدعوهم الى سبيل الله أن يعرف, ففى نفس الآية, يقول له , يا محمد ليس لك ان تخرج من تلك الحوارات برأى خاص لك عن أى منهم, سواء بأنهم قد أهتدوا أم لم يهتدوا لأن ذلك العلم هو علم إختص الله به نفسه. فإن كان الرسول فيما يبدو من تلك الأية والذى كان أقرب الناس الى هؤلاء الذين ناقشهم ودعاهم الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة , لا ولن وليس له الحق ان يعلم ما ألوا اليه من الهدى أو الضلال, فكيف يمكن لأى إنسان أخر ان يقرر عمن إهتدى أو عمن ضل عن سبيل الله!!!! هؤلاء الذين دعاهم الرسول, لابد ان بعضهم قد أمن, او على الأقل قال انه أمن بما دعا اليه الرسول, ولكن ليس للرسول أن يدعى العلم والمعرفة بأن ذلك الشخص قد أمن حقا وذلك عملا بالآية وإستشهادا بها , كذلك فإن بعضهم لم يؤمن بما دعا اليه الرسول, بل ربما فقد عادوا أو إستمروا فيما كانوا عليه من شرك أو من جهل أم من كفر أو نفاق, ولكن رغم ذلك فليس للرسول أيضا أن يدعى علمه بكفر هؤلاء الذين لم يقبلوا دعوته وذلك ليس تخمينا أو تخريحا منا, ولكنه عملا وإستشهادا بنفس الآية من أيات الذكر الحكيم من القرآن.
فإن لم يكن ما جاء أعلاه كافيا لإثبات وجهة النظر هذه, فلننظر الى ما قاله سبحانه فى سورة النجم 30,
ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى.
وهنا أيضا وللمرة الثالثة فى القرآن, نجد أن الآية تكاد تكون متكررة بالحرف, وكلمة ( هو) تتكرر أيضا فى نفس الآية عن عمد, لكى يدرك الجميع أن معرفة الهداية والضلال إنما هى من إختصاص الله عز وجل , وإختصاصه وحده, وحده فقط. الرسول عليه أن يبلغ وأن يدعو ,أن يشرح وأن يناقش ويجادل , ولكنه لا يملك السلطة أن يصدر الحكم او الفتوى أو حتى أن يكون الرأى عمن إهتدى وعمن ضل عن سبيل الله, تخيل من الممكن أن يرى الرسول رؤية العين ويسمع بإذنيه أعمالهم وأقوالهم التى ربما لا تكون على أى إتفاق مع دعوته, أو العكس, التى قد تكون متفقة تماما مع ما دعاهم إليه, ولكنه ليس لديه السلطة وليس لديه المقدره وليس لديه تصريح من الله على أن يقسمهم الى فريقين , فريق إهتدى وفريق ضل, فكيف بالأخرين من البشر الذين يكفرون الأخرين ممن هم مثلهم ولربما قد يكونوا خيرا منهم.
ثم يستطرد عز وجل فى نفس السورة فى الآية رقم 32 بعدها مباشرة فيقول لمن لم تصله الرسالة بعد من الآية السابقة, وكأنه يؤكد ما قاله وما لم يستوعبه البعض, يقول جل جلاله, الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.
وهنا يتحدث مالك يوم الدين ليس للكفار ولكن للذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش, وينبههم بأنهم رغم إجتنابهم للفواحش وكبائر الإثم, ورغم أنه واسع المغفرة, غير أنه يحذرهم من أن يزكوا أنفسهم, فيقولها واضحة وصريحة تماما, لا تزكوا أنفسكم !!, ثم يتبع ذلك مرة أخرى بكلمة ( هو) ,هو أعلم بمن إتقى, مما يؤكد المعنى والرسالة التى يجب أن يفقهها كل من يقرأ القرآن ويتدبره, بمعنى حتى انت أيها الإنسان التى تتبع رسالة الرحمن فتتجنب كبائر الإثم والفواحش.........لا تزكى نفسك, لا تظن أنك قد أصبحت لا محالة أو بالتأكيد من المتقين, لأن علم ذلك ليس عندك حتى عن نفسك, ولكنه علم إختص به الله نفسه.
وكأن كل ما سبق لم يكن كافيا, فنرى سبحانه وتعالى يضرب مثالا اخر فى سورة القلم رقم 7, فبعد أن يقول - وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ , وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ , فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ, بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ. بعد ان يعده بإجر غير ممنون, ويصفه بأنه على خلق عظيم, وبعد أن يبصر ويبصرون ثم يتساءل كل منهم إيهم المفتون, يذكره سبحانه وتعالى مرة أخرى بقوله, إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.ونستخلص من ذلك بمنتهى الوضوح ان الله يقول للرسول, أى يامحمد رغم كل ما قلته لك وعنك, ورغم اننى أشدت بك بأنك على خلق عظيم , فلا تنسى ـ أيضا اننى أنا الله الذى ( هو ) يعلم بمن ضل عن السبيل وبمن اهتدى الى السبيل. تتكرر كلمة ( هو ) مرة أخرى للتأكيد.
كل ما جاء مسبقا, كان عن نقيضين يعلمهما الله ولا يعلم أحد غيره ذلك طبقا للقرآن وطبقا للآيات السابقة, بقى الأن ان نحاول أن نفسر من القرآن نفسه ما يعنيه كلا من الهدى والضلال.
يقول العزيز الحميد فى كتابه الكريم, آل عمران 164,
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ.
التفسير لهذه الآيه واضحا تماما وبدون أى تعقيد, عندما من الله على المؤمنين بأن بعث الرسول برسالته اليهم التى يتلوها عليهم, وهى بلا شك القرآن الكريم, فكان بذلك يزكيهم ويعلمهم من القرآن الحكمة, لأنهم كانوا من قبل فى ضلال مبين, الضلال المبين هو الجهل الذى كانوا عليه, اى بمعنى اخر هو العكس التام لما جاء فى الآية من التزكية ومن تعلم الحكمة والقرآن, وهذا أحد معانى الضلال من القرآن نفسه.
ثم فى سورة النساء رقم 116, يقول عز وجل, إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا , وندرك أيضا ان الضلال بلا منازع هو الشرك بالله كما تنص عليه الآية الكريمة.
أما فى سورة النساء رقم 136 فيقول عز وجل , يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا, وهنا أيضا بكل وضوح ان الضلال هو الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر.
وفى سورة النساء 167 أيضا, إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا, نجد ان الضلال هو الكفر بلا منازع
فى سورة الأنعام 74, وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ , وهنا نفهم أن الضلال هو عبادة الأصنام .
ومن سورة الأعراف. رقم 30, فريقا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ , الضلال هو من إتخذ الشيطان وليا من دون الله, غير انه يعتقد فى نفس الوقت انه من المهتدين, ويجب ان نتوقف هنا لكى نتمعن ونتدبر هذه الآية, فهؤلاء القوم الذين أتخذوا الشياطين أولياء من دون الله, فكيف حدث ذلك؟ هل إختلط الأمر عليهم, فلم يستطيعون ان يميزوا بين الله عز وجل وبين الشياطين, أم أن الشيطان خدعهم وأضلهم بأن ما يفعلونه هو ما أمر الله به , هل خدعهم فى فهم ما أمر الله به, هل خدعهم فى فهم أيات الله البينات من كتابه الحكيم , فظنوا أنهم يحسنون صنعا!!!!!! هل هذا الأسلوب هو أسلوب اخر من الشيطان بدلا من ان يغرى الإنسان بمغريات يعلمها ذلك الإنسان مسبقا بأنها مما نهى الله عنه, فإنه يغريه بما بعتقد ان الله أمر به, شيئ يستحق منا التدبر والتفكير, الم نرى بعض من كنا نعتقدهم من المصلحين المتدبرين للقرآن والدعاة اليه قد إنزلقوا الى الدعوة لأنفسهم بأنهم أنبياء او رسلا من الله!!!!!!!!!!!!
ثم نرى فى سورة إبراهيم رقم 3, الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ , نرى معنى أخر للضلال وهو تفضيل الحياة الدنيا عن الأخرة والصد عن سبيل الله.
أما فى سورة لقمان رقم11 , هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ , فنرى معنى أخر للضلال, وهو الظلم .
وفى سورة الأحزاب رقم 36, وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا, فمعنى الضلال هنا هو عصيان الله ورسوله.
أما فى سورة الزمر رقم 22, أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ, فنرى معنى أخر للضلال, وهو قسوة القلب.
فى سورة القمر, رقم 47, إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ, والضلال هنا هو الإجرام.
كانت تلك بعض المعانى التى أشتقت مباشرة من القرآن نفسه وليس من الأحاديث أو من التراث او من أى مصدر اخر, فماذا يقول القرآن عن الهدى وكيف يشرحه.
فى سورة البقرة رقم 2, ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ, القرآن يحتوى على ورسالته هى الهدى اى ان المصدر الإلهى للهدى هو القرآن.
البقرة رقم 5, أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ, الهدى هو صفة المفلحون.
البقرة 38, قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ, من يتبع الهدى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
البقرة رقم 157, أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ, الهدى هو من فاز بصلوات من الله ورحمة منه.
آل عمران, رقم 101, وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ, الهدى هو الإعتصام بالله .
هذا هو بعض قليل مما جاء فى كتاب الله عز وجل عن معنى كل من الضلال والهدى, اللذان كما قال سبحانه وتعالى أنهما من أمره هو وليسا من الأمور التى تخص او تقع تحت طائلة او مسؤولية او تقييم أو,أو أو أو .................أى بنى أدم اخر!!!!!!!!!.
من الأمثلة القليلة السابقة فى معنى كل من الضلال والهداية, نرى أن الضلال هو – وإن كان لا يقتصر على – الجهل و الشرك بالله والكفر بالله وملائكتة وكتبه ورسلة واليوم الأخر, وعبادة الأصنام وإتخاذ الشيطان وليا من دون الله, كما أنه تفضيل الحياة الدنيا عن الأخرة والصد عن سبيل الله, وهو أيضا الظلم وقسوة القلب والإجرام. كل تلك الصفات وأكثر منها تقع تحت ما يتصف الضلال به. وكل تلك الصفات هى ما حذرنا الله من أن نحكم بها على الأخرين لأنه سبحانه وتعالى إختص نفسه بعلمها, وبالتالى فمن يصف أى إنسان أخر بأى من تلك الصفات وأولها وربما أهمها الكفر فقد تعدى على إختصاص الله وجعل نفسه شريكا له فى ذلك الإختصاص , وهذا ليس مجرد رأى إستخلصناه من التراث أو من الأحاديث أو من البخارى أو من الطبرى أو غيرهم , ولكن كما يرى القارئ, كل ذلك كان من القرآن الكريم فقط, بآيات واضحة المعنى لا تحتمل التأويل كما أن ليس لها أكثر من معنى واحد بحيث يصعب على الإنسان أن يفوته ذلك المعنى.
الخلاصة ,هى ليس لنا أن نحكم على أحد أخر او ننعته بالكفر حتى وإن رأيناه وسمعناه يمارس ما نعتقد أنه الكفر , ولكن يمكن أن نحذره ونحذر الأخرين من مغبة ما يفعلونه طبقا للقرآن وأن نذكر ما جاء بالقرآن عن طبيعة تلك الأفعال أو الأعمال التى نهى عنها القرآن دون ان نحكم على الشخص نفسه أو الجماعة أو الدولة بالكفر, وبناءا على ذلك, لا يملك أى بشر معرفة ما سوف ينتهى اليه بشر أخر , لا يعرف ولا ينبغى له أن يعرف, بصرف النظر عن علمة أو ثقافته أو عن معرفته بالدين والعقيدة والقرآن , أوحتى عن الحديث والتراث, لا يعرف أى إنسان مصير إنسان أخر والى أين سوف ينتهى ,فى جنة الخلد أو فى نار جهنم, ومجرد الإقتراب من هذا الموضوع أو الإدعاء بمعرفته, فإننى شخصيا أعتبره محاولة لمشاركة الله عز وجل فى ما خص به نفسه.
وهذا ما فهمته من آيات الله البينات, وبعد ذلك أقول, والله سبحانه وتعالى أعلم .