المادة الثانية فوق الدولة

مجدي خليل في الأربعاء ١٥ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

المادة الثانية من الدستور المصرى التى تنص على أن " الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع" لا تعامل فقط على إنها مادة سوبر فى الدستور تسمو على ما عداها من مواد، وتفرغ مواد المساواة والمواطنة والحريات من مضمونها، ولكن يبدو إنها فوق الدولة ذاتها.

مؤخرا الغت محكمة القضاء الإدارى ترخيص مجلة إبداع التى تصدرها مؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة وهى الهيئة المصرية العامة للكتاب،لأن المجلة نشرت قصيدة للشاعر المصرى حلمى سالم فسرها &atildtilde;حامى يدعى سعيد صبرى على إنها تسئ للذات الإلهية ،فرفع قضية ضد كاتب القصيدة وضد رئيس تحرير المجلة الشاعر المعروف احمد عبد المعطى حجازى، فما كان من القاضى إلا إصدار حكم بإلغاء ترخيص المجلة ذاتها التى تصدرها إحدى مؤسسات الدولة، ولا يوجد قانون فى مصر بناء عليه اصدر القاضى حكمه العجيب هذا، وإنما استند سيادته إلى المادة الثانية من الدستور والتى لا تشكل فقط بأنها المصدر الرئيسى للتشريع وإنما تمتد لتحكم المجال العام والنظام العام فى مصر، ومن ثم حكم سيادته على أن نشر القصيدة هو ضد النظام العام الإسلامى فى مصر!!!... بما يعنى أن المادة الثانية هى فوق الدولة ومؤسساتها.وفى تعليقه على الحكم قال الدكتور وحيد عبد المجيد أن مشكلة الحكم تأتى من الحق فى الحسبة الذى يستغله بعض الناس ، وهو نظام لا يوجد فى أى دولة حديثة فى العالم على حد قوله. نعم هذا صحيح ولكن الحسبة ليست عملا شيطانيا، إنها جزء من النظام الإسلامى الذى تفرضه المادة الثانية، وكان الاجدر به القول أن المادة الثانية من الدستور تخرج مصر عن نطاق الدول الحديثة والعالم المعاصر ... هذه الحقيقة التى يخشى معظم الناس الاقتراب منها.

على الملأ ومن خلال برنامج تليفزيونى كفر الصحفى جمال عبد الرحيم استاذة جامعية مرموقة هى الدكتورة باسمة موسى، الاستاذة بكلية طب الاسنان جامعة القاهرة، ودعا لقتلها لأنها بهائية مرتدة عن الإسلام، وهى جريمة تحريض ارتكبها على الهواء مباشرة امام ملايين المشاهدين، مرتكنا ومحميا على المادة الثانية من الدستور ومدعيا الحفاظ على النظام العام الإسلامى الذى تقرره هذه المادة، وعقب البرنامج هاجم الرعاع والغوغاء بيوت بعض البهائيين فى إحدى قرى محافظة سوهاج وهم موقنون أن يد العدالة لن تطولهم لأن المادة الثانية هذه تقنن التمييز والظلم ضد غير المسلمين.

ولكى يبرر الصحفى المذكور جريمته كتب فى عموده بجريدة الجمهورية ساردا الفتاوى والقرارات التى صدرت عن المؤسسات الإسلامية فى مصر ضد البهائيين ،ومنها فتوى مجمع البحوث الإسلامية الصادرة فى ديسمبر 2003 والتى وصفت البهائية بانها من الأوبئة الفكرية الفتاكة التى يجب أن تجند الدولة كل إمكانياتها لمكافحتها والقضاء عليها، ولسان حال جمال عبد الرحيم يقول اننى بإعتبارى أعمل فى إحدى مؤسسات هذه الدولة اقوم بتنفيذ الفتوى للقضاء على هؤلاء الكفرة بكل الطرق الممكنة حتى ولو كان ذلك بالتحريض العلنى والسافر على القتل. ترويع البهائيين المسالمين وتهجيرهم من بيوتهم، وفى نفس الوقت وجود هذا الصحفى حرا طليقا هى رسالة تقول للناس أن المادة الثانية فوق المواطنة، وان المادة الثانية وراء الكثير من الجرائم التى ارتكبت ضد غير المسلمين، لأن هذه المادة كما قلت تحكم النظام العام والمجال العام فى مصر.

يوم 3 ابريل هاجمت القوى الأمنية بيت مسيحى يدعى بنيامين عطية فى عزبة دبوس التابعة لقرية العور بمركز سمالوط بالمنيا، والقت القبض على 32 قبطيا بينهم 20 سيدة بتهمة ممارسة الصلاة بدون ترخيص فى بيت هذا الرجل، ومن المؤسف أن توجه النيابة العامة للرجل أيضا تهمة اقامة شعائر دينية بدون ترخيص!!!.، ولا أعرف تحت أى قانون وجهت النيابة العامة هذه التهمة العجيبة للرجل... ولكن يمكن فهم ذلك فى إطار المادة الثانية التى تحكم النظام العام فى مصر وتلغى المواطنة عمليا وتحول غير المسلمين إلى ذميين يجب إذلالهم بكافة الطرق بدون سند من قانون وبدون منطق ولا عقل ولا إنسانية.

خطورة المادة الثانية تعكسها التصريحات الخطيرة لرئيس مجلس الشعب المصرى فتحى سرور أثناء التعديلات الدستورية الأخيرة عندما قال أن ثوابت الدولة فى مصر التى يحرم الاقتراب منها تشمل النظام الجمهورى والمادة الثانية من الدستور.

تغلغل واتساع دور هذه المادة يقرره تفسير اللجنة البرلمانية التى أعدت التعديل الدستورى فى صورته النهائية عام 1980 حيث أوضحت اللجنة " إن ارادة المشرع الدستورى تعنى انها المصدر الوحيد، وإنها تستهدف بذلك إلزام المشرع بعدم الالتجاء إلى غيرها حتى ولو لم يجد فى الشريعة الإسلامية الجواب الشافى".

بل ان خطورة المادة الثانية كما قلت إنها فوق الدولة وفوق حتى أمنها القومى، وهذا يفسر وقوف البعض فى مصر، ومنهم جماعة الاخوان المسلمينن ضد الأمن القومى المصرى الذى قام حزب الله بتهديده واعترف بذلك علانية وبصفاقة .

استند هؤلاء فى الدفاع عن عمليات حماس وحزب الله فى مصر بالمادة الثانية، فالشريعة فى الأساس قائمة على مصالح الأمة وليس الدولة ، أى المصالح العامة للأمة الإسلامية، ولهذا يساند هؤلاء حزب الله ببجاحة وصلف معتبرين أن ما قام به حتى ولو هدد مصالح الدولة المصرية إلا إنه يصب فى مصالح الأمة الإسلامية.

من المعروف ان كل من يسئ للإسلام يحال إلى محكمة امن الدولة العليا طوارئ، وهى محاكمات غير قابلة للنقض وتنتهى باحكام جائرة، ومساواة كل من يقترب من الإسلام بالنقد أو أو حتى بالإجتهاد الجرئ واحالته إلى هذه المحاكمات ، ليقترب وضع من يسئ للإسلام إلى وضع الخيانة الوطنية، وهكذا تظهر الدولة أن حماية الإسلام مسألة أمن دولة. وقد حوكم الكاتب صلاح الدين محسن بتهمة الإساءة للإسلام فى كتابة " ارتعاشات تنويرية" وقضى ثلاث سنوات خلف أسوار السجن، وحوكم كذلك الروائى علاء حامد بنفس التهمة عن روايته " مسافة فى عقل رجل" وقضى خمس سنوات خلف الاسوار. ولكن الجديد أن موقف المؤيدين لحزب الله فى القضية الأخيرة ينطلق من أن مصالح الأمة الإسلامية تعلو على مصالح الدولة المصرية، وأن أمن الإمة الإسلامية يعلو على الأمن القومى المصرى ذاته.

مئات القضايا والاحكام العجيبة التى لا تستند إلى أى قانون مصرى ولا تستند لقيم الدولة الحديثة كانت ورائها هذه المادة.. وبعد ذلك يقولون أن المادة الثانية مادة كامنة وليست نشطة،إذا كان كل هذا يحدث والمادة الثانية كامنة فماذا سيحدث لو كانت نشطة؟.

كل ذلك يعود بنا إلى الإشكالية الرئيسية فى مصر، والسؤال الرئيسى الذى يحتاج إلى اجابة واضحة... ما هو شكل الدولة الذى نريده لمصر؟ دولة مدنية أم دولة دينية؟.

الدولة المدنية ليست لها مرجعية دينية وإنما تفصل الدين عن الدولة والسياسة، المرجعية فقط تكون للاحزاب وليس للدولة، ومن ثم لا يمكن وجود دولة مدنية ولا مواطنة حقيقية فى ظل وجود هذه المادة.. وبالتالى لا يمكن إصلاح مصر فى ظل وجود هذه المادة.. وكل ما يحدث من محاولات للإصلاح لا يزيد عن كونه محاولات خربشة للسطح مثل تبييض المقابر من الخارج وفى داخلها عظام وروائح نتنة.

وصدق الشاعر احمد عبد المعطى حجازى بقوله: هناك من يظن أن المواطنة تهم المسيحيين وحدهم لانها تحميهم من الإضطهاد، والحقيقة أن المواطنة تهم المصريين جميعا المسلمين قبل المسيحيين،لأنها إن كانت تحمى المسيحيين من الإضطهاد فهى تحمى المسلمين من الانقراض.

Magdi.khalil@yahoo.com

اجمالي القراءات 12921