مقدمة
بعض المسلمين يرتكب الكفر السلوكى ويعيش به محافظا عليه الى ان يموت به فيكون مصيره الخلود فى النار مع أنه ـ نظريا ـ كان فى حياته الدنيا يؤمن ايمانا قلبيا بأنه لا اله إلا الله جل وعلا.
الكفر السلوكى ليس فقط بارتكاب جريمة ولكن أيضا بالامتناع عن عمل الخير وفعل الفضيلة .
فبعض المسلمين يرتكبون جرائم تؤدى بهم للخلود فى النار لو ماتوا وهم مستمرون عليها دون توبة حقيقية ، وعندها لن يجدى شيئا ايمانهم القلبى . وبعض المسلمين قد لا يرتكب هذه الجرائم الشريرة ، ولكنه أيضا لا يفعل الخير ، أى يبخل و يشحّ ويمنع ، فيرتكب دون أن يدرى سلوكا من السلوكيات الكافرة يستحق بها الخلود فى النار . أى ليس مطلوبا فقط الابتعاد عن المعاصى بل أيضا فعل الخير، وهذا كله تحقيق للايمان العملى بالله تعالى وباليوم الآخر.
إن الاسلام قائم على العطاء لتهذيب النفس البشرية وعلاجها من البخل والشح والأنانية ،فالمسلم الذى لم ينجح ايمانه فى تزكيته وترقيته وشفائه من الشح والأنانية ينتهى به البخل والشح والمنع الى الخلود فى النار .
واليكم التفصيل..
اولا : ارتباط البخل بالكفر والعذاب فى الآخرة بالخلود فى النار :
1 ـ البخل ليس مجرد البخل بالمال ، ولكن بأى نعمة أعطاها الله تعالى للانسان ، من صحة وعلم و طاقة ومقدرة جسدية وعقلية ونفوذ . البخل بهذا قرين الكفر السلوكى ، نفهم هذا من قوله جل وعلا : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) ( النساء 37 ). فمعنى البخل شرحته نفس الاية فى سياقها ، حيث يأتى الشرح فى القرآن باستعمال (واو ) العطف ، فالبخل هنا يعنى أن تكتم وتمنع ما آتاه الله تعالى لك من فضله ، والمال ليس هو كل ما آتاك الله تعالى من فضله . الجزاء هو عذاب ينتظرك فى الاخرة لو انتهت حياتك بهذا البخل .
ويلاحظ أن الله جل وعلا لم يقل ( واعتدنا للباخلين عذابا مهينا ) ولكن استعمل وصف الكفر ليدل على أن البخل يعنى الكفر ، ليس فى العقيدة ولكن فى السلوك والعمل والتصرفات. والبخيل هنا لم يكتف بالبخل بل هو ايضا يدعو الناس للبخل.
وأيضا يقول جل وعلا :(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (الحديد 24 ) أى فالذى يبخل ويأمر غيره بالبخل إنما تولى عن ربه وأعرض عنه ، أى صار من الكافرين ، وهنا إشارة الى ان الكفر السلوكى بالبخل يؤدى الى الكفر العقيدى بالاعراض عن رب العزة : (وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) .
2 ـ وخلافا للشائع فإن من مرادفات البخل وصف (الهمزة اللمزة ) ، وفيه نزلت سورة الهمزة (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ). هنا يتوعد الله جل وعلا كل شخص يموت موصوفا بانه (همزة لمزة ) بعذاب أبدى فى النار ، وكالعادة يأتى شرح مصطلح ( الهمز اللمزة ) بأنه الذى قضى كل حياته حتى الموت فى جمع المال وتعداده معتقدا أن المال سبيله للخلود ، وهى صفة كل بخيل حريص على الدنيا والاستغراق فى جمع المال ، ومراجعة رصيده ه(جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ ) مثل هذا الشخص يعتقد إنه لن يموت ، ولو آمن بأن الموت ينتظره لأختلفت تصرفاه وعمل للآخرة . ويرد الله جل وعلا على تصور هذا البخيل بالتأكيد أنه سيلقى به فى الجحيم ، تحت اسم (الحطمة ) حيث نار الله تعالى الموقدة الى تصعد الى فؤاد البخيل ، ويبقى فيها موصدة ابوابها عليه أبد الآبدين . ومن يدخل النار لن يخرج منها مطلقا .
3 ـ وللتأكيد على أن مصير البخيل هو النار ، يقص الله جل وعلا قصة أصحاب الحديقة أو الجنة الذين بخلوا بثمارها فعاقبهم الله تعالى فى الدنيا بحرق الحديقة علاوة على ما ينتظرهم من عذاب الاخرة :( القلم 17 : 33 )
وقصّ الله تعالى حكاية ذلك الصحابى الفقير الذى عاهد الله جل وعلا إن أغناه الله تعالى وأعطاه من فضله ليقدمن الصدقة وليكونن من الصالحين ، وحقق له الله تعالى أمنيته فاصبح غنيا ، ولكنه عندما جاءه المال بخل به ، وتولى عن الحق واعرض عنه وتحول من الايمان الى النفاق ، أى أدى كفره السلوكى الى كفر عقيدى ، وأكد الله تعالى إنه سيظل منافقا الى ان يلقى الله تعالى بهذا القلب المنافق فى الآخرة ، حيث ينتظره عذاب الآخرة لأنه أخلف وعده مع الله وكذب عليه جل وعلا . يقول تعالى : (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ) ( التوبة 75 ـ )
ويوجّه رب العزة إنذارا لكل من يبخل بفضل آتاه الله تعالى له بأن عذابهم يوم القيامة من جنس العمل ، وعليه فلا يحسبون أن البخل خير لهم بل هو عذاب ينتظرهم (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ٌ)(آل عمران 180 ) والملاحظ هنا أن البخل ليس بالمال فقط بل بكل ما آتاهم الله تعالى من فضله .
ثانيا : ارتباط البخل بالعذاب فى الدنيا : (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ )
1 ـ ويوجّه رب العزة إنذارا للصحابة البخلاء فى عهد النبى محمد عليه السلام ، يهددهم بأن يستبدل قوما غيرهم ،أى ان يهلكهم ويأتى بقوم آخرين ، وسبب التهديد إصرارهم على البخل مع كثرة الدعوات لهم بالانفاق فى سبيل الله جل وعلا . يقول لهم رب العزة ولنا ولكل المؤمنين بالقرآن الكريم : (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )( محمد: 38 ).
ونتوقف هنا مع قوله تعالى (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ).
2 ـ سبق فى حديث القرآن الكريم عن عذاب البخيل فى النار أنه يعذب بما كان يبخل به:( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ٌ)(آل عمران 180 ) .ويتأكد نفس المعنى فى حديث القرآن الكريم عن البخلاء الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله ، وأن مصيرهم أن يحمى على الذهب و الفضة فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وظهورهم ويقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون . ( التوبة 34 : 35 ). هذا فى عذاب الآخرة .
نفس الحال فى عذاب البخيل فى الدنيا ؛ سيكون أعز ما يحرص عليه هو سبب شقائه فى الدنيا ، ولقد كان المنافقون بالمدينة هم أثرى أهل وأغناهم ، وبسبب ثرائهم وممتلكاتهم فى المدينة لم يريدوا تركها حفاظا على أموالهم وعائلاتهم ، ونافقوا لكى يحافظوا على وضعهم الاجتماعى والاقتصادى. ولقد نهى الله جل وعلا النبى محمدا عليه السلام مرتين عن أن يعجب بما لأولئك المنافقين من أموال وأولاد ، وأكّد رب العزة إنه سيجعل عذابهم فى الدنيا عن طريق هذه الأموال وأولئك الأولاد ، ثم ينتظرهم العذاب الكبير فى الآخرة : (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( التوبة 55 ، 85 ).
وتلك اللعنة لا تزال تلازم كل بخيل يجمع الأموال فتكون سبب شقائه وأمراضه ، ويحرص على الاستكثار من الأولاد فيكون أولاده سبب شقائه . القصص كثيرة فى التاريخ وفى الحياة المعاصرة و حتى فى الدراما . وذلك تأكيد لقوله تعالى (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ).
ويؤكد الله تعالى نفس المعنى فى قوله تعالى للصحابة ولنا : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن 16 ) فالله جل وعلا يعتبر البخل أو الشح مرضا يجب توقيه والوقاية منه، كما يعتبر الانفاق فى سبيل الله تعالى هو الخير.
وقوله تعالى ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يعنى إنه لكى تفلح وتنجو من الخسارة يوم الدين عليك بأن تحارب الأنانية و الشح فى نفسك ، فهو مرض يؤدى بصاحبه الى الجحيم.
3 ـ البخيل لا يفهم أن المال هو مال الله تعالى ، وكذلك كل النعم التى تفضل بها عليه ، ولا يفهم البخيل أن الرزق بيد الله جل وعلا ، وأنه جل وعلا يختبر هذا فيعطيه رزقا أوفر ويختبر ذاك فيقتر عليه فى الرزق ، وأنه جل وعلا هو الذى يجعل الثروة تدور وتتنقل من هذا الى ذاك ليكون مليونير اليوم هو مديونير الغد ، وأنه برغم تكالب البشر على الثروة وتقاتلهم عليها فلا يستطيع كل منهم أن يكون مليونيرا أو أن يظل مليونيرا ، فذلك بيد الله جل وعلا وحده . والأزمة الاقتصادية التى هزّت أمريكا وتناثرت توابعها فى العالم بدأت من لاشىء ، ونتج عنها أن فقد أثرياء العرب بلايين وبلايين ، وهم الذين يبخلون ببضع آلاف فى سبيل الله تعالى ، فى لحظة وجدوا أنفسهم وقد فقدوا البلايين ، وتراجعت مراكز بعضهم فى قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم .
الدرس الذى لم يتعلموه أن الضمان الوحيد لأموالهم ليس البنوك التى تفلس والشركات التى تخسر وليس العقارات التى ينهار سعرها ، ولكن الضمان الوحيد فى (البنك الالهى ) بأن تعطى من هذا المال الذى أعطاه الله تعالى لك جزءا يسيرا منه ، هو حق الله جل وعلا ، وتنفقه فى سبيله ابتغاء مرضاته .
4 ـ ففى مقابل القاعدة القرآنية عن البخيل : (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ) توجد قاعدة قرآنية مناقضة تؤكد فى أكثر من آية قرآنية أن البنك الالهى يعطى أرباحا مضاعفة هائلة (من يقرض) الله جل وعلا ( قرضا حسنا )، وهذا القرض الحسن هو جزء يسير جدا مما تكسب ومما تملك ، ربما أقل مما تنفقه فى اللهو واللعب و المعاصى ، يقول تعالى ( مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ )(الحديد : 11، )ويؤكد نفس الحقيقة فى نفس السورة (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) (الحديد 18 ) وفى غيرها :( إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ) (التغابن : 17 ) ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (البقرة 245 ).
وتأمل الاسلوب القرآنى فى (الإقراض ) لله جل وعلا ، وما فيه من روعة إيمانية و لمحات إقتصادية ، فالله جل وعلا جبار السماوات والأرض الغنى عن العالمين مالك الملكوت يستعمل هذا الاسلوب ليحث المؤمنين على الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ،اى فى الخير والنفع العام للبشر ، وليس له جل وعلا ، وتاتى الدعوة موجهة لكل الناس ، وبسؤال يدعو الجميع للتنافس فى أن يقدموا لله جل وعلا (قرضا حسنا ) وتكون فوائده مضاعفة . واللمحة الاقتصادية هنا فى استعمال لفظ (الاقراض ) أى بدلا من أن تقرض بربا أو أن تبحث عن استثمار لأموالك هنا وهناك فالأفضل لك أن تقرض منها جزءا يسيرا لله جل وعلا ، وبهذا الجزء القليل تأخذ أرباحا مضاعفة وتحصل على أمن إقتصادى مضمون فى الدنيا وفى الآخرة ، أما إذا بخلت فقد بخلت على نفسك .
ويعطى رب العزة مثلا لهذا الأجر العظيم المضاعف فى قوله تعالى :(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )( البقرة 261 ـ ) فنسبة الأرباح هنا سبعمائة ضعف . أى لو تبرعت لله جل وعلا بألف دولار فالأرباح عليها = الف دولار فى 700 أى مايعادل 700 ألف دولار. ولا يلزم أن تكون نقدا ومالا منظورا، وتلك قضية أخرى .
5 ـ البخيل لا يفهم أسرار الرزق ـ وهو موضوع طويل نقتصر منه على ما يرتبط بموضوعنا ـ البخيل لا يرى سوى الرزق المنظور ،وهو حسابه فى البنوك وثرواته العقارية ،ويظل (يجاهد ) ويقاتل و يكافح ليرتفع رصيده ولتزيد ممتلكاته الى أن يأتيه الموت فيترك كل شىء ويحصل على صفر كبير. هذا الرزق المنظور ليس سوى وهم كبير، مجرد أرقام ترتفع صعودا أوتتهاوى هبوطا ، ومجرد اراضى وعقارات لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ، آلت اليك من مالكين سابقين تركوها بالموت أو تركتهم بالخسارة ، وستئول بعدك الى غيرك ،سواء تركتها أنت بالموت أو تركتك هى بالخسارة. أى هى مجرد أوراق وصكوك ملكية وأرقام. وعلاقتك بالرزق المنظور ـ نقديا وعينيا ـ وقتية مرحلية ، ولا تأخذ منه إلا الرزق الحقيقى الذى يدخل جسدك و تعيش به مثل بقية الناس . هذا الرزق الحقيقى غير الرزق الوهمى المنظور . لا تأخذ من الرزق المنظور وكل ما تملكه من أموال وعقارات وشركات سوى ما يملأ معدتك ، وما يملأ رئتيك ، وما يغطى جسدك والمساحة التى تكفى جسدك عند النوم والراحة . وهذا الذى يملك البلايين والقصور والشاليهات و الأطيان لا يستطيع أن يأكل إلا ما يملأ معدته ـ بل يجيع نفسه لكى يحافظ على ريجيم غذائى ، ومهما تعددت قصوره وغرف نومه فلا يحتاج الى مساحة أكثر من حجم جسده ..
وأهم أنواع الرزق الحقيقى هو ما لا نشعر به ، مثل منع المصائب والكوارث ، والتمتع بالصحة وراحة البال وقرة العين بالزوجة الصالحة والأبناء الناجحين المستقيمين ، وبدونها لا تكون هناك سعادة أو متعة . نفترض أنك كسبت بليون دولار ومعه مرض السرطان أوالايدز ، أو حدثت لك حادث سيارة فقدت فيه أطرافك وأعز الناس عليك . وتخيل بليونيرا تزدحم مائدته بكل ما لذّ وطاب وهو لا يستطيع أن يمد يده الى شىء منها ، ينظر فقط اليها بحسرة .!! تخيله يأكل منها ما شاء ولكن لا يحس بمتعة الأكل فقد تعود علي تلك الأصناف الفاخرة وفقد لذة التمتع بها ، عكس الفقير المحتاج الذى يهنأ بلقمة خبز يحمد الله جل وعلا عليها ، وبينما ينام الثرى المترف فى فراش فخم ضخم ويتقلب طيلة الليل فى قلق لا تجدى معه حبوب المنوم أو حبوب المهدىء ترى الفقير المؤمن ينام قريرالعين بعد يوم طويل من الكدح فى سبيل لقمة عيش هنية مرية.
هنا الفرق بين الرزق المنظور و الرزق الحقيقى الخفى الذى لا يقدره الناس حق قدره. ، وتلك أمثلة تقرب معنى الرزق المنظور الوهمى والرزق غير المنظور الخفى . وهذا ما لايفهمه البخيل الذى يضيع صحته وراحة باله ويملأ جسده بالأمراض ويعبىء نفسه بالقلق جريا وراء الرزق المنظورالذى لا يدخل منه شىء الى جوفه ، وحتى لو وصل الى جوفه فلا يستمتع به ، ثم فى النهاية يكون بخله بهذا الرزق المنظور وحرصه عليه سببا لخسارته فى الدنيا وفى الآخرة . خسارته فى الدنيا ليس فقط بالموت أو معاناة القلق و الصراع حول الثروة و السلطة ولكن لما يترتب على هذا الصراع من محن ومصادرة للمال وسجن وقتل .
هذا بعض التدبر فى القاعدة القرآنية (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ )
ثالثا : دعوة المؤمنين الى الانفاق فى سبيل الله ، ونهيهم عن البخل:
لا زلنا مع قوله جل وعلا:(هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ( محمد: 38 ).
1 ـ وفعلا فقد نزلت آيات القرآن الكريم بأوامر متكررة بالانفاق فى سبيل الله تعالى وعدم الوقوع فى البخل . منها قوله تعالى : (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) أى أن ما لديكم من مال أو غيره هو من عند الله جل وعلا ، وقد جعلكم مستخلفين فيه ، ثم تشرح الآية درجات الصحابة المؤمنين حسب الانفاق ووقت الهجرة والجهاد ، وتكرر لهم الأمر بالايمان والأمر بالانفاق الى أن يقول رب العزة : (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ )(الحديد 7 : 11، ) وتلك أقوى دعوة للانفاق فى سبيل الله جل وعلا ، وقد تكررت فى القرآن الكريم كما سبق بيانه.
2 ـ وفى إطار الدعوة الى الانفاق يذكّر الله جل وعلا المؤمنين بلحظة فارقة ، لحظة الاحتضار ، حين يرى المحتضر يقين الموت ، وأنه ترك خلفه الدنيا بكل ما ناضل من أجله ووضح أنه هباء ،بل الأفظع أنه لا يمكن أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء ، ولا يمكن أن يأخذ فرصة أخرى ليصلح فيها ما أفسده ، ولينفق فيها فى سبيل الله بعض ذلك المال الذى أنفق حياته فى جمعه و المحافظة عليه ، ثم هو الان يتركه مفلسا من العمل الصالح الباقى الذى كان يمكن أن ينفعه يوم لقاء ربه جل وعلا. عن لحظة الاحتضار ، لحظة الندم ، لحظة تمنى فرصة أخرى مستحيلة ، يقول جل وعلا محذرا مقدما : (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المنافقون 10 : 11 ).
3 ـ ونزلت تشريعات الصدقة وآدابها فى إطار الانفاق فى سبيل الله جل وعلا (البقرة 261 : 274 )
4 ـ وفى مقابل الصحابة الباخلين المنافقين كان هناك صحابة من الأنصار بلغوا درجة الإيثار على النفس وترفع عن مرض الشح نفسه ، يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )( الحشر 9 ) .
وكان من الصحابة المؤمنين من لزم النبى محمدا عليه السلام فى مكة ثم فى المدينة يصلى معه ويقوم معه الليل يقرأالقرآن الكريم ، مع واجبات جديدة طرأت فى المدينة تتمثل فى القتال فى سبيل الله جل وعلا ، والسعى فى الرزق لتنمية موارد الدولة الاسلامية الناشئة ، ومنها السمو الخلقى باقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، والانفاق فى سبيل الله تعالى باقراض الله تعالى قرضا حسنا ، ولذلك نزلت الاية الأخيرة من سورة المزمل بالتخفيف عنهم فيما يخص قيام الليل مراعاة للظروف الجديدة فى المدينة ، يقول تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المزمل 20).
5 ـ ولهذا انقسم مجتمع المدينة فى عهد النبى محمد عليه السلام الى قسمين ، أحدهما منافق يبخل ويقبض يده عن العطاء وفعل الخير،اى بلغ به البخل الى درجة التأثير فى عقيدته فاصبح منافقا ، يقول جل وعلا عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) ( التوبة 67 ).
والنوع الاخر يتزعمه النبى محمد عليه السلام ، كان يعطى ويناضل ويجاهد فى سبيل الله تعالى بالنفس والمال، يقول جل وعلا:(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(التوبة 88 )
6 ـ ولهذا فان الناس يوم القيامة قسمان : قسم يعطى ويتقى سيدخل الجنة ، وقسم يمنع ويبخل فيقع فى الكفر العقيدى بالتكذيب لآيات الله ، ومصيره الجحيم ، يقول تعالى :(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )
وعن هذا الصنف البخيل يسأل رب العزة ، هل سينفعه ماله من الهلاك (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) ؟ . الى أن يقول جل وعلا فى نهاية السورة (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى)( الليل 4 : 21 ) .فالأتقى هو الذى يتزكى و يسمو ويتطهر بالانفاق فى سبيل الله جل وعلا ، وهو حين يقدم ماله فى سبيل وجه الله جل وعلا لا يشعر أنه يعطى جميلا لأحد ، أو يتفضل عليه ، بل كل ما يهمه هو أن يرضى عنه ربه جل وعلا ، وسيرضى عنه ربه بأن ينجيه من النار التى ستكون نزلا للأشقى البخيل المانع للخير.
رابعا : الجهاد فى سبيل الله تعالى هو نقيض البخل :
1 ـ لو كان البخل بالمال فقط لأصبح الكرم نقيض البخل ، ولكن مصطلح البخل فى القرآن يشمل منع كل تحرك فى الخير ، والبخل بكل ما أعطاه الله تعالى لك من نعمة ، ولذا فان الجهاد هو نقيض البخل ، وليس الكرم.
2 ـ و(الجهاد) يأتى من بذل الجهد والطاقة ، يقول جل وعلا عن موقف المنافقين الذين كانوا يسخرون من فقراء المؤمنين الذين كانوا يتبرعون بقدر طاقتهم وبقدر ( جهدهم ): (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( التوبة 79 ) والجهاد فى سبيل الله هو بذل الجهد والطاقة والحياة نفسها والمال نضالا فى سبيل الله جل وعلا ، فالجهاد أعم من القتال ، فيشمل الجهاد الدعوة الاصلاحية السلمية بالقرآن الكريم وجهاد المشركين به جهادا كبيرا (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) ( الفرقان 52 ) ، ويشمل الجهاد الاسلامى أيضا القتال فى سبيل الله ، وبذل المال الذى يتقاتل الناس من أجله ويموتون من أجله ، ولكن المؤمن يبذله فى سبيل الله جل وعلا.
3 ـ وبهذا العطاء أو ذلك الجهاد يتحدد الايمان الصادق من الايمان الزائف اوالمنافق ، يقول جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ( الحجرات 15 ).
4 ـ وبالتقاعس عنه يظهر النفاق ، فالجهاد أو العطاء موقف تظهر فيه درجة الايمان ،هل هو إيمان عميق خالص صادق أم إيمان قليل لا يجدى ولا ينفع يوم القيامة ، ومن سمة المنافق التردد والشك والريب ، ويظهر هذا خصوصا فى مواقف الشدة ، وهى عند المنافق ذلك الموقف الذى يتحتم عليه فيه بذل الجهد والتعرض لفقدان المال أوالنفس ،اى الجهاد والقتال فى سبيل الله جل وعلا، ويقص الله جل وعلا موقف بعضهم حين رفض الدفاع عن المدينة زاعما أنه لا يعرف القتال ، يقول تعالى : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) (آل عمران 167 ) أى تقلبوا بين الكفر والايمان فى ذلك الموقف ، وذلك الوقت .
5 ـ وقد تكررت الدعوة للجهاد فى سبيل الله تعالى بالنفس والمال ، يقول تعالى : (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( التوبة 41 ).
وكما دعا الله جل وعلا الى أن يقرضه المؤمنون قرضا حسنا فان الدعوة الى الجهاد تاتى ايضا مرتبطة بالتجارة الرابحة مع الله عز وجل ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) ( الصف 10 ، 11 )( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 111 ) .
6 ـ وعلى أساس الجهاد أو بذل الجهد فى سبيل الله تعالى كان يتفاضل المؤمنون بمدى ما يقدمونه ، فالقاعد صاحب العذر الذى لا يبذل جهدا ليس كالمجاهد : (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) ( النساء 95 ).
7 ـ وفى نفس الوقت الذى بخل فيه المنافقون عن الجهاد وتقاعسوا عنه تسابق المؤمنون عليه مع النبى محمد عليه السلام :( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )( التوبة 86 : 88)
8 ـ ومن مستلزمات الجهاد تحريم التحالف مع العدو المعتدى مع مسالمة العدو الذى لم يعتد على المؤمنين ( الممتحنة 1: 9 )،(المجادلة 22 ) (التوبة 23 : 24 ).
9 ـ وقبل الجهاد فالهجرة واجبة على المستطيع ، والمؤمن الذى يمكنه الهجرة ويتكاسل عنها فمصيره الخلود فى النار: (النساء 97 ـ 99 .)
خامسا : البخل المتعدى :
1 ـ ومن البخل نوع باغ طاغ سام يتعدى من منع الخير الى سلب حقوق الغير بطرق شتى وكلها محرمة ، ومن أسباب الخلود فى النار ، لو وقع فيها المؤمن .
ومن أمثلة هذا البخل الباغى البخس والتطفيف فى الكيل والميزان:(المطففين 1: 7، 10 : 14 ) وأكل حقوق المستحقين فى الميراث : ( النساء13 : 14 )
2 ـ وهذا البخيل لا يدرك ـ فى الأصل ـ أنه هناك حقوقا فى ماله للسائل والمحروم ( الذاريات 19 )( المعارج 24 ـ ) وحقوقا لذوى القربى والمساكين وابن السبيل ( الاسراء 26 )( الروم 38 : 39 )
وأن هذا الحق يجب إخراجه من الرزق الذى يتفضل به الله جل وعلا بمجرد مجىء ذلك الرزق : ( الأنعام 141 ).
3 ـ ومن البخل الباغى تضييع حقوق الزوجة والمطلقة قبل تسريحها ( البقرة 229 : 232 ) ( الطلاق 1 : 5 ) وأكل أموال الناس بالباطل ورشوة الحكام واستخدام النفوذ السياسى فى جمع ثروة غير مشروعة :( البقرة 188 ) ( النساء 29 ) وأكل أموال اليتامى ظلما ( النساء 2 ، 10 ) والاحتراف الدينى وتكوين كهنوت يأكل أموال الناس ويشترى بآيات الله تعالى ثمنا قليلا ( التوبة 34 : 35 )، وإعطاء الفقير الجائع قرضا بربا ( البقرة278 : 279 ) وأكل الربا بفوائد مضاعفة استغلالا للمحتاجين ( آل عمران 130 : 131)
ختاما :
ليس الايمان أو الاسلام مجرد تأديى حركات للعبادة أو تدين سطحى ، ولكنه أيمان حقيقى ينتج عنه عمل صالح ، ومن هذا العمل الصالح أن يحب المؤمن العطاء مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر و الصدق ، يقول جل وعلا : ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ( البقرة 177 ).
ودائما : صدق الله العظيم .