المُتبعون والمُبتدعون فى دين الله :

عثمان محمد علي في الأحد ١٢ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

 يولدُ الناس على عهدهم مع الله بألا يشركوا به سبحانه  شيئاً  ،مصداقاٌ لقوله تعالى (واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) إلا أن الكثيرين منهم سرعان ما ينقلبون  على عهدهم معه سبحانه ، ناقضين ومتخذين من دونه سبحانه  شركاء مُقدسين ،ووراء خطوات الشيطان سبيلاً سالكين ، غير مُكترثين أو عابئين بما بين أيديهم من رسالات رب العالمين. ولم ينج من ذلك من  المتأخرين من المسلمين إلا قليلا.فأختلط الأمر  عليهم فيما بين ما هو من كلمات رب العالمين ، وما هو من أساطير الأولين  .

ولو عُدنا للبحث فى كتابهم القرآن الكريم لوجدنا  أوامر ودلالات مختلفة عن ذلك  تحُثهم على  إخلاصهم فى دينهم لله رب العالمين ، و ألا يكون إيمانهم به سُبحانه إيماناُ وراثياُ ،تقليدياُ ،دون نظر  منهم أو تدبر أو قراءة مُحكمة  لمحكمات الذكر الحكيم .

فهيا بنا نتعرف على ما جاء به الذكر الحكيم عن أوصاف  المُتبعين لوصايا ربُ الأرباب أجمعين ،والمُبتدعين ،الذين هُم  لأهوائهم عابدين .

1-  -أول ما نزل من كلمات القرآن هى كلمة (إقرأ) ، وهى دلالة وإختصار على طلب العلم أينما كُنت ،وأينما وُجدت . وأن تكون حياة المؤمنين بالقرآن  مبنية على العلم ،والمعرفة ، والتخطيط ،وإعلاء قيمتة فى السير، والنظر، فى   ملكوت الله جل جلاله ،والأخذ بالأسباب المنطقية  ، والمُعطيات المقروءة و المدروسة حق دراستها لفهمها.

2- --لم يكتف القرآن بهذا ،بل أمرهم ألا يتحرجوا من قراءته ،وتدبُره تدبرُاً تحليلياً ،ليتعرفوا  بأنفسهم  على صدقه ،وعلو شأنه ،وأنه كتابُ من لدُن حكيم خبير  ،. وليتحققوا بأنفُسهم  من خلوه من الخلاف والإختلاف، والتناقضات بين متونه، و أحكامه ،وقواعده ،ومقاصده التشريعية السامية  .فقال لهم فى أربعة  مواضع من السورة (54) فى الايات ( 17-22-32-40)

 (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ،

ثم قال لهم وللناس جميعاً فى الاية -82-من السورة-(4) (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاُ كثيراً).

 ثم قال لهم مرة أخرى فى الآية (27) من السورة (47)  (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) .

3- بعد القراءة والبحث عن الإتباع والإبتداع فى دين الله وجدنا أن : هناك حديثان عن  تدين المسلمين ، حديث علينا أن  نسمعه ونؤمن به ، وحديث نجتنبه ولا نسمعه ولا نؤمن به .فالحديث الذى نسمعه ونؤمن به ،وسنُحاسب عليه هو حديثُ الله فى القرآن ، والحديث الذى علينا إجتنابه هو حديث المُجرمين من أتباع الشياطين .مصداقاً ،وتلبية لقول الله جل جلاله ((أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء وأن عسى ان يكون قد إقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون) .

وفى الاية (6) من السورة (45) يقول القرآن (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) .

وقوله فى الآية (50) من السورة (77) (فبأى حديث بعده يؤمنون).

4-- هل يحق للمسلمين إكتفاءهم  بإيمانهم بكتاب رب العالمين ، أم يُتبعونه بإتباعهم له ؟؟

وللإجابة على هذا السؤال  كان علينا أن نتجول داخل بُستان آيات القرآن الكريم ،لنتعرف منها  على ثماره  الناضجة لنتبعها فى هذا الصدد .فوجدنا أن الإيمان وحده لا يكفى ،وإنما يلزمه  الإتباع والإنصياع لأوامر رب العالمين ، وأن الإتباع جاء فى أوامر مُتساوية  للنبى (محمد بن عبدالله –عليه الصلاة والسلام ) ،ولمن آمن معه من المسلمين ،ومن والاهم إلى يوم الدين .

إتباع النبى محمد بن عبدالله (عليه الصلاة والسلام ) للقرآن الكريم وحده :

.فهذه آيات الله الكريمات تُخبرنا  عن إتباع خاتم الأنبياء والمرسلين لما أوحى إليه  .(قل لا أقول لكم عندى خزائن الله  ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك  إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ  قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون )  - الأنعام - 50

وفى آية أُخرى تؤكد على أمر الله جل جلاله لنبيه ومصطفاه –محمد بن عبدالله – بإتباع القرآن وحده  يقول الذكر الحكيم ( اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ) – الأنعام -106

وعندما طالبته قريش بآيات حسية ملموسة طالبه القرآن أن يؤكد لهم على أن هذا ليس بيده ،وإنما هو مُتبع  لما يوحى إليه. فى قوله تعالى ( وإذا لم تأتهم بآية قالوا لو إجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلى ّ من ربى هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) الأعراف -203

وحين إعترض المشركون على القرآن الكريم ، وطالبوه بتغييره ، قال لهم فى القرآن ( وإذا تتلى عليهم آياتنا  قال الذين لا يرجون لقاءنا أئت بقرآن غير هذا أو بدله  قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ إنى أخافُ إن عصيت ُ ربى عذاب يوم عظيم )

وفى أوامره له  عليه السلام بالصبر ،وإقترانه بإتباع الوحى يقول الله جل جلاله  (واتبع ما يوحى إليك وإصبر حتى يحكُم الله وهو خير الحاكمين ) يونس 109

ثم ذكّره القرآن مرة أُخرى بإتباع شريعة الله فى القرآن وحده حين قال له( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون )

وفى نفيه لعلم الغيب عن نبيه ومصطفاه محمد عليه السلام ،وإتباعه للقرآن ،يقول علام الغيوب سبحانه وتعالى (قل ما كنت بدعاًمن الرسل وما أدرى ما يُفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلىُ وما أنا إلا نذير مُبين) الأحقاف 9

-ووصلت أوامر القرآن لنبى القرآن إلى درجة أن يتبع ،ويلتزم بطريقة نُطق القُرآن كما علمه إياه الروح الأمين حين قال رب العزة ( فإذا قرآناه فاتبع قُرآنه) القيامة -18

5---كان ذلك عما إتبعه النبى الكريم محمد بن عبدالله –عليه الصلاة والسلام من آيات رب العالمين ،فماذا على المسلمين أن يتبعوا ؟؟؟

المؤمنون المُتبعون للقرآن الكريم :

لم تترك آيات القرآن الكريم  للمسلمين طريقهم دون إنارة ،وهداية  من هداياته العظيمة ،فنزل ببرنامجه المُتكامل لهم  للهدى والنور .فقال سبحانه وتعالى (وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السُبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام 153

وفى أمر مباشر بضرورة إتباع القرآن وحده يقول رب العزة (وهذا كتاب مبارك فاتبعوه وأتقوا لعلكم ترحمون ) –الأنعام -155

وعن نهى القرآن إتباع غير ما أنزله رب القرآن  يقول الذكر الحكيم (اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم  ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاُ ما تذكرون ) الأعراف – 3 –

هل تلاحظون معى التعبير عن القرآن  فى هذه الآية الكريمة بالمفرد ،وليس بالمثنى ،أو الجمع ،فى قوله تعالى (من دونه) ،ولم يقل من دونهما ، أو من دونهم ؟؟

وعن ضرورة إنذار المُتبعين للقرآن وحده به يقول القرآن (إنما تنذر من خشى الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم ) –يس -11

وفى سورة الزمر جاء الحديث عن القرآن بالقول، وعن إتباع المؤمنين له وحده فى قوله تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب )

وقد وصف رب القرآن قرآنه بأنه أحسن ما أُنزل للمسلمين من ربهم ،وامرهم  بإتباعه وحده ،فقال جل جلاله .(واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) الزمر -55

6-- فها نحن علمنا من القرآن الكريم أن المُسلمين المؤمنين الحقيقين لا يتبعون فى دينهم سوى الذكر الحكيم ،وما جاء به من أوامر وتشريعات ،وألا يشركوابربهم ولا بكتابه شيئاً .

 فهل لنا أن نتعرف  من القرآن الكريم  على المُبتدعين فى دين الله وصفاتهم ؟؟

المُبتدعون فى دين الله :

فيقول القرآن عن أولى وأهم وأخطر صفاتهم  وهى :

عبادة أسلافهم وأقوالهم  وأفعالهم:

 ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ربكم قالوا بل نتبع نا ألفينا عليه أباءنا أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئأً ولا يهتدون )البقرة -170

وفى تأكيد آخر على إتباعم ،وإقتداءهم بأبائهم يقول القرآن (وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون )- الزخرف – 23

--ثم عن ثانى صفة من صفاتهم  وهى اتباعهم الهوى يقول القرآن الكريم:

 ( فإن لم يستجيبوا لك  فأعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن إتبع هواه بغير هُدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين ) القصص 50

ثم يقول فى موطن آخر ( بل إتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ) الروم -29- وبغير علم هُنا لا تعنى الجهل ،ولكن تعنى بغير إتباع هدى الرسالة القرآنية  .

ثم يقول ربنا سبحانه فى دليل آخر على وصول رسالة القرآن لهم ،و تكذيبهم وإنكارهم لها ،وإتباعهم أهواءهم ( وكذبوا  واتبعوا أهوءهم وكل أمر مُستقر)  القمر -3

---ثم عن ثالث صفاتهم وهى (إتباعهم الظن):

 يقول المولى عزوجل (الا إن لله من  فى السموات ومن فى الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) .

ثم كرر القرآن توصيفه لهم  فى قوله تعالى ( وما يتبع أكثرهم إلا ظناً وإن الظن لا يُغنى من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون ) يونس -36

وعن خواء وخوار ما يتبعه المُبتدعون بإتباعهم الظن فى دين الله ،وعن أئمتهم يقول القرآن الكريم (إن هى إلا اسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) النجم -23

وعن أن الظن فى الروايات  الذى يتبعه المُبتدعون ،وأنه لن  يُغنى لهم عن الحق شيئاُ فى الدنيا والآخرة ،ولن يغير من  حقائق الحق فى نفى الشفاعات ،وخلود  العصاة من المُسلمين فى  النار يوم القيامة  شيئاُ ،يقول القرآن (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى عن الحق شيئاً) – النجم – 28

وفى دعوة  الله لنبيه وللمُسلمين بالتوكل عليه وحده، وتحذيره لهم بألا  يغتروا  بكثرة المُبتدعين فى دين الله العددية لأنهم لا يتبعون إلا الظن : يقول سبحانه وتعالى ( وما يتبع أكثرهم إلا ظناً وإن الظن لا يُغنى من الحق شيئاُ إن الله عليم بما يفعلون ) ....

 ثم يقول فى سورة آخرى (وإن تُطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) – الأنعام 116

ثم فى مقارنة عقدها القرآن بين (المُتبعين والمُبتدعين ) ليزداد المؤمنين بها إيمانا بعدل ربهم يقول الذكر الحكيم ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زُين له سوء عمله وأتبعوا أهواءهم )  - محمد- 14

وبعد أن تعرفنا من القرآن على صفات المُتبعين وتباينها مع صفات  المُبتدعين فى دين الله وأنهم يعتمدون على – عبادتهم لأسلافهم وأئمتهم ،وأقوالهم ،وأفعالهم . ثم إتباعهم للهوى .ثم جمعهم مع  أولئك بإتباعهم الظن من القول .

 فهل يحق لأحد  من المُسلمين بعد ذلك   أن يتهم القرآن بالعجز ،والنقصان  وعدم الكمال والتمام ؟؟

 وهل يحق لأحدهم أن يوصمه بالغموض والإجمال وعدم البيان والتبيان ؟؟؟

وهل بعد أن أعترف (اهل الحديث والروايات فى كُتبهم ) أنها لا تقوم إلا على (الظن) يحق لهم بمطالبته العوام والبسطاء بإتباعها؟؟ 

 وهل يحق لهم أن يتخذوها منها للقرآن بديلاُ وتأويلاُ ؟؟

وهل  يصح للأزهر وجامعات المُسلمين تعليم أبناءهم الدين  القائم على الظن من القول فى فقه (عُلماء المُسلمين )؟؟؟

وهل يحق لأحد أن يرمى المُتبعين للقرآن بالردة  وبقوله عنهم انهم كافرين مُلحدين ؟؟

وهل سيظل المُجتمع يردد على مسامع  المُتبعين ،لماذا انتم من تقولون بهذا  ،و لم  يسبقكم به أحدا من العالمين ؟؟؟؟ و لم يقل به مشايحنا السابقين من الأزهرين وأئمة المُسلمين ؟؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 13116