أوضحت دراسة أمريكية حول مستقبل الديمقراطية في العالم العربي، أن عنصر الصدمة الذي قد يرتبط بالغياب المفاجئ للحاكم من شأنه أن يدفع بعض الدول العربية شبه السلطوية، ومنها مصر، نحو تحول ديمقراطي حقيقي.
أكد الباحثان عمرو حمزاوي وناتان براون في دراستهما الصادرة في العدد الأخير للدورية الأمريكية الإلكترونية «ناشونال إنترست» بعنوان «حمي الربيع العربية» أن الغياب المفاجئ للحاكم أو عجزه عن مباشرة أعماله في الدول العربية شبه السلطوية، قد يمنح الفرصة لإتمام عملية التحول الديمقراطي، خاصة إن كانت هناك معارضة قوية ومنظمة.
ويتحدث الباحثان عن مصر كمثال لهذه الدول، مؤكدين أنها الآن علي مشارف أزمة تتعلق بمستقبل الحكم.
ويقولان: في الوقت الذي يركز فيه الحزب الحاكم علي تأمين عملية نقل السلطة من الأب إلي الابن، أظهرت هذه المحاولات انقساماً داخل القيادة السياسية وأثارت اهتماماً جماهيرياً واسعاً، كما أنها أظهرت أن بعض العناصر داخل المؤسسة العسكرية لاتزال متشككة أو معارضة لنقل السلطة بهذا الشكل.
ورغم اعتراف الباحثين بما قد يحمله عنصر المفاجأة من مخاطر قد تهدد استقرار الوطن أو تدفع في بعض الأحيان نحو مزيد من السلطوية، فإنهما يؤكدان أن الصدمات المفاجئة كالأزمات الاقتصادية والهزائم الحربية وغياب القيادة، تمكنت من إرساء الديمقراطية في أماكن أخري من العالم.
ويربط الكاتبان نجاح عنصر الصدمة أو المفاجأة في الدفع نحو ديمقراطية حقيقية بوجود معارضة منظمة وملتزمة التزاماً كاملاً بقضية الديمقراطية.
وبالإشارة إلي مصر، يضيف الباحثان: إن عملية نقل السلطة في المرتين السابقتين تبعها انفتاح سياسي ولكن تزامن هذا الانفتاح مع وجود معارضة غير منظمة ومُرَوَّعة، متوقعين أن يكون المشهد السياسي المصري في عام ٢٠٠٧ قد يجعل عملية انتقال السلطة أكثر تعقيداً، بشكل من شأنه فتح الباب أمام ضغوط لتحقيق تحول ديمقراطي أكثر عمقاً.
ويقول الكاتبان «إن النظام المصري يبدو وكأنه يعمل علي قطع الطريق أمام فرصة كهذه من خلال ممارسة القمع الشديد ضد جماعة الإخوان المسلمين التي تُعد أهم قوة معارضة في مصر، مؤكدين أن الأجيال القادمة في مصر ستدفع ثمناً باهظاً إذا تمكنت الحكومة من سحق المعارضة المطالبة بالديمقراطية.
ولم تركز الدراسة علي مصر فقط بل تناولت قضية التحول الديمقراطي في العالم العربي كله، حيث يؤكد الباحثان أنه رغم كل ما يتردد بشأن عملية التحول الديمقراطي العربي من ضجة خارج المنطقة، فإن هناك أجندة داخلية تدفع من أجل الإصلاح الديمقراطي، موضحين أنه علي المستوي الفكري تمكن أنصار الديمقراطية من تحقيق الفوز.
وأشارا إلي جواب مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين عندما سئل عام ٢٠٠٥ عما تحتاجه مصر فأجاب قائلاً: «الحرية، الحرية»، مؤكدين أن ذلك يعني وجود دعم أكبر لفكرة الديمقراطية والانفتاح السياسي علي المستوي الشعبي.
ويقول الباحثان: إن هذه الحالة أدت بالنظم العربية السلطوية إلي تبني لغة الإصلاح في طرح سياساتها.
وتؤكد الدراسة أن حقبة احتكار الدولة للمعلومات قد وَلَّت، فأصبح في إمكان المواطن العربي التواصل مع مصادر متعددة للمعلومات والتعرف علي آراء متباينة فيما يخص الشأنين الداخلي والعالمي، موضحين أن من أمثلة ذلك الصحافتين «المغربية والمصرية»، اللتين تعكسان درجة عالية من التنوع، في حين أن الصحافة في دول مثل سوريا وبعض دول الخليج لا تتمتع بنفس الدرجة من التعددية.
وقسم الباحثان الدول العربية إلي ثلاث فئات: الأولي تضم الدول الضعيفة أو الفاشلة، أو غير المكتملة كلبنان والعراق وفلسطين، مؤكدين أن آليات الديمقراطية أدت إلي تعقيد الأمور في هذه الدول وعمقت الانقسامات.
وقالا: كما أن ضعف هذه الدول منح الأطراف الدولية الفرصة للتدخل في شؤونها، وتفضيل بعض الأطراف الداخلية علي بعض، ففي العراق علي سبيل المثال، عمقت الديمقراطية من الانقسامات العرقية وأدت إلي نشوب حرب أهلية، أما بالنسبة لفلسطين فرغم أن ديمقراطيتها كانت أكثر قوة فإن التدخل الدولي انقلب عليها في مهدها نظراً لفوز حماس في الانتخابات، ورغم أن لبنان تبدو أكثر استقراراً من العراق وفلسطين فإن الدولة لاتزال ممزقة بين تحالفين سياسيين وكل منهما له مؤيدوه في الخارج.
ويري الباحثان أن الفئة الثانية من الدول العربية تضم النظم شديدة السلطوية، وقالا: هذه النظم تقاوم أي محاولة للتحول الليبرالي ولكن هناك بعض الفرص لإحداث تغيير، ففي الوقت الذي نجد فيه دولاً سلطوية مثل «سوريا وليبيا» لا تسمحان بأي نشاط سياسي معارض، نجد دولاً «كالسعودية والإمارات وعمان» شرعت في السماح بوجود إعلام أكثر تعددية، وأدخلت بعض الإصلاحات الطفيفة مع احتفاظها بقدراتها القمعية.
ويتحدث الباحثان عن السعودية كمثال قائلين: بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٦ تم إجراء أول انتخابات بلدية جزئية منذ الستينيات من القرن الماضي في المملكة، كما تم أيضاً السماح للمجتمع المدني بالظهور بعض الشيء، ومنحت المرأة حق التصويت كما منحت حق الترشح في الانتخابات النقابية والغرف التجارية.
ولكن يري الباحثان أنه من الخطأ التركيز علي الفئتين الأولي والثانية لتقييم مسألة التحول الديمقراطي في المنطقة، وذلك لأن احتمالات التحول في تلك الدول ضعيفة، في حين أن أكبر فرص الإصلاح الديمقراطي تبرز في الدول شبه السلطوية، ومن هنا يؤكد البحث أنه يتعين علي الولايات المتحدة التركيز علي تلك النظم بشكل خاص، فبرغم أن الطابع السلطوي متأصل في هذه الدول -وفقاً للبحث- فإنه ليس بعيداً علي السيطرة.
ويري الباحثان أن هذه الفئة تضم دولاً كمصر والمغرب والجزائر والأردن واليمن والكويت والبحرين، فبرغم أن النظم السياسية لهذه الدول تعارض أي تحول ديمقراطي حقيقي، وأن المؤسسات الديمقراطية لهذه الدول لا توجد إلا علي الورق، فإن هناك مساحة من المشاركة السياسية التي من الملاحظ أنها قد اتسعت بشكل كبير علي مدار العقدين الأخيرين.
ففي مصر علي سبيل المثال، أعلن الحزب الوطني الديمقراطي عن مبادرات لفتح المجال السياسي في عام ٢٠٠٢، وتم إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، كما تم تعديل الدستور في ٢٠٠٥ للسماح بانتخابات رئاسية تعددية، كما تمكن «الإخوان المسلمين» من الفوز بخمس المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العام نفسه.
ويري الكاتبان أنه رغم أن هذا الفوز الكبير دفع النظام لممارسة مزيد من القمع ضد الجماعة ونحو تبني إصلاحات دستورية من شأنها تضييق الخناق علي هذه الجماعة فإن السياسة المصرية لاتزال تعكس تقدماً فيما يخص التعددية السياسية.
ويورد الباحثان أمثلة مشابهة للإصلاحات السياسية التي تبنتها النظم شبه السلطوية في دول أخري كاليمن والكويت، ويوضح الكاتبان أن هذه الإصلاحات رغم أنها ليست بمثابة إنجازات كبيرة، فإنها تحمل بين طياتها دلالات معينة، أهمها أنها تمكنت من إنعاش اهتمام حركات المعارضة بالعملية السياسية، الأمر الذي أضفي مزيداً من الحيوية علي الساحة السياسية في تلك الدول، خاصة إذا ما قورنت بما كانت عليه من ركود أثناء التسعينيات.
ويري الباحثان أن ثمة ثلاث وسائل يمكن من خلالها تعزيز الإصلاح السياسي الديمقراطي في تلك النظم شبه السلطوية، الوسيلة الأولي هي الاستمرار في إدخال إصلاحات تدريجية في إطار النظم القائمة، أما الوسيلة الثانية فهي تقوم علي عنصر المفاجأة التي من شأنها أن تؤدي إلي تحول ديمقراطي كامل، ولقد سبق تناول هذه النقطة بالتفصيل، أما الوسيلة الثالثة فهي تعتمد علي تقاسم السلطة بين النظام الحاكم والمعارضة المرتبط بإدراك كلا الطرفين أنه لا يمكن لأحدهما القضاء علي الآخر، وقد تجلت هذه الوسيلة في الطريقة التي تعاملت بها بعض النظم العربية مع المعارضة الإسلامية سواء كان ذلك في المغرب أو الكويت أو الأردن رغم أن الأخيرة يبدو أنها - وفقاً للبحث - قد تراجعت عن هذه السياسة.
ويؤكد الكاتبان أن الوسيلتين الثانية والثالثة تعتمدان بشكل كبير علي عملية دمج الإسلاميين في الحياة السياسية والتعامل معهم كأطراف سياسية طبيعية، وهنا يؤكد الكاتبان أنه لا يمكن إتمام التحول الديمقراطي عن طريق قمع أكبر جماعات المعارضة في المنطقة، ويوضح الكاتبان أنه إذا ما استمر التعامل مع الإسلاميين باعتبارهم تحدياً أمنياً للنظم القائمة، ففرص التحول الديمقراطي ستظل محدودة، وسيتم توجيه نفس الأدوات القمعية التي يتم استخدامها ضد الإسلاميين ضد جميع أطياف المعارضة.