أحدث مقالنا السابق، بعنوان «ما هذا الخبل عن مصادر التغيير؟» (٤/٤/٢٠٠٩) ردود فعل أكثر من المُعتاد، حيث علّق عليه إلكترونياً فى الحال اثنان وعشرون من قرّاء «المصرى اليوم». وجاء التعليق التالى من أحد القرّاء الغاضبين، وهو السيد ممدوح أمين: «مشكلة هذا الأستاذ (يقصد سعد الدين إبراهيم طبعاً)، الذى يدعى الثقافة، أنه مرفوض تماماً داخل المجتمع الذى يدعى أنه يُحاول إصلاحه. أنا (أى القارئ ممدوح أمين) لست من أنصار النظام ولا من أعدائه (يقصد أعداءه) ولكنى من أنصار &Cceالإصلاح الهادئ الذى يرتكز على القاعدة الشعبية لا على جهات أجنبية ليست لها مصلحة بالقطع فى النهوض بأحوالنا الاجتماعية والسياسية.. إلخ. إننى أتحدى هذا المُدعى (يقصدنى، سعد الدين إبراهيم) أن يُثبت أن له أدنى درجة من الشعبية، أو حتى المعرفة بشخصه. يا أستاذ (سعد الدين) اعلم أنك مرفوض .. مرفوض.. مرفوض.. ممن تدعى أنك تدافع عنهم وأرجو أن يُثبت لنا (أى القرّاء) العكس بأى وسيلة مُمكنة». وعلى فرض أن ممدوح أمين إنسان طبيعى، أى هو مواطن برىء، وليس عميلاً لأحد الأجهزة الأمنية، فمن حقه علىّ أن أرد على تعليقه، فربما يوجد مثله كثيرون لديهم التساؤلات نفسها: ١- إننى لم أدع «الثقافة»، لا فى المقال المُشار إليه، ولا فى أى مقال سابق! ولا أدرى المصدر الذى استند إليه، لكى يوجّه لى هذه التهمة! ٢- إننى لم أدع أبداً «الشعبية» فى المقال السابق، ولا فى أى مقال من الآلاف الخمسة التى نشرتها لى الصحف العربية فى مصر، والمغرب والجزائر وتونس والأردن واليمن والبحرين وقطر والكويت والعراق خلال العقود الأربعة الماضية. ولا أدرى المصدر الذى استند إليه الأخ ممدوح أمين لكى يوجّه إلىّ تهمة ادعاء «الشعبية»! ٣- وحيث إننى لا أدعى «الثقافة»، التى يُمكن أن يشهد على براءتى منها الوزير المُختص فى مصر، وهو السيد فاروق حُسنى، وحيث لم أدع «الشعبية»، التى يُمكن أن يشهد على براءتى منها صاحب الشعبية رئيس الجمهورية، فإن أقصى ما أصبو إليه، هو «القبول» من عدد كافٍ من الطلبة، لكى أستمر فى مُمارسة مهنتى المُفضلة وهى التدريس الجامعى، والقبول من عدد كافٍ من القرّاء لكى تستمر هذه الصحيفة (المصرى اليوم) وصحيفة «الدستور»، وعدة صُحف أخرى عربية وأجنبية فى نشر ما أكتبه من آراء واجتهادات. فـ«القبول» وليس «الشعبية» هو أعلى ما أطمح إليه. ٤- وحيث إننى لم أدع الثقافة ولا الشعبية، فليس على أن أثبت أى من هذين الادعاءين. وطبقاً للقاعدة الشرعية والقانونية، فإن «البينة على من ادعى». والبينة هنا هى البرهان أو الإثبات بدليل قطعى أو قرينة مُرجّحة. وحيث إن ردى على تعليق القارئ ممدوح أمين هو قرينة احترام له، فإننى أطالبه بأن يُثبت ما ادعاه فى حقى بأننى «مرفوض.. مرفوض.. مرفوض..» من بنى وطنى!. ٥- إن ما فعله القارئ ممدوح أمين بادعاء «أننى مرفوض، مرفوض، مرفوض»، يفعله النظام الحاكم فى حق كثير من مُعارضيه، بل يصل به الأمر إلى تجاوز الادعاء اللفظى إلى توجيه تهم، وإجراء مُحاكمات، واستصدار أحكام بالسجن على هؤلاء المُعارضين، رغم براءتهم مما ادعاه عليهم النظام الحاكم، وحتى لا يظن ممدوح أمين أننا نطلق الكلام مُرسلاً على عواهنه، فعليه أن يرجع إلى الصحافة المصرية والعالمية بين عامى ٢٠٠٠ و٢٠٠٣، ليطلع هو ومن يُهمه الأمر على تفاصيل هذه الاتهامات، والمُحاكمات والسجون، التى تعرض لها هذا الكاتب (سعد الدين إبراهيم)، قبل أن تبرّئه محكمة النقض من كل الاتهامات، فى حُكم تاريخى غير مسبوق، صدر فى ١٨/٣/٢٠٠٣. وهو غير مسبوق، لأن تلك المحكمة العُليا لم تكتف بتبرئتى، ولكنها أدانت أولى الأمر الذين لفّقوا التهم، وألصقوها ظُلماً بالأبرياء. ٦- وقد يكون القارئ ممدوح أمين (على فرض أنه ليس من الأجهزة الأمنية نفسها التى لفّقت التهم المُشار إليها أعلاه) معذوراً جزئياً. فهو كغيره من مواطنى مصر - التى كانت «محروسة»، وأصبحت على يد نظامها الحالى «منكوسة» - لم يُقابلنى أبداً، ولم يقرأ لى كتاباً واحداً من كُتبى التى تجاوزت الأربعين كتاباً، ولم يقم هو أو غيره باستطلاع للرأى العام المصرى، لكى يستدل منه على درجة شعبيتى أو رفض الناس لى. ومع ذلك فهو يُصدر حُكماً مثلثاً بأننى «مرفوض، مرفوض، مرفوض».. ولا بد أن نحسده، أو نُشفق عليه، من هذا «اليقين» الذى لا يملكه حتى الأنبياء والقديسين. فهؤلاء كانوا دائماً يتركون فى نفوسهم وقلوبهم وعقولهم هامشاً للشك، إلى أن ينعم الله عليهم بالوحى أو بأوامره الإلهية! ٧- وبالقدر الذى يُمكن به التدليل على آراء شريحة محدودة من مواطنى مصر، من قرّاء هذه الصحيفة الذين علقوا على مقالنا، فقد كان السيد ممدوح أمين هو الوحيد من ٢٢ قارئاً، الذى كان غاضباً، وكان هناك قارئان آخران لم يستحسنا لفظ «هروب» الرسول من مكة إلى المدينة، وكانا يُفضلان لو أننى استخدمت فقط لفظ «هجرة». كذلك لم يستحسن أحدهما ذكر الأستاذة «فريدة النقاش» بالاسم، مما جعل المقال تشوبه شُبهة الاستهداف الشخصى. أما القرّاء المُعلقون الآخرون فقد تراوحت تعليقاتهم بين الموافقة والاستحسان، أو الإسراف فى المديح. وأخجل من اقتباس كلمات الفريق الأخير، دفعاً لشُبهة «النرجسية» (أى الإعجاب بالذات). بتعبير آخر، حتى لو قلنا إن ممدوح أمين، والقارئين الآخرين وهما: هشام فتحى الصيفى ومحمد الجمال، اختلفا معى بدرجة رفضه نفسها، لكانت نسبة الرفض ٣ من ٢٢، أى (١٢%)، بينما يتفق معى الـ٨٨%. وهذه هى الأرقام نفسها تقريباً التى خلصت إليها الباحثة داليا زيادة من عينات أكبر حول درجات القبول لما نقوم به من كتابات وأنشطة عامة أخرى. إن حالة ممدوح أمين هى حالة نمطية لآلاف، إن لم يكن ملايين المواطنين الذين يحصلون على معلوماتهم من وسائل الإعلام الحكومية أو المباحثية، التى تقتصر رسالتها على التهليل والتطبيل للحاكم، وتضليل المواطنين وشحنهم ضد المُعارضين، الذين يقولون «كلمة حق فى وجه سُلطان جائر»، إيماناً منهم بأن الساكت عن الحق، هو شيطان أخرس. فندعو الله للقارئ الغاضب وأمثاله بالسكينة والشفاء. آمين