دبي - العربية.نت
أكدت دراسة حديثة صدرت عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي ونشرت في مجلده الثاني عن القاعدة والذي صدر تحت عنوان" القاعدة- التمدد" أعدها الخبير في الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية الدكتور سمير غطاس أن بعض التنظيمات الفلسطينية ترتبط ارتباطا عضويا بتنظيم القاعدة، "رغم أن الأخير لم يتبن أي هجمات كبيرة داخل الأراضي الفلسطينية أو إسرائيل. وفي هذا السياق، عرضت بالتفصيل لأداء بعض من تلك التنظيمات مثل لجان المقاومة الشعبية (ألوية صلاح الدين)، وجيش الإسلام (كتائب التوحيد والجهاد)، و"كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة" وغيرها.
ومن ناحية أخرى، تقول الدراسة إن إسرائيل تستخدم تهديدات تنظيم القاعدة للاستخدام الدعائي والتوظيف السياسي ولكنها لا تواجه خطرا حقيقا في الداخل حتى اللحظة. وفيما يلي مقتطفات منها:
القاعدة في فلسطين وإسرائيل
هل تتخذ "القاعدة" من فلسطين ساحة لـ"جهادها"؟ وما علاقة هذا التنظيم والتنظيمات الموالية له ببعض حركات المقاومة داخل الأرض الفلسطينية؟ وهل ثمة استراتيجية إسرائيلية تجاه القاعدة وأخواتها، وما طبيعتها؟ ثم هل تشكل إسرائيل أولوية في عمليات القاعدة، بل هل تشكل هدفا لها على الإطلاق؟ كثيرة هي الأسئلة التي يمكن أن تدور في فضاء بحث القاعدة في فلسطين وإسرائيل، وهو ما ستحاول هذه الورقة الإجابة عن بعضها، وإن كان الموضوع يظل مفتوحاً لمزيد من البحث والتوثيق.
على الرغم من أنه أنه لم يسبق أن تبنت "القاعدة" عمليات كبيرة أو ذات قيمة داخل إسرائيل أو ضد مصالحها، أو في الأراضي الفلسطينية، إلا أن العلاقة تبقى بين هذا التنظيم وهذه المنطقة من العالم واحدة من أهم وأخطر العلاقات، وأكثرها التباساً وإثارة للجدل.
لقد شهدت هذه المنطقة -في السابق- حالات أخرى من الجدل الصاخب، خصوصاً بعد انطلاقة الكفاح الفلسطيني المسلح في العام 1965، وتصاعد وتيرته كمّاً ونوعاً؛ بعد أن تبنت فصائل فلسطينية عدة، بعد حركة فتح، هذا الخيار، فيما لوحظ أن ذراع جماعة "الإخوان المسلمين" في فلسطين أبدت رفضها له، ولم يقتصر موقفها هذا على مجرد رفض خيار الكفاح المسلح، بل تجاوزه إلى منحى أكثر خطورة؛ عندما أقدم الاحتلال الإسرائيلي على التوصل إلى اتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين في غزة عام 1979، وهو ما جرى –بموجبه- تجنيد هذه الجماعة لمناهضة فصائل المقاومة الفلسطينية، في مقابل اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بشرعية عمل الاخوان تحت مسمى "المجمع" أو "المجمع الإسلامي".
وكانت هذه الواقعة مؤشراً أوليًّا وخطيراً على مواقف وخيارات حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، في مرحلة تاريخية مهمة، لكن هذا الموقف عاد وانقلب تماماً على رأسه؛ عندما شجعت جماعة الإخوان المسلمين كوادرها على الانخراط في المقاومة المسلحة، والجهاد الأفغاني في ما بعد.
وقد شهدت هذه المرحلة تجاذباً فقهيًّا وسياسياً واسعاً، حول المعايير المتوجبة شرعاً لإعلان الجهاد كفرض عَيْنٍ أو فرض كفاية، أو ما إذا كان من الإسلام في شيء أن تمنح الأولوية لإعلان الجهاد، ومقاومة الغزو الشيوعي لأفغانستان، فيما تحجب وتحجز عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلى في فلسطين.
ومعروف أن عدداً غير قليل من الكوادر الإسلامية الفلسطينية، يعدون من أبرز القيادات المؤسسة لتنظيم القاعدة، كما يعدُّ عبدالله عزام (1941-1989) واحداً من أهم مرجعياتها التاريخية.
أولاً: القاعدة وإسرائيل
معروف أن القاعدة ترتب جبهة أعدائها في قائمة تتصدرها دول الغرب الصليبي، ومَنْ والاها من الدول الإسلامية التي تصفها بالكافرة، فيما تتأخر الصهيونية وإسرائيل الى مكانة تالية، وقد انعكس هذا الترتيب على توجهات التنظيم، وخياراته العملية، وعلى الرغم من الطابع الدعائى لخطاب القاعدة السياسي، بقت إسرائيل -من الوجهة العملية- في مكانة متأخرة جدًّا، على سلم الأولويات والخيارات العملية في جبهة الأعداء.
وبالمقابل، فإن إسرائيل تبنت استراتيجية خاصة في مواجهة "القاعدة"، ترتكز على الأسس التالية:
1- التمييز الدقيق بين العداء المستبطن لإسرائيل في الإسلام العقائدي، وبين احتمالات انتقاله إلى الحالة العدوانية والعملية، وانطلاقاً من هذا الأساس، فإن إسرائيل تسمح بوجود أحزاب وتنظيمات عربية إسلامية، داخل إسرائيل نفسها، مثلما هو الحال بالنسبة للحركة الإسلامية الجنوبية، التى تخوض الانتخابات العامة، وقد مثلها في دورات سابقة النائب الإسلامي عبد المالك دهامشة، ويمثل هذه الحركة الآن نائبان في الكنيست.
كما تسمح إسرائيل بوجود حركة إسلامية أخرى أكثر راديكالية في الشمال، ويقودها الشيخ رائد صلاح، رئيس بلدية أم الفحم المنتخب، الذي أخلى موقعه للشيخ الخطيب، ليتفرغ لقيادة الحركة، ومعروف أن هذه الحركة تعارض دخول الكنيست، وتحرض ضد دخوله أصلاً.
وكانت إسرائيل -في السياق ذاته- قد سهلت لحركة "حماس" دخول الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في 25/1/2006، بعد أن زللت لها عقبة إجراء الانتخابات في القدس المحتلة، التى كانت ستحول دون إجراء هذه الانتخابات.
2- حرصت إسرائيل، بعد أحداث 11/9/2001، على حشر نفسها في الجبهة الدولية المعادية للإرهاب الأصولي، التي كان الرئيس جورج بوش قد دعا إلى تشكيلها، وحاولت ولا تزال، إعادة تعريف مفهوم وطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، على أساس أنه صراع بين القوى الأصولية وجبهة الإرهاب المتطرف، وبين الدول المعتدلة التي تواجه هذا التطرف الأصولي، وليس على أساس أنه صراع يستهدف تصفية وإنهاء وضعية الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
3- بادرت إسرائيل إلى لعب دور الضحية المُسْتَهْدَفَة من تنظيم القاعدة، ومن الإرهاب الأصولي الدولي، لذا بادرت -في وقت مبكر- إلى الادعاء بأنها أحبطت محاولة من القاعدة؛ للمس بالرياضيين الإسرائيليين، في يونيو/حزيران 2000، في أستراليا، وأن هدفاً يهودياً آخر تعرض في فرنسا لمحاولة إرهابية جرت في ديسمبر/كانون الأول من العام 2000 نفسه.
وزعمت المصادر الأمنية في إسرائيل أن تنظيم القاعدة أوفد إلى الدولة العبرية مسؤولاً كبيراً، هو البريطاني من أصل جاميكي، ريتشارد كولفن ريد، واستطلع بعض الأهداف الحيوية، التي يمكن للقاعدة أن تهاجمها داخل إسرائيل، وتقول المصادر نفسها أنه قد تبين، لاحقاً، أن هذا الشخص كان ضالعاً، في محاولة لتنفيذ عملية انتحارية في طائرة لأميركان إيرلاينز في ديسمبر/كانون الأول 2001.
كما زعمت إسرائيل، أنها اعتقلت الفلسطينيَّيْنِ: نبيل عقل، وسعد الهنداوي، بعد أن أنهيا تدريباتهما في أفغانستان، لدى عودتهما إلى الأراضي الفلسطينية، وأشارت، إلى أن القاعدة بحثت إمكانية إرسال طيار سعودي انتحاري، لتنفيذ عملية في إيلات.
وسبق أن اتهمت إسرائيل تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليتين إرهابيتين ضدها:
العملية الأولى: جرت في الخارج، وتحديداً في مومباسا بكينيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، واستهدف المهاجمون الإيقاع بطائرة مدنية، تابعة للخطوط الإسرائيلية «أركيع»، التي كان على متنها عشرات من السائحين من إسرائيل، لكن الصواريخ أخطأت الطائرة، وبالتزامن مع هذه المحاولة؛ نفذت مجموعة انتحارية أخرى هجوماً بسيارة مفخخة على أحد الفنادق هناك، وهو ما أدى إلى مقتل 15 شخصاً، كان من بينهم ثلاثة من إسرائيل.
العملية الثانية: جرت داخل إسرائيل، في أبريل/نيسان 2003؛ حيث استهدف هجوم انتحاري نادي ميكس بليس في تل أبيب، واتهمت إسرائيل حينها ناشطين بريطانيين من أصل باكستاني، بالمشاركة في هذا الهجوم، وأنها اكتشفت، لاحقاً، أنهما كانا ينتميان إلى الخلية نفسها في تنظيم القاعدة، التي نفذت الهجوم على مترو الأنفاق، في لندن في 7/6/2005.
كما اتهمت إسرائيل القاعدة بتنفيذ عمليات عدة أخرى، من أبرزها الهجوم على كنيس جربة، في تونس في 11/4/2002، والهجوم على كنيس وقاعة أفراح في المغرب، في مايو/أيار 2003، وكنيس في أسطنبول، في يناير/كانون الأول 2003، واتُّهِمَت القاعدة كذلك بالهجمات الإرهابية التي وقعت في سيناء، عامَيْ 2004 و2005.
ورغم الشكوك القوية، التي تحيط بكثير من الاتهامات التي وجهتها إسرائيل إلى القاعدة، وتحميلها مسؤولية تنفيذ كل هذه العمليات، فإنه مع ذلك يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
(أ) أن قسماً من هذه العمليات لم يُنَفَّذْ أصلاً، وجرت الإشارة إليه في البيانات الإسرائيلية بعبارات غير مؤكدة، مثل: (إحباط، استطلاع، بحث وتفكير.. وغيرها).
(ب) أن البعض الآخر من هذه العمليات، يمكن أن تتداخل المسؤولية عن تنفيذه مع جهات وجماعات أخرى، ضالعة في الصراع مع إسرائيل، وسبق أن نفذت عمليات أخرى مشابهة.
(ج) أنه لا يمكن الاستدلال بهذه العمليات، على خط بياني متصل أو متصاعد، بما يعكس تصميم أو إرادة تنظيم القاعدة استهدافَ إسرائيل ومصالحها الحيوية، في الداخل والخارج.
(د) أنه بعد موجة من ادعاءات إسرائيل باستهدافها، مِنْ قِبَلِ تنظيم القاعدة، جرى انحسار وتراجع حاد وملحوظ في هذه الاتهامات، حتى يمكن القول: إنها تكاد تتلاشى، أو تتوقف تماماً.
4- عادت إسرائيل مؤخراً إلى التشهير، إعلاميًّا، بوجود تنظيمات فلسطينية تابعة للقاعدة في قطاع غزة، حتى تربط ما بين ما تسميه الإرهاب الأصولي المحلي، وشبكات الإرهاب الدولي، وتنظيم القاعدة.
5- هناك ما يؤكد وجود جهد أمني إسرائيلي لاختلاق تنظيمات للقاعدة، أو اختراق التنظيمات التابعة حقّا للقاعدة في الأراضي الفلسطينية، وحتى خارجها.
وكانت أجهزة الأمن الفلسطينية في غزة، قد كشفت النقاب في شهر ديسمبر/كانون الأول 2002، عن مجموعة فلسطينية، جنَّدها جهاز الشاباك؛ لاختلاق تنظيم يدعي انتماءه للقاعدة، لتحقيق هدف مزدوج، بتشويه سمعة السلطة الفلسطينية، واتهامها بالعمل والتعاون مع القاعدة، وللإيقاع بعناصر وكوادر فلسطينية، يتم استدراجها إلى الفخ الأمني الملغوم بهذا التنظيم المفتعل، وهو ما تكرر شبيه به فيما بعد، حيث أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2008، عن الكشف عن هوية تنظيم يمني إرهابي، جرى اختراقه مِنْ قِبَلِ الموساد الإسرائيلي، ويعمل ضد أهداف أجنبية في اليمن.
6- أعلنت إسرائيل في 20/7/2008، عن الاشتباه في تورط أفراد من فلسطينيي 1948، من النقب، في إقامة خلية تابعة للقاعدة داخل إسرائيل.
قد يبدو واضحاً من هذا العرض، أن تنظيم القاعدة لا يشكل أيَّ تهديد وجودي، أو حتى خطير، لإسرائيل، وأن منطلقاته الفكرية لا تزال ترجئ مسألة استهداف إسرائيل بشكل جديٍّ ومباشر.
ومع ذلك، تشهد إسرائيل -بين وقت وآخر- عودة للمسؤولين الأمنيين المختصين (رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية-أمان)، لإلقاء بيانات أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، للتحذير من احتمالات قيام تنظيم القاعدة بعمليات، قد تمسُّ بأهداف إسرائيل، وخصوصاً في الخارج، وتتركز هذه التحذيرات، بشكل متواتر، على استهداف السائحين الإسرائيليين في سيناء، مثلما حدث عندما أطلقت إسرائيل تحذيراً جدياً، باحتمال استهداف السائحين الإسرائيليين في سيناء، في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2007.
وخلافاً للاستخدام الدعائي والتوظيف السياسي، اللذين تنتهجهما إسرائيل في تعاملها مع ما تسميه تهديدات تنظيم القاعدة، فإن التقديرات الاستراتيجية هناك، لا تزال تعتقد أن العداء العقائدي، المضمر في إيديولوجية تنظيم القاعدة تجاه إسرائيل واليهود بشكل عام، لم يتحول بعد إلى حالة عدوانية نشطة وفاعلة، وإن كانت توصي، بالطبع، برفع درجة الانتباه الاستخباراتي والوقائي، في التعامل مع تهديدات تنظيم القاعدة.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل سبق أن نظمت في 9/9/2007، مؤتمراً دوليًّا، تحت شعار: «مكافحة الإرهاب»، دعا إليه المعهد السياسي ضد الإرهاب، التابع للمركز الأكاديمي متعدد المجالات في هرتسليا، وجرى توقيت انعقاد المؤتمر، ليستمر حتى اليوم الذي يصادف حلول الذكرى السنوية السادسة لأحداث 11/9، وشارك فيه سياسيون وأكاديميون وخبراء وممثلون لأجهزة الأمن والمخابرات من 47 دولة، وقرر في توصياته إطلاق موقع جديد على الإنترنت بلغات عدة، يهدف إلى تحصين الجمهور ضد الفزع الذي يبثه الإرهاب، ويسمى هذا الموقع بالعربية "تحصين".
ورغم تأكيد إسرائيل أن تنظيمات القاعدة صارت موجودة إلى جوارها في غزة، فإنه لم يطرأ مع ذلك أي تغيير نوعى على الاستراتيجية التقليدية لإسرائيل تجاه تنظيم القاعدة، وتثير هذه الملاحظة المزيد من الالتباس على موقف الطرفَيْن: إسرائيل والقاعدة، أو عن حقيقة العلاقة بينهما.
ثانياً: القاعدة في فلسطين
من جهة أخرى، كانت مرحلة قد انقضت، في علاقة تنظيم القاعدة بالجانب الفلسطيني، سادت فيها حالة من اللايقين، واختلطت فيها الشائعة بالحقيقة، حتى جرى التيقن أخيراً من وجود تنظيمات في غزة، موالية ومرتبطة بتنظيم القاعدة، وقد جرى الإعلان عن وجود هذه التنظيمات، في وقت حديث نسبيّاً، وخصوصاً في مرحلة ما بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاستها، ثم انفرادها بالسلطة والحكومة في قطاع غزة.
وإن كان، هناك، مَنْ يعتقد أن تنظيم القاعدة كان موجوداً في غزة، في هيئة خلايا سرية راقدة، في مرحلة سابقة حتى على 2006، وأنه بدأ العمل في تنظيم هذه الخلايا في السنة الثانية من انتفاضة الأقصى، التي انطلقت عام 2001، وأن تنظيم القاعدة بدأ العمل في غزة، مستفيداً من زخم الانتفاضة، وطابعها العسكري، ومستغلاً حالة انحلال أجهزة أمن السلطة، وانخراط عدد غير قليل من كوادرها في عمليات المقاومة، أو في التنافس والصراعات الداخلية بين الفصائل.
فيما يعتقد فريق آخر، من المحللين الفلسطينيين، أن تنظيماً فلسطينياً واحداً على الأقل قد بدأ الاتصال والارتباط مع القاعدة، منذ منتصف عام 2001 على وجه التحديد، وأن جماعات أخرى صغيرة، كانت قد تمكنت من ربط الصلة مع تنظيم القاعدة، وأن هذه الجماعات لعبت دوراً نشطاً على الصعيد الفلسطيني الداخلى، وقد تأخر الإعلان صراحة عن ارتباط هذه الجماعات بتنظيم القاعدة، إلى عام 2006، وما بعده للأسباب التالية:
1-وجود تناقض أساسي وعميق، بين إيديولوجية النظام السياسي الفلسطيني، في ظل قيادة الرئيس الراحل عرفات، وبين إيديولوجية جماعات الإسلام السياسي المتطرف، وخصوصاً تنظيم القاعدة.
2-قوة وفاعلية أجهزة أمن السلطة المتعددة، بما لم يكن يسمح بالإعلان عن تنظيمات مرتبطة أو موالية للقاعدة.
3-وجود تنسيق أمني واستخباراتي، وتبادل للمعلومات بين أجهزة الأمن الفلسطينية، وأغلب أجهزة الأمن الدولية، وبعض أجهزة الأمن في الدول العربية.
4-مكافحة النشاط الإرهابي والمتطرف، وخصوصاً تنظيم القاعدة، كانت تمثل نوعاً من القناعة السائدة لدى أغلب أجهزة السلطة، ولدى قطاعات شعبية عريضة، وتعتبره واجباً لحماية المشروع الوطني.
وإلى جانب تآكل واضمحلال هذه العناصر، فإن الأسباب التي أدت إلى ظهور تنظيمات موالية ومرتبطة بتنظيم القاعدة في قطاع غزة، يمكن عرضها في القائمة التالية:
1-أن ظهور تنظيمات فلسطينية موالية ومرتبطة بالقاعدة، كان الثمرة المنطقية للمناخ السياسي العام، الذي ساد قطاع غزة، بدءاً باندلاع الانتفاضة وغلبة الطابع العسكري عليها، ومروراً بالانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من القطاع، ووصولاً إلى انحلال السلطة، ووهن قبضتها الأمنية، وانفلات عناصرها وكوادرها.
2-أن الهزيمة العسكرية لأجهزة الأمن في السلطة، والتابعة أساساً لحركة فتح، في 14/6/2007، أدت إلى انهيار كامل للأجهزة الأمنية، وإلى انكشاف الميليشيات التابعة لها. وفي غياب أية مرجعية لفتح؛ جرى اختراق هذه الجماعات المسلحة، وأدى هذا الوضع إلى انسحاب وهجرة العديد من الكوادر في هذه الجماعات، للالتحاق بجماعات أخرى منافسة، بما في ذلك الجماعات التي ارتبطت بالقاعدة، وكانت مستعدة لاحتواء هذه الحالة.
3-أن العلاقات الوطيدة، التي أقامتها "حماس" مع إيران، أثارت حفيظة أقسام غير قليلة من الشارع الفلسطيني السني، الذي بات أكثر تقبلاً للتعبئة، على أساس الاستقطاب المذهبي المعادى للتشييع. وفي هذا السياق، فإن تنظيم القاعدة، بدعايته المعادية لإيران، يمثل إطاراً جاذباً لقطاعات من الشباب، من منتسبي الأجهزة الأمنية السابقة، والميليشيات المسلحة المنحلة.
4-أن هناك تقاطعاً في أكثر من نقطة، بين شكل تنظيمات تعلن ولاءها أو تبعيتها لتنظيم القاعدة، وبين حاجة بعض العائلات الكبيرة، في غزة، إلى نوع من الحماية الأمنية، فضلاً عن اهتمام هذه العائلات بعامل المكانة الاجتماعية؛ ولذا يمكن الحديث، على نحو ما، عن شكل التنظيم-العائلة، كما هي الحال في نماذج العديد من العائلات الكبيرة في غزة: عائلة حلس، وعائلة دغمش، وعائلة المصري، والكفارنة، وغيرها.
5-أن الوضع الاقتصادي المزري، وارتفاع نسبة البطالة، وانقطاع الرواتب والمعاشات لفترات طويلة، في مقابل السخاء المفرط، وانتعاش أسواق تحويل الأموال من الخارج للجماعات المسلحة، أدى إلى ازدهار ظاهرة «بزنس المقاومة»، الذي تستفيد منه شبكة واسعة، في طليعتها الجماعات المسلحة الموالية والمرتبطة بجهات خارجية، ومنها تلك التى أعلنت ارتباطها بتنظيم القاعدة.
6-أن الانتفاضة المسلحة، التي اندلعت في عام 2001، خلفت وراءها عشرات الآلاف من الشباب الذين ارتبط مصيرهم الشخصي باستمرار حالة العنف المسلح، وقد أدى الانحسار التدريجي لعمليات المقاومة المسلحة، والذي انتهى عملياً إلى إعلان التهدئة الكاملة مع إسرائيل، منذ 19/6/2008، إلى وجود فائض حقيقي للمخزون الفردي والجماعي من العنف، ما يسمح بتسربه إلى الأطر والتنظيمات، التي تتبنى عقائد عنفية وجهادية ومتطرفة، مثل التنظيمات التي تعلن موالاتها لتنظيم القاعدة والارتباط به.
7-أنه يجب ألا يُسْتَبْعَد -من هذا التحليل- احتمال قائم لوقوف أجهزة مخابرات دولية وإقليمية وراء هذه الجماعات، أو في الحد الأدنى احتمال اختراقها والتغلغل داخلها.
وإذا كانت هذه الأسباب السبعة، تفسر البيئة التي أسهمت في استنبات وتفريخ التنظيمات والجماعات، التي أعلنت مؤخراً عن موالاتها لتنظيم القاعدة، والارتباط به، فإنه يكون من اللازم أيضاً البحث عن أسباب أخرى، تقوى على تقديم تفسير منطقي، أو تبرير عقلاني، للعلاقة القائمة بين حركة حماس، وبين التنظيمات والجماعات الفلسطينية، التي أعلنت موالاتها وارتباطها بتنظيم القاعدة.
ولما كان من المتعذر تماماً، إن لم يكن من المستحيل أصلاً، الحصول من الأدبيات السياسية الفلسطينية على ما يمكن أن يفسر هذه العلاقة الشائكة والملتبسة، فإنه قد لا يكون هناك من سبيل إلى ذلك إلا باللجوء إلى أدوات التحليل المنهجي، لاستخلاص أو استنباط الأسباب التي قد تفسر انتظام هذه العلاقة.
وقد يكون من الضروري أولاً تقسيم هذه العلاقة بين حماس والجماعات المرتبطة بالقاعدة في غزة، إلى مرحلتين تاريخيتين متمايزتين: المرحلة الأولى منها، تقع قبل فوز حماس بالانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة، فيما تقع المرحلة الثانية بعد هذا التاريخ، وتتواصل حتى الآن.
قد تكون الأسباب، التي دفعت حماس إلى إقامة علاقات مع الجماعات الموالية أو المرتبطة بالقاعدة في المرحلة الأولى، هي ما يلي:
1-أن حماس كانت بحاجة إلى ترتيب تحالفات واسعة، مع كل القوى المناوئة لفتح وفصائل منظمة التحرير، والتي تتماثل أو تتقاطع معها في وجهات النظر والموقف من السلطة الفلسطينية، ولهذا نظمت حماس نوعاً من اصطفاف قوى اليمين الديني والأصولي في مواجهة فتح وفصائل منظمة التحرير، التي تعتبرها فصائل علمانية.
2-قد تكون حماس الداخل انصاعت في ذلك لتعليمات خارجية من حماس-المكتب السياسي في الخارج، أو من مكتب الإرشاد في قيادة الإخوان المسلمين، لأن قراراً خطيراً، مثل إقامة علاقات ناظمة مع تنظيمات مرتبطة بالقاعدة، يحتاج إلى مصادقة مركزية من القيادات الأعلى.
3-أن حماس -في هذه المرحلة- كانت بحاجة لأن توكل لهذه الجماعات مهمات خاصة، مثل المقاومة بالوكالة، نظراً لالتزام حماس بالتهدئة مع إسرائيل، منذ مارس/آذار 2005.
4-أن تتكفل هذه التنظيمات بالقيام بالعمليات الأمنية القذرة (اغتيالات-اختطاف-تفجيرات، وغيرها)، فيما تحافظ حماس على مسافة فاصلة مناسبة، بينها وبين هذه العمليات.
5-كانت علاقة حماس بهذه التنظيمات، تسمح لها بتوصيل رسائل سياسية عن قدرتها على التحكم والسيطرة، سواء أكان بالتشغيل أم بالإحباط، وفقاً لمقتضيات الظروف.
6-كان من شأن هذه العلاقة أن تخفف -قدر الإمكان- من التهجمات الإعلامية العنيفة التي استهدفت حماس، مِنْ قِبَلِ قيادات تنظيم القاعدة، ومنها انتقادات الظواهري، وأبوعمر البغدادي، وغيرهما.
7-أن علاقة حماس بالجماعات المرتبطة بالقاعدة، يمكن أن تعادل أو توازن، نسبيًّا، علاقتها المتميزة مع إيران، واتهامها بتشجيع التشيع.
ومع ذلك كانت حماس -في مرحلة ما قبل فوزها بالانتخابات التشريعية-تحرص على إبقاء مسافة مناسبة، بينها وبين الجماعات الموالية أو المرتبطة بالقاعدة، للإيحاء من جهة بوجود هذه العلاقة، والتملص منها من الجهة الأخرى إذا لزم الأمر، لكن هذه الاستراتيجية تغيرت إلى حد بعيد، في أعقاب الفوز الكبير، الذي حققته الحركة في الانتخابات التشريعية، في مطلع عام 2006.
وكان البيان الذي صدر للإعلان عن تنفيذ عملية (الوهم المتبدد)، في 25/6/2006، بمثابة اعتراف رسمي وصريح، عن العلاقة التي تربط بين حركة حماس، وتنظيم لجان المقاومة الشعبية، وجيش الإسلام، والتي توالي وترتبط بتنظيم القاعدة، وتضمن الإعلان مشاركة ثلاثة فصائل، هي حماس، ولجان المقاومة الشعبية، وجيش الإسلام، في تنفيذ عملية (الوهم المتبدد)، التي نجحت في قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأسر الجندي جلعاد شليط، وجلبه إلى داخل مناطق غزة.
وكان أبوالمثنى، الناطق باسم جيش الإسلام، قال في مقابلة بثتها القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، مساء يوم 4/7/2007 "إن جيش الإسلام هو الذي اختطف الجندي الإسرائيلي، وفور خطفه تم تسليمه لحركة حماس»، لأن تنظيمه كان منشغلاً بقضايا أخرى، حسب قوله.
والحقيقة، أن البيان الذي صدر عن هذه العملية، كان بمثابة إعلان متأخر، ولكنه خطير ومهم، عن العلاقة القائمة فعلاً، منذ فترة طويلة قبل تنفيذ هذه العملية، بين حركة حماس وتنظيم لجان المقاومة الشعبية، وذراعها العسكرية (ألوية الناصر صلاح الدين)، وتنظيم جيش الإسلام وذراعه العسكرية (كتائب التوحيد والجهاد).
وقد وقفت هذه العلاقة وراء العديد من العمليات الداخلية الدموية، التي ضاعت فيها إمكانية تحديد المسؤولية الجنائية عن تنفيذها، بسبب تداخل وتشابك المجموعات والأفراد المنفذين لها بين التنظيمات الثلاثة، وفي ظل ظروف وهن أجهزة أمن السلطة وتواطئ بعضها على نتائج بعض هذه العمليات.
وقد يكون من الضروري الآن عرض قائمة لأبرز هذه العمليات الدموية، على النحو التالي:
1-محاولة اغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، في خيمة العزاء المقامة لعرفات في غزة، يوم 14/11/2004، حيث اقتحم الخيمة 30 مسلحاً، وأطلقوا النار عشوائيًّا، قبل أن يتم سحب أبومازن وتأمينه خارجها.
2-اغتيال اللواء موسى عرفات، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، يوم: 7/9/2005، في منزله، بعد أن هاجمته أكثر من 30 سيارة مسلحة و400 مسلح، وجرى اختطاف نجله الضابط (منهل)، بعد اغتيال والده، وقد أعلن المدعو أبوعبير، الناطق باسم لجان المقاومة، مسؤولية تنظيمه عن اغتيال اللواء عرفات، وأنه سيكشف الأسباب التي دعت إلى اغتياله، وقال: إن تنظيم لجان المقاومة يباشر التحقيق مع نجله، وأضاف "أنه سيطبق عليه الشرع، وإذا اقتضى الأمر قتله؛ فليقتل"، وقد استدعى الأمر تدخل اللواء مصطفى البحيري، نائب رئيس المخابرات المصرية، الموجود في غزة وقتها؛ لترتيب إخلاء سبيل نجل اللواء عرفات.
3-محاولة اغتيال اللواء طارق أبو رجب، مدير المخابرات الفلسطينية، يوم 20/5/2006.
4-اغتيال العميد جاد التايه، مدير العلاقات الدولية بجهاز المخابرات، مع أربعة من مرافقيه، يوم 15/9/2006، أثناء مروره في مخيم الشاطئ، أمام منزل إسماعيل هنية رئيس الوزراء.
5-اغتيال الأطفال الثلاثة، أبناء ضابط المخابرات الفلسطينية بهاء بعلوشة، أثناء ذهابهم إلى المدرسة، يوم 11/12/2006.
6-سلسلة اختطاف الأجانب والصحافيين الأجانب في غزة، نذكر منها:
•اختطاف مدير المدرسة الأميركية في غزة ومساعده في 29/12/2005.
•اختطاف بريطاني وسويسري عاملَيْنِ في الأمم المتحدة في خان يونس، في 6/9/2005.
•اختطاف عائلة بريطانية، تعمل الأم مع جماعة محلية لحقوق الإنسان، في 27/1/2006.
•اختطاف مراسلَيْنِ من شبكة فوكس نيوز، في سبتمبر/أيلول 2006.
•اختطاف الصحافي البريطاني آلان جونستون، مراسل «بي. بي. سي»، يوم 12/3/2007، وإعلان جيش الإسلام مسؤوليته عن اختطافه، قبل أن يُفْرَجَ عنه لاحقاً، في 4/7/2007.
•إعدام 20 متدرباً في معسكر قريش، التابع للحرس الرئاسي في غزة، وإصابة 80 آخرين، يوم 1/2/2007.
•الكشف عن المحاولة الثانية لاغتيال الرئيس الفلسطيني، مطلع مارس/آذار 2007، عن طريق التخطيط لتفجير أنفاق تحت موكبه، عند مروره في طريق صلاح الدين.
ورغم الخطورة البالغة لهذه العمليات الدموية، وإعلان بعض التنظيمات مسؤوليتها المباشرة عن تنفيذها، فإن السلطة في ظل حكومة أحمد قريع، وفي ظل حكومة حماس وهنية، لم تجرؤ أبداً على اتخاذ أي قرار، أو إجراء قانوني، لتوقيف أو محاسبة التنظيمات المسؤولة عن تنفيذ هذه الجرائم، والأفراد المعروفين والمتورطين في هذه العمليات.
ورغم أن علاقة التنظيمات الثلاثة: حماس، ولجان المقاومة، وجيش الإسلام، كانت معروفة لجميع الأوساط في غزة وخارجها، لكنها لم ترقَ أبداً إلى مستوى الإعلان رسمياً عن التحالف العملي والسياسي في ما بينها، لذلك كان إصدار البيان المشترك عن عملية (الوهم المتبدد)، قد أثار العديد من الأسئلة والاستفسارات، لأن حماس ليست بحاجة -من الناحية العملياتية- إلى مشاركة أي فصيل أو تنظيم آخر، وكانت تحرص دائماً على تنفيذ عملياتها بمفردها، ولذا يبقى التساؤل قائماً حول الاعتبارات السياسية، وليست العسكرية، التي دفعت حماس إلى إصدار بيان رسمي، يتضمن اعترافاً وإقراراً بوجود علاقة ناظمة بينها وبين تنظيمات تعلن تماثلها وموالاتها وارتباطها بتنظيم القاعدة، فيما حماس تحرص على عدم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية.
لكن علاقة حماس، كحكومة وسلطة أَمرٍ واقع في غزة- لم تَسِرْ على وتيرة واحدة مع هذه الجماعات، وشهدت بعد صدور هذا البيان فصولاً متعددة من الاحتقان والتوتر وحتى التجابه.
وكان من أبرز هذة المجابهات، واقعة تحرير الصحافي البريطاني المختطف لدى جيش الإسلام، وكان السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء، صرح بعد عملية الاختطاف بأيام، بأن حكومته تعرف الجهة التي اختطفته ومكان وجوده، ومع ذلك تأخرت كثيراً عملية تحريره، التي جرت في ظل توتر شديد، بعد أن حاصرت حماس مواقع ومنازل قيادات وأعضاء جيش الإسلام، وجرت في الأثناء عمليات اختطاف متبادلة لكوادر من الطرفين، قبل أن ينتهي الأمر بتحرير الصحافي البريطاني، بعد نحو 100 يوم من اختطافه، وكان أبو المثنى، الناطق باسم جيش الإسلام، صرح بعد هذه العملية، بأن مطالب تنظيمه لم تتغير، وأنه جرى احتساب هذه المطالب لدى حركة حماس.
ثم جرت واقعة مجابهة ثانية بين التنظيمين، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2008، عندما هاجم نحو 4000 من كتائب القسام التابعة لحماس، منطقة الصبرا في المربع الذي تقطنه عائلات أغلب قادة جيش الإسلام، وحاصرته وقصفته وقتلت 15 من أبناء عائلة دغمش، فضلاً عن قتل طفلة ورضيع، لكن -مع ذلك- لم تُقْدِمْ هذة القوات على المسِّ بالشيخ ممتاز دغمش، زعيم جيش الإسلام.
وفي واقعة أخرى، أقدمت حماس على اعتقال أبي حفص المقدسي، زعيم جيش الأمة مع 32 من أنصاره وكوادره، في أعقاب الحرج الذي وقعت فيه حماس، إثر بثِّ فيلم على الفضائيات من غزة، عن تدريبات عسكرية علنية، أجراها جيش الأمة في غزة، وأظهر الفيلم شعارات علنية باسم تنظيم القاعدة، على خلفية موقع التدريب، فضلاً عن بث تصريحات لقائد جيش الأمة، التي أعلن فيها عن تماثل تنظيمه مع أفكار ومنطلقات تنظيم القاعدة، فأصدر جيش الأمة عدداً من البيانات العنيفة، التي توعدت حماس، وأنذرتها بضرورة إخلاء سبيل زعيمها، وأخلت حماس فعلياً سبيله بعد ثلاثة أسابيع.
ورغم كل مظاهر التوتر هذه، والتي وصلت في بعض الحالات إلى حد الصدام الدموي، فإن الأمر لم يصل أبداً بحماس إلى حد التوجه إلى الحسم العسكري لإنهاء أو تصفية هذه التنظيمات، التي تعلن موالاتها وتماثلها وارتباطها بتنظيم القاعدة.
ثالثا: تنظيمات موالية للقاعدة في غزة
قد يكون من الضروري، قبل عرض وتحليل قائمة التنظيمات الموالية والمرتبطة بالقاعدة في غزة، التقديم لهذا العرض بلائحة المحددات، التي تضبط، منهجياً، الإطار العام لهذا العرض، وتقدم أداة تفسيرية أعلى للفهم والرؤية، على النحو التالي:
1-أنه يستحيل، عمليًّا، على أيِّ قوى محلية، إنشاء وتشغيل أيِّ تنظيم فلسطينيِّ، حتى لو كان محدوداً وأياً كان انتماؤه الإيديولوجي، من دون الاعتماد بشكل شبه كلي على الدعم المالي واللوجسيتي الخارجي، ولا صحة على الإطلاق لأيِّ ادعاءات أخرى تخالف ذلك، والفصائل والتنظيمات والجماعات التي تعمل على الساحة الفلسطينية، وفي مقدمتها الجماعات التي أعلنت ولاءها وارتباطها بتنظيم القاعدة، تعتمد جميعها على تدفق التمويلات الخارجية، بما يستحق عن جدارة تخصيص دراسة أخرى مستقلة معمقة، عن ما يمكن أن نسميه: (ببزنس) أو اقتصاديات المقاومة الفلسطينية.
2-أن الطابع العام في قطاع غزة، من الجهة الطبوغرافية والتكوين الديموغرافي والسوسيولوجي، تشكل جميعها عائقاً أمام إحكام العمل السري، ولذا تنكشف أمنياً، إلى حد بعيد، أغلب التفاصيل الداخلية الدقيقة لكل الفصائل والجماعات، فضلاً عن اختراق السرية في عمل هذة الفصائل والجماعات، بسبب النزعة الاستعراضية العالية، ومتطلبات المنافسة، والاختراقات الأمنية من الجهات الخارجية.
3-إن خطورة استنبات تنظيمات فلسطينية موالية للقاعدة، تكمن في تبنيها مفاهيم وأفكاراً، تستند في الأساس إلى (الفتاوى) لابن تيمية، كما اتضح بالبحث تأثر هذه الجماعات بمؤلفات أبي محمد المقدسي، المرشد الروحي لأبي مصعب الزرقاوي، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح، من انتحال عدد من قادة جماعات القاعدة الفلسطينية كنيته، مثل: أحمد مظلوم المكنى بخطاب المقدسي، والذي يعد المرجع الفقهي لتنظيم جيش الإسلام، وأبو حفص المقدسي زعيم جيش الأمة، وأبو صهيب المقدسي زعيم كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة، وكانت لجان المقاومة أطلقت على زعيمها جمال أبو سمهدانة لقب (زرقاوي فلسطين).
ويشكل تبني هذه الأفكار، وتمثل القدوة من قيادات القاعدة، خطراً بالغاً على نزعة هذه المجموعات، مدفوعين بأفكار وتجربة القاعدة، للعمل داخل المجتمع الفلسطيني باعتماد الأساليب العنفية المعروفة، فضلاً عن الاحتمالات الأخرى التي ترشح هذه المجموعات للعمل ضد دول بعينها، في محيط الأراضي الفلسطينية، بدعوى ما سماه أبو حفص زعيم جيش الأمة «التزام المسلمين في شتى أنحاء العالم بقتال الإسرائيليين والكفار، حتى يحكم الإسلام الأرض»، أو ما قاله أبو المثنى من جيش الإسلام، من أن تنظيمه سيواصل عمليات خطف الأجانب في غزة، طالما يستمر اعتقال المسلمين في سجون الدول الكافرة.
4-إننا نميل بشكل كبير للاعتقاد بأن تنظيم القاعدة لم يكن هو الذي استهدف إقامة فروع وامتدادات محلية له في الأراضي الفلسطينية، وأن المبادرة إلى ذلك جاءت من بعض القيادات، التي انشقت وخرجت على تنظيماتها الأساسية، عن فتح، وعن لجان المقاومة؛ لأسباب متعددة، وسعت لتأسيس جماعاتها الخاصة؛ فعرضت نفسها للانطواء تحت راية القاعدة، وتكشف التقارير المتداولة السهولة النسبية لإجراء الاتصال غير المباشر والمباشر، بين الجماعات المحلية والمراكز العصبية في تنظيم القاعدة، ومن ثَمَّ يجري تطوير هذه العلاقة.
5-أن انحلال السلطة الفلسطينية، وانقسامها على نفسها، وشيوع عمليات التهريب، كلها ساعدت على قيام جماعات وتنظيمات، توالي القاعدة وترتبط بها.
وفي إطار هذه المحددات الخمسة، فإنه يمكن إلقاء نظرة متفحصة لأبرز الجماعات الفلسطينية الموالية للقاعدة والمرتبطة بها في غزة:
1-لجان المقاومة الشعبية (ألوية الناصر صلاح الدين)
قد لا توجد أية أسباب منطقية، وراء تجاهل أغلب الباحثين، إلقاء الضوء على الدور الخطير الذي لعبته، ولاتزال، لجان المقاومة الشعبية، باعتبارها التنظيم الأساسي، الذي انتمى أولاً إلى تنظيم القاعدة وتماثل معها، ومن ثَمَّ خرجت عنه لاحقاً التنظيمات الأخرى، مثل: جيش الإسلام، وجيش الأمة، وغيرهما، والتي تحظى ربما بتغطية إعلامية واسعة النطاق، قياساً بما يحظى به تنظيم لجان المقاومة الشعبية من دراسة واهتمام.
كان جمال أبو سمهدانة، الذي ينحدر من عائلة فلسطينية وطنية معروفة، في محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، هو المؤسس الحقيقى لهذا التنظيم، رغم انتمائه وعائلته بالكامل، تقريباً، إلى حركة فتح، فقد كان جمال نفسه ضابطاً سابقاً في حركة فتح، ومنتسباً لأحد أجهزتها الأمنية، الذي يتركز نشاطه في العراق، قبل أن يعود بعدها إلى داخل غزة، عام 1994، وينتسب هناك إلى قوات الـ17 أو الحرس الرئاسي لعرفات، حتى انطلاقة الانتفاضة الثانية، في 2001.
وقد انتخب جمال أميناً لسر حركة فتح في رفح، لكنه كان على خلاف دائم مع قيادة جهاز الأمن الوقائي في غزة، الذي كان يرأسه محمد دحلان، وجرى عزله بتعسف من موقعه التنظيمي؛ رغم اتساع شعبيته في منطقة رفح، فضلاً عن خبراته المميزة التي اكتسبها أثناء عمله في الخارج.
وأظهر جمال ميولاً دينية متزايدة، وبات محوراً لحركة تمرد من الضباط والكوادر، الذين عانوا من غبن أو ما اعتبروه عدم تقدير، بالمقارنة مع الآخرين المحسوبين على جهاز الأمن الوقائي.
وفي مقابل الموقف السلبى لأجهزة أمن السلطة، بادرت حركة حماس بمد يد العون المادي والتسليحي لهذا التنظيم، ومن ثَمَّ بادر أبو سمهدانة للاتصال بتنظيم القاعدة في الخارج، وخصوصاً في العراق، حيث عمل وعاش فيها في فترة سابقة، وقد تزامنت هذه المرحلة مع سطوع نجم أبو مصعب الزرقاوي هناك، الذي سنلحظ اتساع تأثيره في تنظيم اللجان في كل المراحل اللاحقة، وقد اتسع نفوذ تنظيم اللجان الشعبية، خصوصاً في أوساط صغار الضباط، وكوادر تنظيمية من حركة فتح، بعد أن رفعت اللجان شعارات مقاومة الاحتلال، ومقاومة الفساد والمفسدين في السلطة.
ومع نمو هذا التنظيم واتساع قاعدته، بدأ الدخول في مواجهات حادة مع بعض قيادات أجهزة الأمن في السلطة، وكان أبو عبير المتحدث باسم اللجان، أعلن يوم 7/9/2005، مسؤولية تنظيمه عن اغتيال اللواء موسى عرفات، رئيس الاستخبارات العسكرية الفلسطينية في منزله، ومعروف أن اللواء موسى كان يقود أكبر قوة مسلحة في السلطة، قادرة على مواجهة تنظيم حركة حماس، ويشير حجم القوة التي نفذت عملية الاغتيال هذه، إلى الدعم والمشاركة اللذين تلقتهما اللجان من تنظيمات أخرى، يعتقد أنها من كتائب القسام التابعة لحماس، كما تشير معظم التقديرات، إلى تواطؤ أجهزة أمن السلطة الفلسطينية نفسها مع هذه العملية؛ للتخلص من اللواء عرفات، ولم تبادر رئاسة السلطة إلى اتخاذ أيِّ إجراء عملي بحق لجان المقاومة؛ رغم معرفتها الكاملة بمسؤوليتها عن اغتيال اللواء موسى، وإعلان الناطق باسمها عن مسؤوليتها عن اختطاف نجله (منهل)، والإعلان أنه يخضع للتحقيق، وأنه «سيطبق عليه الشرع، وإذا اقتضى الأمر قتله؛ فسيقتل».
ومعروف في غزة، أن اللواء مصطفى البحيري، نائب رئيس جهاز المخابرات المصرية، كان قد توسط لإطلاق سراح منهل عرفات من قبضة تنظيم اللجان الشعبية، التي اختطفته بعد عملية الاغتيال.
ومن جهتها نجحت إسرائيل بعد عمليات فاشلة عدة، في اغتيال جمال أبو سمهدانة، مؤسس وزعيم تنظيم اللجان المقاومة، ثم نجحت، أيضاً، في اغتيال (عبد القوقا)، أحد ابرز قادة اللجان في مخيم الشاطئ في غزة، وكان تنظيم اللجان يلقب زعيمه بالشيخ جمال أبو عطايا، وبفارس فتح خيبر، وبـ «القائد الرباني»، وتصدرت سرادق عزاء جمال لوحة كبيرة، تجمع صورة أبو مصعب الزرقاوي، إلى جانب صورة الشهيد جمال، التي كتبت تحتها عبارة: «أبو عطايا زرقاوى فلسطين»، ويعتمر المدعو أبو عبير، الناطق باسم اللجان غطاء الرأس الأسود نفسه؛ تشبهاً بالزرقاوي(3).
وكان ممتاز دغمش، زعيم جيش الإسلام، أحد القيادات البارزة في تنظيم لجان المقاومة، قبل أن يختلف معهم، ومع ابن عمه زكريا أبو القاسم دغمش، وينشق بعدها عن اللجان، ويشكل تنظيم جيش الإسلام، الذي أعلن تماثله مع تنظيم القاعدة، فيما انضم ابن عمه زكريا إلى حركة حماس، وبات واحداً من قادة أذرعها الأمنية.
وتشير بعض المعلومات، إلى أن أبو حفص المقدسي، زعيم جيش الأمة، كان بدوره منتمياً إلى تنظيم لجان المقاومة، قبل أن يخرج عليه، لتزعم تنظيمه الجديد.
وتعتبر لجان المقاومة هي الحليف الأقوى والأقرب لحركة حماس، ويتم تقاسم الأدوار وظيفياً بينهما. وعلى خلاف الوضع مع التنظيمات الأخرى الموالية للقاعدة، فإن العلاقة بين حماس واللجان يسودها التنسيق الوطيد والتعاون المشترك.
2- جيش الإسلام (كتائب التوحيد والجهاد)
صدر البيان التأسيسى لهذا التنظيم في 8/5/2006، وأعلن موالاته لتنظيم القاعدة، ويتزعم هذا التنظيم ممتاز دغمش، الذي كان أحد قادة تنظيم لجان المقاومة، وكان التقى مع أحمد مظلوم، المكنى بخطاب المقدسي، ودرس العلوم الشرعية في باكستان، وتنتشر أقاويل في غزة عن العلاقة التي ربطت المقدسى بزعيم القاعدة ابن لادن، وقد تأثر ممتاز دغمش إلى حد بعيد بأفكار المقدسي، إبان خلافه مع تنظيمة السابق، وساعده ذلك على حسم أمره، واتخاذ قراره بتشكيل جيش الإسلام.
وتعود أهمية هذا التنظيم إلى خلفيته العائلية؛ حيث ينتسب ممتاز إلى عائلة دغمش الكبيرة، والتي يتوزع ولاؤها على ثلاثة أقسام:
الأول: يوالي حركة فتح، ويتزعمه أحمد منصور دغمش، أمين سر حركة فتح في منطقة الصبرة، منطقة نفوذ العائلة.
الثاني: يمثله أبو القاسم زكريا دغمش، الذي كان قياديًّا بارزاً في تنظيم لجان المقاومة، وقائداً للواء (القوقا) ألوية الناصر صلاح الدين؛ قبل أن يتحول إلى حركة حماس، ويصبح أحد قادة القوة التنفيذية للحركة، وهو مقرب من الدكتور الزهار.
الثالث: وهو القسم الذي يتزعمه، ممتاز دغمش، ويضم قسماً كبيراً من العائلة، وينضوى تحت لواء جيش الإسلام.
ويعتقد أن جماعة جيش الإسلام شاركت في العديد من عمليات التصفية الداخلية، التي طالت ضباطاً وكوادر من أجهزة الأمن بالسلطة، وأنها المسؤولة عن خطف عدد من الصحافيين الأجانب، قبل أن يسلط عليها المزيد من الأضواء الإعلامية، في أعقاب إصدار بيان عملية (الوهم المتبدد)، في 25/6/2006، التي شاركت فيها إلى جانب حركة حماس ولجان المقاومة. وحسب أبو المثنى، الناطق باسم جيش الإسلام، فإن تنظيمه هو الذي بادر إلى تنفيذ هذه العملية، وأنه تنازل لحماس عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شليط.
وعاد جيش الإسلام للاستحواذ على اهتمامات الإعلام العالمي، في أعقاب اختطافه الصحافي البريطاني، آلان جونسون، في 4/7/2007، مطالباً بإطلاق سراح أبو قتادة، الذي كان قيد التوقيف في العاصمة البريطانية لندن، وإطلاق سراح ساجدة العراقية، التي اعتقلتها السلطات الأردنية، بسبب ضلوعها في عمليات تفجير فنادق في العاصمة الأردنية، أعلن الزرقاوي في حينه مسؤوليته عنها، وقد لوحظ أن مطالب جيش الإسلام، خلت من المطالبة بتحرير أي من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أو أية مطالب أخرى من الجانب الإسرائيلي.
شابت العلاقة بين حماس وجيش الإسلام أجواء مشحونة بالاحتقان والتوتر، وتخللتها عمليات تصفية دموية محدودة (اغتيال أحمد السيد دغمش في يوليو/تموز 2007)، ولكن التصعيد وصل ذروته في ديسمبر/كانون الأول 2008، عندما قررت حماس كسر شوكة عائلة دغمش، بعد أن كانت أخضعت عائلة حلس قبلها، فشنت هجوماً واسع النطاق على منطقته الصبرة، وقتلت 11 شخصاً من عائلة دغمش، واعتقلت عدداً منهم، ورغم أنه لم تجرِ مواجهات واسعة، تستهدف جيش الإسلام، إلا أن رسالة حماس كانت وصلت -مع هذا- إلى التنظيم، الذي آثر ألا يجازف بتحدي سلطة حماس في هذه الظروف.
ومن المرجح أن تشهد غزة في المستقبل المنظور عمليات واسعة، لإعادة تقويم الحسابات والمواقف، التي قد تفرز خريطة جديدة من التحالفات والاصطفافات بين الفصائل والتنظيمات والجماعات المتنافسة، تبعا للتغيرات التي تطرأ على موازين القوى.
2-جيش الأمة (أهل السنة والجماعة)
كانت بيانات عسكرية صدرت قبل 1/9/2008، باسم جيش الأمة، ومن أبرزها البيان الصادر في 16/9/2007، وجرى الاعتقاد بأن جيش الأمة ليس تنظيماً قائماً بذاته، وأنه من الأسماء التي يستخدمها جيش الإسلام لدواعٍ مختلفة، لكن وكالة رويترز كانت قد دعيت لحضور وتصوير عرض لتدريب كوادر ومقاتلين تابعين لجيش الأمة في 1/9/2008، وقد ظهرت بوضوح عبارة القاعدة على الجدار، وصورت تدريبات هذا التنظيم في نطاقه، وأعلن زعيم التنظيم أبو حفص المقدسي أن "جيش الأمة ليس جزءاً من القاعدة، لكن نحن نرتبط مع إخواننا في تنظيم القاعدة بارتباط عقائدي" .
ولم يكن بثُّ هذا الفيلم هو الأول من نوعه، حيث سبق أن بثت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي فيلمًا وثائقيًّا قصيراً، في الأسبوع الأول من شهر أغسطس/آب 2007، وقالت في تقريرها إنه صُوِّرَ خلال تمارين وتدريبات عناصر تنظيم القاعدة في قطاع غزة، وأشار هذا التقرير إلى أن عناصر القاعدة قدموا إلى قطاع غزة عن طريق شبه جزيرة سيناء، واستقروا في رفح جنوب غزة، وبدأوا تدريباتهم العسكرية العلنية أخيراً، وإن كان التقرير لم يُعرّف باسم التنظيم، الذي قام بهذه التدريبات، ومن جهته، كان المكتب الإعلامي لتنظيم جيش الأمة، قد أعلن في 14/8/2007، عن وصول أسود القاعدة إلى فلسطين، وأن جيش الأمة يمثل القاعدة في ولاية فلسطين.
وقد أثار بثُّ فيلم رويترز عن تدريبات جيش الأمة حفيظة حركة حماس، التي بادرت إلى اعتقال زعيم التنظيم أبو حفص المقدسي، و32 من أعضاء الجماعة، وأصدر جيش الأمة عدداً من البيانات، التي حذر فيها حماس من المسِّ بزعيمه، وانتقد البيان الذي أصدره جيش الأمة، في 17/9/2008، حركة حماس بقسوة وقال: "إن عهد السلطة البائدة والأمن الوقائى، لم يكن أسوأ من عهد حماس في سفك الدماء، وانتهاك حرية الأرواح المؤمنة، فلم نسمع يوماً أن أجهزة عرفات وعباس حاصرت مناطق سكنية وقتلت العشرات، كما فعلت حماس مراراً وتكراراً".
ولوحظ أن بيان جيش الأمة وجَّه نداء عاجلاً إلى جميع الجماعات السلفية الأخرى "للتوحد في صدِّ الهجمة التي دبرت بليل من الصليبيين واليهود وأنصار الروافض"، ودعا البيان أبناء حماس إلى ضرورة البراء إلى الله من هذه الأعمال، وختم البيان بالقول: "هذا وقد أعذر من أنذر»، وذيل بتوقيع "جيش الأمة: أهل السنة والجماعة بيت المقدس-فلسطين، وكانت حماس قد أخلت سبيل زعيم جيش الأمة وكوادره، بعد احتجاز لمدة ثلاثة أسابيع، ومن دون اتخاذ أيِّ قرار بشأن وضع ومصير هذا التنظيم.
تنظيمات أخرى
وفضلاً عن هذه التنظيمات الثلاثة: لجان المقاومة، وجيش الإسلام، وجيش الأمة، فقد ظهرت في غزة بيانات عدة لجماعات أخرى، تربط نفسها بتنظيم القاعدة، ومنها البيان الذي صدر في غزة، في 12/8/2007، باسم جماعة تسمى نفسها: «كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة»، ويتزعم هذه الجماعة «أبو صهيب المقدسي»، وكانت أعلنت مسؤوليتها عن إحراق محال ومقاهي الإنترنت، وتفجير مكتبة الكنيسة المعمدانية، والاعتداء على مراكز نسوية.
وكانت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية، أول من أشار في تقرير نشرته في 20/5/2005، إلى وجود تنظيم باسم (جند الله)، مرتبط بالقاعدة وينشط في غزة، وأوردت تصريحات لزعيم هذه الجماعة، الذي يكنى بـ«أبو عبد الله»، الذي أكد أن جماعته ليست تابعة لأية جهة.
وقد عادت جماعة (جند الله) هذه إلى الظهور بقوة، عندما وجهت في 14/7/2008، انتقادت حادة إلى حركة حماس، بسبب ترحيبها بزيارة توني بلير ممثل اللجنة الرباعية إلى غزة، وقال البيان: «إن المجرمين من أمثال بلير، غير مُرَحَّب بهم في غزة »، وقد أعلنت المتحدثة باسم بلير، وينتر شتاين أنه «مع الأسف، اضطررنا لإلغاء الزيارة بسبب تهديدات أمنية محددة».
ونشرت مصادر إسرائيلية تقريراً في معاريف بتاريخ 7/8/2008، اتهمت فيه جماعات إسلامية متماثلة مع تنظيم القاعدة، بتنفيذ عملية تفجير السيارة التي وقعت في 26/7/2008، وأودت بحياة خمسة من قادة الذراع العسكرية لحركة حماس، التي كانت من جهتها سارعت إلى اتهام حركة فتح بتنفيذ هذه العملية، رغم تكتيكها المعقد، وتذرعت حماس بهذه العملية، لتجريد حملة عسكرية واسعة للتنكيل بعائلة حلس، وقتلت فيها نحو 18 من شباب هذه العائلة، ولم تكشف حماس بعد ذلك وإلى الآن عن الجهة التي نفذت هذه العملية.
وكان التقرير الإسرائيلي أشار إلى منظمة جديدة، أعلنت عن نفسها باسم (الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين)، وأنها تتعامل مع القاعدة، وهددت بأعمال عنف ضد ما سمته (منظمة الإيرانيين الشيعة)، أيْ حركة حماس.
ونشرت وكالات أنباء فلسطينية محلية «وكالة معا وفلسطين يرس»، بياناً يصدر للمرة الأولى في غزة، عن (فتح الإسلام)، وأعلنت فيه مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ محلي الصنع على بلدة سيدروت في إسرائيل، وتحدثت تقارير عن إعادة ترميم وإطلاق تنظيم (فتح الإسلام)، المرتبط بالقاعدة في غزة، بعدما تعرض للاقتلاع من مخيم نهر البارد في شمال لبنان.
ووزع في غزة بتاريخ 10/9/2008 بياناً بتوقيع «أحرار كتائب القسام» يعلن مسؤولية هذه الجماعة عن تفجيرات، استهدفت مواقع تسيطر عليها حكومة حماس في غزة، وإن لم يتسنَّ التأكد بَعْدُ من حقيقة هذه الجماعة وانتمائتها، وتلقت الوكالات المحلية في فلسطين بياناً آخر يوم 9/9/2007، صادر عن «أبناء أهل السنة والجماعة (السلفيون)»، ووصف البيان ميليشيات حماس بـ«الجناة الخوارج»، وأضاف أنه تم رصد أكثر من 15 اعتداء على علماء ومشايخ، ومساجد يقوم بالإشراف عليها أبناء أهل السنة، ونقول للخوارج: إن أردتم الدماء فيصلاً وحكماً؛ لن نتأخر بإعلان الجهاد المقدس».
"القاعدة" وتهديد الأمن المصري
كانت سيناء قد شهدت وقوع عمليات إرهابية عدة، في سنوات ثلاث متتالية 2004، 2005، 2006، وتشير أدلة وقرائن على تورط عناصر من جماعات فلسطينية متطرفة في غزة، في هذه العمليات، على مستويات عدة، منها التدريب، والتمويل، والإمداد، وغيرها.
وهذه السلسلة من العمليات الخطيرة تزامن توقيتها مع احتفال مصر بمناسبات وطنية وقومية، وكان أخطر ما فيها، هو ضلوع وتورط جماعات أصولية إرهابية متطرفة من الأراضي الفلسطينية -وتحديداً في غزة- في تنفيذ هذه العمليات الإرهابية.
ولا تكمن خطورة هذه المسألة فقط في كشف هذا التورط الفلسطيني، وإنما تكمن أيضاً في اتساع مدى البيئة الحاضنة للإرهاب في غزة، ودخول شبكات الإرهاب الدولي وأجهزة مخابرات إقليمية لاستغلال هذه الأوضاع، وتعاظم احتمالات استهداف مصر ودول جوار فلسطين بعمليات إرهابية جديدة، لخدمة أجندات خارجية وإقليمية، وللابتزاز السياسى، وهو ما نود تناوله على المستويات الآتية:
أولاً: تورط جماعات فلسطينية في عمليات طابا
في توقيت له دلالاته الخطيرة، أقدمت مجموعة إرهابية على تنفيذ ثلاث عمليات هجومية متزامنة، استهدفت فندق هيلتون طابا، ومخيم أرض القمر السياحي، بجزيرة رأس شيطان الواقعة بين طابا ونويبع، على مسافة 45 كيلومتراً من الموقع الأول، واستهدف الهجوم الثالث تفجير مخيم الطرابين السياحي.
وكان بيان وزارة الداخلية المصرية قد أعلن في 2/11/2004، أن أجهزة الأمن توصلت إلى أن القائم على التخطيط والتنفيذ لهذه العمليات هو الفلسطيني (إياد سعيد صالح)، وبعض العناصر المرتبطة به، وأن تلك العملية جاءت كرد فعل لتداعي الأوضاع في الأراضي المحتلة، ولتوجيه عمل يستهدف الإسرائيليين المقيمين بالفندق والمخيمين.
ويمكن ملاحظة ما يلي:
1-أن تنفيذ هذه العمليات استلزم فترة طويلة من الإعداد المسبق (التجنيد، التدريب، التجهيز، الإعداد والتحضير... إلخ)، وهو ما يعني وجود بنية تحتية جاهزة لتأمين هذه المهام، تعمل منذ فترة زمنية طويلة نسبيَّا، سابقة على ما سماه البيان ردة الفعل.
2-أن اختيار التوقيت كانت له دلالاته السياسية، التي تخص الشأن المصري الداخلي، ولا تستهدف فقط الإسرائيليين، كما ورد في البيان.
3-أن كل ما يتعلق بالعملية، بداية من الفكرة وحتى التنفيذ، ينم عن درجة عالية من الاحترافية، التي تفوق في كل مستوياتها قدرات وإمكانات العناصر المحلية البدوية، التي شاركت في التنفيذ.
4-أنه لم يكشف النقاب عن حقيقة العلاقة بين المتهم الاول (إياد صالح)، وبين الجماعات الإرهابية الفلسطينية داخل غزة، والضالعة في تنفيذ هذه العمليات الإرهابية.
5-أن الأجهزة الأمنية كشفت عن اسم المتهم محمد جايز صباح حسين من مدينة نخل، باعتباره المسؤول عن تفخيخ السيارات الثلاث، التي استخدمت في العمليات، وأنه أعد ثلاث دوائر كهربائية، تعمل اثنتان منها بمؤقت آلي، والثالثة باستخدام الهاتف المحمول، وهو ما يؤكد أن تنفيذ العمليات سبقته فترة طويلة من الإعداد والتدريب، وأن هذه الأساليب التقنية سبق أن استخدمت في غزة، وفي جنوب لبنان.
ثانياً: عمليات شرم الشيخ
في توقيت يتزامن مع الاحتفالات المصرية بأعياد ثورة يوليو/تموز 1952، شنت جماعة إرهابية هجماتها على منتجع شرم الشيخ السياحى، بتاريخ 23/7/2005، ونفذت هذه العمليات في توقيت متعاقب: الهجوم على فندق غزالة، ومنطقة السوق، وموقف السيارات، وكانت جريدة الأهرام المصرية نشرت يوم 3/9/2005، معلومات نسبتها إلى أجهزة الأمن المصرية، أفادت بالتعرف إلى هوية الإرهابيين الثلاثة، الذين نفذوا الهجمات، وأنهم من السكان المحليين في سيناء.
وأضافت المعلومات أن «أجهزة الأمن عثرت على أسلحة، وذخائر، وقنبلتين صناعة إسرائيلية، وأوراق مطبوعة من مواقع على الإنترنت، مكتوب فيها أفكار جهادية وشرائح تركب على أجهزة اتصالات، بعضها مرتبط بالأقمار الصناعية»، والمثير حقًّا للدهشة القول بأن «أجهزة الأمن تأكدت من أن الخلية الإرهابية ليست لها أية ارتباطات بتنظيمات في الخارج».
ثالثاً: عمليات دهب والجورة
كشف بيان وزارة الداخلية المصرية عن مسؤولية تنظيم أصولي يدعى (التوحيد والجهاد)، عن تنفيذ العمليات الإرهابية التي استهدفت مواقع سياحية في دهب، باستخدام عبوات متفجرة، تتراوح ما بين 2-4 كيلوجرامات، ونفذت هذه العملية الانتحارية، يوم 24/4/2006، وفي يوم 26/4/2006، وقعت عمليتان إرهابيتان جديدتان، بأسلوب العمليات الانتحارية، حيث فجر الانتحاري الأول نفسه في سيارة خاصة بالقوات المتعددة الجنسيات، بالقرب من مطار الجورة بالشيخ زويد شمال سيناء، وعلى بعد كيلومترين من مكان هذه العملية، قام انتحاري آخر بتفجير نفسه في سيارة خاصة بالشرطة المصرية.
وكشف النقاب للمرة الأولى عن عملية إرهابية أخرى جرت في 15/8/2005، استهدفت أحد الأتوبيسات التي كانت تقل مجموعة من العاملين بالقوات متعددة الجنسيات في منطقة الجورة، بأسلوب العبوات المتفجرة المفخخة.
ووفقاً للبيان الرسمي، الصادر عن وزارة الداخلية المصرية، يمكن ملاحظة التالي:
1-اتهم البيان المدعو نصر خميس الملاحي، بإعادة إحياء تنظيم (التوحيد والجهاد).
2-كشف البيان أن الملاحي، تولى قيادة هذا التنظيم عقب مصرع قائده الفلسطيني (خالد مساعد)، ولم يوضح البيان علاقة الفلسطيني خالد مساعد بالفلسطيني إياد صالح، قائد العملية الإرهابية التي وقعت في 6/10/2004.
3-قال البيان إن التنظيم فتح قنوات اتصال مع جماعة أصولية فلسطينية في قطاع غزة (هل هي عناصر شاركت في تمويل التنظيم، وفي التدريب على تصنيع المتفجرات؟).
4-أوضح البيان أن عناصر من التنظيم دخلت إلى غزة للتدريب، وأن الانتحاريين الثلاثة،
منفذي تفجيرات ذهب، دخلوا إلى غزة لتلقي التدريبات على الأسلحة والمتفجرات.
5-وقال البيان أيضاً إن العناصر الأصولية الفلسطينية، ترددت على منطقة العريش، وإن المكنى (أبو سليمان) مَوَّلَ الإرهابيين ماليّاً، وزودهم بهاتف محمول، مزود بشريحة مربوطة على شبكة الاتصالات الإسرائيلية، وتداولت المعلومات أيضاً اسم الفلسطينيَّيْنِ: (ماجد الديري)، و(تامر النصيرات)، كما كشفت التحقيقات أن الفلسطينيين هنأوا قيادة المجموعة الإرهابية عقب تفجيرات دهب.
6-كان القيادي بحماس، يوسف فرحات، صرح يوم 18/10/2008، بأن حماس لن تعيد فتح ملف التفاوض بواسطة مصر، على تبادل الجندي الأسير جلعاد شليت مع إسرائيل، ما لم تفرج مصر أولاً عن ايمن نوفل، المعتقل في مصر، والذي كان قائداً للواء القسام التابع لحماس في محافظة الوسطى، وهى المنطقة نفسها التي ينتمي إليها تامر النصيرات وماجد الديري، وليس معروفاً، إذا ما كانت هناك علاقة بين اعتقاله في مصر، والدور الذي لعبه هؤلاء في تنفيذ هذه العملية الإرهابية.
ويورد زكي شهاب معلومات موثقة عن صلات بين ناشطين من حركة حماس، وآخرين من تنظيم القاعدة في مصر، يعملون تحت اسم (التوحيد والجهاد)، وسبق أن أعلنوا مسؤوليتهم عن التفجيرات التي هزت منتجعات مصرية في سيناء.
وكان موقع (ديبكا) الإسرائيلي المختص بشؤون الاستخبارات، قد أعلن في 4/8/2007 عما سماه دخول مجموعة من رجال القاعدة المصريين قوامها 30 رجلاً، يترأسهم (محمد فايد إبراهيم) المطلوب أمنيًّا في مصر، إلى قطاع غزة، وأنهم يحظون برعاية مِنْ قِبَلِ حركة حماس.
وأُعلن بمصر في 14/7/2007، أن نيابة أمن الدولة العليا، قررت نقل 40 أصولياً ينتمون إلى تنظيم إسلامي راديكالي مرتبط بالقاعدة، إلى سجن طرة، وأن زعيم هذا التنظيم، ويدعى (خالد مصطفى)، تمكن من الفرار إلى قطاع غزة، بمساعدة أصوليين فلسطينيين هناك، وأن من بين المتهمين في هذا التنظيم فلسطينياً يُدعى (محمد السيد إبراهيم)، كان يقيم في بني سويف، وهو ضابط الاتصال مع القاعدة، وأن هذا التنظيم تولى تجنيد وتدريب وتسفير عدد من عناصره إلى فلسطين للقيام بعمليات هناك، ثم العودة إلى مصر.
خاتمة
يبدو أن الوجود المادي للتنظيمات والجماعات الفلسطينية، الموالية للقاعدة والمرتبطة بها، سيبقى قائماً على حاله في المدى المنظور، بالنظر إلى استمرار العوامل والمبررات التي أنشأت هذه الحالة، وحافظت إلى الآن على استمرارها، واستعداد هذه الجماعات للقيام بالمهام التي توكل إليها، وتتحمل أوزارها وتبعاتها، وربما أيضاً، لأنه لم تُعْرَضْ بَعْدُ على حركة حماس الصفقة، التي تسمح مقابلها برفع يدها عن هذه الجماعات وتحجيمها، أو حتى تصفيتها تماماً، وفي ظل استمرار التوازنات القائمة، فإن الوضع الراهن يبقى مرشحاً للبقاء والاستمرار، بانتظار التغيير الذي يمكن أن يطرأ على موازين القوى هذه، في الداخل أو من الخارج.
* نقلا عن مركز المسبار للدراسات والبحوث