لحظة تاريخية فارقة بطلها سلطان مملوكى شاب
سقوط عكا آخر معقل صليبي في الشام :

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٧ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :
كان قيام الحكم المملوكي في مصر والشام إيذانا بالقضاء على الصليبيين . خصوصا وقد أستطاع المماليك دحر المغول في توحيد الشام وجعلوا القاهرة عاصمة المسلمين ، وإذا كان السلطان قطز هو بطل عين جالوت الذي قضى على أسطورة المغول فإن الظاهر بيبرس هو الذي أرعب الصليبين وعجل بنهايتهم ، فقد أستولي على مدن قيسارية وأرسوف . وأخذ قلعة صفد معقل الفرسان الداوية ، وفى سنة 666 أستولي على يافا ثم حطم حصن شقيف ، وأختتم سنة 666 بانتزاع إنطاكية من الصليبيين بعد أن حكموها أكثر من قرن ونصف .
وتولى السلطان المنصور قلاوون فدخل الصليبيون في المنعطف الأخير الذي أنتهي بسقوط عكا على يد إبنه الأشرف خليل بن المنصور قلاوون سنة 690 .
أولا : جهاد قلاوون ضد الصليبيين .
1 ـ تولى قلاوون السلطنة بمصر والشام في يوم الأحد 20 رجب سنة 678 . ولم يكن هذا سهلا مع أنه كان المسيطر على مقاليد الدولة بعد وفاة صديقه السلطان الظاهر بيرس .
بدأ قلاوون بتوطيد نفوذه أمام خصومه من مماليك الظاهر بيبرس المخلصين لأولاد استاذهم الراحل الظاهربيبرس ، وبعد كسرة شوكتهم أنتزع الأمير قلاوون السلطة من ذرية صديقه السلطان الراحل الظاهر بيبرس. لم يسترح كثيرا إذ فوجىء بعصيان الأمير سنقر الأشقر والى الشام فقضى عليه ، وجاءت أزمة أخرى تتمثل في تهديد بقايا المغول حاكمى العراق للسلطة المملوكية فى الشام .

2 ـ وفى خضم هذه التقلبات المقلقة أرسل الصليبيون إلى قلاوون يطلبون الهدنة سنة 680 ، وتم عقد الهدنة بينه وبين الفرسان الأسبتارية في عكا وغيرها لمدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات ...!!! وتبدأ هذه الهدنة يوم السبت 12 محرم 680 .
وتقررت الهدنة أيضا مع بوهميند صاحب طرابلس لمدة عشر سنين تبدأ يوم 17 ربيع الأول 680 ..
وأراد بعض المماليك الظاهرية – مماليك الظاهر بيبرس ـ الفتك بالسلطان قلاوون، فأثاروا بعض الجند عليه بتهمة ممالأة الصليبين حين عقد معهم تلك الهدنة ، وانكشفت المؤامرة وعاقب السلطان المتآمرين .
وأستثمر قلاوون هذه الهدنة في حرب التتار وقد أستطاع هزيمتهم عند حمص بعد مشقة في شهر رجب سنة 680
ثم عقد السلطان هدنه أخرى مع الصليبين في عكا يوم (5) ربيع الأول ، وكانت مدتها عشر سنين تبدأ من تاريخ عقدها .
3 ـ ثم وصلت للسلطان أخبار في أول ربيع الأخر سنه 683 بتجمع الصليبين لاسترجاع أملا كهم بالشام فأسرع السلطان بتجهيز جيوشه وتحرك بها من القاهرة في يوم الأحد (8) جمادى الأولى وتوجه نحو دمشق فدخلها يوم السبت 12 جمادى الآخرة ولبث في دمشق يرقب الأحوال إلى أن أطمأن فعاد إلى مصر ووصل يوم الثلاثاء 18 رمضان ..
وجاءت أخبار أخرى للسلطان قلاوون بتهديد الصليبين للشام فرجع إلى دمشق يوم 22 محرم سنة 684 وسار منها ونزل على حصن المرقب الذي يتحصن فيه الفرسان الأسبتارية الصليبيون ، وظل الحصار ثمانية وثلاثون يوما حتى أقتحمه عنوة يوم الجمعة 19 ربيع الأول سنة 684 وطرد من فيه إلى طرابلس .
وفى سنة 686 أستولي السلطان على اللاذقية آخر معقل للصليبين في إنطاكية .
4 ـ وفى يوم 15 محرم 688 تحرك السلطان قلاوون بجيش من القاهرة لانتزاع طرابلس من الصليبيين وأستدعى الإمدادات من الشام ، وتجمعت الإمدادات مع السلطان عند أسوار طرابلس ، بينما قدمت لنجدة الصليبين فيها أربعة سفن من قبرص. ونصب قلاوون على أسوار طرابلس 19 منجنيقا وعمل عليها ألف وخمسمائة إنسان من الحجارين ، وأستمر السلطان يضربها بالمجانيق وينقب أسوارها إلى أن أقتحمها في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء رابع ربيع الأخر بعد حصار أستمر أربعة وثلاثين يوما . وهرب أهلها إلى البحر فتبعهم المماليك يقتلون ويأسرون ، وكثرت الغنائم والأسرى ، وأمر السلطان بهدم مدينة طرابلس وهدم حصونها حتى لا يستعيدها الصليبيون.
5 ـ وبعد طرابلس أخذ السلطان بيروت وجبلة وما حولها من الحصون وأنحصر الصليبيون فى مثلث عكا وصيدا وعثيلت ..

ثانيا : الأشرف خليل وفتح عكا :
1 ـ جاء مهاجرون صليبيون إلى عكا وقاموا بنقض الهدنة واعتدوا على التجار المسلمين ، وحدثت حرب بينهم وبين المسلمين المجاورين لهم وكتبوا بذلك للسلطان قلاوون ، فشرع السلطان في الاستعداد لحربهم ، وأمر مماليك الشام بالاستعداد وعمل المجانيق وآلات الحصار ، وكان ذلك في شعبان سنة 689 هـ .
وفى آخر شوال تحرك السلطان قلاوون من قلعة الجبل بالقاهرة يريد عكا فأشتد به المرض ومات في المخيم العسكري ليلة السبت 6 ذي القعدة سنة689. وكان في السبعين من عمره وعاش منها سلطانا أحدى عشرة سنة .
وتولى إبنه الأشرف خليل السلطنة مكانه يوم الأحد 7 ذي القعدة . وأسرع الأشرف خليل بقتل الأمير طرنطاى نائب السلطنة حتى يستقيم له الأمر وأكثر من تفرقة الأموال والتحبب للناس .
وفى شهر محرم سنة 690 وصلت رسل من عكا يسألون السلطان الجديد العفو فلم يقبل اعتذارهم.

2 ـ وخطط السلطان الشاب الأشرف خليل بن قلاوون لاسقاط عكا آخر معقل للصليبيين ، فعمل على تجهيز أقصى ما يمكن من المعدات الحربية،وتوحيد كل القوة المملوكية والأيوبية ، حيث كانت لا تزال هناك فى الشام بعض الامارات يحكمها ملوك من الأيوبيين .
لذا بعث الأمير عز الدين الأكرم إلى الشام لتجهيز المجانيق ، وبعد تجهيزها جرى توزيعها على أمراء الشام . وتوجه الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام لحصن عكا وجاءت جيوش أخرى من الشام أستنفرها الأمير سيف الدين طغربل المبعوث من القاهرة إلى الشام ، فوصل الملك المظفر صاحب حماة إلى دمشق بجيش وصل في 23 صفر ومعه عسكره ومعداته وفيهم المؤرخ أبو الفدا صاحب كتاب " المختصر في أخبار البشر " وقد سجل فيه مشاهدته في تلك المعركة، ووصل الأمير المملوكي سيف الدين بلبان الطباخى نائب الفتوحات بعساكر الحصون وطرابلس في 24 من نفس الشهر وسار الجميع إلى عكا .
وقبيل تحركه من قلعة الجبل بالقاهرة متوجها إلى عكا جمع السلطان الأشرف خليل بن قلاوون العلماء والقضاة والأعيان والقراء بالقبة المنصورية التي أنشأها أبوه المنصور قلاوون ، وذلك في ليلة الجمعة 18 صفر 690 هجرية، وأقام مولدا هائلا وتصدق بأموال عظيمة وفرق الكساوى على الفقراء وعلى الطلبة في المدارس والزوايا والحوانق .

3 ـ وفى يوم الثلاثاء 3 ربيع الأول تحرك السلطان الشاب بالعساكر من قلعة الجبل يريد عكا .. وبعث بحريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في 7 ربيع الآخر ، بينما وصل السلطان إلى عكا في يوم الخميس 3 ربيع الآخر، ووصلت المجانيق في اليوم التالي لوصوله، وكان عددها 92 منجنيقا وتكامل نصبها بجوار أسوار المدينة في أربعة أيام وأقيمت الستائر للرماة وبذلك تم الحصار ،
وفى ذاك الوقت جاءت الإمدادات الصليبية لعكا من ناحية البحر فازدحمت بمن فيها.

4 ـ وأستمر الحصار حتى 16 جمادى الأولى ،وكثرت الثقوب بأسوار عكا، فلما كان يوم الجمعة 17 جمادى الأولى عام 690 قرر السلطان اقتحام المدينة فأقام الكوسات ( طبول الحرب ) على ثلاثمائة جمل ، وأمر أن تضرب كلها دفعة واحدة ، وحين انطلقت أصواتها أصابت أهل عكا بالرعب ، وقبل شروق الشمس زحف السلطان بالعساكر ، وحين ارتفعت الشمس كانت الصناجق والأعلام قد ارتفعت فوق أسوار عكا ، وسارع الصليبيون في الهرب في سفن بحرية وهلك منهم من الازدحام خلق كثير والمسلمون خلفهم يقتلون ويأسرون وينهبون ، فقتلوا وأسروا من لا يحصى عدده .
وقبيل الاقتحام جاء من الصليبيين نحو عشرة آلاف للسلطان يطلبون الأمان فأمنهم وفرقهم على الأمراء.

5 ـ وكانت مدة حصار عكا أربعة وأربعين يوما ، وأستشهد عديد من الأمراء المماليك في تلك الموقعة منهم نقيب العسكر عز الدين أيبك الغزى .
وفى يوم السبت 18 جمادى الأولى أمر السلطان بهدم أسوار عكا وكنائسها ، ثم أقيمت فيما بعد مدينة عكا بعيدة عن البحر حتى يمنع الصليبين من استعادتها ..
وتسلم السلطان صور وحيفا وعثليت وصيدا بغير قتال إذ فر أهلها خوفا ، وتسلم المماليك صيدا في 20 جمادى الأولى وتسلم صور في 19 من فى نفس الشهر.
وأمر السلطان بهدم حصون صور وصيدا وعثليت وحيفا ،ولم يدع السلطان أحدا من الصليبيين في ساحل الشام ، وحمل الأسرى وفرقهم على الحصون.
وبعد ذلك الفتح دخل السلطان دمشق عاصمة الشام التابع للدولة المملوكية ، في 12 جمادى الآخرة عام 690 وأحتفل فيها بالنصر ...
ومن دمشق عاد السلطان الشاب المنتصر إلى القاهرة فدخلها من باب النصر صباح الاثنين 9 شعبان عام 690 ، وخرج من باب زويلة إلى القلعة ،
وكانت القاهرة قد تزينت لقدومه قبل وصوله بأيام وكانت زينة لم يسمع بمثلها ..

ثالثا : شهود عيان يروون فتح عكا :.
1 ـ رافق المؤرخ أبو الفدا قريبه الملك المظفر صاحب حماة في تلك الحملة وكتب في مؤلفه " المختصر في أخبار البشر" ما قام به وما شاهده بموقعة عكا، وهو يوضح كثيرا من أساليب الحرب في تلك العصور ومن تفاصيل القتال في الموقعة نفسها ، يقول " وفى هذه السنة في جمادى الآخرة فتحت عكا وسبب ذلك أن السلطان الملك الأشرف سار بالعساكر المصرية إلى عكا وأرسل إلى العساكر الشامية وأمرهم بالحضور وأن يحضروا صحبتهم المجانيق ، فتوجه الملك المظفر صاحب حماة وعمه الملك الأفضل وسائر عسكر حماة صحبته إلى حصن الأكراد ، وتسلمنا منه منجنيقا عظيما يسمى المنصورى ، حمل على مائة عجلة ، ففرقت في العسكر الحموي ، وكان المسلَّم إلَّى منه عجلة واحدة لأني كنت إذا ذاك أمير عشرة ، وكان سيرنا بالعجل في أواخر فصل الشتاء ، وأتفق وقوع الأمطار والثلوج علينا بين حصن الأكراد ودمشق ، فقاسينا من ذلك بسبب جر العجل وضعف البقر وموتها شدة عظيمة ، وسرنا بسبب العجل من حصن الأكراد إلى عكا شهرا، وذلك مسيرة ثمانية أيام للخيل على العادة. وكذلك أمر السلطان بجر المجانيق وآلات الحصار من جميع الحصون إليها ، فأجتمع على عكا من المجانيق الكبار والصغار ما لم يجتمع على غيرها ، وكان نزول العساكر الإسلامية عليها في أوائل جمادى الأولى من هذه السنة ، وأشتد عليها القتال ، ولم يغلق الفرنج غالب أبوابها،بل كانت مفتحة وهم يقاتلون فيها ، وكانت منزلة الحمويين برأس الميمنة على عادتهم ، فكنا على جانب البحر ، والبحر عن يميننا إذا واجهنا عكا ،وكان يحضر إلينا مراكب مقببة بالخشب الملبسين جلود الجواميس ، وكانوا يرموننا منها بالنشاب والجروخ ، وكان القتال من قدامنا من جهة المدينة ، ومن جهة يميننا من البحر، وأحضروا بطسة وفيها منجنيق يرمى علينا وعلى خيمتنا من جهة البحر فكنا منه في شدة عظيمة ، حتى أتفق في بعض الليالي هبوب رياح قوية فأرتفع المركب وأنحط بسبب الموج وأنكسر المنجنيق بحيث أنه أنحطم ولم ينصب بعد ذلك . وخرج الفرنج في أثناء هذا الحصار وكبسوا العسكر وهزموا اليزكية واتصلوا إلى الخيام وتعلقوا بالأطناب ، ووقع منهم فارس في مستراح بعض الأمراء فقتل هناك ، وتكاثرت عليهم العساكر فولى الفرنج منهزمين إلى البلد ، وقتل عسكر حماة عدة منهم ، فلما أصبح الصباح علق الملك المظفر صاحب حماة عدة من رءوس الفرنج في رقاب خيلهم التي كسبها العسكر منهم ، وأحضر ذلك إلى السلطان الملك الأشرف، واشتدت مضايقة العسكر لعكا حتى فتحها الله تعالى لهم فى يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة بالسيف .
ذلك ما قاله المؤرخ أبو الفدا الذي شارك في تلك المعركة وقد حرصنا على الآتيان بأسلوبه كما هو لنتعرف على مناخ المعركة ، وكيف شارك فيها جانب من القوات الشامية ، ومعاناتهم أثناء الغزو والحصار ، ولقد كان أبو الفدا أمينا في نقله لتلك المعاناة وفى تصوير مجهودات العدو أثناء الحصار، ولم يحاول أن يبخسه حقه .
2 ـ ونأتي إلى مؤرخ آخر هو الأمير بيبرس المنصورى وقد عايش المعركة ووصف دوره فيها في كتابه " زبدة الفكرة " وفى أسلوبه يجنح للسجع والزينة اللفظية ، والمبالغة في الوصف والتعليق مما يجعله مختلفا عن المؤرخ " أبو الفدا " .
وبسبب مبالغته في الوصف وفى السجع فأننا ننقل عنه باختصار.
يقول عن المعركة " وكنت حينئذ بالكرك " الأردن " فلما بلغني أمر هذه الغزاة ووردت على مراسم السلطان بتجهيز الزردخنات والآلات تاقت نفسي إلى الجهاد ، فطالعت السلطان بذلك وسألته أن أصير إلى هنالك .. فأذن لي بالحضور .. فجهزت من الزردخات والآلات والرجال والرماة والبحارين والنجارين والغزاة ، وتوجهت ملاقيا السلطان ، فوافيته وقد وصل إلى غزة .. وسرت في ركابه إلى عكا ... وكانوا لما بلغتهم حركة السلطان لغزوهم قد أرسلوا إلى ملوكهم الكبار واستدعوا النجدة من داخل البحار ، وأجتمع بها جمع كثير من الداوية والأستبار وحصنوا البروج والأسوار واظهروا المثابرة وعدم المبالاة بالمحاصرة ، فلم يغلقوا للمدينة بابا .. فنصبت عليها المجانيق الإسلامية وأرسلت عليها حجارة كالصواعق الصاعقة .. و ضويقت أشد من المضايقة وهم مع ذلك يظهرون الجلد ولا يغلقون أبواب البلد ، ويهاجمون العسكر ليلا ونهارا ويقاتلون قتالا مدرارا ... وأستشهد عليها الأمير علاء الدين كشتغدى الشمسى والأمير بدر الدين بيلبك المسعودي وشرف الدين قيران السكري .. وأنا في ضمن ذلك أتأمل مكانا يلوح الفرصة منه فأقصده... وبينما أنا أجيل فكرتي إذا لمحت برجا من أبراجها قد أثرت فيه المجانيق وأمكن أن يتخذ منه طريق وبينه وبين السور فسحة مكشوفة ظاهرة لا يمكن السلوك فيها – لان الجروخ ( آلة رمى السهام والنفط والحجارة ) مسلطة عليها ـ إلا باتخاذ ستارة تطولها وتشملها وتقي من يدخلها .فعمدت إلى اللبود فجمعتها ولففت بعضها مع بعض فتصور منها سحابة كبيرة طولا وعرضا ، ونصبت تجاه البدنة المهدومة من البرج صاريتين من كلا الجانبين وجعلت على رءوسها بكرا كبكرات المركب وحبالا ، ثم جذبت تلك السحابة المتخذة من اللباد فقامت كأنها سد من الأسداد ، وأتقنت ذلك في جنح الليل وهم غافلون فلما أصبحوا ورأوا ذلك الحجاب قصدوه بالمجانيق والنشاب فصارت الحجارة إذا وقعت عليها يرتجى اللبد تحتها فيبطل زخمها والجروخ إذا رمتها لا تنفذ سهمها. فتمكنا من المرور ووجدنا سبيلا إلى العبور ، وضرب بيننا وبين الأعداء بسور ، وشرعنا في ردم الخندق الذي بين السورين بمخالي الخيل مملوءة بالتراب مع ما تيسر من الأخشاب ، فصار طريقا سالكا وكان رأيا مباركا ، وسمع به السلطان فأعجبه ، وركب بنفسه وحضر بالكوسات والطبلخانات وضربت عند الصباح ولاحت تباشير الفلاح وحصل الزحف عليهم من ذلك المكان وغيره، وطلعت العساكر بالسناجق السلطانية واثخنوا في مقاتلة الفرنجة وتمكنوا من المدينة .."
ثم يقول " وحقق الله في الفتح الظنون واستبشر يومئذ المؤمنون وعلت الفرنجة ذلة وصغار وعصت الأبراج الكبار التي فيها الداوية والأستبار .. فحاصرناهم عشرة أيام أخر فأستأمن منهم ما ينيف عن عشرة ألف نفر ..."
إلى أن يقول " وكان هذا الفتح العظيم في يوم الجمعة المبارك السابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة ، وأستنقذ الله عكا من أيدي الكافرين ، على يد الملك الأشرف صلاح الدين خليل ، كما كان فتوحها أولا على يد صلاح الدين الأيوبي ،وأقامت بأيديهم مائة وثلاث سنين .. ذلك أن الفرنج أخذوها في سنة سبع وثمانين وخمسمائة ..." .
ختاما :
1 ـ لقد مرت الحروب الصليبية بأدوار ثلاثة :
دور الغزو وتوطيد فتوحاتها وتوسعاتها على حساب المسلمين وامتدت أملاكهم من أسيا الصغرى إلى بيت المقدس وجنوب الشام ، وبعدها جاءت المقاومة الإسلامية يتزعمها عماد الدين زنكي ثم نور الدين زنكي ثم صلاح الدين الأيوبي وقد حرروا الكثير من البلاد مثل تحرير الرها على يد عماد الدين وتحرير القدس على يد صلاح الدين. ولكن الورثة الأيوبيين ـ فى الدور الثانى ـ أضاعوا تلك الانتصارات التى حققها أسلافهم، فتشجع الصليبيون وبعثوا بحملات إلى مصر مركز الحكم الأيوبي. وأنتهي ذلك الدور الثاني بقيام الحكم المملوكي الذي أعاد أمجاد صلاح الدين وانهى الوجود الصليبي فأصبح ذكرى من ذكريات التاريخ المؤلمة.
2ـ أول حملة صليبية قد جاءت سنة 1096 ميلادية وسقط آخر معقل صليبي سنة 1291 . أى استمر الاحتلال الصليبى حوالى قرنين من الزمان ، وانتهى الى لا شىء بعد أن تسبب فى مقتل مئات الألوف فى حرب دينية أسعدت الشيطان ، ولكن لم يستفد منها الانسان بدليل ما يحدث الآن فى نفس المكان .
3 ـ والله جل وعلا هو المستعان .

اجمالي القراءات 3397