العلمانية بين الدولة الدينية والدولة المدنية
بقلم : عبدالله عبداللطيف المحامي
لابد أن نقرر باديء ذي بدء أن العلمانية أبدا ليست ضد الدين كما يزعم ويقول كثير من أصحاب الإتجاهات السلفية والحركات السياسية ذات المرجعيات الدينية ، والعلمانية لا تحارب الأديان ، ولكنها منهج علمي يوفر الحرية للوطن والمواطن ويعمل علي إيجاد آليات للعمل الديمقراطي والحوار الحر وتداول السلطة في المجتمع بطريق سلمي .
وبهذا المعني ما أحوجنا إلي العلمانية كأداة عملية توفر التطور الحقيقي لمجتمعاتنا والتقدم وتوفير مناخ صحي لخلق أجيال جديدة تنمو في ظل مباديء الحرية والمساواة والقبول بالآخر ورفض التعصب والعنصرية ضد فئات بعينها وينمي قيمة التفكير النقدي لدي أجيال المستقبل .
والمعروف أن العلمانية بهذا المعني لا تجد حقها في الوجود إلا في مجتمعات تعرف قيمة الإنسان وتحترم حقوقه وتقدس حرياته ، أما في فترات التخلف فمن الطبيعي أن تنحسر قيم الديمقراطية وتصبح المطالبة بحقوق الإنسان وإحترام حرياته رجس من عمل الشيطان وهكذا تعرف العلمانية الآن كمرادف للكفر والإلحاد ونشر الفساد في المجتمع ومن ثم تصبح تهمة تعلق في رقبة من ينادي بها منهاجا لحكم الدولة .
بل أن أصحاب الخطاب الديني السلفي لا يعتبرون العلمانية رسالة كافرة ودعوة إلحادية وحسب، لكنهم فضلا عن ذلك يحاربونها كدين جديد من صنع البشر يحارب دين الله الآتي من السماء، وهكذا هي في نظرهم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ولست أدري كيف يفكر هؤلاء ؟ ولماذا يضعون الدين عقبة في وجه تقدم المجتمعات ولصالح الإنسان ؟ ما نعرفه أن الدين قوة لتقدم الإنسان وليس العكس ، أن خطابهم الديني ينبيء بمزيد من التخلف والتقهقر ، بدءا من محاربة الإبداع ، والدعوة إلي سجن المرأة ، إنتهاءا بتكريس الطائفية علي حساب فكرة المواطنة .
غريب أن تظهر في القرن الواحد والعشرين دعوة إلي ما يسمي بالدولة الدينية ، والتي هي بطبيعتها دولة ديكتاتورية ومستبدة ، يكون الحاكم فيها ظل الله في الأرض ، يحكم بإسم الله ويصدر التشريعات والقوانين بإسم الله ، ويرسم السياسات بإسم الله ، ومن يطيعه فقد أطاع الله ، ومن خالفه في الرأي أو حاربه وقاتله فإنما يخالف ويحارب ويقاتل الله ، مع أنه مجرد بشر ، قد يصيب وقد يخطيء ، لكنه في هذه الحالة تضفي عليه علامات التقديس ليصبح في الحقيقة هو الوكيل الوحيد والمتحدث الشرعي دون سواه بإسم الله .. أي إستبداد هذا ؟
إن خلط الدين بالسياسة يفسد الدين والسياسة معا.. إذ أن الدين ثابت ومطلق ومقدس ومنزه عن الخطأ، والسياسة متغيرة تبعا للظروف والمصالح، وأظهر دليل علي هذا النظر موقعة الجمل الشهيرة والتي كانت حربا بين فريقين يقود أحدهما السيدة عائشة زوجة النبي ، ويقود الفريق الآخر الإمام علي بن أبي طالب إبن عم النبي وزوج إبنته فاطمة ، والفريقان يتقاتلان في الحقيقة من أجل الحكم ، وإن كن كل منهما رفع المصاحف علي أسنة السيوف ، كيف تفسر هذه الموقعة من الجانب الديني ؟ أي فريق علي صواب وأيهما علي خطأ ؟ التفسير الديني يفسد الدين لا شك ، أما لو تعاملت مع الموقف علي أنه صراع سياسي من أجل نيل الحكم لأرحت وإسترحت وهكذا ينبغي عدم خلط الدين بالسياسة ولا السياسة بلدين .
أن الدولة العلمانية التي تحترم حرية وحقوق الإنسان وتتعامل مع مبدأ المواطنة بغير تمييز بسبب الدين أو اللون أو الرأي ... الخ في إطار من القيم الأخلاقية والديمقراطية التي تضمن آلية لتداول السلطة بمشاركة شعبية ، تللك هي الدولة العصرية التي تحتاجها مجتمعاتنا بحق دولة ترفع شعار الدين لله والوطن للجميع وتطبقه تطبيقا صحيحا .
لسنا في حاجة إلي كهنوت ديني يطبق علي حريات الأفراد والمبدعين في سلوكياتهم اليومية العادية .. لسنا في حاجة إلي من يزعم أنه يتكلم بإسم الله ويوزع صكوك الغفران والكفر علي الناس تبعا لمواقفهم منه طاعة أو تحفظا أو إعتراضا .
لسنا في حاجة إلي دولة ترعي الإرهاب الفكري بإسم الدين وترفع سلاح التكفير في مواجهة أية محاولة للتفكير .
لسنا في حاجة إلي دولة يقودها أمراء الجماعات ويهيمن عليها المهوسين دينيا الذين لا يفرقون بين النص المقدس وبين تأويله الذي هو من صنع البشر ومجرد إجتهاد قد يصيب وقد يخطيء وإن الإختلاف مع رأي إنسان ليس خروجا عن الدين والملة .
نريد دولة تحترم المرأة كإنسان وتعطيها الفرصة كامل الفرصة للتنافس في مجالات العلم والعمل مع الرجل يدا بيد وبنفس الظروف ولا يختصرها إلي مجرد جسد وأداة لمتعة لحظية .
العلمانية بهذا المعني لا تتصادم مع الدين إذا أبقينا الدين في دائرة العلاقة بين العبد وربه وتركنا إدارة الدولة للناس بلا سلطان من طبقة كهنوت أو رجال دين ، فالناس أدري وأعلم بشئون دنياهم .
الدولة الدينية بطبيعتها دولة مستبدة وديكتاتورية .. والدولة العلمانية بطبيعتها دولة تكرس الحرية والديمقراطية ..
---
للتواصل :
Elmohamy20@hotmail.com
Mohamoon20@yahoo.com