حالة الاستقطاب بين مؤيدي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس المنتخب، جو باين، لا تقتصر على الأميركيين فقط، بل في مصر يكاد يكون الأمر مشابها.
ويبدو واضحا أن مؤيدي ومناصري الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يميلون إلى ترامب وسياساته، ويشعرون بحالة من القلق وعدم الرضا من فوز بايدن بالرئاسة الأميركية.
وعلى الجانب الآخر، يبدو الارتياح كبيرا في أوساط التيارات المدنية واليسارية والمعارضة للنظام، حيث يشكل فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأميركية أملا لهم في الضغط على القاهرة لتغيير سياساتها، وفتح ملفات حقوق الإنسان والحريات العامة.
ورغم أن السيسي كان من أوائل الزعماء الذين وجهوا التهنئة إلى بايدن، وأن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد ذكر بالعلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين، إلا أن وسائل إعلام مصرية لم تستطع إنكار حالة الخوف والمفاجأة، بعد تصدر بايدن أصوات المجمع الانتخابي والإعلان عن فوزه.
ملفات شائكة تقلق القاهرة التي تخشى أن تغير الإدارة الأميركية الجديدة مواقفها بشأنها، وعلى رأسها ملف حقوق الإنسان وسجناء الرأي، وحرية التعبير، وملفات الديمقراطية وحرية عمل مؤسسات المجتمع المدني، وقضايا سد النهضة ومحاربة الإرهاب، والمعونة الأميركية العسكرية لمصر والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير
يعتقد، عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، في حديث لـ "موقع الحرة"، بأن التخوفات المصرية نابعة من توقعها ضغطا إدارة بايدن على النظام المصري بقيادة الرئيس السيسي، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في مصر، لأن بايدن أشار في تصريحات سابقة إلى هذا الشأن.
وتخشى القاهرة من ملفها الحقوقي حيث علق جو بايدن في تغريدة له مهاجما النظام المصري في 16 يناير، بعد وفاة، مصطفى قاسم، الأميركي من أصول مصرية، حيث قال بايدن في حينها إنه "أمر شائن"، مضيفا أن الأميركيين المحتجزين ظلما في أي مكان في العالم يستحقون دعم حكومتنا الكامل والجهود الحثيثة لتأمين إطلاق سراحهم.
وجاءت التغريدة الثانية في 12 يوليو، والتي هاجم فيها بايدن السيسي مباشرة بعد عودة المواطن المصري الأميركي، محمد عماشة، بعد سجنه 486 يوما في مصر بسبب حمله للافتة للاحتجاج، وقال إن "اعتقال وتعذيب ونفي ناشطين مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول. لا مزيد من الشيكات الفارغة لـ "الديكتاتور المفضل لترامب".
لكن ربيع يشير إلى أن إدارة بايدن لن تضغط بأي حال من الأحوال لعودة بعض التيارات الإسلامية إلى المشهد، خاصة فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين التي رحبت بفوز بايدن.
وقال ربيع "ستتركز الضغوط فقط من أجل ملف سجناء الرأي ومحتجزي حرية الرأي والتعبير"، مشيرا إلى أنه "من المحتمل أن تستجيب القاهرة للضغوط الأميركية خاصة وأن الإدارة الجديدة قد تستغل المعونة الأميركية من أجل تحقيق ذلك".
غير أن المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، يقول إن تخوفات النظام المصري من بايدن متعددة، "لا سيما وأن بايدن قد أعلن بوضوح عن اختلافه مع سياسات ترامب الذي يدعم ليس فقط النظام المصري، بل أنظمة أخرى مستبدة مثل النظام السعودي والإماراتي، وسجلهم الأسود في احترام الديمقراطية والحريات، وهذا هو التفسير للأداء الإعلامي المصري الهستيري الذي تسيطر عليه الحكومة المصرية والذي لم يقتصر على إعلان دعمه لترامب، بل والهجوم على معارضي ترامب".
في الوقت نفسه لا يعتقد، عيد أن هناك تغيرات جوهرية سيأتي بها بايدن، "لكن الفرق سيكون على مستوى التصريحات والتوقف عن الدعم الصارخ الذي كان يمارسه ترامب للحكومة المصرية"، بحسب تصريحاته لـ"موقع الحرة".
ويوضح عيد أنه "من الصعب أن تشهد المسألة أي تغيير جذري في التعاطي مع حقوق الإنسان أو الديمقراطية، سيكون فقط على مستوى التصريحات وبدء انتقاد علني لممارسات الحكومة المصرية، ووقف التمييز ضد الأقليات وضمنهم المسلمين والعرب، لكنه لن يغير كثيرا في طريقة التعامل أو الضغط على مصر سواء في التعاطي مع اتفاقية القرن أو المعونة الأميركية وسد النهضة".
ويعتقد الناشر والناشط الحقوقي، هشام قاسم، أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تختلف كثيرا في سياساتها عن سياسة ترامب، إلا على مستوي التصريحات فقط وحدتها".
وقال لـ"موقع الحرة": إن الإدارة الأميركية لديها مبادئ عامة متعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية، وتتعاطى سياسيا معها سواء من كان في البيت الأبيض رئيس جمهوري أو ديمقراطي، ولكن ترامب كان حالة منفردة ومختلفة كسر مفاهيم السياسة وانفتح علي الأنظمة الديكتاتورية في مصر".
لكن الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، يرى في حديثه مع "موقع الحرة" أنه ليس لدى القاهرة أية تخوفات من البيت الأبيض خاصة وأن مصر قد تعاملت مع إدارة أوباما والتي كان بايدن جزءا منها، ويحمل نفس أفكارها، بالإضافة إلى أن بايدن جاء على فشل مشروع دعم التحول الديمقراطي في المنطقة والذي أنتج الفوضى والكوارث الكبرى في المنطقة"، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن "إدارة بايدن ستستغل ملف حقوق الإنسان بشكل دعائي فقط من دون أن يؤدي أو يؤثر أو يتحول إلى سياسات حقيقة ضد مصر".
المنح والقروض الأميركية
يتخوف البعض من استغلال الإدارة الأميركية الجديدة لعدد من المنح والقروض الموجهة للدولة المصرية خاصة المعونة العسكرية، وذلك من أجل الضغط على مصر في ملفي حقوق الإنسان والديمقراطية.
ويرى ربيع أنه رغم المحاولات المصرية لتنويع مصادر السلاح في الجيش المصري، إلا أن الجيش لا يزال يعتمد بشكل كبير علي قطع غيار السلاح الأميركية، لأن ثلث أسلحة الجيش الحديثة ما تزال أميركية الصنع، وهو ما سيؤدي إلى تخفيف ضغط النظام بالطبع على سجناء الرأي وحرية التعبير".
أما مستشار كلية القادة والأركان اللواء، محمد الشهاوي، فيرى أن "العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ستظل راسخة كونها مبنية على المصالح المشتركة، لا تتغير بتغير الإدارات الأميركية، ولن تستطيع الولايات التخلي عن المعونة العسكرية حيث أن البلدين بينهما تعاونا عسكريا كبيرا".
وأضاف أن صناع القرار في أميركا يرون أن مصر هي محور استقرار الشرق الأوسط فضلا أن هناك تدريبا عسكريا مشتركا بين البلدين يسمى "النجم الساطع" ينفذ دوريا دون انقطاع حتى بعد تغير الإدارات".
ويؤكد عكاشة أن البنتاغون مؤسسة محافظة ولديها علاقات جيدة مع الجيش المصري "لذا لن يكون الضغط قويا في مسألة التسليح، وصفقات السلاح الخاصة بالمعونة العسكرية الموجهة لمصر فضلا على أن إدارة بايدن لن تستطيع أن تضغط بشكل كبير وتمنع صفقات السلاح عن مصر خشية التعامل مع دول أخرى كروسيا كما حدث مع تركيا".
قضية سد النهضة
تعتبر الحكومة المصرية قضية سد النهضة ملفا رئيسيا مهما في علاقاتها الدولية الآن. ويرى ربيع أنه "لن يحدث أي خلاف بين مصر والولايات المتحدة في قضية سد النهضة، حيث أن الملف في يد وزارة الخزانة وهي المختصة بهذا الملف، ولن تستطيع إدارة بايدن تغييره"، بحسب قوله.
أما عكاشة فيرى أن "بايدن سيجد أن إدارة ترامب قد بذلت جهودا، ولن يستطيع تبني مواقف مغايرة، ولكن إدارة بايدن ستستخدم الملف كأداة للضغط على مصر في ملفات أخرى، أو تعلن عدم تدخلها في أزمة سد النهضة كوسيلة من وسائل الضغط على مصر أيضا".