ال بي بي سي : تتساءل في تقرير مهم: أي مستقبل ينتظر مصر بعد مبارك؟

في الجمعة ١٤ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قالت المحطة في تقرير لها ما يلي
إذا كانت الشائعات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بشأن صحة الرئيس حسني مبارك، في سبيلها إلي الخفوت تدريجياً بعد أسابيع من الجدل، فإن الحجر الذي ألقته في بحيرة السياسة المصرية التي يغشاها الركود، لا تزال دوائره تتسع يوماً بعد يوم. ولإن أغلق باب الشائعات، فإن باباً أوسع قد فتح علي مصراعيه، هو باب القلق علي مستقبل بلد يعد الأكبر من بلدان العالم العربي بعدد سكانه وبدوره في المنطقة.
ورغم ما أوغل فيه المراقبون والمحللون من تكهنات حول أن الشائعة كانت بمثابة بالون اختبار من قبل المؤسسة المصرية الحاكمة نفسها، يهدف إلي إعداد الخليفة القادم للرئيس المصري، الذي يتكهن كثيرون بأنه نجله الأكبر جمال مبارك، فإن كثيراً من المصريين يرون أن الشائعة وضعت البلاد فجأة علي حافة المجهول.
وللمصريين الحق في القلق إذ إن معظمهم لم يعرف رئيساً لمصر سوي مبارك منذ عام 1981، وقد ترسخت في أذهانهم صورته كرجل دولة يقبض علي جميع مقاليد السلطة في البلاد، رغم المطالبات العديدة من عدة أطراف سياسية بإصلاحات تتيح وجود مؤسسات حكم قادرة علي إدارة البلاد في حالة أي غياب مفاجئ للرئيس. كان مبارك قد رفض طوال تلك الفترة، تعيين نائب له متعللاً بأنه لا يجد الشخصية المناسبة.
وتشير الإحصاءات إلي أن خمسين بالمائة من المصريين البالغ عددهم ثلاثة وسبعين مليون نسمة، ولدوا في عهد الرئيس المصري حسني مبارك الذي يحكم مصر منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً.
وفي مصر، وفي وقت كانت فيه الشائعة تسري كالنار في الهشيم، كان الحديث الدائر بين المصريين حول المخاوف من القادم واحتمالات أن يفجر رحيل الرئيس صراعاً معلناً علي السلطة.
وفي مدينة الإسكندرية الساحلية، حيث انطلقت الشائعة بشأن صحة مبارك للمرة الأولي، قال لي سائق سيارة أجرة إنه يخشي من أن تستغل طبقات اجتماعية ظلت مكبوتة ومحرومة لفترات طويلة، أي انفلات أمني قد يلي رحيل الرئيس في عمليات نهب أو ما شابه.
هل يمكن القول إن الجدل انتقل الآن من الشائعات إلي تداعيات تلك الشائعات وما فتحته من أبواب حول مستقبل الحكم في مصر بعد مبارك؟
من وجهة النظر الدستورية، يري الدكتور يحيي الجمل، خبير القانون الدستوري في مصر أن الوضع خطير جداً، وأنه يضع مصر علي حافة حالة من عدم الوضوح، ويقول الدكتور يحيي الجمل إن الدستور المصري ينص علي أنه، وفي حالة رحيل الرئيس، فإن رئيس مجلس الشعب يتولي السلطة خلفاً له، علي أن تشهد البلاد انتخابات لاختيار رئيس جديد في غضون ستين يوماً. ويقول الجمل إنه ورغم أن الدستور ينص صراحة علي إجراء انتخابات في تلك الحالة بين مرشحين من أطراف سياسية مختلفة، فإن التعديل الذي أدخل علي المادة السادسة والسبعين من الدستور المصري في عهد الرئيس مبارك، يجعل من شبه المستحيل علي أي شخص آخر من غير الحزب الوطني الحاكم، المنافسة علي منصب الرئاسة.
ويتفق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، والتي ألمحت بعض وسائل الإعلام الرسمية في مصر، إلي أنها كانت وراء الشائعة الأخيرة، مع ما يطرحه الدكتور يحيي الجمل، ويري أن مصر تعاني من عدم وجود مؤسسات، وأن الأمر صار فيها مرتبطاً بمصير شخص واحد.
علي أن كرم جبر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف الصحفية، المقرب من الحزب الوطني الحاكم، لا يتفق مع ما يقوله عبدالمنعم أبوالفتوح، ويري كرم جبر أنه من الغباء تصور أن مصر ستتعرض لعدم الاستقرار والفوضي في حال غياب الرئيس، مشيراً إلي أن هناك آلية لانتقال السلطة بصورة سلسة في مصر تعمل منذ وقت طويل، وقد أثبتت فاعليتها خلال مناسبتين شهدتا توتراً حقيقياً في البلاد وليس توتراً مفتعلاً تفتعله جماعات ذات مصالح الآن - كما يقول جبر.
ويهاجم جبر الأحزاب والجماعات التي تقول إن الحزب الوطني الحاكم يعمل علي إعداد جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، لتولي السلطة من خلال تصعيده لرئاسة الحزب خلال انتخابات الحزب التي تصل ذروتها في نوفمبر القادم.
وكان السيناريو الذي تحدثت عنه بعض الأطراف المعارضة، هو تصعيد جمال مبارك لرئاسة الحزب عندما تصل انتخابات الحزب قمتها، في حين يتنحي الرئيس مبارك مفسحاً الطريق أمام نجله كي يرشح لانتخابات الرئاسة التي ستجري عام 2011 ضمن مرشحين عدة.
ويقول الخبير الدستوري الدكتور يحيي الجمل، إنه إذا ما كان هذا السيناريو حقيقياً، فإنه سيتعين علي الرئيس مبارك أن ينفذه خلال حياته لأنه قد لا ينفذ بعد رحيله.
أما الدكتور سعد الدين إبراهيم، عالم الاجتماع السياسي المصري، أحد المعارضين الشرسين للرئيس حسني مبارك، فيري أن من حق الناس في مصر أن يبدوا القلق في ظل غياب آلية واضحة لتسليم السلطة، ورغم أن الدستور ينص علي آلية تسليم السلطة وإجراء انتخابات، فإن الدكتور سعد الدين إبراهيم يري أن المصريين فقدوا ثقتهم بأية وثائق مكتوبة.
بقي القول إن جميع المراقبين والأطراف السياسية في مصر تجمع علي أن أصحاب المصلحة الحقيقية في استمرار الحكم في مصر داخل عائلة الرئيس مبارك هم مجموعة رجال الأعمال، الذين راكموا مكاسب خلال فترة حكمه، وربما لا يطمئنون عليها في حالة خرج الحكم من العائلة، لكن ولأن رأس المال جبان كما يقال، فإن أيا من رجال الأعمال الذين حاولنا التحدث إليهم لم يرد الإدلاء برأيه ربما خشية أن يساء تفسير أي كلمة يقولها.
بقي القول أيضاً إن هذه ليست جميع الأطراف التي لها رأي في ما قد يحمله المستقبل للحكم بعد مبارك، فالأطراف متشعبة وهي خارجية وداخلية، لكن ما أسلفناه كان عرضاً لأبرز آراء الداخل.
اجمالي القراءات 6667