دقت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ناقوس الخطر بشأن الاختفاء القسري، قائلتين إنه بات إستراتيجية لنشر الرعب في المجتمع بأسره. وفي الأثناء، تطرح العديد من الأسئلة بشأنه مفهوما وأمكنة وضحايا وآثارا واسعة على منظومة حقوق الإنسان ككل، حيث تمتد آثاره إلى أكثر من حق.
يأتي ذلك بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، الذي يحتفل به في 30 أغسطس/آب من كل عام، وفي أجواء أصبح فيها ظاهرة في العديد من بلداننا العربية كسوريا ومصر، والعراق التي أعلن رئيس وزرائها أنه استمع أمس إلى قصص مؤثرة عن ضحايا الاختفاء القسري في بلاده.
وأكدت الأمم المتحدة اليوم الأحد خطورة الاختفاء القسري، وشددت على أنه أصبح "أكثر من مجرد انتهاك لحقوق الإنسان ضد فرد، إذ يتم استخدامه في كثير من الأحيان بوصفه إستراتيجية لنشر الرعب في المجتمع بأسره".
ألم مبرح
وقال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -في رسالة بالمناسبة- إن "جريمة الاختفاء القسري منتشرة في جميع أنحاء العالم. نرى حالات جديدة بشكل شبه يومي… وفي الوقت نفسه، ما زال الألم المبرح للحالات القديمة حادا، حيث لا يزال مصير الآلاف من المختفين مجهولا".
وقال غوتيريش "الاختفاء القسري أصبح مشكلة عالمية، ولم يعد حكرا على منطقة بعينها من العال؛ فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساسا، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم".
ولفت إلى أن "ما يثير القلق أيضا هو استخدام الدول الاختفاء القسري في أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لخرق التزاماتها، إلى جانب الإعفاء الواسع من العقوبة على الجريمة". وقال إن "الإفلات من العقاب يأتي ليضاعف قسوة المعاناة ولوعة الألم".
وحسب الأمم المتحدة، فقد اختفى مئات الآلاف من الأشخاص خلال النزاعات أو فترات القمع في 85 دولة على الأقل حول العالم.
مشكلة خطيرة
وحسب منظمة العفو، فإن حالات الاختفاء القسري تمثل مشكلة خطيرة في العديد من البلدان، في جميع مناطق العالم؛ من المكسيك إلى سوريا، ومن بنغلاديش إلى لاوس، ومن البوسنة والهرسك إلى إسبانيا.
ووفق المنظمة، فإن نحو 82 ألف شخص تعرضوا للاختفاء القسري في سوريا منذ عام 2011، واختفت الأغلبية العظمى منهم في شبكة مراكز الاحتجاز الحكومية، لكن أكثر من ألفي شخص اختفوا بعد أن احتجزتهم جماعات المعارضة المسلحة، وتنظيم الدولة الإسلامية.
وتحدثت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر اليوم عن أن "وباء" الاختفاء القسري يجتاح المجتمع السوري بقرابة 100 ألف مواطن مختفٍ منذ مارس/آذار 2011، وأغلبهم لدى النظام السوري.
مفهوم وضحايا
وضحايا الاختفاء القسري -حسب العفو الدولية- هم أشخاص اختفوا فعليا بعيدا عن أحبائهم ومجتمعهم. ويختفون عندما يقبض عليهم مسؤولو الدولة (أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة) من الشارع أو من منازلهم ثم ينكرون ذلك الأمر، أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم.
ويبدو أن المدافعين عن حقوق الإنسان، وذوي الأشخاص الذين اختفوا بالفعل، والشهود الرئيسيين والمحامين؛ أهداف محددة له، وفق العفو الدولية.
آثار
وينتهك الاختفاء القسري الحق في أمن الشخص وكرامته، والحق في عدم التعرض للتعذيب، وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في توفير ظروف إنسانية في الحجز، والحق في أن تكون له شخصية قانونية، والحق في الحصول على محاكمة عادلة، والحق في تكوين حياة أسرية، والحق في الحياة (في حال مقتل ضحية الاختفاء القسري).
وأمس السبت، تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالعمل بجدية لمتابعة ملف المختفين قسريا في البلاد، والكشف عن مصيرهم.
وقال المكتب الإعلامي للكاظمي إن رئيس الوزراء استمع أثناء استقباله عائلات من محافظتي صلاح الدين والأنبار ومدينة الصدر بالعاصمة، ممن غُيّب أبناؤهم قسرا، إلى قصص مؤثرة روتها عائلات عن أبنائها الذين فُقدوا، في أحداث مختلفة وفي أوقات متباينة.
وفُقد أثر آلاف العراقيين خلال 3 سنوات من الحرب الطاحنة بين القوات النظامية ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2014 و2017، في المناطق ذات الأكثرية السنية شمال غربي البلاد.
ووجهت أطراف سياسية داخلية ومنظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، فضلا عن سكان محليين؛ أصابع الاتهام إلى فصائل شيعية مقربة من إيران، بالوقوف وراء الكثير من عمليات الاختفاء القسري.
ويقول حقوقيون مصريون إن الاختفاء القسري بات "الشر الأول" في مصر، حيث "يتعرض له جميع من يوقعه حظه العاثر في يد الأجهزة الأمنية، ويشترك في ذلك من يظهرون في أوقات لاحقة على ذمة قضايا مختلفة ومن تتم تصفيتهم جسديا.
وتقول منظمة هيومن رايتس مونيتور إن النظام يبتدع أسلوبا جديدا في إرهاب مواطنيه ومحاولة تحجيم معارضته، حيث "اعتمد مؤخرا منهجية الإخفاء الجماعي لأكثر من فرد في الأسرة الواحدة".
ودخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ عام 2010. وتهدف إلى منع الاختفاء القسري، وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى، والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.