جحيم كاليفورنيا» يشتعل مجددًا.. لماذا تكُثر حرائق الغابات في كاليفورنيا؟

في الثلاثاء ٢٥ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك أربعة عوامل رئيسة تقف وراء مواسم حرائق الغابات الكارثية في غرب الولايات المتحدة، ويحتل تغير المناخ مكانة بارزة بينها.

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا لكندرا بيير لويس، مراسلة الجريدة التي تغطي شؤون المناخ، وجون شوارتز، مراسل الجريدة الذي يغطي الشؤون العلمية وغيرها، حول حرائق الغابات التي تندلع بصورة موسمية في ولاية كاليفورنيا، موضحَيْن أن هناك عدَّة أسباب، طبيعية وبشرية، تقف خلف هذه الحرائق ويؤكدان على أن التغير المناخي يُعد أحد أبرز هذه العوامل.

وفي بداية التقرير ينوِّه المراسلَيْن إلى اشتعال الحرائق في كاليفورنيا مرةً أخرى؛ إذ احترق أكثر من 400 ألف فدان في شمال كاليفورنيا ووسطها، واشتعل عديد من الحرائق جرَّاء حدوث حوالي 11 ألف صاعقة برق. وأدَّت درجات الحرارة المرتفعة والرياح العاتية إلى تفاقم الأوضاع.

وشملت أوامر الإجلاء في مقاطعة سانتا كروز 48 ألف شخص، بما في ذلك حرم جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، ويتعين على أولئك الذين خضعوا لعملية الإجلاء تقييم مخاطر السعي للحصول على ملجأ في ملاجئ الإجلاء في خضم تفشي جائحة فيروس كورونا. ويعاني الأشخاص الذين يعيشون بعيدًا عن منطقة الحريق من الدخان الناجم عن الحرائق، وتضررت بشدة مواقع يتردد عليها الناس كثيرًا مثل حديقة بيج بيزن ريدوودز العامة.

وطرح التقرير تساؤلًا مهمًا: ما الذي يجعل حرائق الغابات كارثية على هذا النحو في كاليفورنيا؟ ومن ثم قدَّم الإجابة بأن هناك أربعة عوامل رئيسة.

تغير المناخ

يوضح التقرير أن العامل الأول هو مناخ كاليفورنيا. يقول بارك ويليامز، عالم في مجال المناخ الحيوي في مرصد لامونت دوهرتي للأرض بجامعة كولومبيا الأمريكية: إن «اندلاع الحريق شيء بسيط للغاية من بعض الأوجه؛ إذ طالما أن هناك أشياء جافة بما يكفي وتطايرت شرارة، فإن هذه الأشياء ستحترق». وتحصل كاليفورنيا، مثلها مثل معظم مناطق الغرب، على الجانب الأكبر من الرطوبة في فصلي الخريف والشتاء. ثم تقضي النباتات فيها وقتًا كبيرًا في فصل الصيف وتجف ببطء بسبب قلة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ومن ثم تصبح هذه النباتات عاملًا مساعدًا في إشعال الحرائق.

ولكن بينما يُعد مناخ كاليفورنيا عرضة على الدوام لأن يكون سببًا في اشتعال الحرائق، هناك صلة وثيقة بين تغير المناخ والحرائق الكبيرة. يقول الدكتور ويليامز: «خلف كواليس كل هذا، نجد أن درجات الحرارة الآن أعلى بحوالي درجتين إلى ثلاث درجات فهرنهايت على نحو أكبر مما كان يمكن أن تكون عليه لولا وجود الاحتباس الحراري. ويؤدي ذلك إلى زيادة جفاف النبات؛ مما يزيد بدوره من احتمالية احتراقه».

 

 

ولفت التقرير إلى أن سجل حرائق كاليفورنيا يعود تاريخه إلى عام 1932. ومنذ ذلك الحين، وقعت أكبر عشرة حرائق بدءًا من عام 2000، بما في ذلك حريق مجمع ميندوسينو عام 2018، وهو الحريق الأكبر في تاريخ الولاية، وحريق مجمع إل. إن. يو. الذي اندلع بسبب البرق ويشتعل الآن غرب مدينة سكرامنتو. يقول الدكتور ويليامز: «تتحد كل الظروف والعوامل تقريبًا لتكتب وصفة مثالية لاشتعال الحرائق في كاليفورنيا؛ إذ تخلق الطبيعة ظروفًا مثالية لاشتعال الحريق، وتأتي الناس لتساعد (بسلوكها السيئ الضار) في ذلك. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث يؤدي تغير المناخ بعدة طرق مختلفة أيضًا إلى زيادة احتمالية نشوب المزيد من الحرائق في المستقبل».

حرائق كاليفورنيا وأفعال الإنسان

ينتقل التقرير إلى العامل الثاني، حيث يقول المراسلان إنه حتى لو كانت الظروف مواتية لنشوب حريق هائل، تظل هناك حاجة إلى شيء، أو شخص ما لإشعال هذا الحريق. وفي بعض الأحيان تكون الطبيعة هي السبب، مثل صاعقة البرق، ولكن في أغلب الأحيان يتحمل البشر مسؤولية ذلك. تقول نينا إس أوكلي، عالمة أبحاث في مركز الظواهر المناخية والمائية المتطرفة في غرب أمريكا الشمالية في معهد سكريبز لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، في مقابلة معها في عام 2018، وفي ثنايا حديثها عن الحرائق التاريخية في ذلك الوقت: إن «عددًا من هذه الحرائق الكبيرة التي ترونها في جنوب كاليفورنيا وتؤثر على المناطق التي يعيش فيها الناس هي من صنع الإنسان». وقد اندلع عديد من الحرائق المميتة بسبب سقوط خطوط الكهرباء. وبدأ حريق كار 2018، وهو سادس أكبر حادث مسجل في الولاية، عندما انفجر إطار شاحنة وكشط الرصيف، مما أدى إلى إطلاق الشرر.

استبعاد التعمد

يقول الدكتور ويليامز: «يوجد في كاليفورنيا كثير من الناس وموسم الجفاف طويل حقًا. ودائمًا ما يخلق الناس شررًا محتملًا، ومع تقدم موسم الجفاف وجفاف الأشجار أكثر فأكثر، تزداد فرصة انطلاق شرارة من شخص ما في الوقت الخطأ. وهذا يعني استبعاد إشعال الحرائق عمدًا».

وهناك طريقة أخرى ساهم بها الناس في اندلاع حرائق الغابات: اختيارهم للمكان الذي يعيشون فيه. ينتقل الناس على نحو متزايد إلى المناطق القريبة من الغابات، والمعروفة باسم الواجهة البرية الحضرية، والتي تميل إلى الاحتراق.

إخماد الحرائق

 

 

ويفيد التقرير أن العامل الثالث هو إخماد الحرائق وهو أمر غير منطقي، لكن تاريخ الولايات المتحدة في إخماد حرائق الغابات في الماضي جعل حرائق الغابات الحالية أنكى وأسوأ. يقول الدكتور ويليامز: «لقد كافحنا الحرائق على مدار القرن الماضي، وقمنا بعمل جيد في هذا الشأن في جميع أنحاء غرب الولايات المتحدة. وفي كل مرة نكافح فيها حريقًا ونخمده بنجاح، يعني هذا أن مجموعة من الأشياء التي كانت ستحترق لم تحترق. وهكذا على مدار الـ100 عام الماضية، تراكمت لدينا النباتات وازدادت أعدادها في كثير من المناطق».

وأضاف: «وبهذا، عندما تنشب الحرائق في أماكن كثيرة من ولاية كاليفورنيا الآن، تشتعل تلك الحرائق في أماكن تحتوي على كثير من النباتات الجاهزة للاحتراق التي لم يكن من الممكن أن توجد بهذه الأعداد لو تركنا الحرائق تشتعل على مدار الـ100 عام الماضية».

وفي السنوات الأخيرة، كانت دائرة الغابات في الولايات المتحدة تحاول تصحيح الممارسات السابقة من خلال إشعال حرائق محددة أو حرائق «يمكن السيطرة عليها».

رياح سانتا آنا

ويصل التقرير إلى العامل الرابع، موضحًا أن المرحلة الثانية من موسم حرائق العام الجاري لم تأتِ بعد. يقول فينجبينج صن، أستاذ مساعد في قسم علوم الأرض في جامعة ميزوري – كانساس سيتي، إنه في كل خريف تجلب هبات رياح قوية تعرف باسم رياح سانتا آنا الهواء الجاف من منطقة الحوض العظيم في الغرب إلى جنوب كاليفورنيا. والدكتور صن مؤلف مشارك في دراسة أُعدَّت في عام 2015، وتشير إلى أن كاليفورنيا بها موسمان متميزان للحرائق. الأول الذي يمتد من يونيو (حزيران) حتى سبتمبر (أيلول) ويدفعه مزيج من الطقس الأكثر دفئًا وجفافًا وهو موسم الحرائق الغربي الذي يفكر فيه معظم الناس. وتميل حرائق الغابات هذه إلى أن تكون في المناطق الداخلية أكثر منها في الغابات الواقعة في المناطق المرتفعة.

لكن الدكتور صن وزملاءه حددوا أيضًا موسم حرائق ثانٍ يمتد من أكتوبر (تشرين الأول) حتى أبريل (نيسان) وتدفعه رياح سانتا آنا. وتميل هذه الحرائق إلى الانتشار بسرعة تصل إلى ثلاث أضعاف الحرائق السابقة وتشتعل بالقرب من المناطق الحضرية، وكانت مسؤولة عن 80% من الخسائر الاقتصادية على مدى عقدين من الزمن بدءًا من عام 1990.

 

 

ولا يقتصر الأمر على أن رياح سانتا آنا تزيد من جفاف النباتات، بل إنها أيضًا تحرك الجمرات وتنشر الحرائق. وهو ما يعيدنا إلى تغير المناخ.

وفي نهاية التقرير يشير المراسلان إلى أن تحديد الصلة بين أي حريق وتغير المناخ يستغرق وقتًا وتحليلًا من الجهد المتطور للمساهمة في التغير المناخي الأخير (الجهد المبذول للتحقق علميًّا من الآليات المسؤولة عن الاحتباس الحراري الأخير والتغيرات المناخية المتعلقة بالأرض). لكن تأثيرات غازات الاحتباس الحراري التي ينتجها البشر تقف وراء كل ما يحدث في الغلاف الجوي، ويُعد ميل تغير المناخ إلى جعل الأماكن الجافة أكثر جفافًا بمرور الوقت بمثابة تحذيرٍ لغرب الولايات المتحدة من مستقبل قاسٍ.

اجمالي القراءات 1520