فيما يخص نزول الكتاب مرة واحدة ، ثم نزوله مقروءا على لسان النبى محمد عليه السلام اقتطعت من بحث ( ليلة الاسراء هى ليلة القدر ) بعض مقتطفات لأستشهد بها فى موضوع ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ) ، والتفاصيل كلها ستأتى فى أوانها عند نشر البحث قريبا.
نزل القرآن مرة واحدة كتابا مكتوبا فى ليلة القدر من شهر رمضان ، وهو مرتبط بمغزى ومعنى تلك الليلة (ليلة القدر ) أى وثيق الصلة بما نشير اليه الان عن الغيب المقدر للعباد من أمر الله تعالى . ومن الغيب ذلك القرآن المكتوب كتابا حكيما فى قلب النبى محمد عندما التقى جبريل وكان قاب قوسين أو أدنى .
أى إن الاجابة فى كلمة واحدة هى (الغيب ) فالنبى محمد لم يكن يعلم الغيب ، ومن الغيب ذلك الوحى القرآنى المكتوب فى فؤاده . هذا المكتوب فى فؤاد النبى محمد كان ضمن الغيب الذى لا يعلمه الا الله جل وعلا. ولكن بمجرد أن يأتى الوحى القرآنى على لسانه تبعا للاحداث كان الغيب المكنون فى فؤاده عليه السلام يصبح معلوما ، و يصعد معنى الاية الى وعيه وبؤثر على لسانه .. ومن هنا نفهم قوله تعالى يربط بين الكتاب الحكيم والغيب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) ( البقرة 2: 3 ) ، ونفهم ايضا قوله تعالى للنبى محمد ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) ( يوسف 102) (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) ( هود 49 ) (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ )(آل عمران 44 ) فلم يكن عليه السلام يعلم كل تلك الغيوب الماضية عن تفصيلات قصص الأنبياء السابقين كما لم يكن يعلم الغيوب المستقبلية التى كانت ستحدث له ، والوحى المكتوب فى قلبه والذى سيتنزل على لسانه مقروءا معلقا على تلك الأحداث المستقبلية. ظل وحيا مكتوبا داخل فؤاده إلى أن نزل الوحى المقروء على لسانه فتذكروعلم ما لم يكن يعلم.
وهكذا فى كل حياته لم يكن عليه السلام يعرف ما سيجد من احداث وما ستأتيه من أسئلة وما سيقع منه من هفوات و أخطاء يتعرض بسببها للتذكير و التانيب ، وما كان سيحدث له من أحزان وآلام وهزائم ومكائد نزل القرآن الكريم يعلق عليها. كل ذلك كان غيبا قبل وقوعه بالنسبة للنبى محمد عليه السلام ،ثم أصبح فى علم الشهادة و التحقق حين جاء وقته.