رحل الفنان سمير الإسكندراني، الأسبوع الماضي، عن عمر يناهز 82 عاما، وحفلت حياته بالعديد من الأعمال الفنية الناجحة، لكنها لم تخلُ أيضا من القصص المثيرة والبطولية الوطنية مع المخابرات المصرية ومرواغة الموساد الإسرائيلي.
وثقت تقارير إعلامية محلية وعالمية، جهود سمير الاسكندراني تجاه مصر، لا سيما خداعه تل أبيب والموساد الإسرائيلي.
تبدأ قصة مراوغة سمير الاسكندراني للموساد إبان سفره إلى إيطاليا في منحة دراسية عام 1958، وكان حينها لم يكمل عامه العشرين، لكنه كان مختلفا ومتحررا بعض الشيء عن الشباب المصري في ذلك الحين، فكان يجيد الغناء والرقص والرسم، وهو ما خدع عملاء الموساد في هذا البلد.
بدا سمير الاسكندراني، صيدا ثمينا وسهلا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي سعت لتجنيده عبر شخص يدعى سليم وكان يتحدث العامية المصرية بطلاقة، وهو ما أثرى الصداقة السريعة بينه والاسكندراني.
يقول الاسكندراني في معرض حديثه عن تلك الواقعة، إن «سليم» كان يحمل جواز سفر أمريكي، وهو ما أثار الشك حوله إذ إن أي شخص يحمل الباسبور الأمريكي في فترة الخمسينيات كان مثيرا للشك.
سمير كان يدرس الأدب الإيطالي ويقدم أغاني في احتفالات الجاليات المختلفة، ووقتها كان «سليم» يكبره بأكثر من 10 أعوام.
خلال إحدى السهرات بعد أن انتهيا وجد الإسكندراني أن التكاليف بلغت ما يوازي 300 جنيه، فقام هذا الشخص بدفعها، وهو ما أثار دهشة الإسكندراني، خاصة أنه من المفترض أنه حضر إلى إيطاليا للدراسة، فكيف له أن يحصل على هذه المبالغ.
وبالفعل توجه إليه بالسؤال، فأخبره أنه لا يدرس ولكنه يتاجر في الأسلحة، ثم اختفى بعدها هذا الشخص لفترات، لتخبرهم صديقته أن هذا الشخص الذي يدعى "سليم" يحمل جواز سفر أمريكيا.
تأكدت ظنون الاسكندراني حينما جاء إليه سليم ليسأله عما إذا كان لديه الرغبة في الاستقرار بإيطاليا، وهو أمر أجاب عليه الإسكندراني بالإيجاب، فدعاه صديقه إلى رؤية رجل أعمال مهم في إيطاليا من أجل مساعدته على توفيق أوضاعه، وبعد شهر بالفعل التقى الإسكندراني بشخص يدعى "جوناثان شميت".
وحينما التقاه سأله الإسكندراني عما إذا كان ألمانيا فأجابه بالإيجاب، وبعدها سأله جوناثان عن رأيه في حكومة عبد الناصر، فرد عليه الإسكندراني قائلا "حكومة ديكتاتورية".
وأكد الإسكندراني أنه أخبره بذلك لأنه شعر أن الرجل يريد أن يستمع إلى هذه الإجابة، وهو كان يرغب في معرفة ما الذي يريده، ليخبره الرجل أن ميوله جيدة وأنهم يرغبون في الحصول على أموال الأشخاص الذين قامت مصر بتأميم أموالهم، ولكنه رأى أن سن الإسكندراني ما زالت صغيرة، فرد عليه الراحل بأن موتسارت قاد فرقة موسيقية وهو في السابعة من عمره، والأمر لا يتعلق بالعمر.
والتقيا بعدها أكثر من مرة، ثم منحوه المال من أجل الحصول على ملابس تليق به، ثم طلب الحصول على جواز سفره، ليخبره بعدها برغبته في الحصول على معلومات عن مصر، وأراد منه التطوع في الجيش المصري.
وتظاهر الإسكندراني بأنه وافق بالفعل على الأمر، وبعدها بدأوا في تدريبه وتعليمه على وسائل التخابر والحبر السري والشفرات، ليجد الإسكندراني نفسه مستمتعا بالإثارة في الأمر.
أخبروه بعدها بالعودة إلى مصر، وحينما عاد الإسكندراني حاول مقابلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن المسؤولين تعاملوا معه باعتباره شابا صغيرا ولم يقتنعوا بما يقوله.
إلا أن أحد الأشخاص الذين تعاملوا مع والده تاجر الأثاث، كان يعمل في المخابرات العامة، والتقى به الإسكندراني وقص عليه الأمر، فطلب منه ألا يخبر أحدا نهائيا بالأمر، وبعد شهر اصطحبوه لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بعد أن تأكدوا من كافة التفاصيل التي رواها.
كشف مخطط الموساد لاغتيال جمال عبد الناصر
وعن لقائه بالرئيس جمال عبد الناصر، قال الإسكندراني "خدوني للرئيس في فيلا بسيطة بمصر الجديدة، ودخلنا صالون به صور للرئيس جمال عبدالناصر وأولاده وصورة للرئيس محمد نجيب، وبعد فترة أظنها لا تتعدي ربع ساعة دخل علينا الرئيس جمال عبدالناصر فهجمت عليه وبوسته وحاولت أبوس ايده ورفض، قلتله أنا محتاجلك وحكيت للرئيس كل ما تعرضت له في إيطاليا فأعطى إشارة البدء لصلاح نصر للتعامل معي، وكانت الوسيلة التي استقرت عليها المخابرات هي أن أستمر في العمل مع المخابرات الإسرائيلية".
وتابع: "أطلعت الرئيس على كل ما لدي وعلى تخطيطهم المتمثل في اغتيال المشير عبد الحكيم عامر بعد أن فشلت محاولاتهم لنسف طائرة اليوشن 14 عام 1956 في الجو، التي كانوا معتقدين أنه داخلها وكانوا يجندون لتلك العملية جاسوسا مصريا اسمه إبراهيم رشيد، أما الأخطر فهو اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق وضع سم طويل المدى في طعامه خاصة".
واستطرد: "أخبرني الرئيس بأن دوري لم ينته"، فأجبته: "أنا رهن إشارتك يا سيادة الرئيس، ودمي فداء لمصر".
التعاون مع المخابرات المصرية
كان الإسكندراني يشكو في خطاباته إلى شميت من احتياجه الشديد للمال، ويهدد بالتوقف عن العمل، وفي الوقت نفسه كان يرسل لهم عشرات المعلومات والصور، وهو ما دفعهم لطلب استئجار صندوق بريد، ووصل إليه 3 آلاف دولار داخل عدة مظاريف كلها من داخل مصر، ليكشف ذلك عن وجود شبكة ضخمة من عملاء إسرائيل، تتحرك في حرية داخل البلاد، فبدأت خطة منظمة للإيقاع بالشبكة كلها.
واستكمل سمير الخطة عندما طلب منه إرسال أفلام مصورة، أعلن خوفه خشية أن تقع في أيدي الجمارك ورجال الرقابة فأرسل إليه جوناثان رقم بريد في الإسكندرية، وطلب منه إرسال طرود الأفلام إليه، وبدأت خيوط الشبكة تتكشف شيئا فشيئا.
وراح عملاء الشبكة يتساقطون واحدا بعد الآخر، والحقائق تنكشف أكثر وأكثر، ليساهم الإسكندراني بعدها في تفكيك شبكات تجسس إسرائيلية داخل مصر.