طلبت هذه السفينة الغوث من بيروت، فأنقذتها فردت السفينة الجميل لبيروت ست الدنيا بأن جعلتها فرجة الدنيا"، تبدو قصة السفينة التي حملت شحنة نترات الآمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت أقل إثارة من السيناريوهات التي طرحت في البداية للتفجير، ولكنها أكثر مأساوية.
في بيروت المدينة التي يتصارع بها الشرق والغرب منذ القدم، كان يتوقع أن تأتي الكارثة جراء مؤامرة كونية إسرائيل وأمريكا طرف بها أو جراء خطأ قاتل من حزب الله أو رسالة مدوية موجهة لخصومه، أو بسبب محاولة تاجر فاسد مدعوم بقوة سياسية طائفية حاول إدخال شحنة من هذا السماد القاتل المدعو نترات الأمونيوم.
ولكن يبدو أن القصة أبسط وأكثر إثارة للحزن من ذلك.
يأبي لبنان إلا أن يصدمنا بفواجعه، فقد دفعت بيروت ببساطتها ثمن طيبتها وإهمال قادتها.
قصة السفينة التي حملت شحنة نترات الآمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت
قصة السفينة التي حملت شحنة نترات الآمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت تعود إلى عام 2013.
فصول القصة تعود إلى خريف عام 2013، حين أبحرت السفينة روسوس Rhosus التي ترفع علم مولدافيا من ميناء باتومي الجورجي متجهة إلى موزمبيق (وفي رواية أخرى زامبيا)، وعلى متنها 2700 طن من مادة نترات الآمونيوم.
قبل أن تكمل السفينة وجهتها، طرأت مشاكل فنية، كان من الضروري معها أن ترسو في مرفأ بيروت، ولكن السلطات اللبنانية منعتها من الإبحار.
وهناك رواية أخرى مختلفة قليلاً بأن السفينة عرّجت على مرفأ بيروت، حيث خضعت لفحص فني من قبل سلطات المرفأ، وقيل إن الخبراء اكتشفوا عيوباً كبيرة بالسفينة وقرروا منعها من مواصلة رحلتها.
وبعد عدة تعقيدات تخلى مالك السفينة عنها وعدة دائنين تقدموا بدعاوى ضدها.
ولم يسمح لطاقم السفينة بمغادرتها بسبب تعقيدات الفيزا.
وقيل إن معظم طاقم سفينة الشحن عادوا إلى بلدانهم، وأجبر القبطان و3 من أفراد الطاقم على البقاء على متنها.
وفشلت الجهود الدبلوماسية في حل المشكلة فقاموا باللجوء لشركة محاماة لبنانية، وقدمت طلباً للمحكمة في لبنان ليتم السماح لهم بمغادرة السفينة والعودة لبلادهم. القاضي دعا السلطات ووكلاء السفينة للشهادة ثم تمت الموافقة على الطلب.
ولم يتسن حل مشكلة السفينة بعد أن فشلت جميع محاولات الاتصال بمالكها.
كما أشير إلى أن لوائح الهجرة زادت الأمر تعقيداً، بمنعها أفراد طاقم السفينة من الدخول إلى البلاد.
علاوةً على هذه المشكلة، وعدم تزويد السفينة بالإمدادات أو المؤن، تحول الوضع على متنها إلى "قضية إنسانية"، قيل وفق تقارير، إن الجهود الدبلوماسية ذاتها فشلت في حلها.
وبنهاية المطاف، اتصل أفراد الطاقم المتبقين بقانونيين متخصصين، دفعوا بأن حياة البحارة مهددة بعد أن تقطعت بهم السبل، علاوةً على طبيعة شحنة السفينة الخطرة.
وبعد سلسلة دعاوى قضائية تركزت على مصير طاقم السفينة المحتجزة، تمت تسوية هذا الجانب من القضية.
المحاولة تكللت بالنجاح وأصدر القاضي أمراً طارئاً، بعده بوقت قصير غادر البحارة بيروت.
وفي حين أصرّ الجانب اللبناني على عدم السماح بنقل شحنة نترات الآمونيوم التي تمت مصادرتها وتخزينها في مرفأ بيروت.
وتواصل عقب ذلك صمت مالك السفينة الذي تخلى عن ملكيتها، وتُركت مسؤولية الشحنة شديدة الانفجار على عاتق السلطات في مرفأ بيروت.
ويرجح أن تكون إشكاليات قانونية قد حالت دون بيع شحنة نترات الآمونيوم في المزاد العلني، باعتبارها السبيل الوحيد للتخلص من تبعاتها الخطرة.
وفقاً لبعض التقارير، فإنه وبسبب مخاطر الإبقاء على شحنة نترات الآمونيوم في السفينة تم تفريغها وتخزينها في مخازن في ميناء بيروت في 2015 بانتظار أن يتم طرحها هي والسفينة في المزاد.
من يمتلك السفينة؟
حسب الروايات الشائعة فالسفينة تحمل جمهورية مولدافيا الدول التي تعتبر الأفقر في أوروبا والأسوأ في حكم القانون في القارة.
لكن هذا لا يعني أن جنسية مالكي السفينة التابعة لها هي مولدوفيا.
فالسفينة تحمل مولدوفيا كعلم ملائم، بينما هي مملوكة لجهة روسية، ووصلت بيروت عام 2013، حسب موقع Middle East Eye البريطاني.
والعلم الملائم أو العلم الرخيص ممارسة شائعة في عالم الملاحة ترفع السفن بموجبها علم دولة أخرى غير دولتها الأصلية (تكون عادة دولة صغيرة ومتساهلة قانونياً وفنياً)، وتسمح هذه الدول لأصحاب السفن الأجنبية بالإبحار تحته مقابل رسوم معينة، و "أعلام الملاءمة" خلفت ورائها عددا كبيرا من السفن في عرض البحر لا تستوفي متطلبات الاتفاقيات الدولية وهي تهدد سلامة الملاحة والبيئة، وعلم مولدوفا معترف به على أنه "ملائم".
المرفأ طلب من القضاء التخلص من الشحنة
منذ ذلك الوقت، ظلت الشحنة مخزنة، ضمن شروط لا تراعي معايير السلامة، رغم خطورة ما تحويه، وهو ما يمكن تأكيده في طلبات موجهات إلى القضاء المستعجل، في أكثر من تاريخ منذ عام 2014، لإعادة تصدير المواد المخزنة، أحدها لمدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي.
وقد ورد فيه حرفياً: "..وحيث أنه لم يردنا لغاية تاريخه أي جواب من قبلكم، وبالنظر للخطورة الشديدة التي يسببها بقاء هذه البضائع في المخزن في ظل ظروف مناخية غير ملائمة، فإننا نعود لنؤكد على طلبنا التفضل بمطالبة الوكالة البحرية بإعادة تصدير هذه البضائع بصورة فورية إلى الخارج، حفاظاً على سلامة المرفأ والعاملين فيه، أو النظر بالموافقة على بيع هذه الكمية إلى الشركة المحددة في كتاب قيادة الجيش…"؛ وآخر من المدير العام الحالي بدري ضاهر، أشار أيضاً إلى "الخطورة التي تنتج عن بقاء هذه الكمية على المكان الموجودة فيه، وعلى العاملين هناك".
قالت إحدى الرسائل المرسلة من إدارة الميناء في عام 2016 – والتي أشارت إلى أنه لم يتم "الرد" على الطلبات السابقة – أن نترات الأمونيوم يتم الاحتفاظ بها في ظروف "غير مناسبة".
اللبنانيون على الأقل عرفوا باسم هذه المادة قبل ثلاث سنوات حين بات عنواناً للمعركة الإعلامية بين إسرائيل و"حزب الله" حين حذر أمينه العام حسن نصر الله تل أبيب من أن خزان الآمونيا في ميناء حيفا "ستطاله يد حزب الله أينما أخذوه"، بينما كان إعلامه يتباهى بأن "الكيان الصهيوني يعيش في أزمةٍ بعدَ خضوعهِ لتهديدِ الأمينِ العامِّ لحزبِ الله السيد حسن نصر الله وإغلاقهِ خزانَ الأمونيا في حيفا خَشيةَ صواريخِ المقاومة"، حسبما جاء في احد تقارير قناة "المنار" حينها.
ما سبب الانفجار؟
ثمة رواية أمنية تقول إن الانفجار وقع أثناء عملية التلحيم للباب وتطايرت شرارة وأدت إلى اشتعال مفرقعات موجودة في العنبر نفسه، أدت بدورها إلى انفجار كميات الآمونيوم"، مع الإشارة إلى أن 2750 طناً منه هذه المادة توازي 1800 طن من مادة "تي إن تي".
وأعلنت الحكومة اللبنانية الحداد ثلاثة أيام على ضحايا المأساة. وعرض عدد من الدول ، بما في ذلك إسرائيل، المساعدة للبنان وأرسلت قطر والعراق مستشفيات ميدانية إلى بيروت، وقالت منظمة الصحة العالمية إنها سترسل إمدادات طبية ومجموعات أدوات جراحية إلى بيروت.
من جهته قال مدير مركز الارتكاز الإعلامي، سالم زهران عبر حسابه الرسمي في تويتر: "منذ 6 اشهر رفع أمن الدولة تقريراً عن خطورة المواد ووجود فجوة في العنبر، واليوم وقع "انفجار بيروت"".
وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد نقل متحدث باسم المجلس الأعلى للدفاع عن دياب قوله خلال جلسة طارئة للمجلس: "من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نترات الآمونيوم تقدر بـ2750 طناً موجودة منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية".
مطالبات باستقالة رئيس الجمهورية وإعدام مدير جمارك الميناء
وطالب لبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي باستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة، وذلك من خلال وسم #استقيلوا الذي كان من ضمن قائمة أكثر الوسوم انتشاراً في لبنان، متهمين القائمين على الدولة بالتقصير.
فقالت فادية عبدالله: "لازم دولتنا كلها تستقيل من رئيس الجمهورية إلى الحكومة ومجلس النيابي لأن كلكن مسؤولين عن يلي صار ببيروت".
ومن خلال وسم #الاعدام_لبدري_ضاهر طالب كثيرون بإعدام المدير العام للجمارك بدري ضاهر، واتهموه بالمسؤولية عن الانفجار الذي هز بيروت.
وقالت نجلاء ميادي: "الإعدام لبدري ضاهر مدير الجمارك المتسبب في بقاء المواد المتفجرة في الميناء لأكثر من 6 سنوات دون تفريغها، المتهم الأول هو الإهمال، الفساد ، الجشع ، هذا هو العدو".
وفي المقابل، دافع كثيرون عن المدير العام للجمارك معتبرين أن بدري ضاهر غير مسؤول عن ما حصل، ومؤكدين عبر وثائق تم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن ضاهر طالب بالتخلّص من المواد الموجودة في مرفأ بيروت".
فقال ريكاردو هيريرو: "ليس هو وقت اتهام أحد أو الدفاع عنه، ولكن صوناً للحق والحقيقة، ننشر هذا المستند، حيث طلب مدير عام الجمارك "بدري ضاهر" مراراً وتكراراً (6 مرات) التخلّص من هذه المواد".