جريمة في ليل العراق.. من قتل الملك غازي بن فيصل الهاشمي؟!

في الأحد ١٩ - يوليو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

تبدو أحداث النصف الأول من القرن العشرين ذات طابع دموي في كثير منها، فما هَلّ ذلك القرن إلا ووقعت الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها ملايين من البشر، وتغيّرت على إثرها الخارطة السياسية في كثير من أقطار العالم، وفي القلب منها الأقطار العربية التي شهدت أراضيها وقائع دموية، وأحداث سياسية مفصلية، وتغيّرات في مضامين الحكم والسلطوية.

وفي خضم تلك الأحداث، لعبت الأسرة الهاشمية بقيادة الشريف حسين وأبنائه وأحفاده دورا بارزا فيما سُمي بـ "الثورة العربية الكبرى" التي أدّت إلى صعود الخطاب القومي العربي، وهزيمة الأتراك العثمانيين، والتقارب مع البريطانيين، وقد ارتقى ثلاثة من أبنائه؛ وهم "علي وعبد الله وفيصل الأول" إلى سدة الحكم في كلٍّ من سوريا والعراق والحجاز.

وكان من أحفاد الشريف حسين الملك غازي الأول بن فيصل الأول الذي تقلّد حكم العراق في مرحلة مفصلية وخطيرة من تاريخ العراق والمنطقة العربية، فقد تقلّد شابا في ريعان شبابه في الحادية والعشرين من عُمره، وتوفي شابا في السابعة والعشرين من عمره، على أن وفاته كانت ولا تزال غامضة تُحيط بها الأقاويل والشُّبهات، وتتناولها أيدي المؤرخين بالتحليل والتأمل والنتائج التي ترتبت عليها.

الملك غازي الأول بن فيصل الأول

فكيف حكم الهاشميون العراق؟ وكيف تعاملوا مع سلطة الاحتلال البريطاني؟ وما سياسة الملك غازي الأول؟ وكيف رآه سياسيو عصره لا سيما كبارهم أمثال نوري باشا السعيد الذي تقلّد رئاسة الوزراء العراقية لعدة مرات؟ وكيف كان مشهد مقتله أو اغتياله وآراء المؤرخين فيه؟ ذلك ما سنراه في قصتنا التالية.

كان العراق منذ القرن السادس عشر الميلادي تحت السيادة العثمانية، مثله مثل الأقطار العربية القريبة كسوريا ومصر والحجاز وسواحل الخليج وغيرها، وقد ارتضى العراقيون بالحكم العثماني الذي دخل في طور من الضعف في نهايات القرن التاسع عشر أمام المتغيرات العالمية بصعود روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكانت السياسة البريطانية في عداء واضح مع الألمان الذي دخلوا في تحالف مع الدولة العثمانية، وهدفوا إلى إنشاء خط سكة حديد من برلين إلى بغداد، الأمر الذي اعتبره الإنجليز تهديدا لمصالحهم في الشرق الأوسط.

وحين قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) استغل الإنجليز التحالف العثماني الألماني وهاجموا العراق، فاستطاعوا احتلال البصرة والمناطق المحيطة بها في العام 1914، وبعد سلسلة من المعارك في مواجهة الأتراك العثمانيين لاقوا فيها هزيمة ساحقة في معركة كوت العمارة في العام 1916م، استطاع الإنجليز أخيرا، وبعد هزيمة العثمانيين في أكثر من جبهة مثل قناة السويس والبلقان والقوقاز وغيرها، استطاعوا احتلال بغداد ثم فرض السيطرة الكاملة على العراق في نهاية الحرب العالمية في العام 1918م[1].

معركة كوت العمارة عام 1916م

وقد كانت السيطرة البريطانية على الأقطار العربية في مواجهة العثمانيين بمساندة عربية علنية من قوات أمير الحجاز الشريف حسين وأبنائه علي وعبد الله ولا سيما الأمير فيصل الأول بن الحسين، الذين استطاعوا إخراج الأتراك من الحجاز والأردن وفلسطين وسوريا، فضلا عن العراق، كاتفاق ضمني بين الطرفين بقيام الخلافة العربية أو الدولة العربية الكبرى في هذه الأقطار.

بيد أن نكوص البريطانيين والفرنسيين وخداعهم للعرب بعد اتفاق سايكس بيكو، واتفاق سان ريمو بإيطاليا في العام 1920م، ووضع المنطقة العربية الواقعة بين البحر المتوسط وإيران تحت سلطة الانتدابين البريطاني والفرنسي قد كشف عن حجم الخداع الذي تعرّض له العرب في تلك الأقاليم ومن جملتها العراق الذي رأى خداع بريطانيا لحليفه الأمير فيصل الهاشمي، الأمر الذي ولّدَ شعورا كبيرا بالكراهية والعداء، وتسبّب في ظهور الحركات الوطنية والانتفاضات الثورية المطالبة بالاستقلال، مثل حركة وثورة عام 1920م التي أجبرت الإنجليز على التوجه إلى الأسرة الهاشمية من جديد، فعُيِّن فيصل الأول بن الشريف حسين ملكا على العراق في 23 أغسطس/آب 1921م[2].

 

وقد سعى الملك فيصل الأول إلى الاستقلال وإنهاء الانتداب البريطاني على العراق، وبعد مفاوضات مضنية بين الجانبين أُبرمت معاهدة عام 1922م التي دارت نصوصها حول الالتزام بتقبُّل نصوص المعاهدة مع تقبُّل المشورة والمساعدة البريطانية في كل ما يتعلق بالشؤون المالية من المعتمد البريطاني، وعدم تأجير العراق أو تنازله عن أي جزء من أراضيه لأية دولة أجنبية، وعدم إقامة علاقات سياسية مع الدول الأجنبية الأخرى إلا بموافقة بريطانيا التي تتحمل رعاية المصالح العراقية في الخارج، وغيرها من النصوص الأخرى التي حوّلت صيغة الانتداب إلى صيغة أقرب إلى الاستقلال والحكم الذاتي تحت إدارة وإشراف بريطانيا، مع توقيع بروتوكول في العام التالي تحدّد فيه إنهاء قضايا الحدود الشمالية مع تركيا والغربية مع السعوديين، والاستقرار الداخلي والمحافظة على الأمن، وإجراء انتخابات المجلس التأسيسي[3].

الملك فيصل الأول

وقد حدث تعديل وإضافات في هذه المعاهدة فيما بعد، ودخل العراق في عصبة الأمم كدولة مستقلة، لكن الإدارة والسياسة البريطانية كانت لا تزال تُكبِّل الاستقلال التام، وتتدخّل في السياسة والشؤون الداخلية، وتستخدم بعض القواعد والمطارات العسكرية، وظلّت الأوضاع على تلك الحال حتى السابع من سبتمبر/أيلول 1933م، حيث توفي الملك فيصل الأول فجأة في مدينة بيرن السويسرية، وكان مريضا بالقلب[4]؛ ليخلفه من بعده ابنه الملك غازي الأول، ذلك الشاب اليافع الذي ستشهد السياسة العراقية في عهده القصير تغيُّرا ملحوظا.

وُلد الملك غازي الأول في مدينة مكة المكرمة في عام 1911م، وقد جاء إلى بغداد مع والدته وشقيقاته في عام 1923م، وتلقى ثقافته الأولية في مدارس الحجاز، ثم على يد مجموعة من الأساتذة الإنجليز في بغداد، وقد سافر إلى لندن في مارس/آذار 1926م، ودرس في كلية هارو، وعند رجوعه إلى العراق درس في الكلية العسكرية لمدة أربع سنوات، وتعلم ركوب الخيل بمهارة، لكن تُشير التقارير إلى أن تقدُّمه العلمي والعسكري كان ضعيفا، وأصبح ولي عهد لوالده الملك فيصل الأول، ثم عمل نائبا للملك على العرش خلال غياب والده الأخير عن العراق في صيف سنة 1933م[5].

 

حين ارتقى غازي إلى عرش العراق أبلغ السفير البريطاني آنذاك همفريس بأنه سينتهج سياسة والده التي اعتمدت على الصداقة والتعاون الكامل والتحالف مع بريطانيا، بيد أن الواقع أن غازي لم يكن بالملك الذي أرادته بريطانيا، فقد كان شابا وطنيا متحمسا، وقف على مساوئ البريطانيين ووعودهم الكاذبة لجدّه الشريف حسين وللعرب، فنشأ على كُرههم، وكان يُعرقل الحكومات العراقية الموالية لهم، ويرفض التعاون المطلق مع شركة النفط البريطانية الأجنبية، وعلى الرغم من أن خطواته كانت ضئيلة وضعيفة في وجه الهيمنة البريطانية فإن إعلانه المتكرر عن ضرورة قيام حكومة وطنية تخدم الشعب العراقي أولا أعطاه شعبية في الشارع العراقي[6].

وكنتيجة لمقته لبريطانيا وسياستها تقرب غازي من الألمان، الذين أهدوه معدات لإنشاء إذاعة جديدة، جعلها في قصر الحكم، وأطلق عليها اسم "راديو قصر الزهور"، وكان يتولى بنفسه إذاعة الأخبار والتعليقات بالتعاون مع كبار الضباط العراقيين، وهو ما اعتبرته بريطانيا دعاية وطنية وقومية حادّة، فازدادت شعبيته في الدول العربية المجاورة، لا سيما في سوريا والكويت والأردن، إلى الدرجة التي وافق فيها المجلس الكويتي بأغلبية عشرة نواب من أصل أربعة عشر على الوحدة مع العراق تحت حكم الملك غازي[7]، الأمر الذي اعتبرته بريطانيا تهديدا لمصالحها وخططها في الشرق الأوسط.

 

كانت السياسة البريطانية تميل إلى نوري السعيد الذي تقلّد رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية عدة مرات، وكان رجل الإنجليز في العراق، فضلا عن بعض أفراد الأسرة الهاشمية الذين رأوا في تصرفات غازي تهديدا لوجودهم، ومن هنا أصبح غازي موضع رصد خاص، وجاء على لسان السفير البريطاني في إحدى برقياته: "إن الملك غازي يجب أن يُسيطر عليه أو يُخلع"[8].

منذ صيف عام 1936م، بعد ثلاث سنوات فقط على حُكم الملك غازي، كانت الوثائق البريطانية تتناول مسألة البديل الذي يمكن أن يحل محل غازي من الأسرة الهاشمية، مثل الأمير نايف بن عبد الله بن الحسين والأمير عبد الإله بن علي بن الحسين أبناء عم غازي، وكان عبد الإله من الشخصيات المقربة للإنجليز، ويبدو أن هذه المسألة خرجت آنذاك من نطاق الغرف المغلقة إلى الشائعات العامة، مما شجع الفريق بكر صدقي على القيام بانقلاب 29 أكتوبر/تشرين الأول 1936م، وكان مما ذُكِر في أمر تلك الحركة أن "الوزارة الهاشمية كانت تنوي خلع صاحب الجلالة (الملك غازي)"[9].

إلا أن انقلاب بكر صدقي لم يلقَ الدعم الكافي، وسرعان ما فشل، وأُلقي القبض عليه وإعدامه، وخافت بريطانيا من التقارب الوثيق بين الجيش والملك غازي، فأوعزت إلى نوري السعيد بإعلان الأحكام العرفية، والقضاء على أية بؤرة عسكرية تُهدِّد مصالحها وذلك في 5 مارس/آذار 1939م.

 

كان الملك غازي يشعر بأهمية الجيش العراقي وضرورة إعداده جيدا ليكون جاهزا للقيام بدوره في استكمال تحرير العراق وتحقيق الوحدة ودعم القضايا القومية، وأن المهمة الأولى له أن يقوم بإنهاء السيطرة البريطانية تمهيدا لأداء العراق دوره القومي، وقد تغذى الملك على تلك المفاهيم من خلال وجود الأندية الاجتماعية ذات النشاط السياسي، فضلا عن احتكاكه بضباط الجيش الذين يحملون الأفكار القومية، وقد أبدى غازي اهتمامه بالجيش العراقي وتطويره وتقويته ومتابعة أنشطته، حتى غدا الملك ملجأ للضباط الذين يصطدمون بضباط البعثة العسكرية البريطانية، فيُقدِّم لهم المساعدة ويُساندهم ويحثّهم على عدم الاهتمام بالضباط البريطانيين[10].

وهكذا بدا الموقف عشية مقتل الملك غازي أن ثمة صراعا بين اتجاهين؛ الأول يقوده الملك غازي ويؤيده عدد كبير من ضباط الجيش ورئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني، وكلهم من الداعين للانعتاق التام من الهيمنة البريطانية، والمطالبين بالوحدة العربية لا سيما مع الكويت وغيرها، وقد أبدى الملك غازي فوق ذلك تقاربا مع الألمان في لحظات مفصلية كان العداء فيها قويا بين بريطانيا وألمانيا قُبيل الحرب العالمية الثانية (سبتمبر/أيلول 1939م-مايو/أيار 1945م)، وبين فريق آخر على رأسه بريطانيا ورئيس الوزراء نوري السعيد والأمير عبد الإله بن علي الهاشمي ابن عم الملك وأخو الملكة عالية زوجة غازي.

بات بقاء الملك غازي على رأس السلطة في العراق يُثير المشكلات في وجه بريطانيا، وأصبح يُهدِّد مصالحها في العراق والمنطقة، فكان التخلُّص منه أمرا ضروريا وحتميا في نظر بريطانيا، وفي صباح الرابع من إبريل/نيسان 1939م، نعى مجلس الوزراء الملك غازي على إثر اصطدام سيارته التي يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي الواقع بالقرب من قصر الحارثية القريب من قصر الزهور الذي يقيم فيه، فهوى العمود على السيارة وأصاب رأس الملك إصابة بليغة أودت به[11].

أدّى الغموض في مقتل الملك غازي وانعدام الوثائق الرسمية حوله إلى وجود آراء مختلفة في تفسير هذا الحادث، فبينما وصفت الأميرة بديعة بنت علي بن الحسين ابنة عم الملك غازي وأخت الملكة عالية في مذكراتها "وريثة العروش" أن سبب مقتل الملك غازي الأول كان انهماكه على الشراب والخمر الأمر الذي أدى إلى حادثة السيارة التي أودت به[12]، تروي عصمت فهمي زوجة ابن نوري السعيد تلك الأجواء قائلة:

"كان للملك غازي ولع خاص باقتناء السيارات واختبار سرعتها، بل كان من أفضل هواياته قيادة سيارات السباق والانطلاق بها بسرعة فائقة في المناطق النائية التي تحيط بمدينة بغداد مع لفيف من المرافقين أو الأصدقاء المقربين، وكان أغلب هؤلاء الضباط والطيارين الذين يميلون إلى ألعاب البطولة والمجازفات… وبعد دقائق معدودة دوى صوت المحرك من جديد، وانطلقت السيارة الملكية بعنف إلى الطريق العام المرتفع فعبرته بقوة، ثم انحرفت لتتجه إلى طريق الحارثية، لم يمر على صعودها إلا بعض ثوانٍ وإذا بالسيارة ترتطم عند وصولها إلى حافة الطريق بعمود النور فتخلعه بعنف وتنحدر بركابها من أعلى الطريق لتستقر بعد ذلك أسفل الحقل المقابل لقصر الزهور… وتبيّن أن العمود الثقيل عند سقوطه وقع على السيارة فكسر ذراع عبد الله الجالس في المقعد الخلفي… كما أصاب طرف العمود مؤخرة رأس الملك غازي، فكانت الضربة القاضية"[13].

أما الرأي الآخر والشائع، فيؤكد أن بريطانيا وأذرعها هي التي دبّرت مقتل غازي، وكانت المستفيد الأول من حادث الاغتيال، فضلا عن رجلها رئيس الوزراء نوري السعيد الذي يبدو أنه وولده صباح تناقلا الحديث عن ضرورة التخلص من الملك غازي قبل تلك الحادثة، وبل وقد تواصل نوري السعيد مع السفير البريطاني وقدّم له خطة لتنصيب الأمير زيد الهاشمي بدلا من الملك غازي[14].

ويبدو أن هذا الرأي قد تأكد أو تعضّد بعد مقتل غازي بأكثر من خمسة وثلاثين عاما حين التقى عبد الرزاق الحسيني مؤلف كتاب "تاريخ الوزارات العراقية" في يوم 8 إبريل/نيسان 1975م بالدكتور صائب شوكت طبيب الملك غازي الخاص، وأول مَن قام بمعاينته بعد الحادث مباشرة، يقول ذلك الطبيب:

"كنت أول مَن فحص الملك غازي بناء على طلب السيدين [نوري السعيد] و[رستم حيدر، أحد الوزراء] لمعرفة درجة الخطر الذي يحيق بحياته، وأن نوري السعيد طلب إليّ أن أقول في تقريري إن الحادث كان نتيجة اصطدام سيارة الملك بعمود الكهرباء، وأنا أعتقد أنه قد قُتل نتيجة ضربة على أمّ رأسه بقضيب حديدي بشدة، وربما استُخدم شقيق الخادم الذي قُتل في القصر (قبل وفاة غازي بمدة قليلة)، والذي كان معه في السيارة لتنفيذ عملية الاغتيال، فقد جِيء بالخادم فور وقوع العملية إليّ وكان مصابا بخلع في ذراعه، وقمتُ بإعادة الذراع إلى وضعه الطبيعي، ثم اختفى الخادم ومعه عامل اللا سلكي منذ ذلك اليوم وإلى الأبد، ولا أحد يعرف عن مصيرهما حتى يومنا هذا"[15].

كما التقى عبد الرزاق الحسيني بوزير الداخلية العراقي أثناء حكم الملك غازي والشاهد على وفاته، وهو ناجي شوكت، وسأله عن حقيقة مقتل الملك غازي، ليُجيبه قائلا:

"لقد احتفظتُ بسرٍّ دفين لسنين طويلة، وها قد جاء الآن الوقت لإفشائه، كانت آثار البِشر والمسرَّة طافحة على وجوه نوري السعيد، ورستم حيدر، ورشيد عالي الكيلاني، وطه الهاشمي، بعد أن تأكدوا من وفاة الملك، وكان هؤلاء الأربعة قد تضرّروا من انقلاب بكر صدقي، واتهموا الملك غازي بأنه كان على علم بالانقلاب، وأنا أعتقد أن لعبد الإله ونوري السعيد مساهمة فعلية في فاجعة الملك غازي"[16].

 

ويبدو هذا الرأي منطقيا، إذ أدّى مقتل الملك غازي إلى إتاحة الفرصة للبريطانيين أن يعملوا بحرية تامة وبدون منغصات، فالساسة الذين شكّلوا النخبة الحاكمة آنذاك مثل نوري السعيد رئيس الوزراء، والأمير عبد الإله بن علي الهاشمي ابن عم الملك القتيل والوصي على عرش ابن أخته فيصل الثاني وغيرهم، كانوا من أنصار بريطانيا، في المقابل كان مقتل الملك غازي قد أثار نقمة الشارع العراقي الذي اتهم الإنجليز ونوري السعيد بتدبير هذا الحادث، واتهم الإنجليزُ الألمان بترديد هذه الدعاية والترويج لها، وكان رد فعل الشارع العراقي عنيفا، حتى إن جماهير الموصل قد هاجمت القنصلية البريطانية وقتلت القنصل البريطاني المستر مونك ميسن[17].

ويبدو أن ردة فعل الشارع العراقي هذه قد اضطرت نوري السعيد وجبهته إلى الدعوة للإصلاح، بيد أن سنوات الملك الصغير فيصل الثاني تحت وصاية خاله الأمير عبد الإله الهاشمي لم تسِر وفق ما ظنه العراقيون، وعلى رأسهم الجيش، ليدخل العراق في دوامة من الاضطرابات والفوضى أدّت في نهاية المطاف إلى القضاء على الملكية والانتقام من الأسرة الهاشمية بالقتل والإعدام.

اجمالي القراءات 2784