صحيح ان وزير الدفاع المصري السابق، المشير محمد عبد الحليم ابو غزالة اختفى من ساحة العمل العام في السنوات الاخيرة لكن ذلك لم يفسر غياب أي ذكر لخبر وفاته في غالبية الصحف المصرية ـ حكومية ومستقلة.
وان كانت تلك الصحف نشرت في اليوم التالي لجنازته خبر تقدم الرئيس المصري حسني مبارك المشيعين، الا انها تجاهلت خبر الوفاة ومن قبل تدهور صحته في الايام الاخيرة.
والمشير ابوغزالة، برأي كثير من المحللين العسكريين، يعتبر واحدا من العقليات العسكرية العربية المميزة في الآونة الاخيرة.
ورغم ما بدا من شقاق بينه وبين الرئيس المصري بعد احداث الامن المركزي عام 1986 فإن تاريخه العسكري جعله محل تقدير، خاصة من قيادات عسكرية سابقة.
كان ابو غزالة آخر وزير دفاع عينه الرئيس المصري السابق محمد انور السادات في عام اغتياله.
وهكذا كان المشير، الذي شهد العرض العسكري الذي اغتيل فيه السادات عام 1981 مع نائب الرئيس حينذاك محمد حسني مبارك، قائد المؤسسة العسكرية التي سندت تولي مبارك السلطة.
وذلك هو الحال في مصر منذ ثورة يوليو 1952، التي كان ابو غزالة احد ضباطها الاحرار.
استراتيجية
لم يكن ابو غزالة عسكريا تقليديا، بل كان شغوفا بالبحث والدراسة كما تشهد مؤلفاته ومقالاته الاستراتيجية واختياراته للكتب التي ترجمها.
في السنوات الاولى لحكم الرئيس مبارك طغت شعبية المشير في القوات المسلحة نتيجة سياساته، التي وصفت وقتها بانها محاولة لجعل الجيش دولة داخل الدولة.
وكان ابو غزالة بدأ التوسع في توفير خدمات وميزات لضباط القوات المسلحة من مساكن ومنتجعات ومشروعات مدنية في قطاعات مختلفة.
لم يكن ابو غزالة معاديا للولايات المتحدة الامريكية، فهو من قيادات المؤسسة العسكرية التي لم تر مشكلة في طريق السلام الذي سلكه السادات.
اختار السادات ابوغزالة وزيرا للدفاع في عام اغتياله
لكنه كان مهموما بدور مصر الاقليمي، وكان يعرف ان إعلاء هذا الدور يحتاج للقوة. فكان ان نشر وقتها انه يسعى لتطوير الصناعات العسكرية المصرية لتسويق المنتجات في القرن الافريقي وهذا يزعج الامريكيين.
ثم كانت مسالة التعاون مع العراق والارجنتين في تطوير صواريخ باليستية والتي قيل انها كانت من بين اسباب اقالته من وزارة الدفاع واقصائه تماما عن الحياة العامة.
كان الرجل، برأي كثير من المحللين وقتها، يسعى لدور اقليمي لمصر حتى في اطار الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
شعبية طاغية
لكن ما لمسه الناس في مصر فعلا هو دور ابو غزالة كقائد للجيش في احداث الامن المركزي.
كنت وقتها اسكن في احد احياء القاهرة بالقرب من معسكر للامن المركزي من الذين تمردوا، وشاهدت الجيش وهو يسيطر على كل شئ.
وانتشرت الشائعات في العاصمة المصرية بانه "لولا ابو غزالة ما كانت هناك رئاسة ولا رئيس".
مع ذلك لم يبد ان طموح وزير الدفاع جعله يحاول ازاحة قائده (فرئيس الجمهورية في مصر هو القائد الاعلى للقوات المسلحة) ـ على الاقل لم يشعر احد بذلك.
وكانت اقالة وزير الدفاع السابق وتعيينه "مستشارا" لرئيس الجمهورية صدمة كبيرة للمشير الذي لم يتحمل شبه الاقامة الجبرية في بيته في حلمية الزيتون شرق القاهرة.
مرارة العزل
وقد التقيت المشير ابو غزالة بعد ذلك في احتفالية القوات المسلحة بمرور 25 عاما على حرب اكتوبر 1973.
وكنت احاول اقناعه بالتسجيل لبرنامج وثائقي كنت اعده لبي بي سي عن تلك الحرب، لكنه رفض.
وشاهدت بنفسي تعبيره عن مرارته حين سخر من الرئيس واعوانه على مسمع منهم بطريقة افزعتني خوفا.
ساعتها ابتعدت وانا احاول النجاة بنفسي ولم اعد مهتما بالتسجيل معه من عدمه.
رحل المشير ابو غزالة، وما اكثر المشيرين في العسكرية العربية لكن قليلا منهم كانوا مشيرين بحق.
والرتبة بالانجليزية هي فيلد مارشال، أي الرائد في مجاله، وقد كان ابو غزالة رائدا فعلا في مجال الاستراتيجية والتفكير العسكري.