من إجبارهم على العمل دون حماية إلى الاعتقال لمجرد النقد.. تفاصيل معركة الكر والفرّ بين الأطباء والأم

في الأحد ٢١ - يونيو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

من إجبارهم على العمل دون حماية إلى الاعتقال لمجرد النقد.. تفاصيل معركة الكر والفرّ بين الأطباء والأمن في مصر

حالة من الكرّ والفرّ تسيطر على العلاقة بين الأمن والأطباء في مصر، تجاوزت مرحلة إجبارهم على العمل دون توفير مستلزمات الحماية من العدوى إلى مرحلة الاعتقال لمجرد توجيه الانتقاد لوزارة الصحة أو المنظومة الطبية عموماً، عبر الحسابات الشخصية للأطباء على مواقع التواصل.

وقد تحوّلت جائحة فيروس كورونا من ظرف عام فَرَضَ قيوده وتبعاته على كل بلدان العالم، إلى جائحة في العلاقة بين المؤسسات الأمنية ونقابة الأطباء، إذ تفجّرت أزمة "بدل العدوى" الذي يتقاضاه الأطباء منذ عقود بواقع 19 جنيهاً، أي بحدود حوالي دولار واحد فقط، وهم الأكثر عرضة للعدوى بسبب تعاملهم المباشر مع المصابين بالفيروس، دون توفير وسائل طبية تحميهم.

وما دفع الأطباء وغيرهم لرفض هذه القيمة التي يرونها متدنية مقابل ما يتقاضاه ضباط الشرطة والجيش والقضاة من بدل العدوى، إذ لا مقارنة نهائياً بين هذا وذاك، فالقضاة مثلاً يتقاضون أكثر من 3000 جنيه، أي ما يزيد عن 188 دولاراً شهرياً، بدلاً للعدوى.

 إضافة إلى لك فالأطباء هم الأقرب للعدوى، وقد سقط من بينهم العديد من الأطباء موتى بفعل تعرضهم للعدوى وحرمانهم من الحق في العلاج كما تفعل الدولة مع مشاهير الصف الأول من النخبة والنجوم.

وبالرغم من ذلك، تتعامل الأجهزة الأمنية مع شكاوى الأطباء من سوء إدارة منظومة القطاع الصحي باعتبارها شكاوى تضر بالأمن العام، وترى أن ما يبثونه من انتقادات على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، هو مادة تستوجب اعتقالهم.

بدل العدوى 19 جنيهاً

تخوض نقابة الأطباء صراعاً شرساً مع النظام الحاكم بهدف زيادة بدل العدوى، ليتساووا فيه مع القضاة.

وكانت نقابة الأطباء قد خاطبت منتصف مارس/آذار الماضي، الرئاسة والحكومة لرفع قيمة بدل العدوى الذي يحصل عليه الأطباء، لكن وسائل إعلام محلية استخدمت فزاعة الاتهام بـ"الأخونة" ضد الأطباء الذين تذمّروا من سوء إدارة الأزمة ونقص مستلزمات الحماية الطبية، أو تقدموا باستقالاتهم (مستشفى المنيرة بالقاهرة) احتجاجاً على تردّي أوضاع الأطباء، ونقص الرعاية اللازمة لهم.

 الأمن الوطني يتحكم

وفي تقرير مطوّل لها، طالبت منظمة العفو الدولية، الخميس الماضي، الحكومة المصرية بالتوقف عن احتجاز العاملين في مجال الرعاية الصحية، وأكدت أنها وثَّقت ثماني حالات، من بينهم ستة أطباء وصيادلة، تم احتجازهم بشكل تعسفي بين مارس/آذار ويونيو/حزيران من قِبل قطاع الأمن الوطني.

المنظمة الدولية وثقت استخدام الحكومة المصرية تهماً فضفاضة وغامضة، "نشر أخبار كاذبة"، و"إرهاب"، وتعرض البعض الآخر للتهديدات والمضايقات والإجراءات الإدارية العقابية، مشيرة إلى أنها أجرت 14 مقابلة مع الأطباء وأقاربهم، والمحامين وأعضاء النقابات، واطلعت على الأدلة المساندة، بما في ذلك المراسلات المكتوبة والرسائل الصوتية من المسؤولين الحكوميين.

مصادر طبية وأعضاء بنقابة الأطباء أكدوا لـ"عربي بوست" أن الأطباء المحتجزين احتجوا على ظروف العمل غير الآمنة، ونقص معدات الوقاية الشخصية، وتوفيرها بشكل دائم للعاملين في مستشفيات الحجر والعزل، ودعم إجراء فحوصات طبية لهم.

ونفى عضو مجلس نقابة الأطباء، رشوان شعبان، امتناع الأطباء عن العمل، أو دعوتهم للإضراب عنه، قائلاً: "خاطبت النقابة النائب العام، بخصوص احتجاز خمسة أطباء، والإفراج عنهم"، مشيراً إلى أن التهم "تتعلق بالحديث عن وجهة نظرهم في تعامل الوزارة مع أزمة كورونا، أو شكواهم من عدم توافر بعض المستلزمات الطبية".

وأكد لـ"عربي بوست" أن "الوزارة ونقابة الأطباء هما المنوط بهما التحقق من مخالفة الأطباء للتعليمات، أو تجاوزهم للصلاحيات من عدمه، ومثل تلك الشكاوى لا تندرج تحت بند المخالفات والعقوبات، والنقابة ليست جهة تحقيق مع أي طبيب بسبب رأيه الشخصي".

النيابة تتجاهل الأطباء

وخاطبت نقابة الأطباء قبل أيام النائب العام، وطالبت بسرعة الإفراج عن الأطباء المحتجزين لحين انتهاء التحقيقات معهم، وحضور ممثل للنقابة أثناء التحقيقات باعتباره حقاً أصيلاً لها.

وقال عضو بمجلس نقابة الأطباء لـ"عربي بوست"، إنه "حتى الآن لم يصلنا رد من مكتب النائب العام بخصوص الحالات الخمس التي خاطبناه بشأنها"، مشيراً إلى أن "خلط الأمن بكل شيء بات أمراً معتاداً، والهدف منه هو عدم الحديث عن أي شيء سلبي؛ بدعوى أنه يشوه صورة النظام".

الأطباء المقبوض عليهم هم: محمد حامد محمود، طبيب مقيم عظام بمستشفى جمال عبدالناصر، وآلاء شعبان حميدة، طبيب مقيم بمستشفى الشاطبي، وإبراهيم عبدالحميد بديوي طبيب مقيم جراحة أطفال بمستشفى المطرية التعليمي، هاني بكر علي، أخصائي رمد، أحمد صبرة أحمد، أستاذ النساء بجامعة بنها.

تكتم إعلامي

المجلس الأعلى للإعلام في مصر (حكومي) أعلنها صراحةً، وحذَّر جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بكل صورها وأشكالها من عدم الالتزام بالبيانات الصادرة عن الجهات الرسمية والمختصة، عند إذاعة أو نشر أخبار تخص الوضع في ليبيا وسد النهضة والعمليات الحربية في سيناء وفيروس كورونا.

وفي خطوة انتقدها كثيرون، هدَّد المجلس في بيان له، الأسبوع الماضي، بأنه "سوف يتخذ الإجراءات التي كفلها له القانون ضد المخالفين وضد أي محاولة للعبث بمقدرات الأمة، بتوقيع أقصى العقوبات، والإحالة للنائب العام"، وبرَّر ذلك بالرغبة في "الحفاظ على وحدة وسلامة النسيج الوطني وترابط أبنائه".

وكشفت منظمة العفو الدولية نقلاً عن مصدر بنقابة الأطباء أن "الأطباء يتعرضون للتهديدات والاستجواب من قِبل قطاع الأمن الوطني، والاستجواب الإداري، والعقوبات"، مشيراً إلى أن "الأمن الوطني مُمثل في لجان أزمة كورونا التي تم إنشاؤها، ما يؤكد أيضاً نهج الحكومة القائم على الأمن لمعالجة أزمة الصحة العامة".

القضية 558

ما عزّز هذه التصريحات ما ذكرته وكالة رويترز، نهاية الشهر الماضي، نقلاً عن تسعة من الأطباء والمحامين والناشطين الحقوقيين، نقلوا مخاوفهم من حملة أوسع نطاقاً لفرض الرقابة على التغطية الإعلامية للأزمة.

ووفق ذات المصادر، فقد حذّرت مذكرة من وزارة الصحية أُرسلت إلى المستشفيات في محافظة البحيرة، وأطلع ناشط -طلب إخفاء هويته- رويترز عليها، العاملين في قطاع الرعاية الصحية من أنهم سيتعرضون لمساءلة قانونية إذا سربوا معلومات عن فيروس كورونا.

وتحولت القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا إلى ثقب أسود جديد يبتلع المعارضين، وفق منظمات حقوقية مصرية، والتهم واحدة: "اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

https://bit.ly/2NfYx7K

قصص وعبر للآخرين

أهالي وذوو المحتجزين العاملين في قطاع الصحة، إضافة إلى نقابة الأطباء ومنظمات حقوقية، أكدوا جميعاً أن السبب وراء القبض عليهم هو التعبير عن رأيهم في إدارة الحكومة لأزمة جائحة كورونا، ولم يتخطّ هذا الانتقاد الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

https://bit.ly/2YWhfa3
https://bit.ly/2V4Ms9I

آلاء شعبان حميدة، طبيبة شابة، 26 عاماً، بمستشفى الشاطبي التابع لجامعة الإسكندرية، معتقلة منذ مارس/آذار الماضي، بعد أن وشى بها مدير المستشفى للأمن الوطني، بسبب تواصلها مع وزارة الصحة وإبلاغها عن حالة إصابة بكورونا في المستشفى، وأُلقي القبض عليها من مكتبه بعد استدعائه لها في 28 مارس/آذار الماضي، واختفت قسرياً ليومين قبل أن تزج في قضية 558 لسنة 2020.

وعلى نفس المنوال تكرَّرت الحوادث الأخرى، ففي 4 أبريل/نيسان 2020، أُلقي القبض على الصيدلي محمد كامل السايس (27 عاماً)، واختفى قسرياً لمدة 5 أيام، والتحقيق معه من قبل الأمن الوطني بسبب انتقاده لأداء وزيرة الصحة.

وبعدها بعدة أيام أُلقي القبض على هاني بكر، طبيب عيون (36 عاماً) في 10 أبريل/نيسان الماضي، من منزله بالقليوبية، بعد نشره على حسابه على الفيسبوك تعليقاً انتقد فيه الحكومة لإرسالها مساعدات طبية إلى إيطاليا والصين.

وكشف أحد العاملين في مستشفى الشيخ زايد التخصصي بمدينة 6 أكتوبر -فضل عدم ذكر اسمه- أن "التلويح باستدعاء الأمن الوطني للعاملين أمر شائع ومتكرر لمواجهة مطالبنا أو اعتراضنا على نقص وسائل الحماية".

وأكد في حديث لـ"عربي بوست"، أن "ساحة المستشفى شهدت في منتصف مايو/أيار الماضي خروج العشرات من العاملين للمطالبة بإجراء مسحات لهم، أو عزلهم بسبب تأكد وجود إصابات وقتها لدى بعض فريق الطواقم الطبية".

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجّت بشكاوى العشرات من العاملين في القطاع الصحي والمرضى وذويهم من نقص مستلزمات الحماية والرعاية الصحية في المستشفيات خلال الأسابيع التي تلت ظهور كورونا في مصر، إلا أنها بدأت تخفّ حدتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

حرية الرأي مكفولة.. ولكن

الخبير في إصلاح النظام الصحي ومدير برنامج "الحق في الصحة" في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدكتور علاء غنام، أكد أن "حرية الرأي مكفولة للجميع، ومن حق أي شخص التعبير عن رأيه"، مشيراً إلى أنه تحدث عن سوء إدارة الأزمة في أكثر من مناسبة، "ولم يعتقلني أحد".

ولكنه أكد في تصريحات لـ"عربي بوست" أن هناك خللاً في إدارة الأزمة (فيروس كورونا)، وهو ليس قاصراً على مصر، فأغلب العالم أدار الأزمة بغباء شديد، من أول الصين، مروراً بأمريكا وبريطانيا وإيطاليا، وما قدمته الحكومة المصرية في حدود المتاح، ولكن ليس بالشكل المطلوب".

ولفت إلى أن "النقد الإيجابي الموضوعي الذي وجهته للحكومة كان له في بعض الأحيان أصداء إيجابية، كمطالبتي بإنشاء مستشفيات ميدانية، وعدم السماح للمستشفيات الخاصة بالتكسب من الأزمة، ولكن وضع الأطباء في خطر دون حماية كافية غير مقبول".

وارتفع عدد وفيات الأطباء بفيروس كورونا إلى 79 طبيباً حتى الآن، إضافة إلى إصابة مئات آخرين، خاصة مع ارتفاع عدد الإصابات في مصر إلى 53 ألفاً و758 حالة و2106 حالة.

تقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي 11% من المصابين بالفيروس في مصر من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، وفقاً لتقرير صدر في 17 مايو/أيار الماضي.

حديث الأطباء ليس سراً

وانتقد وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري السابق، عزالدين الكومي، سياسة الحكومة في التعامل مع الأزمة ومع الأطباء، قائلاً: "الأنظمة الشمولية لا تستمع لصوت العقل، ولا تحتمل النقد، لذلك عندما يتحدث البعض عن مساوئ النظام الصحي بهدف تقويم المنظومة وإصلاحها تقوم السلطات باعتقال المتحدثين".

 

وأشار في تصريحات لـ"عربي بوست" إلى أن "ما تحدث به الأطباء ليس سراً، ولا يخفى على أحد، فقد تحدثت به الصحف الأجنبية من قبل، والمنظمات الحقوقية، والهيئات الصحية، ونقابة الأطباء المصرية، كنقص المستلزمات الطبية ومعدات الوقاية والحماية، وبدلاً من محاسبة المسؤولين المقصّرين تقوم السلطات بتهديد الأطباء والقبض عليهم". 

اجمالي القراءات 1817