البلطجة.. الكابوس المرعب بشوارع القاهرة

في الخميس ١٢ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

البلطجة.. الكابوس المرعب بشوارع القاهرة

الخميس، 12 فبراير 2009 - 11:45

البطالة أحد أسباب ظهور ظاهرة البلطجة البطالة أحد أسباب ظهور ظاهرة البلطجة

كتب محمود محيى

"أصبحت لا آمن على نفسى وعلى أولادى من النزول فى شوارع القاهرة"، تلك الجملة التى قالها الفنان محمد ثروت بعد تعرض ابنه للضرب المبرح على يد بلطجية فى عرض الشارع ودون أسباب، تلخص الحال الذى وصل إليه الأمن فى شوارع القاهرة، وتفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول سبب انتشار البلطجة فى الشارع المصرى.

اللواء محمد حسين كامل، مساعد مدير أمن أسيوط سابقاً، يرى أن الأسباب الحقيقية وراء انتشار واستمرار ظاهرة البلطجة بهذه الصورة المفزعة، أولها النيابة العامة، فعندما يقوم القسم بإجراء ضد البلطجية تقوم النيابة بالإفراج عنهم بضمانات عادية. ثانيا انحراف بعض أفراد الشرطة والمتمثل فى أخذ (فتفوتات) من الإتاوات التى يفرضها هؤلاء البلطجية على الناس. ثالثا جهات البحث الجنائى تستعين بهؤلاء البلطجية كمرشدين لهم, وبالتالى تعطيهم وزنا أكبر من وزنهم مما يجعلهم يفرضون إتاوات على الناس بكل حرية وبلا أى رادع من أى مسئول أمنى، وبالتالى تستعين أيضا بعض المحلات بهؤلاء البلطجية وإعطاء أموال لهم وذلك لحماية محلاتهم وإفساح الأماكن أمام محلاتهم لركن سيارتهم.

ويرى اللواء حسين أن أهم الأسباب تكمن فى أقسام الشرطة، فعند تلقيها أى بلاغات من بعض المجنى عليهم والمتضررين من هؤلاء البلطجية وأعمالهم الإجرامية لا تأخذ أى إجراء قانونى تجاههم ولا حتى أبسط الإجراءات، وهى تحرير محضر بالواقعة وذلك حتى لا تحسب عليهم، ويقال بأن القسم لا يستطيع السيطرة على النواحى الأمنية فى دائرة القسم، وأمثلة على ذلك - قسم عابدين - وتحديدا شارع هدى شعراوى أمام مطعم كوكدور تحديدا، فهناك عائلة كاملة حوالى 10 أفراد أو أكثر تقوم بأعمال البلطجة وفرض الإتاوات على من يريد ركن سيارته أمام أى من تلك المحلات أو غيرها، بالإضافة إلى حالات التحرش الجنسى بالسيدات فى تلك المنطقة بسبب هؤلاء البلطجية، وأيضا قسم السيدة زينب بجوار مدرسة السنية للبنات، والتى تعتبر من أشهر المدارس فى القاهرة فبجوارها جراج ومحطة خدمة سيارات تشكل مقرا لبلطجية يقومون بالتحرش بالتلميذات وفرض إتاوات على الناس، وقد تقدمت إدارة المدرسة بعدة شكاوى للقسم ولم يتحرك أحد.

منطقة السفارات الموجودة بالقرب من شارع هدى شعراوى أيضا، فكل يوم يتقدم العديد من الدبلوماسيين بشكوى للقسم بسبب تجاوزات هؤلاء البلطجية وأيضا لم تؤخذ أى إجراءات ضدهم.

أيضا من أهم أسباب انتشار البلطجة فى الشوارع كما يشير اللواء محمد حسين هى أنه لا توجد قوات كافية فى أقسام الشرطة لحل هذه الأزمة، فكثيرا ما تأتى شكاوى من قيادات الأقسام بسبب النقص الدائم فى القوات والتى لا تلاحق على كمية البلاغات المقدمة للقسم عن هؤلاء البلطجية، فالمبدأ المعمول به فى أقسام الشرطة (الشاطرة تغزل برجل حمار) أى أنه على حسب إمكاناتك تتصرف بها، وإذا قام مأمور أى قسم بتقديم شكوى إلى مديرية الأمن التابع لها يكون الرد عليه بذلك.

ويرى اللواء محمد حسين كامل أن الحل لهذه الظاهرة هو أنه على المستويات القيادية الإشرافية أن تأخذ جميع البلاغات بجدية وألا تترك عبثا فى أيدى أقسام الشرطة.

اللواء محمد قطرى الخبير الأمنى يرى أن الشرطة هى السبب الرئيسى فى تكريس ظاهرة البلطجة وانتشارها بهذا الحد، لأنها تقاعست عن أداء دورها الأساسى فى حماية المجتمع ويرى أن الفكر المسيطر على جهاز الأمن هو أمن الدولة على حساب الاهتمام بالأمن العام (أمن الناس) وتم إهماله بصورة مبالغ فيها حتى أصبحت الظاهرة بهذه الصورة، فالشرطة وفقا للدستور عليها أن تحمى كل مكان فى مصر فنظام (الدركات) الذى كان متبع قديما وهو تقسيم المدن والقرى إلى شوارع ومناطق أمنية ليسهل السيطرة الأمنية عليها لا يعمل به الآن.

ويرى أن الأسباب الرئيسية لتقاعس وزارة الداخلية عن دورها فى حماية الأمن العام وأمن المجتمع هى:

أولاـ نظام الخدمة بأجر التى تعمل به الوزارة منذ فترة وهو أنه عندما يتقدم شخص ما بطلب إلى الوزارة لحماية شركة يمتلكها أو بنك فإنه يقوم بدفع فاتورة باهظة مقابل تلك الخدمة ويكلف بها ما بين تذهب هذه الفاتورة إلى كبار المسئولين بالشرطة ولا يذهب منها شىء إلى العساكر، وبالتالى فإن هذه الإدارة بوزارة الداخلية يتكالب عليها الكثير من الضباط ويطلقون عليها بأنها (إدارة طرية) وذلك لكثرة المكافآت بها، وبالتالى فقد تحولت الداخلية إلى قطاع خاص وتم تخصيصها لمن يدفع بالرغم من وجود شركات أمنية متخصصة.

ثانياـ سياسة الحساب والعقاب غير المنطقية التى تتبعها وزارة الداخلية ضد الضباط، فمن السهل أن تقوم أى قيادة بمجازاة أى ضابط حتى ولو كان الأمر بعيدا عن سيطرته، ومثال على ذلك إقالة مدير أمن بورسعيد السابق (حسن جبريل) لأن أحد المواطنين قدم شكوى للرئيس مبارك أثناء زيارته لبورسعيد، وظن الحرس الشخصى بأنه كان يريد أن يقوم باغتياله، وبالتالى تم إقالة مدير الأمن فما ذنبه إذن.

فالمسألة الإشرافية وعقاب ومجازاة الضباط أصبح شيئا يخشى منه الكثير من القيادات الأمنية خوفا على مناصبهم.

لهذا السبب ولأسباب أخرى أصبح أداء الشرطة سلبيا فإنه إذا جاء بلاغ إلى مأمور القسم بحدوث واقعة بلطجة، فإنه لا يتحرك مباشرة إلى مكان الحادث، وذلك خوفا من إصابة أحد جنوده أو ضباطه، فإنه إذا حدث ذلك يتم تحويله للتحقيق بسبب الإهمال فى عدم الحفاظ على سلامة القوة الأمنية التابعة له.

ومن المعروف أن لكل قسم شرطة ما يعرف بخطة التأمين، وهى أن يوجد مجند عند كل باب وعند كل سور من أسوار القسم ولكل حجرة من حجرات القسم وكأنها قلعة عسكرية، فإذا تم البلاغ عن واقعة إجرامية ما وأخذ الضابط المسئول عن قوة الانتشار السريع والتى فى الغالب تتكون من أربعة جنود وسيارة متهالكة أى من الجنود المسئولين عن حراسة القسم، فإنه يقدم للتحقيق فورا ويأخذ جزاءه.

يعتبر علم الاجتماع أن ظاهرة البلطجة هى فى الأساس أزمة قيم وأزمة معايير أخلاقية تسود المجتمع كما تشير الدكتورة سهير عبد العزيز أستاذة علم الاجتماع بجامعة الأزهر، فلا توجد معايير تحكم سلوكياتنا أو كما يطلق عليه علماء الاجتماع اللامعيارية، أى أن المجتمع قد فقد القيم العليا التى تكون مظلة أو مقياسا نقيس به سلوكياتنا، فالإنسان أصبح يتصرف بغوغائية وبلا حدود، ومثال على ذلك فإنه قديما كان المجتمع يتصرف ويعمل وهو يعلم أنه توجد مرجعية قيمية وأخلاقية تحكمه وتحكم سلوكياته وأفعاله يتصرف فى ضوئها، ولكن اليوم أصبح المجتمع يفتقد هذه المرجعية ويتصرف بعيدا عنها، أصبح يتحرك بلا أى حدود أو قيد وأصبحنا نتحرك بلا أى قواعد أو سلوك تحكمنا، وهذا ليس على مستوى أفراد الشعب فحسب بل وصل الأمر إلى قبة البرلمان والبلطجة بالجزمة.

وتشير الدكتورة سهير أن علماء الاجتماع قديما قد تحدثوا عن أن المجتمعات الأكثر تطورا تزداد بها معدلات الإجرام بكل صوره، ومن بينها البلطجة، وذلك لاتساع الفردية والذاتية والتمركز حول الذات أى التصرف وعدم الخوف من محاسبة الغير، وأن المجتمع اللامعيارى أو الإقليمى الذى تختفى به القيم العليا وتظهر به عشوائية السلوك هو الذى تزداد به ظاهرة العنف فى شوارعه.

ونرى أنه من بين الأسباب فى انتشار ظاهرة البطالة هى الأزمات النفسية والاضطراب النفسى الذى يصيب الكثير بسبب البطالة والأزمات الاقتصادية من غلاء وارتفاع للأسعار وأيضا بسبب المشاكل الاجتماعية، كتأخير سن الزواج وعدم القدرة على إتمامه بسبب تكليفاته الباهظة وكأن المجتمع اتفق على تضييق الحلال والتوسع فى الحرام، كلها أسباب تؤدى فى النهاية إلى ظهور البلطجة بهذه الصورة.

وترى الدكتورة سهير بأن حل هذه الأزمة هى استغلال الطاقات البشرية فى المجالات التى يحتاج لها سوق العمل واستغلاله مهنيا لنفع المجتمع، وذلك بتطوير التعليم المهنى والاعتماد عليه كركيزة أساسية لتخريج شباب يصلح المجتمع لا أن يخربه.

اجمالي القراءات 3672