من الأكل بالأيدي إلى الشوكة والسكين.. قصة ظهور أدوات المائدة

في الإثنين ٢٠ - أبريل - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

جميعنا يحب الطعام اللذيذ، الذي قد يختلف في أشكاله وأصنافه، ولكن الطريقة التي يؤكل بها تتشابه بيننا كثيرًا. فالسكين لتقطيع الطعام، والملعقة لشرب الحساء، والشوكة لتناول المكرونة، والعيدان الخشبية لتناول السوشي وغيره من المأكولات الصينية والآسيوية. ولكن قبل ظهور أدوات المائدة هذه، كان تناول الطعام بالأيدي هو السائد في البداية، بل شاع أيضًا بين الطبقات الراقية.

فما هي قصة الأدوات؟ وكيف تحول البشر من الأكل بأصابعهم إلى استخدام أدوات المائدة؟ وكيف ساهم جهاز عروس إيطالية في تحول أداة – كان يُنظر لها في البداية على أنها إهانة للرب – إلى صيحة انتشرت في العالم الغربي، وانتقلت منه إلى جميع أنحاء العالم، وجزء لا يتجزأ من أدوات المائدة؟

1. السكين.. أقدم أداة في ترسانة الطهاة

طباخ بلا سكين كحلاق بلا مقص. إنها الأداة الأكثر أهمية بالنسبة لعديد من الطهاة، إذ إن الأساس الذي تقوم عليه أية وجبة رائعة هو دقة تقطيعها وقسمتها. وتكتسب السكين أهميتها من قدرتها على أداء بعض الأعمال، التي لا تستطيع أسنان الإنسان الضعيفة القيام بها. لذلك فقد لا يبدو مفاجًئًا أنها الأداة الأقدم من أدوات المطبخ؛ إذ تعود أقدم الأمثلة على السكين إلى إثيوبيا حيث عُثر على أدوات قطع حجرية يبلغ عمرها 2.6 مليون عام.

عندما بدأ البشر بطهي طعامهم للمرة الأولى منذ مئات الآلاف من السنين، ساعدتهم الأحجار والعصي الحادة في إعداد الطعام. واستخدمت كذلك الأصداف وقرون الحيوانات المجوفة؛ ما أدى لاحقًا إلى ظهور الملعقة. لكن يبدو أن تطور الملعقة قد وصل إلى طريق مسدود في عصور ما قبل التاريخ، وأصبح السكين أداة الأكل الأساسية التي يمكن من خلالها تتبع التطور الميكانيكي البشري.

وقد صنع السكين في البداية من الحجر، ثم من البرونز، وأخيرًا من الحديد في حوالي عام 1000 قبل الميلاد. ومع أن السكاكين كانت تستخدم سلاحًا لقتل الفرائس، وأداة لتقطيعها إلى أحجام مناسبة وتناولها، منذ عصور ما قبل التاريخ؛ إلا أنه لم ينتشر استخدام السكاكين المصممة حصريًا لتوضع على المائدة، حتى سلالة البوربون في فرنسا. فحتى ذلك الوقت كانت السكاكين حادة للغاية، وكان وضعها ضمن أدوات المائدة يشكل خطرًا كبيرًا، وقد شاعت بعض الحوادث والتي منها – على سبيل المثال – ثقب بعض الثمالى أفواههم في أثناء محاولتهم تناول الطعام.

في عام 1669 منع الملك لويس الرابع عشر وضع السكاكين الحادة على الطاولة، وأمر بالاستبدال بها سكاكين أقل حدة وأعرض سمكًا. وظل هذا الأمر القاعدة الغالبة حتى يومنا هذا، وأخذت أيضًا السكاكين المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ في الظهور في حوالي القرن العشرين ضمن أدوات المائدة.

2. الملعقة.. تناول الطعام لم يكن الغرض الوحيد منها

الملاعق واحدة من أقدم أدوات المائدة في العالم، وقد ظهر عدد من الأشكال لها مصنوعة من خامات طبيعية مثل: الخشب، والأصداف، والأحجار. وفي البداية لم يكن لها حوامل لليد، وكانت تصنع من أحجام مناسبة لغرف الطعام. ولا يوجد تاريخ محدد يرجع إليه اختراع أول ملعقة في التاريخ ذات حامل يدوي. ولكن تشير بعض الأدلة التاريخية إلى استخدام المصريين القدماء للملاعق ذات المقابض لأغراض دينية عام 1000 ق.م تقريبًا.

في البداية كانت أغلب ملاعق الطعام مصنوعة من الخشب، لسهولة توفره وانخفاض تكلفته. ومع ذلك، انتشر في الإمبراطورية اليونانية والرومانية ملاعق من البرونز والفضة بين الطبقات الثرية. وامتد ذلك إلى العصور الوسطى، حيث يعود أول دليل موثق لظهور الملاعق في إنجلترا لعام 1259، والتي عثر عليها في خزانة ملابس الملك هنري الأول.

ولم يكن المصريون القدماء وحدهم من استخدموا الملاعق لأغراض أخرى غير تناول الطعام، بل ظهر استخدامات أخرى للملاعق في الاحتفالات لإثبات الثروة والقوة. على سبيل المثال، كان يسبق تتويج كل ملك بريطاني طقس يجري فيه مسح الملك الجديد بملعقة احتفالية.

وقد اختلف تصميم الملعقة خلال عصر النهضة والعصر الباروكي، حتى استقرت على تصميمها الحالي الذي نعرفه في القرن 18. ومنذ ذلك الحين اكتسبت الملعقة مكانًا رئيسًا ضمن أدوات المائدة، وتعددت أشكالها وأنواعها من ملعقة الحساء، إلى ملعقة العسل، وملعقة التوابل، وغيرها.

3. الشوكة.. من إهانة للرب إلى صيحة رائجة

تُعد الشوكة العضو الأحدث بين أدوات المائدة. ومع أنها ظهرت بالفعل منذ العصور القديمة، إلا أن تلك النماذج الأولية منها، والتي كانت تتكون من شقين فقط، كانت تستخدم في المقام الأول في الطبخ وتقديم الطعام. وكانت أصابع الأيدي، والملاعق، والسكاكين، الخيارات الأكثر شعبية لتناول الطعام.

 

 

وقد ظهرت بعض أقدم شوكات الطاولة المعروفة للمرة الأولى في مصر القديمة، ومن المعروف أيضًا أن ثقافة «كيجيا Qijia 2400 – 1900) قبل الميلاد، التي أقامت في جزء من الصين استخدمت الشوك. ولاحقًا انتشرت الشوكة في العالم الغربي عبر طريق الحرير إلى البندقية، حيث يعود أحد أقدم الأدلة المسجلة عن ظهور الشوك في البندقية إلى القرن 11، وتحديدًا لدى زواج الأميرة البيزنطية، ثيودورا آنا دوكينا، من دومينيكو سيلفو، وإحضارها شوكات ذهبية ضمن مهرها.

«زود الله بحكمته الإنسان بشوك طبيعية، هي أصابعه. لذلك فإنه من المهين الاستبدال بها الشوكات المعدنية الاصطناعية عند الأكل، فهذا إهانة له» *القس بيتر داميان

ولكن لم يلق ذلك ترحيبًا لدى سكان البندقية، الذين رأوا أن هذه الأدوات الشائكة تُعارض صنع الرب، الذي أعطانا أصابعًا ملائمة تمامًا لتناول الطعام بها. وعارض عديد من النخبة الدينية استخدام ثيودورا الشوكة، وعندما توفيت الأميرة بعد ذلك بسنتين بسبب مرض تنكسي غامض، اعتبر البعض ذلك عقابًا لها على تكبرها وتجاوزاتها. وظلت الشوكة في العالم الغربي تحمل وصمة سلبية، بسبب ارتباطها بالانحلال واعتبارها إهانة لله. ولاحقًا اقتصر استخدامها على الطعام اللزج فقط.

وتخبرنا المؤرخة البريطانية، بي ويلسون، في كتابها «احترامًا لشوكة الطعام: تاريخ الطهي والأكل» أن الإيطاليين كانوا أول من استخدم الشوكة خلال عصر النهضة، من أجل التهام طبقهم المفضل، المعكرونة. وخلال القرن السادس عشر، بدأت شعبية الشوكة في النمو بعد زواج الإيطالية كاترين دي ميديشي، من الملك هنري الثاني، والتي أحضرت مجموعة من الشوك معها في جهازها. وفي ذلك الوقت، كان أي شيء إيطالي رائجًا بفضل عصر النهضة. وخلال القرن 17، سادت فكرة أنه من غير اللائق تناول الطعام بالأصابع. كذلك، بدأت المثل العليا للنظافة تتغير، وبطبيعة الحال، بدت الشوكة جذابة لأولئك الذين يفضلون أن يكون طعامهم خاليًا من الأوساخ.

وبحلول القرن 18، ظهر استخدام الشوكات المنحنية ذات الأسنان لتناول الطعام مثل البازلاء. ولكن ظلت استخدام الشوك محصورًا في المقام الأول بين الطبقات العليا. واستمر الأمر كذلك حتى قيام الثورة الصناعية، وعندها بدأ يشيع استخدام الطبقات الدنيا والمتوسطة الشوك أيضًا ضمن أدوات المائدة. فضلًا عن ذلك، أصبح عامة الناس قادرين على تحمل تكلفة أدوات تناول الطعام بالكامل لتقديمها للضيوف.

4. العيدان الخشبية عمرها أكثر من 3 آلاف عام

قد تبدو عيدان الطعام الصينية المصنوعة من خشب الخيزران، والتي تجدها مغلفة إلى جانب طعامك عند تناولك للأطباق الصينية، بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في باطنها تاريخًا طويلًا يمثل عنصرًا أصيلًا في تاريخ الصين. يستخدم الصينيون عيدان الطعام منذ قديم الأزل؛ إذ يرجع تاريخ أقدم زوج من عيدان الطعام عرفتها البشرية إلى عام 1200 قبل الميلاد، وتشير بعض الدلائل إلى أبعد من ذلك. وبحلول عام 500 ميلاديًا انتشرت تلك العيدان الرفيعة في جميع أنحاء القارة الآسيوية من فيتنام إلى اليابان.

 

 

والمثير في الأمر أن أول استخدام لتلك العيدان لم يكن للأكل، بل كانت تستخدم للطهي، وإشعال النار، وتقطيع الطعام. فكان الصينيون يلجأون لتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة؛ حتى تُطهى بوتيرةٍ أسرع؛ وبالتالي يوفرون في وقود الطهي.

5. الشفاط (الشاليمو).. قصة طفلة ألهمت أباها

ظهرت أوائل الشفاطات في الحضارة السومرية، التي قامت في بلاد الرافدين، حيث كان يشرب السومريون السوائل مثل البيرة بشفاطات مصنوعة من الذهب. وفي مصر القديمة ظهرت أيضًا شفاطات من القش الطويل. وفي وقت لاحق، استخدم السكان الأصليون لأمريكا الجنوبية شفاطات خشبية لشرب الشاي مع رفقائهم.

أما الشفاطة الورقية الحديثة، فقد اخترعها الأمريكي مارفن ستون في عام 1888. ومع مطلع القرن العشرين بدأت مخازن الصودا تقدم الشفاطات لزبائنها الذين يخشون انتقال الأمراض المعدية. ولكن حتى ذلك الحين كانت الشفاطات قطعة واحدة، غير قابلة للثني. أما عن الشفاط القابل للثني، فله قصة أخرى.

في ثلاثينات القرن الماضي بولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، جلس جوزيف فريدمان وابنته جوديث على طاولة في أحد محلات الصودا. طلبت جوديث شراب مخفوق الحليب، وعندما وصل المشروب رأى والدها كيف تعاني صعوبة في الشرب، وهي تجلس على كرسيها في المحل، وغير قادرة على الوصول إلى طرف الماصة الورقية النافذة من المشروب.

 

 

في تلك اللحظة عدل جوزيف الماصة عبر إدخال برغي في أحد الأطراف، واستخدام جزءًا من خيط تنظيف الأسنان. وضغط الورقة بقوة بين أسنان البرغي؛ ما أدى إلى تكوين سلسلة من التموجات الصغيرة متساوية الأبعاد. وبعد أن أزال البرغي، أصبحت الماصة قادرة على الانحناء إلى جانب الكأس. وأصبحت جوديث قادرة على الاستمتاع بمخفوق الحليب.

سعى جوزيف بعد ذلك إلىتسويق الماصة الجديدة التي يمكن ثنيها في المستشفيات لمساعدة المرضى على الشرب وهم مستلقون؛ الأمر الذي لقي رواجًا كبيرًا. ولكنه لم يتوقف عند المشافي، فبفضل مهارات أخته بيتي في التسويق والأعمال أصبحت الماصة المرنة أداة محببة لدى معظم الأطفال، وأداة متوفرة في كل مكان، وصارت جزءًا من أدوات المائدة والطعام.

اجمالي القراءات 2478