يكشفون عن تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب والإهانة
إلى أبو الغيط .. حكايات العائدين من سجون ليبيا
الأحد، 8 فبراير 2009 - 12:59
كتب حسن مشالى
أوضاع المصريين فى السجون الليبية غير إنسانية، فالمئات من المصريين الذين ينفذون أحكاماً قضائية أو المحتجزين يتعرضون لسوء المعاملة والضرب والإذلال، فى ظل غياب وتجاهل السفارة والقنصلية المصرية فى ليبيا، وفى ظل تجاهل وزارة القوى العاملة والهجرة لهم وعدم متابعة أحوالهم خلف الأسوار الليبية، وهو أمر يقوض الجهود التى تسعى الوزارة لبذلها من أجل توفير فرص عمل وحياة كريمة للمصريين فى الخارج.
اليوم السابع اطلع على أحوال المصريين فى السجون الليبية، من خلال لقائه بعض العائدين منها، طاقم مركب الصيد المصرى "حوده يا عسل" المفرج عنهم بعد قضاء شهرين من العذاب وسوء المعاملة داخل سجن "الجلاء" بمدينة طبرق الليبية، عقب جنوح مركبهم داخل المياه الليبية بفعل الرياح بعد تعطلها أمام سواحل السلوم وبقائهم داخل البحر 3 أيام، دون أن تنقذهم السلطات الليبية رغم إشارات الاستغاثة، إلى أن قام بعض الأهالى بإبلاغ النيابة العسكرية الليبية وإنقاذهم وجر مركبهم إلى الشاطئ، وتسليمهم إلى النيابة العسكرية التى كانت تنتظرهم على رصيف ميناء "اللِك" بمدينة "مساعد"، لتبدأ مرحلة العذاب وسوء المعاملة التى استمرت لمدة شهرين إلى أن وطأت أقدامهم منفذ السلوم المصرى.
"إحنا مالناش إلا بلدنا والحمد لله رجعنا لها .. دا إحنا كنا فى عذاب، ربنا ما يكتبه على حد" خرجت هذه الكلمات من الصياد حسن سعيد أحمد عند استفسارنا عن أحوالهم عقب إفراج نيابة مطروح عنهم، ثم بدأ كشف الحقائق التى تم إخفاؤها طوال فترة احتجازهم فى ليبيا خوفاً على مصيرهم، كما تم إخفاؤها عن السلطات المصرية فى منفذ السلوم، عندما سألوهم إن كانوا تعرضوا لسوء أثناء احتجازهم من عدمه.
بداية المشكلة
قال حسن سعيد خرجنا من مطروح للصيد بالمركب يوم 27 نوفمبر الماضى بعد الحصول على التصاريح اللازمة، وذهبنا للصيد قبالة السلوم لنكون قريبين منها فى حال حدوث أى شىء، ثم تعطلت المركب فى اليوم الثانى، وكانت المياه عميقة، ولم يصل الخطاف لقاع البحر ليثبت المركب فى مكانها فدفعتنا الرياح ناحية الغرب، وعند دخولنا مياه ليبيا رفعنا الراية البيضاء واستغثنا بخفر السواحل الليبية.
استقبال عسكرى بالضرب والإهانة
سعيد إبراهيم السيد، ريس المركب، يقول تركونا 3 أيام دون إنقاذ، وتحججوا فيما بعد بعدم وجود مركب لديهم لإنقاذهم، بعدها قام بعض المواطنين الليبيين بإنقاذنا وجر المركب إلى مرسى اللِك، بعد إبلاغهم للنيابة العسكرية التى كانت تنتظرنا على الشط، واتهمتنا بتهريب المخدرات، وبدأ وكيل النيابة العسكرية بشتمنا وأساء معاملتنا وبدأ فى ضرب كل من يحاول أن يفهمه أننا طلبنا الاستغاثة بسبب تعطل المركب.
حسن سعيد يضيف أن وكيل النيابة العسكرية ضرب الريس، وكان يدفع بيديه كل من يتحدث، كما رفض تدخل مسئول الثروة السمكية الليبية الذى أكد له أننا استغثنا بعد تعطل مركبنا، وقام بوضعنا فى السجن العسكرى بدون طعام أو مياه، وفى اليوم الثانى تم تحويلنا للنيابة العامة التى حبستنا 6 أيام، وبعدها جددت حبسنا أكثر من مرة داخل سجن الجلاء بطبرق.
إتاوات وضرب وإهانة المصريين فقط
أجمع الصيادون على التأكيد على أن سجن الجلاء، الذى كانوا محتجزين فيه، قطعة من الجحيم يديره العميد منعم أبو الندور ومجموعة عساكر وهم المتحكمون فى السجن والمساجين، وتعرضوا فيه هم وكل المساجين المصريين الذى يبلغ عددهم حوالى 25 شخصاً طوال الوقت للضرب بكابل الكهرباء والشتائم والجوع والعطش، بسبب قلة الطعام واستحواذ المساجين الليبيين على المياه، ومن يعترض يتعرض لسوء المعاملة من المساجين الليبيين والحرس معاً، ومن يمرض لا يتم عرضه على الطبيب حتى كاد أحد المصريين أن يموت بسبب المرض والإعياء الشديد، ولم نستطع تقديم شىء له سوى قراءة القرآن على جسده، وبعدها قام أحد المساجين بتهريب العلاج له بمعرفة أحد أقاربه العاملين فى ليبيا عند الزيارة.
وأكد الصيادون أن المصريين فقط يتعرضون للمعاملة السيئة، ولا يستطيع أحد أن يشكو خوفاً من البطش، فى الوقت الذى يتم فيه توفير كل شىء للمساجين الليبيين، ويتم إخراجهم من السجن لأيام يزورون فيها أقاربهم، حتى وكيل النيابة قام بشتم وسب المصريين داخل السجن أثناء تفتيشه.
عمرو عبد الرحمن (صياد) يقول إن جنود السجن لا يتعاملون مع المصريين على أنهم بشر، وكانوا يفرضون الإتاوات علينا، رغم أننا كنا لا نملك مالاً، لكن عندما كان أهلنا فى مصر يطلبون من أحد المسافرين إلى ليبيا زيارتنا وإعطاءنا شيئاً، كان الحرس يقتسمونه معنا، ويضيف بأنه كان يملك 5 دنانير ليبية فقط استولى عليها أحد العساكر.
مظهر الصيادين كان بادياً عليه الإعياء وسوء التغذية وعدم النظافة، فالوجوه تميل للاصفرار وشعر الرأس واللحية طويل وأشعث والملابس متسخة، وعن السبب أكدوا أنهم كانوا يحصلون على المياه للشرب بصعوبة، وأنهم لم يغتسلوا طوال الشهرين سوى مرتين أو ثلاثة، وكانوا محتجزين فى عنبر ضيق به 24 سجيناً لا يتسع لهم.
إهمال الخارجية والقنصلية المصرية
أوحت الخارجية المصرية بمجرد نشر خبر احتجاز الصيادين الستة، بأنها تقوم بجهود غير عادية تجاههم من خلال القنصلية المصرية فى بنغازى، وأصدرت أكثر من بيان صحفى وتصريحات حول أحوالهم ورعايتهم ومتابعة قضيتهم، إلا أن الصيادين الستة أجمعوا على عدم صحة كل هذا، واتهموا الجميع بالتخلى عنهم، بما فى ذلك المحامى الليبى الذى حصل على أتعابه مقدماً من صاحب المركب ولم يهتم بالقضية بشكل جيد.
واكتفت القنصلية ببنغازى بقيام أحد موظفيها بالاتصال بمأمور السجن، وطلب الحديث تليفونياً مع ريس المركب، ولم يغير اتصاله شيئاً سوى تسليم الصيادين بطاطين فقط.
ريس المركب أكد لليوم السابع، أن الشخص الذى اتصل به من القنصلية طلب منه بيانات المركب وملابسات ما حدث فقط، ومن وقتها حتى الآن لم يتصل بنا أحد أو يزورنا فى السجن لمتابعة أحوالنا السيئة داخله، ولم يحضر أى مسئول أو موظف صغير التحقيقات فى النيابة أو المحكمة.
سعيد عوض عبد الله صاحب المركب رقم 8 مطروح "حودة يا عسل" هو الوحيد الذى وقف بجانب الصيادين، خلال محنتهم بشهادة الصيادين أنفسهم، حيث قام بتكليف محامٍ ليبى لمتابعة قضيتهم، وكان يتردد عليهم، ويسافر إلى ليبيا لحضور جلسات المحاكمة، وتقديم الدعم لهم، رغم تعرضه للضرر الكبير بسبب إهمال السلطات الليبية الذى أدى إلى غرق مركبه بعد ثلاثة أيام من إنقاذ الصيادين بمعرفة الأهالى، وجر المركب للميناء ثم تركها دون تثبيت تتقاذفها الأمواج حتى غرقت.
يقول سعيد عوض أنه علم بما يتعرض له الصيادون وغيرهم من المصريين داخل السجن أثناء زيارتهم وقت جلسات المحاكمة، ورفض التصريح بذلك خوفاً من تعرضهم للسوء أكثر أو انعكاس ذلك عليهم فى المحاكمة.