وقع المحظور بالفعل وأعلن رئيس الحكومة في لبنان عدم قدرة البلاد على سداد ديونها، فهل يعني ذلك أن لبنان كدولة أشهرت إفلاسها بالفعل؟ وهل تفلس الدول أصلاً؟ وماذا يعني ذلك لمواطنيها؟
ماذا حدث؟
أمس السبت 7 مارس/آذار، أعلن لبنان، على لسان رئيس الوزراء حسان دياب، أنه لا يمكنه دفع ديونه المستحقة في مواعيدها، وعلق سداد 1.2 مليار دولار مستحقة غداً الإثنين 9 مارس/آذار، وهو ما يضع الدولة المثقَلة بالديون على مسار التخلف عن سداد ديون سيادية، في وقت تواجه فيه أزمة مالية كبرى.
وقال دياب في خطاب وجهه إلى اللبنانيين ونقله التلفزيون، إن احتياطيات البلاد من العملة الصعبة بلغت مستويات “حرجة وخطيرة” مع الحاجة لتلبية احتياجات اللبنانيين الأساسية، ودعا إلى مفاوضات “عادلة” مع المقرضين؛ لإعادة هيكلة الديون.
هل هذا الإعلان الصادم مفاجأة؟
كلا، فبعد دقائق فقط من إعلان تشكيل حكومة حسان دياب، ليلة الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني، قال غازي وزني وزير المالية، إن الأزمة المالية والنقدية التي لم يشهدها لبنان «منذ ولادته» تحتاج دعم الداخل والخارج، وأكد أنه يجب على الحكومة أيضاً اتخاذ قرار بشأن سداد مبلغ 1.2 مليار دولار يستحق في مارس/آذار.
ووقتها أكد الوزير أن استحقاق اليوروبوند بعد شهرين، «ويجب أن تأخذ الحكومة قراراً بشأنها، لأن الحكومة السابقة لم تأخذ موقفاً منها ورمت كرة النار هذه» إلى الحكومة الجديدة، مضيفاً أنه إذا استمرت هذه الأزمة فسوف «نصل إلى الإفلاس».
معنى هذا أن تعليق سداد الدين يمثل “إفلاساً”؟
ليس تماماً، حيث إنه إذا تخلفت دولة عن سداد الديون الخارجية المستحقة عليها في موعدها، تكون التداعيات مؤلمة للدولة المدِينة، خاصة لو كان الأمر غير متوقع وغير منظَّم، وتؤثر في اقتصادها بشكل فوري، فضلاً عن تأثيرها السلبي لتصنيفها الائتماني.
لكن قرار الحكومة اللبنانية أنها لن تكون قادرة على السداد في الموعد يجعلها تبدأ مفاوضات مع الدائنين لإعادة جدولة الديون، وهذا بالفعل ما أعلنه دياب، دون أن يقلل ذلك من خطورة الأزمة التي تعتبر أكبر خطر على استقرار لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية، التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990.
ويمثل تخلف لبنان عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية مرحلة جديدة من أزمة مالية تعصف باقتصاده منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأفقدت الليرة نحو 40 بالمئة من قيمتها، ودفعت البنوك إلفى رض قواعد قيدت تعاملات المودعين في ودائعهم وأججت الاضطرابات.
وقال دياب إن الدين العام في لبنان وصل إلى أكثر من 170 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو ما يعني أن البلاد على وشك أن تكون الدولة الأكثر مديونية في العالم، وتابع: “لقد أصبح الدين أكبر من قدرة لبنان على تحمُّله، وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده”.
ومضى يقول: “أمام هذا الاستحقاق، لا يسعنا إلا أن نقف وقفة حق وضمير، لنحمي مصلحة الوطن والشعب. إن احتياطياتنا من العملات الصعبة قد بلغت مستوى حرجاً وخطيراً؛ وهو ما يدفع الجمهورية اللبنانية إلى تعليق سداد استحقاق 9 مارس/آذار من اليوروبوند، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني”، بحسب رويترز.
وأشار دياب إلى أن الدولة اللبنانية ستسعى “إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسَنة النية، مع الدائنين كافة، تلتزم المعايير العالمية المثلى”.
الفساد أشعل الاحتجاجات
بلغت الأزمة المالية أوجها العام الماضي، مع تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع مظاهرات احتجاجاً على الفساد في أجهزة الدولة وسوء الإدارة، وهي الأسباب الجذرية للأزمة، وقال دياب: “نحن اليوم ندفع ثمن أخطاء السنوات الماضية، فهل علينا أن نورّثها لأولادنا وأجيالنا المقبلة؟”.
ولم تكن هناك أي إشارة إلى عملية إنقاذ من دول أجنبية ساعدت لبنان في الماضي، وتصر الحكومات الغربية على أن تجري بيروت أولاً إصلاحات طال انتظارها، لمكافحة الهدر والفساد.
ووصل دياب إلى موقع رئاسة الحكومة في يناير/كانون الثاني، بدعم من جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحلفائها، وبقِي رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، الحليف التقليدي للعرب ودول الخليج العربية خارج الحكومة.
وقال دياب، وهو أكاديمي غير معروف، عندما أصبح رئيساً للوزراء، إن الفساد استنزف الدولة، وهاجم السياسات الاقتصادية التي تم تبنّيها منذ الحرب. وقال إن “الاقتصاد اللبناني غير منتِج بشكل كاف؛ وهو ما يدفعه الى استيراد 80 بالمئة من السلع والخدمات التي يستهلكها؛ ومن ثم نحن نواصل إنفاق الدولارات أكثر من جذبها”.
وأضاف: “أدى ذلك إلى تحول القطاع المصرفي عن دوره الأساسي كمؤثر وممول في الدورة الاقتصادية أساساً، إلى وسيط، يعمل من جهة على استقطاب الودائع بفائدة مرتفعة تجاوزت على الدولار 5 إلى 10 أضعاف مما تقدمه المصارف الأخرى في العالم”، وقال: “لا نحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا. لذا، يجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي”.
وأَضاف: “عاش اللبنانيون أملاً كان وهماً، كأن الأمور على خير ما يرام، في حين كان لبنان يغرق في مزيد من الديون وفوائدها، وضمن ذلك بالعملة الصعبة، حتى تخطى مجموع الدَّين العام 90 مليار دولار بما يشكل نحو 170 بالمئة من الناتج المحلي”.
انعكاس مباشر على المواطنين
ونقل دياب عن البنك الدولي، قوله إن أكثر من 40% من السكان قد يجدون أنفسهم قريباً تحت خط الفقر. ويبلغ تعداد سكان لبنان نحو ستة ملايين نسمة، من ضمنهم نحو مليون لاجئ سوري.
ولدى لبنان ديون بالعملات الأجنبية، يبلغ إجماليها نحو 31 مليار دولار، وقالت مصادر لـ”رويترز” إن الحكومة ستسعى إلى إعادة هيكلة الديون في مفاوضات مع الدائنين، وسيكثف حمَلة السندات اللبنانية الجهود لتشكيل مجموعة تُمثلهم في الأيام القادمة، حسبما ذكر أحدهم، وقال العضو: “ما نفهمه هو أن الحكومة تريد أن تكون معقولة وكذلك يفعل معظم الدائنين. فهم يفهمون أن البلاد في وضع صعب”.
وسعى لبنان للحصول على مساعدة فنية وليس مالية من صندوق النقد الدولي، على الرغم من أن عديداً من المحللين يقولون إن السبيل الوحيد أمام الدولة لتأمين الحصول على دعم مالي سيكون من خلال برنامج لصندوق النقد.
وقال نك إزينجر مدير الأسواق الناشئة ذات الدخل الثابت في “فانجارد” التي تحوز بعض السندات اللبنانية: “انظر الآن إن كان بمقدور حمَلة السندات منع أي اتفاق”، وأضاف: “ليس من الواضح مدى السرعة التي يمكن أن يسيروا بها في طريق إعادة الهيكلة أو تأمين صفقة، لأنهم يحتاجون إصلاحات أولاً أو حتى إصلاحات مواكبة”