في الشام:
1- استقطب الشام في عهد الأمويين عددا من الأخبارين وقد عنيت هذه المدرسة بالأنساب والتاريخ الجاهلي نظرا لاهتمام الأمويين بالعصبية القبلية وقيام سياستهم عليها .
وإلى جانب الأنساب والتاريخ الجاهلي وجد اهتمام بالفتوحات حيث كان الشام مركزا من مراكز الفتوحات العربية الإسلامية وحيث أسهم الأمويون في قيادة جيوش الفتح . وقد تجمع في بلاط معاوية عدد من رواة الفتوحات- ومعاوية نفسه كان من قواد الفتوحات ومن المهتمين بالتاريخ , هذا إلى جانب حاجة الدولة الأموية لمعرفة ظروف الفتح لتنظيم أمور البلاد المفتوحة في الجزية والخراج والجباية .
2- ثم كان من التابعين وتابعيهم من عرف برواية الأخبار في الشام ومنهج:( أبو عثمان الصنعاني) وقد أدرك ( أبا بكر) وشهد اليمامة وفتح دمشق, وقد وصف فتح حمص ودمشق ،( جبير بن نفير الحضرمي) روي فتح قبرص, ثم ابنه(عبد الرحمن بن جبير) روى نزول الروم في اليرموك وقدوم ( خالد ) للشام ، ( علاقة بن كريم الكلابي) كان عارفا بأيام العرب ( عبادة بن نسي) روى غزو معاوية لعمورية ( رجاء بن حيوة) روى استخلاف عمر بن عبد العزيز (عبد الله بن الوليد) روى غزوات معاوية ( عبد الرحمن بن غنيم) روى عن فتح فلسطين وعام الرمادة . وتلاهم طبقة أخرى من الشام ومن القادمين للشام طمعا في مجالسة الخلفاء.
وأكثر الأمويين اهتماما بالتاريخ كان معاوية ثم عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن هشام ثم هشام بن عبد الملك ، ويقال إنه كانت تؤلف الكتب لخزانته في تاريخ الفرس واحداث الإسلام والأنساب .
3- أما عن علماء هذه المدرسة فأهمهم :
عبيد بن شربة الجرهمي الذي أستقدمه معاوية ، و ( يزيد أبن مفرغ ) ثم ( الزهري)و ( عروة بن الزبير ) وقد ترددا على الشام وأقاما فيه ، ثم ( ألاوزاعي ) إمام الشام في الحديث والفقه ، وكان له علم بالسير والمغازى والفتوح ، ثم ( عوانة بن الحكم ) ت 147 وهو مخضرم في الدولتين الأموية والعباسية ، وصاحب أول كتاب يحمل أسم للتاريخ وهو ( كتاب التاريخ ) وله سيرة معاوية وبنى أمية ، وقد روي عنه اللاحقون مثل ( الأصمعي ) و( المدائني ) و ( أبن الكلبي ) وأبو أسحق الفزارى ت 186 وقد تنقل بين العراق والشام ثم استقر في المصيصة أحد الثغور ، وله كتب في السير .
4- وقد أهتم بأخبار الأمويين في هذه المدرسة الشامية بعض الأخبارين مثل :-
( الوليد بن مسلم ) ت 195 قيل أنه ألف سبعين كتابا وكان أعلم بروايات أهل الشام مع علمه بالمغازي وقد تتلمذ للأوزاعي .
ثم تتلمذ عدة من الأخبارين منهم أبنه والعباس بن الوليد و( سعيد بن عبد العزيز ) و ( يونس بن يزيد ) .
وممن أهتم بالأمويين أيضا ( خالد بن هشام الأموي ) وله ( أخبار الأمويين ومناقبهم ).
ومنهم ( أبن أبي السائب ) وله أخبار في جامع دمشق وتاريخها ، وهناك مؤلف مجهول آخر كتب ( البراهيين في إمامة ألأمويين ) ومؤلف آخر مجهول أيضا له ( مغازي معاوية ) .
5- ومن مميزات المدرسة الشامية :
أنها كانت أوسع نظرة إلى التاريخ وقيمته فأضافت للمغازي تاريخ الجاهلين والأمم السابقة مع الفتوح ، ويقال أن أول تدوين تاريخي معروف في الإسلام كان في دمشق حين أستقدم معاوية ( عبيد بن شريه ) الجرهمى وأمر الكتبة أن يدونوا ما يحكيه . ثم أن علم ( التاريخ ) قد أخذ أسمه على يد أحد رجال هذه المدرسة وهو ( عوانة بن الحكم ).
في اليمن :
1- ظهر التنافس واضحا بين القبائل اليمنية والقبائل المضرية الشمالية في العصر الأموي الذي أحيا العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب ، ولأن عرب الشمال فخروا بالنبوة والإسلام والخلافة فأن عرب الجنوب اليمنيين قابلوهم بالفخر بأمجاد الحضارة اليمنية فكان الاهتمام بالتاريخ في المدرسة اليمن منصبا على تاريخ السابقين من اليمن وأهل الكتاب من اليمنيين .
2- ويقف على قمة مدرسة اليمن عالمان من أهل الكتاب يمثلان الثقافة اليهودية هما : ( كعب الأحبار ) و( وهب بن منبه ) وقد أدخلا الكثير من الخرافات على التاريخ والتفسير وعنهما رويت الإسرائيليات . وإلى جانبهما كان ( الهمداني) وهو أكثر منهما صدقا وتحريا وكان ينقل رأسا عن النقوش المكتوبة . ثم ( دعفل بن حنظلة السدوسى ) وهو من مشاهير علماء النسب أدرك النبي ولكن لم يرو أحاديث ، وعاش إلى عصر معاوية ، وقد علم ( يزيد بن معاوية ) النسب والنجوم . وقد تناقل تلاميذه علمه .ثم الحميري ( هشام بن أيوب ) وله ( التيجان في ملوك حمير ) أعتمد فيه على ( وهب بن منبه ) ومع أن هذه المدرسة أدخلت الأساطير والخرافة في الرواية التاريخية إلا أنها وضعت الخطوط الأولى لمدرسة تاريخية إقليمية خاصة باليمن ووجهت الأنظار إلى هذا النوع من التاريخ الإقليمي .
في فارس :
1- قام عليها الموالي من المسلمين والمجوس وغيرهم يحدوهم العمل على أثبات الوجود القومي الفارسى الشعوبى في عصر كان يلهج بمناقب العرب ويتعصب فيه الأمويون للجنس العربي ويتعصب فيه العباسيون لارستقراطيتهم الهاشمية العباسية . ولم تكن الشعوبية وحدها عاملا في نشأة هذه المدرسة بل وجد إلى جانبها رغبة في المعرفة يقويها ما أمتاز به الموالي من حب للمعرفة وحرص على السبق بالعلم والتميز به وتراث طويل في المعرفة قبل ظهور الإسلام .
2- ومن أعلام هذه المدرسة من كان علما للشعوبية وعداء العرب مثل ( الهيثم بن عدي ) و ( أبي عبيدة أبن معمر بن المثني ) و ( علان الشعوبي ) وقد كتبوا في الطعن في العرب وفي فضائل الفرس .
ومنهم من أهتم بالتاريخ الفارسي دون هجوم على العرب مثل ( أبن المقـفع ) ث 142 وقد ترجم أهم كتب الفرس التاريخية ،و (أبان بن عبد الحميد الرقاشي ) وكان كاتبا لمروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين ، وترجم سيرة أنوشروان وازدشير .
3- وواضح أن الترجمة كانت أبرز اتجاهات هذه المدرسة وقد نقلوا للعربية أهم المؤلفات الفارسية في التاريخ والأدب وأهمها : ( خداي تامة ) ترجمة ( أبن المقفع ) تحت عنوان ( سير الملوك) وترجم ( أبن المقفع ) أيضا ( الايين نامة ) في المراسم والتقاليد في البلاط الفارسي ، وترجم ( إسحق بن يزيد ) ( الاخبار نامة ) تحت عنوان سيرة الفرس . كما ترجمت قصص تاريخية وشعبية . وإلى جانب الترجمة كان التأليف على نطاق ضيق ، كما فعل الهيثم بن عدي في كتابيه ( أخبار الفرس ) وتاريخ العجم ، وللأصمعي (أخبار الفرس والعرب) .
4- ولم تمت مدرسة فارس بل استمرت وتفاعلت مع مدرسة العراق وأسهمت في نموها ، وكانت مدرسة فارس النواة التي قام عليها التاريخ الفارسي الذي أستمر حتى اليوم .
هذه المقالة تمت قرائتها 204 مرة