وصلتني الرسالة التالية على بريدي الخاص وغير مذيلة بتوقيع أحد ويبدوا من بريد المرسل (اسم فاعل) الإلكتروني أن أسمه أيمن أمين ، وأحببت أن أنقلها لكم كما هي ثم أكتب ردي على كل كلمة جائت في هذه الرسالة ، حتى يعلم صاحبها وكل من يدعي بحجية السنة (الحديث) والإجماع أننا لا تعوزنا الحجة في الرد على مزاعمهم ، وكل إنسان يقرأ ويفكر أين الزبد وأين ما ينفع الناس؟ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، ثم يختار ويكون مسئولا عن إختياره ، كما قال رب العزة سبحانه &aelوتعالى"وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا" الإسراء13
سأنشر أولا نص الرسالة ثم أقوم بإعادة فقرة فقرة من الرسالة موأتبعهات بالرد عليها متوخيا الوضوح ، نسأل الله العون والتوفيق
نص الرسالة:
شغلتنى حوارات القرآنيين حول رفض الحديث الشريف وإنكاره وخاصة كتب الصحيح التى دارت عن الحديث الشريف والسنة المطهرة و حجتها فى الإسلام دينا و فرائضا وتشريعا..
وقد فهمت تماما رأيك فى عدم الأخذ بها وأسبابك فى ذلك ولا أحتاج إلى إعادتها هنا.. إلا أننى ما أزال عند رأى فى ذلك وقد خطر لى أمس عند قراءتى لإحدى الكتب التى تتكلم عن سيرة الإمام المعظم والملقب بناصر السنة محمد بن إدريس الشافعى أن أعرض عليك حجته كما ذكرها هو بنفسه عندما سئل عن حجية الإجماع أو إتفاق علماء الأمة فى دين الله ..أى ما هو دليله على أن ما اتفقت عليه الأمة هو حجة فى العقيدة والعمل على كل مسلم ..
وأحاول هنا والله المستعان الهادى أن أستدل بما إحتج به هو فى ردى على رأيك و رسالتى إليك من أن جمع الحديث وكتابته هو من الذكر الذى حفظه الله وأن لفظ الذكر الوارد فى الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلناالذِكرَ وإنا له لحافظون" لا يقتصر على القرآن المنزل فقط ولكنه يشمل كل ما ثبت أنه صحيح عن رسول الله واتفقت عليه أمة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن ومنها أمهات كتب الحديث التى تحوى كثيرا من الصحيح وأن كتاب الله وحده قائم بذاته هو حجة فى العقيدة والتوحيد والإيمان وأركانه و شروطه وصفة أهل الجنة وأهل النار ويوم الحساب وتاريخ الرسالات و هو شهادة لله على الناس يوم القيامة ولكن فرائض الإسلام وآدابه وحدوده وأوامره ونواهيه وكل عبادة ذكرها نص القرآن لابد وأن معها سنة صريحة للنبى نقلها إلينا من قيضه الله لحفظها ونقلها ثم تدوينها وكتابتها كموطأ الإمام مالك و مسند أحمد وصحيح البخارى ومسلم على ما افترضوه من شروط لصحة الحديث حسب إجتهادهم.. وواجب على كل مسلم أن يجتهد فى معرفتها و العمل بها سواء كان مقلدا أو متبعا لمذهب فى الفقه أو عالما فيه ولا يحل لمسلم أن يقصر فى ذلك مهما طال به الزمن من نهاية عهد النبوة وإلى قيام الساعة وإليك نص ما قاله الإمام المعظم ثم بعدها أذكر أسباب إستدلالى
حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال : قال المزني أو الربيع : كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف ، وفي يده عكازة ، فقام الشافعي ، وسوى عليه ثيابه ، وسلم الشيخ ، وجلس ، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له ، إذ قال الشيخ : أسأل ؟ قال : سل ،
قال الشيخ: ما الحجة في دين الله ؟
قال الشافعي: كتاب الله.
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: اتفاق الأمة .
قال الشيخ: من أين قلت : اتفاق الأمة ؟
فتدبر الشافعي ساعة ، فقال الشيخ : قد أجلتك ثلاثا ، فان جئت بحجة من كتاب الله ، وإلا تب إلى الله تعالى ، فتغير لون الشافعي ، ثم إنه ذهب ، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر ، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام -أى كان ذا مرض آنذاك -، فجلس ، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ ، فسلم ، وجلس ، فقال : حاجتي ؟
فقال الشافعي : نعم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم .. الآية سورة النساء 115.
قال : فلا يصليه جهنم على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض - من فروض الإسلام التى يحاسب الله عليها المسلم -، فقال : صدقت ، وقام فذهب . فقال الشافعي : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه .
والآن أذكر أسباب إستدلالى:-
0- سأل الشيخ عن الحجة فى دين الله أى المرجع والدليل الذى يقام به الحساب على أعمال الناس فى الحياة الدنيا عند القضاء فى الإسلام و يوم القيامة عند السؤال.
1- أوضح الترتيب الذى أجاب به الشافعى على أن كتاب الله هو الأصل فى التشريع ثم تأتى بعد ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يأتى بعد ذلك إتفاق الأمة.
2- لا حتاج الآن إلى التذكير بأن أمة الإسلام فى كل عصر اتفقت على نقل وإثبات والعمل بكل صحيح ثبت من فعل الرسول أو قوله بداية من الصلاة والطهارة وكيفياتها إلى الزكاة المفروضة والصيام الواجب والحج لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد وأحكامه وحتى الوصايا والبيوع والديات و الجنائز والنكاح والطلاق و النذور و الهبات والكفَّارات وإصلاح المال وكثير لا أحصيه من فروع فقه حديث النبى صلى الله عليه وسلم إنتهاء إلى الكثير من آداب الإسلام كمكارم الأخلاق والشكر و الإعتبار والإخلاص والنية والصبر وذم الكذب وأدب الزيارة و الطعام و إكرام الضيف ودخول الخلاء واليقين والقناعة والعفاف والتوكل على الله فى كل شئ و الورع والتهجد والقيام وآداب الدعاء...
وأقول أنه لولا حفظ السنة وكتابة الحديث الصحيح وجمعه الذى بدأ منذ فجر الإسلام لشك الناس فى آثار النبى و هجرته وغزواته ومكان دفن النبى ولما علم له قبر كسائر الأنبياء من قبل ومكانة الصحابة وفضلهم من المهاجرين والأنصار ولأصبح كل ما تبقى لنا من سيرته حكم وأقوال ومأثورات كحكمة الإغريق واليونان وفلسفات زرادشت وسقراط أو نبوءات نوستراديموس أو ترجمات منقولة محرفة ضاع كثيرها كتبها المفترون بأيديهم كقراطيس التوراة و الأناجيل المتعددة التى قادت اليهود إلى الكفر والإفساد فى الأرض بدعاية أن الله إختارهم من دون الناس واختصهم بحبه و دعت النصارى إلى الشك فى حقيقة وجود المسيح ناهيك عن صلبه ورفعه وحقيقة الأقانيم الثلا ثة التى تهدم إثبات التوحيد لإله واحد أحد وأن رحمة الله ومغفرته هى صكوك تباع وتشترى. ولقد كانت وما تزال الحجة البالغة على كل مسلم يغلى فى صدره الشك فى مصادر السنة النبوية و الحديث هى نفسها حجة يقينه بصحة القرآن الذى تم جمعه وإثباته بالخبر عن الجماعة و الواحد ونقله ثم تصحيفه بعد موت النبى حيث توفى النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة فى عهد ثلاث خلفاء آخرهم مصحف عثمان رضى الله عنه الذى أحرق كل المصاحف إلا واحد ونسخه ثم أرسله إلى الأمصار وهو الذى أجمعت الأمة عليه وبين أيدينا.
فمن شك فى صحيح الحديث و السنة لأنها عن النقل و الأثر وصحتها فى سندها فكيف لا يشك فى القرآن الذى جمعت آياته بالنقل والأثر حتي الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلنا الذِكرَ وإنا له لحافظون" جمعت بالنقل والأثر برواية الجماعة ثم كتبت فى المصحف على الترتيب والموضع الذى أوقف عليه النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة مما حفظوه تلاوة فى صدور الرجال أو أثبتوه كتابة على العُسُب و اللَّخاف والألواح .
ولا أجد أوقع من أن أختم رسالتى إليك بقول مأثور أيضا عن الإمام الشافعى أرجو أن يكون صحيحا حين قال "لولا المَحَابِرُ لخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ على المَنابر" أى لولا السنة الصحيحة المدونة المكتوبة بالمحابر والتى حفظها الله بحفظه للذكر لاعتلى المنابر الزنادقة و الملحدين الزائغة قلوبهم عن الحق يفتون بالجهل فى الدين ويبتدعون فى الإسلام بدعا من الأفعال و الأقوال فيقودون أمما من الناس إلى الكفر ويشاقون الرسول فيما بلغ عن ربه "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم "
أسأل الله العافية لنا ولكم ..
الرد على الرسالة:
يقول المرسل (وقد فهمت تماما رأيك فى عدم الأخذ بها وأسبابك فى ذلك ولا أحتاج إلى إعادتها هنا.. إلا أننى ما أزال عند رأى فى ذلك) ، وهنا أقول الإسلوب العلمي في الرد يستلزم مناقشة الجزئيات وليس الرد بطريقة كلية ، فهو لم يدلل على منطقية أو عدم منطقية رأينا بالأخذ بالقرآن وحدة مصدرا للأحكام الشرعية ولماذا؟ ولكنه قال بفهمه على المجمل ورفضه على المجمل وهذا ليس بالاسلوب العلمي.
ويقول المرسل(وقد خطر لى أمس عند قراءتى لإحدى الكتب التى تتكلم عن سيرة الإمام المعظم والملقب بناصر السنة محمد بن إدريس الشافعى أن أعرض عليك حجته كما ذكرها هو بنفسه عندما سئل عن حجية الإجماع أو إتفاق علماء الأمة فى دين الله ..أى ما هو دليله على أن ما اتفقت عليه الأمة هو حجة فى العقيدة والعمل على كل مسلم ..) ، إذا هو هنا لن يناقش حجية السنة (الحديث) بإعتباره الدليل الثاني للأحكام الشرعية ، ولكنه تخطى ذلك للدليل الثالث للحكم الشرعي ألا وهو (الإجماع) ، ولكنه عاد بعد ذلك وتكلم في حجة السنة وهذا خلط مبتدئين ، ولكن لا بأس فسنسير معه ونرد على كل أدلته بإذن الله.
ويقول المرسل (وأحاول هنا والله المستعان الهادى أن أستدل بما إحتج به هو فى ردى على رأيك و رسالتى إليك من أن جمع الحديث وكتابته هو من الذكر الذى حفظه الله وأن لفظ الذكر الوارد فى الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلناالذِكرَ وإنا له لحافظون" لا يقتصر على القرآن المنزل فقط ولكنه يشمل كل ما ثبت أنه صحيح عن رسول الله واتفقت عليه أمة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن) ، ونفهم من ذلك أن الدليل الذي ساقه الشافعي في كتابه على حجية الأجماع يصلح أن يكون دليلا أيضا على حجية السنه ، لعله دليلا قويا وسنناقشه في حينه لنتين مدى حجية هذا الدليل على صحة الأخذ بالإجماع فضلا عن السنة (الحديث) ، ولكن لقد أعتبر الحديث من الذكر المذكور في قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر9 ، وفهم (الذكر) على أنه القرآن والسنة ، وحجته هنا داحضة لأن الذكر لم يذكر في القرآن ولو مرة واحدة بمعنى السنه أو الحديث ، ولكن جاء ذكره دائما بمعنى (الكتاب المنزل) (توراة ، زبور ، إنجيل ، قرآن) كما أن سياق الآيات في سورة الحجر من الأية السادسة إلي الآية التاسعة ، تتكلم عن كتاب منزل من السماء والآية السادسة في غاية الوضوح قوله تعالى"وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" الحجر6 ، وهو قول الكفار يتكلمون عن ذكر منزل وليس مخترع من قول الرسول عليه الصلاة والسلام ، فكان رد الرحمن عليهم في الآية التاسعة "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ، فهي حصرا تتكلم عن الكتاب المنزل من السماء على قلب الرسول ، وردا على تكذيب الكفار ، فلا أدري كيف يفهمها أهل السنة على أنها دليل وحجة على حفظ السنة بإعتبارها ذكر؟
ويقول المرسل (ومنها أمهات كتب الحديث التى تحوى كثيرا من الصحيح) ، وبذلك يكون قد نقض آخر كلامه أوله ، فكيف حفظ الله السنة بإعتبارها ذكر ثم يقول (تحوي كثيرا من الصحيح) وطبعا بإستخدامه (من) التبعيضية أي أنها لا تحوي كل الصحيح فكيف تكون محفوظة إذا؟
ويقول المرسل(وأن كتاب الله وحده قائم بذاته هو حجة فى العقيدة والتوحيد والإيمان وأركانه و شروطه وصفة أهل الجنة وأهل النار ويوم الحساب وتاريخ الرسالات و هو شهادة لله على الناس يوم القيامة) أقول هذا حق ، كما أنه أي كتاب الله هو حجة في الفرائض أيضا والتي ذكر الأمر بها كلها في القرآن على المجمل وفصلها فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، ووصلنا هذا الفعل تواترا كابرا عن كابر لا يحتاج إلي كتب الحديث لتشرحه لنا ، ولكننا نفعل كل عباداتنا بالتواتر عن آبائنا كابرا عن كابر في سلسلة ذهبية تنتهي برسول الله عليه الصلاة والسلام ، وحتما لا نحتاج إلي قال فلان وأخبر فلان عن فلان والتي في النهاية زادت الأمر إبهاما وأدخلت التحريف على أداء العبادة ، ثم أن تواتر الأداء لم ينقطع من زمن الرسول للآن لأن أداء العبادة مرتبط بزمن الأداء وزمن الأداء متكرر ، فأصبح تواترا متكررا لا يرفضه إلا جاحد أو مخبول.
ويقول المرسل (ولكن فرائض الإسلام وآدابه وحدوده وأوامره ونواهيه وكل عبادة ذكرها نص القرآن لابد وأن معها سنة صريحة للنبى نقلها إلينا من قيضه الله لحفظها ونقلها ثم تدوينها وكتابتها كموطأ الإمام مالك و مسند أحمد وصحيح البخارى ومسلم على ما افترضوه من شروط لصحة الحديث حسب إجتهادهم.. وواجب على كل مسلم أن يجتهد فى معرفتها و العمل بها سواء كان مقلدا أو متبعا لمذهب فى الفقه أو عالما فيه ولا يحل لمسلم أن يقصر فى ذلك مهما طال به الزمن من نهاية عهد النبوة) ، ونقول له نعم كل عبادة ذكرها نص القرآن معها منهاج صحيح للرسول عليه الصلاة والسلام ، لقوله سبحانه وتعالى في الآية 48 من سورة المائدة (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ، أما حفظ المنهاج الذي هو السنة الصحيحة للرسول عليه أصلي وأسلم جاء كما قلت بالتواتر الصحيح غير المنقطع مرتبطا بأزمنة أداء العبادات كما تم التكليف بها ، وهو تواتر كتواتر القرآن سواء بسواء أما كتب الحديث التي ذكرها المرسل ، فتواترها عن النبي عليه الصلاة والسلام منقطع لأكثر من مائة عام ، فأضطر أصحابها لإستحداث السند والذي لم يستقيم لديهم بدون إستحداث علم الرجال والأخير قائم على قاعدة الجرح والتعديل ، ووفقا لقواعدهم في الجرح والتعديل فإنه لا يوجد رجل واحد لم يجرح ، ولما كان الجرح مسبق على التعديل فإن ذلك وحده كافيا لإسقاط كل أحاديثهم ، ناهيك عن أن علم الجرح عندهم هو من قبيل (ذكرك أخاك بما يكره) أي هو الغيبة بعينها ، وإذا عرفت من علم الجرح أن الكثير تم جرحهم لعقيدتهم ، فإن ذلك يعني أن المجرح (إسم الفاعل) إستخدم عقيدته ميزانا في تجريح غيره ، وهو غير دقيق أو عادل لأنه قد يكون العيب في عقيدة (المجرح) بضم أوله وكسر ما قبل آخره , ليس (المجرح) بضم أوله وفتح ما قبل آخره.
ويقول المرسل (وإليك نص ما قاله الإمام المعظم ثم بعدها أذكر أسباب إستدلالى
حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال : قال المزني أو الربيع : كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف ، وفي يده عكازة ، فقام الشافعي ، وسوى عليه ثيابه ، وسلم الشيخ ، وجلس ، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له ، إذ قال الشيخ : أسأل ؟ قال : سل ،
قال الشيخ: ما الحجة في دين الله ؟
قال الشافعي: كتاب الله.
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: اتفاق الأمة .
قال الشيخ: من أين قلت : اتفاق الأمة ؟
فتدبر الشافعي ساعة ، فقال الشيخ : قد أجلتك ثلاثا ، فان جئت بحجة من كتاب الله ، وإلا تب إلى الله تعالى ، فتغير لون الشافعي ، ثم إنه ذهب ، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر ، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام -أى كان ذا مرض آنذاك -، فجلس ، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ ، فسلم ، وجلس ، فقال : حاجتي ؟
فقال الشافعي : نعم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم .. الآية سورة النساء 115.
قال : فلا يصليه جهنم على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض - من فروض الإسلام التى يحاسب الله عليها المسلم -، فقال : صدقت ، وقام فذهب . فقال الشافعي : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه .) ، والملاحظ هنا أن الشافعي في روايته لم يذكر أن السائل سأله عن دليله على حجية السنة النبوية ، بإعتبارها أمرا مسلما به وأقول لو أن السنة هنا هي أداء الرسول للأوامر العبادات في القرآن فهي فعلا مسلما بها ولا تريد دليل على حجيتها ، ونأتي للدليل الذي ساقه الشافعي على حجة الإجماع وهي قول الله سبحانه وتعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" النساء115 .
والعجيب هنا أن الشافعي في الأخذ بهذه الآية كدليل على حجية الإجماع ، إتخذ طريقا يخالف طريقته في الإستدلال والتي إتبعها في تأكيده على أن الإيمان يزيد وينقص في محاججته للأحناف في ذلك ، لأنه أعتبر الواو فاصلة بين قوله تعالى (يشاقق الرسول) وقوله (و) وقوله (يتبع غير سبيل المؤمنين) ، لأنه لو أعتبرها عاطفة فإنه لا يصح الاستدلال بالآية على اتباع سبيل المؤمنين إستقلالا عن إتباع الرسول وعدم مشاققته ، والشافعي نفسه عندما جاءه رجل من الأحناف وقال له يقول تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" البقرة 82 ، وقال له الـ (و) بين (آمنوا) ، (عملوا الصالحات) فاصلة فالإيمان لا يزيد ولا ينقص ، فقال له الشافعي (أتعبد إلاهين يارجل؟) فقال له الرجل (لماذا؟) فقال ألم تسمع قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) ، فلو الـ (و) فاصلة فأنت تعبد إلاهين.
وعلى منهج الشافعي فإن الـ(و) عاطفة أي لا يصح أن تشاقق الرسول من بعد ما تبين الهدى ، وكل مؤمن إتبع الرسول ولم يشاققه فعليك إتباع سبيل المؤمنين في تبين الهدى وعدم مشاققة الرسول ، فتم عطف إتباع غير سبيل المؤمنين على مشاققة الرسول ، فيكون إستحقاق تصلية جهنم لمشاققة الرسول ، ولا تصلح الآية كدليل على حجية الإجماع ، فكان لزاما على الشافعي أن يتوب ويستغفر لا أن يخالف منهجه ليصل لبغيته ويتبع هواه في إتباع ما يسمى بالإجماع ، ثم أي إجماع يدعيه هل هو إجماع علماء السنة أم علماء الشيعة أم علماء الخوارج ، ولو كان إتباع علماء السنة ، فهل فيهم الأشاعرة والماتريدية وعلماء الصوفية وأهل الظاهر ومن وافقهم ، أم يقتصر الأمر على علماء المذاهب الأربعة ، أم نكتفي بعلماء الشافعية ومن وافقهم فقط من علماء باقي المذاهب لنقيم دليلا على حدوث الإجماع ، والحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها أن علماء المسلمين لم يجتمعوا على أمر منذ الفتنة الكبرى وحتى الآن ، فكيف نقيم الحجية على مستحيل؟
وماذا قال الله سبحانه وتعالى عن الإجماع ، جاء لفظ (إجتمع) مرتين في القرآن للدلالة على مستحيل ، وهي قوله تعالى" قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" الاسراء88 ، وقوله تعالى" يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" الحج73 ، ولا داعي لتكرار أن أداة الشرط لو هي حرف امتناع للامتناع أي أنه لن يحدث ، أما ماذا عن إتباع الأكثر ، يقول تعالى" وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون" الأنعام116 ، ويقول تعالى " وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الله عليم بما يفعلون" يونس36 ، ولفظ (أكثر) جاء دائما في القرآن دليلا على الكفر والشرك والضلال وعدم العلم وعدم العقل ، وأستغفر الله العظيم من إتباع أكثر الناس الذي يعني الضلال بعينه كما ذكر في القرآن.
يقول المرسل (لا حتاج الآن إلى التذكير بأن أمة الإسلام فى كل عصر اتفقت على نقل وإثبات والعمل بكل صحيح ثبت من فعل الرسول أو قوله بداية من الصلاة والطهارة وكيفياتها إلى الزكاة المفروضة والصيام الواجب والحج لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد وأحكامه وحتى الوصايا والبيوع والديات و الجنائز والنكاح والطلاق و النذور و الهبات والكفَّارات وإصلاح المال وكثير لا أحصيه من فروع فقه حديث النبى صلى الله عليه وسلم إنتهاء إلى الكثير من آداب الإسلام كمكارم الأخلاق والشكر و الإعتبار والإخلاص والنية والصبر وذم الكذب وأدب الزيارة و الطعام و إكرام الضيف ودخول الخلاء واليقين والقناعة والعفاف والتوكل على الله فى كل شئ و الورع والتهجد والقيام وآداب الدعاء...) ، وهنا خلط شديد بين العبادات والفروض من جهة والمعاملات والأعراف من جهة أخرى ، ونحن في العبادات والفروض مأمورون بإتباع القرآن كشرعة والرسول كمنهاج على نحو ما شرحنا سلفا ، أما المعاملات والعادات والأعراف فهي كلها في المباح الذي يكون الاختلاف فيه بإختلاف الزمان والمكان ، والقرآن لم يأتي ليأمرنا بإتباع منهج حياة أهل الجزيرة العربية بل وأهل الحجاز تحديدا من ألف وأربعمائة عام ، ويؤثم من لا يتبعه ، لأن هذا المنهج في الحياة والمعاملات والعرف العام مرتبط بزمانهم ، ولو أمرنا القرآن بإتباعه فيكون قد حدد لنفسه سقفا معرفيا لفهمه – حاشا لله – أن يكون ذلك كذلك ، فالقرآن فوق الزمان والمكان ، فالبيوع والنكاح والطلاق وغيرها يتبع فيها القواعد الكلية في القرآن الكريم وتختلف تفاصيلها بإختلاف الزمان والمكان ، فعلى سبيل المثال يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) فيكون الوفاء بالعقد هو القاعدة الكلية التي تحكم البيوع أما شروط العقد فتختلف بإختلاف بيئة تحرير العقد ، وهكذا.
ويقول المرسل (وأقول أنه لولا حفظ السنة وكتابة الحديث الصحيح وجمعه الذى بدأ منذ فجر الإسلام لشك الناس فى آثار النبى و هجرته وغزواته ومكان دفن النبى ولما علم له قبر كسائر الأنبياء من قبل ومكانة الصحابة وفضلهم من المهاجرين والأنصار ولأصبح كل ما تبقى لنا من سيرته حكم وأقوال ومأثورات كحكمة الإغريق واليونان) ويحق لي أن أسأل بدوري ما هو فجر الإسلام بالنسبة له؟ هل هو زمن الرسول أم زمن الخلفاء أم العصر الأموي أم العصر العباسي أم الآن؟ هو يستخدم عبارات فضفاضة لأن التحديد سيعري ما يعتقد به لأن بعد مائتين عام من الهجرة لا يعتبر بأي حال من الأحوال فجر الإسلام ، أما (السيرة) والتي قال عنها هو (آثار النبي وهجرته وغزواته) فأقول له هي أخبار تاريخية تحتمل الصدق والكذب ، بل الحقيقة أن الحشو والكذب فيها أكثر مما يحصى ، ولا يؤثر ذلك في إماننا بدين الله الإسلام ، لأن الإيمان قائم على تصديق النص القرآني (كتاب الله) وهو كافي بالنسبة لنا ، أما من كان إيمانه بكتاب الله قائم على إيمانهبالسيرة على ما فيها من صحيح وفاسد وحق وكذب فبإس الإيمان هذا الإيمان ، أما عن قوله (ولأصبح كل ما تبقى لنا من سيرته حكم وأقوال ومأثورات) أقول له وما حاجتنا من سيرة النبي لذلك إن ما نحتاجه من سيرته عليه أفضل الصلاة والسلام القرآن ومنهجه في آداء التكاليف الشرعية وكلاهما محفوظ لنا بالتواتر غير المنقطع.
ويقول المرسل (ولقد كانت وما تزال الحجة البالغة على كل مسلم يغلى فى صدره الشك فى مصادر السنة النبوية و الحديث هى نفسها حجة يقينه بصحة القرآن الذى تم جمعه وإثباته بالخبر عن الجماعة و الواحد) وأقول له سبحان الله مالكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون ، هل تجعل التواتر غير المنقطع منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام كالتواتر المنقطع لأكثر من مائة وخمسين عام ويصل لمائتي عام؟ لا والله لا يستويان وأقول لك قوله تعالى" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم تفلحون" المائدة100 ، والخبيث هنا ليس قول الرسول عليه الصلاة والسلام – حاشا لله – بل التقول على الرسول بما يسمى الحديث وعلومه ، ثم خبر الواحد كما ذكرت يفيد (الظن) والله تعالى يقول " وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الله عليم بما يفعلون" يونس36
ويقول المرسل (ونقله ثم تصحيفه بعد موت النبى حيث توفى النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة فى عهد ثلاث خلفاء آخرهم مصحف عثمان رضى الله عنه الذى أحرق كل المصاحف إلا واحد ونسخه ثم أرسله إلى الأمصار وهو الذى أجمعت الأمة عليه وبين أيدينا.) وأقول له أن هذه المقولة كاذبة ومخالفة لقوله تعالى " وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا" الفرقان5 ، فلو كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكتب ولم يكتب القرآن بنفسه ما قال الكفار (إكتتبها) ولو كانوا كاذبين في قولهم لردهم القرآن وكذبهم في قولهم على طريقة القرآن في الرد على الكفار والمنافقين ، ولكن الله سبحانه وتعالى لم يكذبهم في هذه الجزئية يبقى دليلا على صحتها ، ولكنه كذبهم في قولهم أساطير الأولين بقوله سبحانه وتعالى"قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما" الفرقان6 ، ثم طريقة الرسم الفريدة للقرآن وهي طريقة توقيفية ليست لعثمان ابن عفان ولكنها لرسول الله عليه الصلاة والسلام بالأمر الإلاهي ، وهي تختلف عن طريقة كتابة اللغة العربية في كثير فلو كان جمعه بتصحيفه بعد النبي لأستخدموا فيه طريقة الكتابة العادية للغة العربية.
ويقول المرسل (فمن شك فى صحيح الحديث و السنة لأنها عن النقل و الأثر وصحتها فى سندها فكيف لا يشك فى القرآن الذى جمعت آياته بالنقل والأثر حتي الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلنا الذِكرَ وإنا له لحافظون" جمعت بالنقل والأثر برواية الجماعة ثم كتبت فى المصحف على الترتيب والموضع الذى أوقف عليه النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة مما حفظوه تلاوة فى صدور الرجال أو أثبتوه كتابة على العُسُب و اللَّخاف والألواح .) وأقول له لقد تمت الإجابة على ذلك بإختلاف طريقة النقل والتواتر فهي للقرآن غير منقطعة وللحديث منقطعة فلا يستويان ، وأقول له لو تتبعنا الحديث والأثر في جمع القرآن لوقعنا في الضلال ولقلنا أن القرآن محرف بالنقص لأكل الداجن بعض آياته كما يقول مسلم والبخاري ، وأن سورة الأحزاب كانت أضعاف ما هي عليه الآن وأن آية طلبوها في كتاب الله فلم يجدوها إلا عند واحد فآخذوا بخبر الواحد في القرآن على ما فيه من ظن ، ولكن حاشا لله أن يكون ذلك كذلك بل الرسول عليه الصلاة والسلام كتب القرآن وجمعه برسمه في عصره وبيده الشريفة دون زيادة أو نقصان ووصلنا كما هو والحمد لله على نعمته علينا والحمد لله أن وفقنا لتنزيه كتاب رب العالمين.
ويقول المرسل (ولا أجد أوقع من أن أختم رسالتى إليك بقول مأثور أيضا عن الإمام الشافعى أرجو أن يكون صحيحا حين قال "لولا المَحَابِرُ لخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ على المَنابر" أى لولا السنة الصحيحة المدونة المكتوبة بالمحابر والتى حفظها الله بحفظه للذكر لاعتلى المنابر الزنادقة و الملحدين الزائغة قلوبهم عن الحق يفتون بالجهل فى الدين ويبتدعون فى الإسلام بدعا من الأفعال و الأقوال فيقودون أمما من الناس إلى الكفر ويشاقون الرسول فيما بلغ عن ربه "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم " أسأل الله العافية لنا ولكم ..) ، وأقول له ليس أوقع من أن أختم كلامي بقول رب البشر وليس بكلام البشر مهما كانت منزلتهم ، يقول الحق سبحانه وتعالى "اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" ، أسألأ الله العفو والعافية في الدين والدنيا لنا ولكم ولكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد