المدنيون أغلب ضحاياه.. وحشية سليماني في الشرق الأوسط

في الثلاثاء ٠٧ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

اسم سليماني، مهندس استراتيجية إيران في الشرق الأوسط، غيّر وضع الحرب في سوريا وشدد قبضة إيران على العراق، وكان وراء مقتل كثيرين في الشرق الأوسط بينهم عرب وأميركيون وإسرائيليون.

لم يكن أحد يتخيل نهاية حقبة سليماني، الذي يعد مصمم المحور الشيعي في المنطقة، الذي اختارت الإدارتان الأميركيتان السابقتان عدم استهدافه، مع أنهما حملتاه مسؤولية قتل مئات العسكريين الأميركيين في العراق.

كان عدم استهدافه حينها، لتجنب انتقام إيراني عنيف محتمل.

ومن المؤكد أن الرئيس دونالد ترامب تسلم المعلومات ذاتها التي تفضل عدم ضرب الرجل الأمني الإيراني الأول، لكنه اختار التخلص من سليماني في قرار من شأن تداعياته أن تتردد أصداؤها في الشرق الأوسط لعقود طويلة.

وينظر إلى سليماني في الغرب على أنه قوة سرية تقف وراء حملة الإرهاب العالمي لإيران. وفي عام 2011، أدرجته كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مع مسؤولين إيرانيين آخرين، على قائمة الإرهاب. واتهم سليماني بالتخطيط لقتل السفير السعودي السابق في واشنطن عادل الجبير، كما يعد أحد أبرز أعداء واشنطن الإيرانيين في المنطقة. وأخيرا صنفت الإدارة الأميركية في أبريل الماضي، قوات فيلق القدس التي يقودها سلمياني منذ أواخر التسعينيات، منظمة إرهابية.

برز سليماني بسرعة خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، وكلف منذ عام 1998، بقيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذراع الخارجية للجهاز الأمني الإيراني، وقام بمزج العمل الاستخباراتي مع استراتيجية عسكرية لإنشاء قوات بالوكالة عبر العالم.

كانت سنوات سليماني الأولى في منصبه مخصصة لتوجيه جهود حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، ثم حول "الربيع العربي" ثم الحرب على داعش، سليماني من شخصية تعمل في الخفاء إلى لاعب بارز في الشؤون الجيوسياسية للمنطقة، وفق ما صرح به الرئيس السابق لمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، تمير باردو لنيويورك تايمز.

وأوضح أن "حياة سليماني المهنية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين"، مشيرا إلى أنه "حتى الربيع العربي، كان قائد قوة لديها فروع في العديد من مناطق العالم، نشطة بشكل أساسي في سوريا ولبنان والعراق، لكن في نهاية المطاف إنها منظمة سرية هدفها الأساسي هو الإرهاب".

وفي السنوات الأخيرة، أصبح الرجل الذي نادرا ما كانت صورته تتداول، وجه العمليات الخارجية الإيرانية.

إرث سليماني لا يمكن فهمه إلا من خلال تتبع أثر الدماء التي سفكت عبر المنطقة خلال فترة قيادته لفيلق القدس. فقد أشرف بشكل شخصي على شبكة إرهابية دولية متعددة الوكلاء بمليارات الدولارات، من دون التعرض لأي عقاب.

وأشار مقال على موقع نيو ستيتمان أميركا، إلى حادث شهير يعود لعام 2008، تلقى فيه قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك، الجنرال ديفيد بتريوس، رسالة نصية على هاتف الرئيس العراقي وقتها، جلال طالباني، من سليماني. الرسالة تقول "عزيزي الجنرال بتريوس، عليك أن تعلم أنني، قاسم سليماني، أتحكم في سياسة إيران الخاصة بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان. وبالفعل، فإن السفير في بغداد عضو في فيلق القدس، وإن الشخص الذي سيحل محله عضو في فيلق القدس أيضا".

لكن أهم إرث للرجل الذي قاد تمرد طهران ضد القوات الأميركية في العراق، لم يكن قتل مئات الجنود الأميركيين ولا الاغتيالات السياسية التي دبرها خلال العقدين الأخيرين، بل إن الوحشية غير المحدودة لسليماني تجاه المدنيين في سوريا والعراق هي أبرز ما تركه وراءه.

فقد كان سليماني مسؤولا بصفة شخصية عن مقتل آلاف الأشخاص، بينهم مئات المدنيين العراقيين الذين لقوا مصرعهم برصاص قوات الأمن العراقية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي كانت تتصرف مباشرة تحت أوامره.

وفي سوريا، أسفرت الحملة الإيرانية الضخمة التي أنقذت نظام الأسد من انهيار محتم، عن مقتل وتشريد ونزوح آلاف الأشخاص.

وفي اليمن، لا يبدو الدور المباشر لسليماني واضحا، لكن دعم طهران للمتمردين الحوثيين والذي زاد عقب تدخل السعودية على رأس تحالف في عام 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دوليا، اعتمد التكتيكات ذاتها لقائد فيلق القدس عبر دعم المسلحين المحليين من أجل توسيع التأثير الإيراني أولا ومعاقبة السعودية.

في سبيل الهيمنة الإقليمية، تصرف سليماني بلا رحمة وسفك الدماء في الشرق الأوسط، وفق موقع نيو ستيتمان أميركا، الذي ذكر أنه إذا لم يستطع أن يتقدم عبر سحق البنية التحتية المدنية، كان لديه إمداد غير محدود تقريبا من المجندين الشيعة الفقراء من أفغانستان وباكستان الذين يجبرون على حمل السلاح، حتى يتمكن من إرسالهم عبر الخنادق لشن هجمات بشرية تحاكي تكتيكات اعتمدت في الحرب العالمية الأولى، إلى أن تكسر كل المقاومة. حياة هؤلاء المجندين بالنسبة لسليماني، على يبدو رخيصة مثلما كانت حياة المتظاهرين المدنيين الذين سحقهم، وفق الموقع.

المتظاهرون العراقيون يدركون تماما من كان يعطي الأوامر لقتلهم، ولم يكن مفاجئا رؤية احتفالهم بمقتل سليماني. فقد خرج كثير منهم إلى الشوارع احتفالا بمقتل الرجل الذي يقف وراء سقوط الكثيرين من رفاقهم لمجرد مطالبتهم بحقوقهم في بلدهم.

وفي سوريا أيضا، احتفل مواطنون في إدلب، التي يقطنها ثلاثة ملايين شخص معظمهم نازحون من حلب ودوما وداريا ومضايا وحمص وحماة ودرعا وبلدات أخرى يحمل العنف والتجويع والحصار فيها، بصمات سليماني.

وفيما يحاول المدافعون عن قائد فيلق القدس التركيز على مساهمة الميليشيات والوكلاء الخاضعين لإمرته في الحرب على داعش في العراق وسوريا، ينبغي عدم نسيان أن الرجل احتضن تنظيم القاعدة الإرهابي في وقت سابق، وأن وحشية سياساته في العراق مسؤولة عن خلق الظروف التي احتاج إليها داعش لكي ينجح في إقامة دولته المزعومة، فضلا عن أن قواته نفذت أعمال عنف في غاية الوحشية ضد مدنيين في المناطق التي كانت في قبضة داعش.

سليماني كان طاغية وإرهابيا وقاتلا بالجملة، وقد أصبح العالم أفضل مع رحيله لكنه ليس أكثر أمنا، وفق موقع نيو ستيتمان أميركا.

اجمالي القراءات 1324