نحن لا نملك غير الوضوح

رمضان عبد الرحمن في السبت ٣١ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نحن لا نملك غير الوضوح

في البداية هناك مثل شعبي مصري يقول (اللي ما فيهوش خير لأهله لا يكون له خير في الآخرين) مهما ذهب أو تغرب إلى أبعد الأماكن في الدنيا، يبقى مهموماً بقضايا وطنه ومتأثر بأي حدث لم يكن فيه خير للبلد الذي ولد فيه، متمني لها الرفعة والتقدم في كل شيء، حتى لو كان سبب البعد عن الوطن خلاف في الفكر أو العقيدة أو اضطهاد من النظام، هذا لا يقلل من مخاوفنا على البلد التي أنشأنا الله من تربتها، ومن يشكك في هذا فحسابه على الله، هو يعلم ما بأنفسنا جميعاً ً ويعلم من يريد الخير ويسعى من أجله دون أهداف دنيوية أو ما شابه ذلك، ويعلم الله أيضاً الذين يتصارعون من أجل حطام دنيوي زائل لن ينفع أحد يوم نقف جميعاً أمام الله الواحد الأحد، فنحن كتيار فكري ندعو إلى الإصلاح أو نذكر من يريد أن يتذكر.


ليس بيننا وبين أحد من النظام المصري أو الشعب أي عداء بشتى مؤسساته، التي يتهموننا بالكفر منذ البداية، والتخوين سواء كان المنتمي إلى هذا الفكر في داخل مصر أو خارجها مع الأخذ بالاعتبار أننا لم نتهم أحد في أي كتابات أنه كافر أو خلافه، من ألفاظ لا يقبلها أي إنسان، ودائماً نتسامح مع الذين يسيئون إلينا، وهذا هو مبدأ الإصلاح، لا بد أن تكون متسامح مع الآخرين، حتى لو اختلفت معهم في الفكر أو المعتقد، وهذا ما لا يدركه الكثير عما نقول، فهل من يتمسك بذلك يعد كافر؟!..
ثم أن المنطق يقول أن الذي يكفر ويخون لماذا يشغل نفسه بقضايا بلده أو يذكر الناس بفعل الخير، طالما أنه كفر وخان وأصبح في الأمان على حد قول الذين يستكلفون قراءة حتى مقال، ليعلموا قبل أن يتهموا الناس دون دليل أو برها زوراً وبهتاناً، مستمعين إليهم أصحاب القرار أن ذلك الكلام أو أن هؤلاء الذين يتحدثون عن الإصلاح بهذا الكلام يؤثر على الأمن القومي المصري وهذا خطأ، وليدرك معي أصحاب القرار بكل شفافية أن الذي يؤثر على الأمن القومي هو الجوع والفقر ولا شيء خلاف ذلك، وأن ما يحدث في الصومال وزمبابوي ودارفور ومناطق كثيرة من العالم مزقتها النزاعات، السبب الأول والرئيسي كان الفقر والجوع، فانهارت هذه الدول وأصبحت عصابات لا حاكم فيها ولا محكوم، ندعو الله أن لا نرى أي مكروه في مصر، وأن يفوقوا أصحاب القرار في مصر ليعلموا من الذي يسعى لتظل مصر محروسة من كل سوء، ومن الذي يسعى من أجل نفسه، بالصراع على السلطة وخلافه، مستغل كل نفوذه وإمكانياته لتشويه سمعة المصلحين من أبناء مصر، الذين لم يسعى أحد منهم بالصراع على منصب ما، وأن الكثير يتركون وظائفهم وأوطانهم من أجل كلمة حق بلغة القلم والعقل والمنطق والحوار، والوضوح والتسامح، دون أن يمتلكون أرقام في البنوك والذين يمتلكون الأرقام هم الذين يكذبون على أصحاب القرار وعلى الشعب لتزداد أرقامهم ويزداد اضطهاد المسالمين من وراء هذا الكذب، دون النظر ولو لمرة واحدة من أصحاب القرار لماذا يتهم كل من يتكلم بوضوح بالكفر والتخوين.


فمن هنا أقول إلى أصحاب القرار والمثقفين في مصر، انتبهوا نحن لا نملك إلا الوضوح في الكلام، وأن من يمتلكون الأرقام كما قلت لا هم لهم بأمن مصر ولا بغيره، إلا أن يدافعون عما يمتلكون، وأكبر دليل على ما نقوله أنه الأقرب إلى الحقيقة والواقع هو أن اضطهاد دعاة الإصلاح ما زال مستمر، وهذا يعني أننا نضع أيدينا على الجرح فيتألم منه الجميع، ودائماً وأبداً لا يريد المريض أن يعلم من الطبيب ما لديه من أمراض ليظل عايش في وهمه، فأيهما أفضل للمريض الصراحة والوضوح ليقوم بعلاج نفسه، أم يستمر على المسكن؟!. ثم هل سمعتم يوماً من أصحاب تلك الأرقام أنهم تحدثوا عن الإصلاح أو عن الفقراء، وأن الشيء الوحيد الذي يقدموه بإخلاص هي عدم تقديم النصيحة أو تذكير الناس لوجه الله، لأنهم يعلمون أنه إذا قدمت النصيحة أو قول معروف للناس وكان وراءهم مردود مادي أصبحت لا وزن لها عند الله، وهذا منصوص عليه في كتاب الله عز وجل، قال تعالى:
((اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ)) سورة يس أية 21.
وهنا يقع الإنسان بين خياران إما أن يدافع عن ما يعتقد أنه حق ويدافع عنه لوجه الله، وإما أن يدافع عن زيادة أرقامه فيهاجم الحق من أجل زيادة الأرقام التي سوف تنتهي بنهاية أجله.

رمضان عبد الرحمن علي

اجمالي القراءات 11632