انتشرت عديد من الحملات الداعية إلى مقاطعة المنتجات الصينية؛ على خلفية قمع الصين أقلية الإيغور المسلمة ومنع أفرادها من ممارسة حرياتهم الدينية، كما شهدنا مناصرات لهذه الأقلية من قبل شخصيات معروفة مثل لاعب نادي أرسنال الإنجليزي، مسعود أوزيل.
لكن الإيغور ليسوا الأقلية المسلمة الوحيدة التي تعاني الاضطهاد في العالم، فمن الصين إلى بورما والهند وسيريلانكا هُدمت المساجد ومُنعت الصلوات وقُتل عديد من الرجال والنساء والأطفال، فقط لأنهم مسلمون.
مسلمو الروهينغا.. الطائفة الأكثر اضطهاداً في العالم
ميانمار أو ما تُعرف أيضاً ببورما، دولة في جنوب شرقي آسيا يدين غالبية سكانها بالبوذية، أما الأقلية المسلمة فيها والتي تقطن في إقليم أراكان الواقع على الحدود مع بنغلاديش، فتسمى بالـ «روهينغا».
ينحدر مسلمو الروهينغا من أصول عربية، وفارسية، وملاوية، ومغولية، وباتانية، وعلى الرغم من أن نسبتهم تبلغ 4% فقط من مجموع السكان فإنهم يتعرضون لإبادة جماعية ممنهجة دفعت الأمم المتحدة إلى وصفهم بأنهم الطائفة الأكثر اضطهاداً في العالم.
فقد قُتل عشرات الآلاف من المسلمين في ميانمار على يد الجيش والميليشيات البوذية التي يقودها رهبان متطرفون، كما أُحرقت منازلهم ومساجدهم ومُنعوا من ممارسة حريتهم الدينية.
وبحسب شهادات سجلتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فقد تم توثيق عديد من حالات القتل العشوائي والاختفاء القسري والاغتصاب وقتل الأطفال ونهب وتدمير الممتلكات والاعتقالات التعسفية، جميعها أدت إلى هرب مئات الآلاف إلى بنغلاديش.
وعلى الرغم من أن الإعلام قد بدأ تسليط الضوء على معاناة الروهينغا منذ تفاقم أزمتهم في عام 2012، فإن هذه المعاناة ليست حديثة العهد كما نعتقد.
فالمسلمون في بورما يعانون انتهاكات لحقوق الإنسان منذ عام 1978.
في الهند.. الإله راما ينتصر
الهند، دولة يقطنها نحو سدس سكان العالم، إذ يتجاوز عدد قاطنيها مليار نسمة، ويشكل المسلمون نحو 14% من مجموعهم، وهي نسبة لا بأس بها، إلا أن نسبة تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا تتجاوز 1%.
ولعل الصدام الذي اشتعل في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 في الهند، بسبب مشروع قانون مثير للجدل يقتضي تسريع إجراءات الحصول على الجنسية الهندية للجميع باستثناء طالبي اللجوء المسلمين- ليس أول العهد باضطهاد المسلمين في الهند وإقصائهم.
فلطالما عانى المسلمون الهنود تمييزاً في المؤسسات التعليمية والثقافية، كما أن أفراد هذه الأقلية يصنَّفون بأنهم الأكثر فقراً بين أطياف المجتمع الهندي؛ لانخفاض متوسط الدخل السنوي لمعظم أفراد الأقلية المسلمة.
كما أن التاريخ يروي عديداً من قصص النزاعات بين الهندوس والمسلمين، لعل أعنفها الأحداث التي شهدتها ولاية آسام في عام 1984 والتي أسفرت عن مجازر راح ضحيتها آلاف من المسلمين.
ولا ننسى أحداث مسجد بابري في عام 1992، حيث هدمت عصبة من الهندوس المتعصبين المسجد، وهو ما أشعل أعمال شغب أسفرت عن قرابة ألفي قتيل.
وبعد نزاع قضائي طويل الأمد مع المسلمين الذين طالبوا ببناء المسجد مرة أخرى، قضت المحكمة لمصلحة الهندوس ببناء معبد للإله راما في موقع المسجد.
معسكرات الاحتجاز في الصين
في الصين تعد الأقلية المسلمة ثاني أكبر أقلية إسلامية بآسيا بعد الهند، حيث تبلغ نسبتهم 11% من إجمالي السكان، ويختلفون في أصولهم العرقية، فمنهم تركي الأصل مثل جماعات (الإيغور، الكزاخ، والأوزبك، والتتار وغيرهم)، وأغلبهم يعيشون في تركستان الشرقية والمناطق المجاورة لها.
ومنهم صيني الأصل مثل جماعة (هوي هوي)، أما بقية الجماعات المسلمة في الصين فتنتمي إلى أعراق متفرقة.
معاناة المسلمين في الصين ليست حديثة العهد؛ بل لها جذور تمتد منذ القرن السابع عشر وحتى الآن.
ولعل أكثر الأقاليم التي عانت الاضطهاد، هو إقليم تركستان الشرقية الغني بالنفط والذي كان إقليماً مستقلاً قبل أن تحتله الصين في عام 1949، وتطلق عليه اسم إقليم شينغيانغ أو إقليم إيغور.
منذ ذلك الحين، قام مسلمو الإقليم بعدة ثورات للاستقلال عن الحكومة الصينية، كان آخرها ثورة عام 1966 التي قمعتها الحكومة الصينية بعنف، وأسفرت عن هجرة نحو 250 ألفاً إلى البلدان المجاورة مثل أوزبكستان وأفغانستان.
كما أنها نفذت عديداً من الأحكام التعسفية مثل إغلاق المساجد، وتطبيق قوانين أحوال شخصية لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية، ومنع استخدام الأحرف العربية في الكتابة.
اليوم -كما هو معروف- لا يزال مسلمو الصين يعانون اضطهاداً، ونخص بالذكر الإيغور الذين تمنعهم الصين من ممارسة حريتهم الدينية وشعائرهم من صلاة وصيام، كما تمنع الرجال من إطلاق اللحى والنساء من ارتداء الحجاب، وتضيّق الخناق عليهم، لدرجة أنهم يحتاجون تصريحات أمنية للتنقل بين القرى.
بالإضافة إلى احتجاز أكثر من مليون من الإيغور وأقليات أخرى في ما يسمى بمعسكرات إعادة التأهيل في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين، حيث يتعرضون للتلقين السياسي والتعذيب والضرب والحرمان من الطعام.
المسلمون والتطرف البوذي في سيريلانكا
يشكل المسلمون في سيريلانكا 10% من مجموع السكان، ويعانون -كما يعاني المسيحيون- تطرف وقمع البوذيين الذين يشكلون الأكثرية في البلاد.
فما بين عامي 2012 و2013، تم الإبلاغ عن أكثر من 350 هجوماً عنيفاً على المسلمين، وقد كانت المساجد هدفاً أساسياً لهذه الهجمات.
وبعد فترة بسيطة من الهدوء، عادت أعمال العنف لتتصاعد في عام 2014، حيث هاجم البوذيون منازل ومحلات تجارية يملكها مسلمون، مخلفين قتلى وجرحى.
وفي 5 مارس/آذار 2018، فرضت الحكومة السريلانكية حالة الطوارئ مدة 10 أيام، بعد أعمال شغب وموجة من العنف الموجَّه ضد المسلمين في مدينة كاندي.
وتدَّعي المجموعات البوذية المتطرفة أنها تحمي البوذية، التي تهدِّدها الأقليات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.
لذلك يلجأ البوذيون إلى نشر الخوف بين السكان المحليين، وتصوير الأقليات على أنهم يهددون الهوية البوذية، ويسعون إلى نشر إشاعات تشعل نار الكراهية بين البوذيين والديانات الأخرى مثل أن المسلمين يهرّبون المخدرات، ويروّجون حبوب منع الحمل ضمن خطة تهدف إلى منع تكاثر البوذيين.
ويغتنم الرهبان البوذيون المتشددون مثل «أمبيتيتي سومانا» ومنظمات مثل «مها سوهون بالاكايا» و «بودو بالا سينا» نيران التعصب الديني والكراهية، من خلال التحريض على أعمال الشغب بين المجتمعات البوذية والإسلامية.
وغالباً ما يقود «الرهبان القرويون» البوذيون الهجمات على الأقليات الدينية، ويقال إنهم مجرد بلطجية بوذيون يرتدون ملابس الرهبان، لكن بكل الأحوال لم تتم حتى الآن محاسبة أي منهم.