أفاد مقال لباحثَين دوليين نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية بأن أفريقيا جنوب الصحراء باتت "الأسرع تحضرا" من أي منطقة أخرى في العالم خلال نصف القرن الماضي.
وتعتقد أماكا أنكو وزميلها توشي إيني كالو الباحثان في مجموعة "أوراسيا غروب" -وهي شركة مختصة في إجراء البحوث والاستشارات حول المخاطر السياسية- أن الأحياء الفقيرة في أفريقيا لا تحمل في طياتها نُذُر الفوضى، بل هي "محركات للديمقراطية".
وستصبح أفريقيا في معظم أرجائها –برأي كاتبي المقال- قارة "حضرية" بحلول عام 2040، أي قبل عشر سنوات من بلوغ تعداد السكان فيها 2.1 مليار نسمة حسب التوقعات، وهو ضعف عددهم اليوم.
ويعني ذلك أن ما يزيد على المليار شخص سيعيشون في مدن ضعيفة التمويل ذات بنيات تحتية متهالكة أو غير كافية.
وقد أثارت تلك التوقعات مخاوف من وقوع "كارثة وشيكة". ففي مقاله عام 1994 تحت عنوان "الفوضى القادمة"، تنبأ الكاتب روبرت كابلان بأن أفريقيا ستعاني في القرن الواحد والعشرين من الفوضى والبطالة والعجز الإداري والتوترات العرقية والدينية، والتلوث دونما رقابة.
على أن المراقبين الأكثر تفاؤلا -حسب مقال فورين أفيرز- يرون في زيادة عدد سكان القارة فرصة سانحة لها، ويجادلون بأن التوسع العمراني يمكن أن يفرز منافع إضافية إذا تسنى الحد من المخاطر المصاحبة مثل التلوث والازدحام.
|
تحديات كبيرة
لكنّ أولئك المتفائلين يقرون أيضا بأن تحديات كبيرة ستواجه أفريقيا مستقبلا، وفي أغلب الأحيان، يتجاهل الناس الدور الذي ستلعبه العملية الانتخابية في صياغة مستقبل المدن الأفريقية.
ويرى الباحثان أماكا أنكو وإيني كالو أن القوة السياسية تنتقل مع السكان عند نزوحهم من الأرياف إلى المدن، وأن التحول إلى الحياة المدنية (التحَضُّر) حرّض الشعوب تاريخيا على المطالبة بإخضاع المسؤولين للمحاسبة السياسية.
وضرب الباحثان مثالا على ذلك بحركة الحقوق المدنية الأميركية التي كانت هجرة الأميركيين السود إلى المدن أحد أسباب تأسيسها، فقد سهَّل اكتظاظ تلك المدن بالسكان تنظيم الاحتجاجات الجماهيرية.
وتزامنت ثورات الربيع العربي في 2010-2011 مع تحول غالبية أرجاء شمال أفريقيا إلى وضعية الحياة الحضرية. أما أفريقيا جنوب الصحراء فستصل إلى هذه الوضعية قريبا.
بيد أن الانتقال من الحياة الريفية إلى الحضرية دونه جملة من المشكلات الاجتماعية والسياسية والبيئية، إلا أنه ينطوي كذلك على تحسن في نمط الحكم بأنحاء القارة الأفريقية.
إن سكان الحضر يحصلون، في المتوسط، على تعليم أفضل من نظرائهم في الريف، وهم معرضون أكثر لآراء سياسية متباينة.
كما أنهم يتمتعون بمرافق بنية تحتية أفضل مثل الطرق والكهرباء والمياه الصالحة للشرب والاتصال بشبكة الإنترنت، حتى في الأحياء العشوائية الفقيرة الموارد.
ثلاث دول ديمقراطية
وقد أظهرت دراسة أجراها معهد البحوث الأفريقي (أفرو بارومتر) أن جنوب أفريقيا، ونيجيريا وكينيا- وثلاثتها من الدول الديمقراطية الأكثر اكتظاظا بالسكان في القارة- على درجات متفاوتة تماما من التحضر.
ولطالما كانت جنوب أفريقيا واحدة من أكثر الدول الأفريقية تحضرا، بينما حققت نيجيريا تكافؤا بين الريف والحضر، أما كينيا فلا تزال أبعد بثلاثة عقود من تحقيق ذلك التكافؤ، بحسب دراسة أفرو بارومتر.
ولأن أفريقيا ظلت في غالبيتها قارة ريفية، فإن السياسيين طالما استمدوا قوتهم من سكان الأرياف بتعهدهم بتلبية احتياجات الناخبين الفورية والأساسية عوضا عن صياغة رؤى سياسية واضحة للمستقبل.