سنعرض لأنواع التاريخ التي عرفها المسلمون من تاريخ للجاهليين أو للسيرة النبوية أو الأنساب أو التراجم أو الأخبار أو القصص أو تاريخ الأمم السابقة , وقد عرف علم التاريخ عند المسلمين هذه الأنواع المختلفة للتاريخ منذ أن نشأ هذا العلم في بداية الحضارة الإسلامية إلي أن تطور ونما في العصر العباسي الثاني ، ثم إلي أن ازدهر في القرن التاسع الهجري .
ويهمنا أن تتبع نشأة علم التاريخ وتطوره إلى نهاية العصر العباسي الأول :
التاريخ العربي قبل الإسلام :
1- وصف العرب قبل الإسلام بأنهم ( جاهليون) و( أميون) أي وصفوا بالجهل والأمية ، وهذه صفات نسبية تصدق علي الأغلبية من العرب ، بيد أن بعض العرب عرفوا الحضارة والكتابة وهم أولئك الذين استقروا في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) وعرفوا الزراعة وإقامة السدود والخط المسند وتكوين الدولة والأسرات الحاكمة . ومن الطبيعي حينئذ أن يستخدم ملوك اليمن في الجاهلية معرفتهم بالتدوين في تنظيم أمور دولتهم وحضارتهم , وذلك ما عرف عنهم وكشفته الأبحاث اللاحقة عن حضارة (حمير) في مخلفاتهم وأثارهم من معابد وقلاع وسدود احتوت علي نقوش و كتابات بالخط المسند
2- وبعد انهيار سد مأرب هاجرت قبائل من اليمن إلى جنوب الشام والعراق حيث أسسوا لهم أمارات الغساسنة والمناذرة ، وقد حملوا معهم حضارتهم وثقافتهم ، فكانت لهم كتب ونقوش قرأها بعض المؤرخين قديما وحديثا ، وقد حوت علي أخبارهم . والى قبائل اليمن ينتسب الأوس و الخزرج فى المدينة الذين صاروا فيما بعد يعرفون بالأنصار.
3- أما عرب الحجاز ونجد فقد كان لهم تراثهم الثقافي محفوظا بالمذكرة بالرواية الشفهية التي تتحول بمرور الزمن إلى تراث و(فلكلور شعبي) يحمل (أيام العرب) و " أنسابهم وأشعارهم "
4- ويمكن تقسيم المادة التاريخية للعرب قبل الإسلام إلى نوعين :-
أ- دينية :- من القصص الوثني واليهودي و المسيحي نقله الأحبار والرهبان ، وحفظه العرب بالسماع أو التدوين ، من ذلك ما كان يرويه (الحارث بن كلده) لقريش منافسة منه للنبي في القرآن ، وبعضه يروي تراثا مثل (الأيام) التي تحكي الحروب الهائلة بين القبائل ولا تخلو من المبالغات والخرافات .
ب- أنساب :- وقد قام علي أساسها نظام القبائل عند العرب والقبيلة كانت الوحدة السياسية التي تنسب لها العرب . وهي دولته وحماه والملجأ الذي يدافع عنه . ومع حرص العرب علي أنسابهم إلا أن الخلط وقع فيها خصوصا وأن بعض أعداء العرب حاول العبث بها كما رأينا فيما فعله الشعوبيون أمثال أبي عبيدة والهيثم بن عدى وعلان الشعوبي
العوامل الأولى لظهور التاريخ في الإسلام :
ا ـ ترجع هذه العوامل إلى القرآن وما أثاره من حركة فكرية كما ترجع إلى عوامل سياسية وتاريخية .
فالقرآن الكريم حوي مواضيع تاريخية كثيرة عن بداية خلق آدم ونزوله للأرض وقتل هابيل وتاريخ الأنبياء والأمم السابقة من عرب وعجم فأثار في المسلمين الاهتمام بتاريخ الماضين. ومنهج القرآن الكريم فى القصص هو التركيز على العبرة من القصة دون تركيز على أسماء الأشخاص والمكان والزمان ، ومع تكرار القصص القرآنى فى الموضوع الواحد فان التركيز على العبرة ترك فجوات كثيرة فى الأحداث ، مما كان يثير فضول من يريد معرفة التاريخ من هذا القصص القرآنى ، أى يريد ملء كل الفجوات فى الأحداث ومعرفة الأسماء والزمان والمكان . ولأن القصص القرآنى تعرض لتاريخ معظم الأنبياء الذين ورد ذكرهم فى التوراة فقد كانت التوراة معينا استعان بها المفسرون و الاخباريون فى التعليق على القصص القرآنى .
كما سجل القرآن الكريم جوانب من سيرة النبى محمد عليه السلام من بداية الدعوة في مكة إلى انتصارها النهائي بفتح مكة .
ثم أن القرآن الكريم ذكر بعض القوانين الأساسية في التاريخ الإنساني مثال حتمية الصراع الإنساني وإهلاك القرى وطبيعة الطبقة المترفة في كل عصر . ومواقف المشركين في كل عصر من دعوة الحق ونحو ذلك من قوانين تسري في تاريخ البشر في كل زمان ومكان. وبذلك فأن القرآن الكريم قد أفاد دارس التاريخ في فهم التكوين الإنساني وصراعات البشر وعلاقاتهم المعقدة ، وكل ذلك خلق وعيا بالتاريخ لدى المسلمين وهم يعكفون علي القرآن تلاوة وشرحا و(تفسيرا) .
ب- وقد بدأت الحركة الفكرية عند المسلمين علي تفسير القرآن وما حواه من قصص , وكان القصص بالذات أكثر جاذبية للمسلمين في بداية حضارتهم خصوصا وأن ما جاء بالقرآن من قصص ذكرته ـ مع اختلاف – التوراة ، وكان كثير من أهل الكتاب قد دخلوا في الإسلام في الفتوحات ولهم علم بالكتب السابقة والتدوين فكانوا روادا للحركة الفكرية صبغوها بصبغتهم ومزجوا بين علمهم وقصص القرآن فأتوا بالكثير مما عرف بالإسرائيليات التي دخلت في (التفسير ).
ج- كما أن المسلمين اهتموا بمعرفة أسباب النزول وأمور التشريع الواردة في القرآن وهي مرتبطة بأحداث ومواقف تاريخية فكان البحث التاريخي مما يساعد في فهم الآية ، هذا بالإضافة إلى أن تتبع السيرة النبوية في القرآن أدى الى قيام مدرسة المغازي التاريخية أى رواية ثم تسجيل غزوات النبى محمد عليه السلام .
وقد كانت الحركة العلمية في بدايتها لا تعرف التخصص فدارت حول التفسير والحديث والتشريع والقصص ، مما ساعد علي إفادة التاريخ بالجوانب العلمية المختلفة.
د- كما أن الأحداث الخطيرة في تاريخ الأمة الإسلامية كانت باعثا هاما في الاهتمام بالتاريخ لها مثل الهجرة والغزوات ووفاة الرسول والردة ونظام الاستخلاف والفتوحات .
هـ- وللفتوحات بالذات أثرها الهام في نشأة علم التاريخ ، فالفتوحات ـ فى حد ذاتها ـ حدث تاريخي هام يستحق التسجيل ، ولقد أضافت الفتوحات للمسلمين العرب رعايا من الموالي أصحاب المجد القديم والتراث التليد ، وأولئك حرصوا علي تسجيل مفاخر آبائهم ، ثم إن الفتوحات أعقبها توطيد الحكم الإسلامي بالدواوين والنظم المختلفة من قضاء وخراج وعمال وولاة. وكان لابد للحركة العلمية أن تسد مطالب الامبراطورية العربية الجديدة فنشأ الفقه والرأي واحتاج لتسجيل حوادث الفتح لمعرفة ما إذا كانت البلد مفتوحة عنوة أو صلحا أو شروط المعاهدة وغيرها من أمور تاريخية .
كما أن بعض الخلفاء كمعاوية والمنصور العباسي احتاج لمعرفة سير الملوك السابقين ليتأسى بها في حكم الرعية.
ثم كانت هناك عوامل مساعدة مثل وضع التقويم الهجري في عهد عمر بن الخطاب إذ به توطد التاريخ وجعله ألصق ارتباطا بالإسلام، وعلى أساسه دارت كتب الحوليات فيما بعد .
ثم كان ظهور الورق عاملا مساعدا في التدوين وقد عرف المسلمون الورق في القرن الثاني للهجرة ، وبالورق أمكن تسجيل الحركة العلمية وانتشارها وتداولها وانتهي دور الرواية الشفهية.
وفى مقالة خاصة سنتعرض لصناعة الورق واستعمالاته فى حضارة المسلمين .