خالد البلشي: إلي الرئيس «الإنسان».. والنائب العام «الإنسان».. والعادلي «الإنسان»..

في السبت ٣١ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قادمون
31/01/2009
خالد البلشي
إلي الرئيس «الإنسان».. والنائب العام «الإنسان».. والعادلي «الإنسان».. ومنظمات حقوق «الإنسان»
إقرار..
أقر أنا الموقع أدناه أنني تعلمت الدرس كاملا.. وأنني أدركت كيف أن الله خلقني أقل إنسانية، منكم جميعا.. فأنتم سادتي الذين تتحكمون في إنسانيتنا .. وأنتم الذين بيدكم الأمر لتركنا نعيش أو إصدار الأوامر بقتلنا وتعذيبنا، هكذا اصطفاكم الله فوق رقابنا.. وهكذا رضينا بالهم وسكتنا عليه.. ولابد لنا أن ندفع الثمن.
أيها السادة الجالسون علي رقابنا أتوجه إليكم بهذا الخطاب راجيا أن تخذلونا في إنسانيتكم وإنسانيتنا ولو لمرة واحدة .. ولي أسبابي.. فالخطاب يخص إنسانا مهما أخطأ وتجرأ عليكم- وما أظنه كان قادراً علي فعلها - كان حتي موته واحداً منكم.. وإن وضعته الظروف وقلة حظه وفقره في موقع «السائق» لكبير منكم .. وربما كان شاهدا علي إنسانيتكم في حقنا دون أن يتكلم أو يعترض - وإن توجع يوما لواحد تعذب منا ولم يقدر علي إعلانها- ربما كان ذنبه الوحيد أنه توجع يوما، لكن كما تعلمون حضراتكم فإن الله لم يخلقنا علي شاكلتكم، والضحية في النهاية واحد منا.. ضعيف مثلنا.. والله لم يمنحنا قلوبا بقوة قلوبكم .. فارحموا له ضعف يوم خاصة أن الضعف لم يدفعه يوما للاعتراض علي ما تأتيه أيديكم الطاهرة في حقنا وحقه، وكان كل همه أن يخرج من تحت أيديكم وعلي شهادة خدمته لكم تأشيرة منكم تقول إنه كان «قدوة حسنة».
أعتذر أيها السادة عن الإطالة ولكنها كانت مقدمة لإزالة أي لبس .. ولتدركوا أن قلوبنا لم ترق وتضعف مثله .. فنحن لدينا أبناء نخاف علي حياتنا وأرواحنا من أجلهم .. ولتدركوا أن الرهبة سكنتنا للحد الذي دفع كل رافعي رايات الحقوق والمدافعين عن الإنسان بيننا إلي الاختباء عندما خص الأمر كبيرا منكم وطرفا في جهازكم المفضل أمن الدولة .. بينما تدافعوا للبحث عن قصة أكثر إثارة وأقل تكلفة ربما كان طرفها صغيرا منكم.. فالجميع يعرف أن ديمقراطيتكم لا تسمح بالاقتراب إلا من الصغار منكم.. والجميع أحرص منكم علي حفظ مقامكم ويعرفون أن لنا حدودا ما كان لنا أن نتخطاها إلا بإذنكم هكذا علمتمونا وهكذا نحن مخلصون لعهدكم.
أيها السادة عن مجند كفر الشيخ القتيل ووالده المحزون أحدثكم .. عن قتيل سقط صدفة علي يد واحد منكم حتي لو كثرت صدفكم فينا .. ورغم ذلك نري أنه ووالده أولي بالعناية منا لديكم .
أيها السادة لن أحدثكم عن أشياء إن بدت لكم تزعجكم .. لن أعكر صفوكم وصفو حياتكم بأحاديث عبيطة عن أمه التي كانت تنتظر عودته .. ولا أبيه الفقير الذي لم يترك له الله سندا سواه.. لن أحدثكم عن أنه خدم في محرابكم سنين ثلاثا- فربما استخسرتموه فينا وفي والده وأردتم الاحتفاظ به في قربكم حتي ولو كان ميتا.. وربما أردتم أن ترحموه من العودة لحياتنا في ظلكم. ولن أحدثكم عن فرحته وهو يسافر للمرة الأخيرة راجيا العودة بشهادة إتمام الخدمة ممهورة بختم رضائكم عنه ولا عن أحلامه لغده فأنتم لم تتركوا لنا الباب لحلم قادم وربما ضاقت أحلامه في حدود العودة للوقوف بجانب والده الفقير وأمه البائسة البسيطة حتي ولو وأدت البطالة والفقر كل قدراته علي الوقوف بجانبهم فأردتم أنتم أن ترحموه من الاختبار.. ربي لا تدخل القلب في تجربة.
أيها السادة لخمسة أيام خلت كنت لقصور في عقلي أعترف به.. أظن أن مأساة المجند القتيل وأسرته هي فرصة عظيمة لكم ولكل المزايدين لإظهار إنسانيتكم - ولو من باب تبييض الصورة وسد الذرائع - فالضحية مجند بسيط لا علاقة له بأي عمل سياسي.. وأظنه لم يطرق يوما باب حزب ولا اقترب حتي من مرشح في الانتخابات .. وربما كان من داخله لا يحب هؤلاء الناس الفاضيين الذين يعملون في السياسة بينما يتركونه هو وأمثاله ضحية لظروف حياة صعبة .. بل إنه بحكم تربيته علي احترام الكبار والتماس الاعذار لهم كان يشاركهم الرؤية في أن الرئيس أعزه الله لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، فوالده عجز عن أن يكفي احتياجات بيتهم الصغير فكيف للرئيس أن يلبي احتياجات 70 مليونا.. بل إنه ربماصفق للرئيس عندما صرخ في وجوهنا «أوكلكم منين»، أما والده فلقد وصل به حد الرضا بالمكتوب إلي أنه ذهب ليجد ابنه الذي كان ينتظر عودته بفارغ صبر بعد فراق 3 سنوات ميتا فرضي بما قسمه الله له ولم يفتش عن أسباب الوفاة.. ثم حمل ابنه إلي قبره دون أن يسأل عن الطريقة التي لقي بها ربه.. لكنكم أنتم الذين اخترتم إزعاجه ونغصتم عليه حياته بشهادة وفاة كشفت ان ابنه قتل برصاصة غادرة في عنقه ورغم ذلك لم يطلب الكثير .. لم يطلب ابنه منتصبا من جديد علي باب بيته .. ولكنه طلب حقه في أن يرقد هادئا في قبره وأن يحاسب من قتله. لم يتحرك أكثر من تقديم بلاغ واحتمل تهديدات ومناشدات من المتهم بقتل ابنه ولكنه لم يكن قادرا علي الاستجابة لها فالفقر لم يترك له شيئا يبكي عليه وطموحاته ضاقت في أن يرقد حبيبه مستريحا في قبره ومحاسبة من قتله.
لخمسة أيام ظننت أن مأساة كهذه قادرة علي كسر نواميس المسئولين ولو من باب إثبات أنهم يراعون الحق فينا أو المباهاة في الصحف وأمام أبنائهم أنهم يؤدون ما عليهم .. تصورت أن قصة المجند القتيل ممكن أن تدفع وزير الداخلية للتخلي عن حمايته لرجاله ولو من باب تبييض الصورة وإثبات أنه مازال بداخله قلب ينبض ولو لواحد من أبنائه .. ونسيت أن المتهم هو ابن لجهازه المفضل والأقوي.. ونسيت ضمن ما نسيت أنهم ما عادوا منشغلين بنا ولا بإرضائنا.. وأن هذه الرسائل لا محل لها في قواميسهم فنحن لا نشكل بالنسبة لهم أي شيء.
تصورت أن مأسأة مجند كفر الشيخ فرصة ذهبية لسيادة النائب العام ليعلن للجميع أن كل اتهامات المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية عن صمت النيابة العامة وتواطئها مع ضباط التعذيب كاذبة خاصة أن الطرف الثاني في القضية لم يصمت وسارع إلي المطالبة بحقه وحق ابنه وطرق بابه .. لكن سيادة النائب حتي الآن اكتفي بالصمت وتأكيد الصورة .. ولكني مازال يداخلني شعور بأنه ربما لا يعلم فقررت أن أبعث له بهذه الرسالة.
أما الفاجعة الأكبر بالنسبة لي فكانت في موقف المنظمات الحقوقية والتي ترفع لواء الدفاع عن حقوق الإنسان .. والتي تصورت أن أمامها قصة مكتملة الأركان ومعركة أحق أن تخاض.. فالتهمة مثبتة في شهادة وفاة.. ولم يبق إلا خوض معركة البحث عن الجاني ومن صاحب الرصاصة التي انطلقت لتردي المجند قتيلا، لكن يبدو أن «رضا» وأمثاله لا مكان لهم علي أجندة هذه المنظمات وأنه أفقر وأضعف من أن يتم الاهتمام به.. كما أن قضيته ربما تجلب أوجاعا ومشاكل أكبر من أن يتحملوها.
ورغم أن القصة تم نشرها لأربعة أيام متتالية فإنني قررت أن أبعث بهذه الرسالة إلي هؤلاء جميعا الكل باسمه من الرئيس وحتي أصغر منظمة حقوق إنسان حتي لا يقول أحد غدا لم نكن نعلم أو يتعلل بالجهل

اجمالي القراءات 3698