تحرير الكويت»، و«عاصفة الحزم»، ومهمة «سانتينال»؛ ثلاثة تحالفات عسكرية رئيسة في الخليج العربي تشكلت على مدار 28 عامًا، رسمت السياسات الدولية في المنطقة بالغة الأهمية والغنية بالنفط، وفتحت الباب أمام تحالفات جديدة تفرضها التحولات الجيوسياسية في المنطقة، والتهديدات الأمنية بالغة التعقيد.
وتعد منطقة الخليج العربي، التي تحرس بوابة رئيسة للتجارة الدولية ممثلة في مضيقي هرمز وباب المندب؛ محور التحركات السياسية في الشرق الأوسط منذ تأسيس النظام العالمي الحالي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية في 1991.
وكانت «التهديدات الأمنية» و«التوازنات السياسية» البوصلة التي تأرجحت عليها التحالفات السياسية في منطقة الخليج. فقد كان كل تهديد أمني حال ومفاجئ يمثل بابًا لتشكيل تحالف عسكري جديد، مثلما حدث في التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991، فيما كانت لعبة التوازنات الإقليمية في المنطقة بابًا لتشكيل تحالفات أخرى.
وفي الوقت الراهن باتت الأوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والخليج على وجه الخصوص، عاملًا مساعدًا على بناء تحالفات عربية – عربية، أو عربية – إقليمية، أو عربية – دولية.
ويعكس المشهد الجيوسياسي الراهن في الشرق الأوسط بما يكتنفه من تهديدات أمنية جديدة، تحولات سياسية جوهرية في أدوار القوى الرئيسة وأنماط تحالفاتها وشبكات مصالحها؛ ما ستكون له تداعياته على مستقبل التوازنات الإقليمية في منطقة الخليج.
3 دول كبرى تسعى للتحالف.. هل حان وقت الحديث عن «اتحاد إسلامي» حقيقي؟
لماذا الخليج العربي؟
كان الخليج العربي دائمًا في بؤرة الضوء لوقت طويل بسبب أهميته الجيوسياسية. وبالطبع كان لعامل جيوسياسي معين، أو عدة عوامل، اليد العليا في تحديد أهمية المنطقة في كل حقبة زمنية.
ومنذ سيطرة شركة «الهند الشرقية» البريطانية على منطقة هندوستان التي امتدت إلى الحدود الإيرانية والأفغانية (بدايات القرن 20)، تضاعفت أهمية الخليج الجيوسياسية. وخلال هذه الفترة حاولت بريطانيا السيطرة على المناطق المحيطة بالخليج العربي؛ حتى لا تسمح لأي دولة معادية بالسيطرة على الممر البحري وإلحاق الضرر بمستعمرتها بالغة الأهمية: الهند.
ومع اكتشاف النفط في المنطقة خلال ثلاثينات القرن الماضي، تضاعفت الأهمية الجيوسياسية للخليج العربي، وبدأت القوى الدولية تفكر في كيفية استغلال الثروة النفطية الناشئة، خاصة مع تطور استخدامات الوقود والطاقة.
وفي الوقت ذاته كان الاتحاد السوفيتي يتمدد بشكل سريع، ويبحث عن النفوذ في منطقة الخليج انطلاقًا من أهمية الممر المائي ومضيق باب المندب من الناحيتين التجارية والعسكرية. فيما تآكلت القوة العسكرية والاقتصادية لبريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)؛ ما أدى إلى توافق العالم الغربي على ضرورة استبدال الوجود الأمريكي بالبريطاني في المنطقة.
وبعد أن رسخت واشنطن وجودها في الخليج، ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير، وحظت القوى الإقليمية بأهمية كبيرة؛ واتبعت إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ما يعرف بسياسة «القطبين» للسيطرة على المنطقة، عبر منح إيران والسعودية فرصة قيادتها.
وقبل أربعة عقود اندلع ما يعرف بـ«الثورة الإسلامية» في إيران؛ ما أثار تهديدًا أمنيًا جديدًا في منطقة الخليج العربي، ودفع السعودية، وسلطنة عمان، والكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة لتشكيل «مجلس التعاون الخارجي»؛ لتحقيق التوازن في مواجهة النفوذ الإيراني واحتواء تهديد الثورة الإسلامية. ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، شهدت المنطقة عدة تطورات أمنية بينها ثلاثة حروب رئيسة هي الحرب الإيرانية العراقية، وحرب تحرير الكويت، والغزو الأنجلو – أمريكي للعراق في 2003.
ووفق المعرفة الجيوسياسية فإن هناك عاملين رئيسين يؤثران على أي منطقة في العالم، ومنطقة الخليج ليست استثناء في هذا الصدد. ويتمثل العامل الأول في وجود مناطق جغرافية تدفع أكثر من دول بسيادتها عليها؛ ما يساهم في تصاعد التوتر في المنطقة. وبالفعل كانت الحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت دليلًا على ذلك.
أما العامل الآخر، فيتمثل في وجود ممرات دولية ذات أهمية كبيرة، وهو ما يتوفر في مضيق هرمز. إذ أظهرت المخاوف الدولية من إغلاق هذا المضيق خلال الحروب الأخيرة في المنطقة، ومؤخرًا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران 2017، والتوتر بين البلدين؛ أهمية هذا الممر المائي.
ولذلك فإن العوامل الجيوسياسية المتغيرة في الخليج العربي لا تقتصر فقط على النفط. بالتأكيد كان النفط في الماضي يمثل الوزن الجيوسياسي الرئيس للمنطقة، لكن الوضع تغير نظرًا لتطور تقنيات استخراج النفط والغاز من قبل شركة «شل» في الولايات المتحدة وكندا، واكتفاء الأولى الذاتي من النفط، ما فتح الباب أمام عوامل أخرى مثل التهديدات الأمنية المتمثلة في الإرهاب، والجغرافيا السياسية والتنافس النووي، وتراكم الأسلحة التقليدية المتقدمة، وإنشاء قواعد عسكرية في الدول العربية، لصياغة الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة.
الخليج العربي.. تاريخ من التحالفات والمصالح أيضًا
خلال الـ28 عاما الماضية، دخلت دول مجلس التعاون الخليجي في عدة تحالفات اتخذت أشكالًا متعددة، بينها تحالفات عربية – عربية، وعربية – دولية.
«درع الصحراء».. تحالف عربي دولي لإخراج صدام من الكويت
والبداية كانت من تحالف درع الصحراء في 1991، حيث أدى ضم الرئيس العراقي صدام حسين للكويت في أغسطس (آب) 1990 إلى تشكيل تحالف عربي – دولي تحت قيادة الولايات المتحدة لإخراجه منها، وأطلق عليه إعلاميًا «درع الصحراء»، فيما أطلق عليه المؤرخون حرب الخليج الثانية لتمييزها عن الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.
وتشكل التحالف الدولي من 30 دولة بينها دول حلف شمال الأطلسي «ناتو»، ودول عربية أبرزها مصر والسعودية، واكتسب شرعيته من اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره رقم 678، يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990، والقاضي باستخدام كل الوسائل اللازمة، بما فيها القوة العسكرية، ضد العراق، ما لم يسحب قواته من الكويت.
فيما عرفت منطقة الخليج، حالات لآليات عسكرية مشتركة؛ حيث وقَّعت دول الخليج الست إستراتيجية دفاعية موحدة، كما شكلت قوات درع الجزيرة عام 1982، لتحقيق التوازن العسكري مع إيران.
«عاصفة الحزم».. تحالف عربي إسلامي لاستعادة الشرعية اليمنية
قبل أربع سنوات وبالتحديد في 26 مارس (آذار) 2015، قررت السعودية إنشاء تحالف عربي – إسلامي حمل اسم «عاصفة الحزم» لمساعدة القوات الحكومية اليمنية في استعادة سيطرتها على المناطق التي انتزعها المتمردون الحوثيون، بداية من صنعاء التي سيطروا عليها في سبتمبر (أيلول) 2014، وإنقاذ اليمن من الوقوع تحت سيطرة إيران ممثلة في حلفائها الحوثيين.
ولاقى تحالف «عاصفة الحزم» دعمًا دوليًا هامشيًا، فقد اقتصر كما أُعلن على الإسناد الاستخباراتي واللوجستي من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216؛ الذي منح التحالف غطاءً دوليًّا إضافيًّا.
التحالف الدولي لمكافحة «داعش»
وفي سبتمبر 2014، تشكل التحالف الدولي لمكافحة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، والذي ضم 81 دولة من مختلف مناطق العالم، بما فيها دول الخليج العربي، تحت قيادة الولايات المتحدة. وكان التحالف عسكريًا بالأساس يرمي إلى دحر تنظيم «داعش»، ومواجهة أطماعه التوسعية.
«سانتينال».. آخر سلسلة تحالفات الخليج
في السابع من نوفمبر الفائت بدأ تحالف عسكري بحري بقيادة الولايات المتحدة رسميًا، تتمثل مهمته في حماية الملاحة بمنطقة الخليج من اعتداءات تعرّضت لها سفن واتهمت إيران بالوقوف خلفها. وأطلق على المهمة البحرية اسم «سانتينال»، وتتولى مراقبة طرق الملاحة والممرات المائية وحماية السفن التجارية وناقلات النفط.
كانت واشنطن أطلقت فكرة تكوين «التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية» منذ أربعة أشهر. وبمجرد إطلاق الفكرة، انضم للتحالف ست دول إلى جانب الولايات المتحدة، هي السعودية، والإمارات، والبحرين، وبريطانيا، وأستراليا، وألبانيا.
ويراقب هذا التحالف منطقة حيوية للغاية في الملاحة البحرية؛ فمضيق هرمز يربط بين الخليج العربي والمحيط الهندي، ويمر من خلاله 40% من البترول المنقول بحرًا، وتصدّر السعودية عبره جل نفطها.
كذلك يراقب الملاحة في الخليج العربي، فمضيق باب المندب الذي يقع في المسافة البحرية بين اليمن وجيبوتي له أهمية إستراتيجية بالغة، فهو يفصل بين قارتي أفريقيا وآسيا ويربط بين بحر العرب والمحيط الهندي، ويعد طريقًا تجاريًا أساسيًا بين دول عربية، ودول أخرى مطلة على المحيط الهندي.
وفيما يتعلق بأهداف التحالف، فإن الدول المدافعة عنه والمنضوية تحته، تحمل أجندات أمنية لحماية مصالحها الأمنية والتجارية، خاصة بعد أن هددت الهجمات على ناقلات النفط في الصيف الماضي، مستقبل التجارة ونقل النفط في المنطقة.
وفي يوليو (تموز) الماضي نقلت وكالة الأنباء الألمانية الحكومية عن مسؤول في إحدى شركات النفط في دبي إن «هناك توقعات بتدهور الأوضاع في الخليج بصورة أكبر»، مؤكدًا أن ميناء الفجيرة «يشهد تراجعًا كبيرًا في الطلب بسبب ارتفاع تكاليف التأمين على ناقلات النفط ضد مخاطر الحرب». وأوردت الوكالة خبر وقف إحدى الشركات بشكل مؤقت في الخليج، فيما نقلت «بلومبرج» تصريحات متباينة لتجار يتحدثون عن تراجع حركة مبيعات النفط بين 15 و30%.
لكن إيران في المقابل، تدرك أن مهمة بحرية بهذه الأهداف، تنطوي على محاولة لتقليم أظافرها، خاصة مع تهديدها المستمر بإغلاق مضيق هرمز إذا استمرت الولايات المتحدة في حصارها اقتصاديًا.
سيناريوهات المستقبل.. بين الحرب والردع
لا يمكن فصل مستقبل منطقة الخليج عن التحولات والتحالفات الجيوسياسية الدائرة حاليا، والتهديدات الأمنية التي يحمل تفاقمها مخاوف من تدخلات دولية متزايدة يمكن أن تدخل المنطقة في أزمة أمنية عميقة تمتد لسنوات، خاصة في حال اندلاع حرب كبيرة بين القوى الغربية ودول الخليج من ناحية، وإيران وأذرعها في المنطقة من ناحية أخرى.
وبصفة عامة، هناك أربعة سيناريوهات رئيسة للتحالفات في منطقة الخليج العربي:
- السيناريو الأول: تشكيل حلف خليجي خليجي، عن طريق اتمام التكامل الدفاعي لمجلس التعاون الخليجي ووضع إستراتيجية دفاع موحدة وتشكيل جيش موحد.
- السيناريو الثاني: يتمثل في تشكيل تحالف خليجي غربي، عبر تشكيل قوة عسكرية مشتركة لدول الخليج ودول عربية أخرى.
- السيناريو الثالث: في تحالف خليجي – إقليمي موسع على غرار «عاصفة الحزم»، حيث تكون دول الخليج نواة التحالف إضافة لدول عربية وإقليمية أخرى معنية بأمن دول الخليج مثل: مصر، وباكستان وغيرها.
- السيناريو الرابع: وفقًا للخبيرة الألمانية في شؤون الخليج العربي، سيلجا هاردرز، فيتمثل في تحالف خليجي – غربي، يضم بعض دول الخليج أو كلها، إلى جانب الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية التي تملك مصالح اقتصادية في دول الخليج مثل: بريطانيا، وفرنسا.
وقالت هاردرز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة: إن مستقبل منطقة الخليج في ضوء المعطيات الحالية المتمثلة في التهديدات الإيرانية وانقسام دول المنطقة فيما بينها «ضبابي» ومفتوح على احتمالين:
الأول: «في حال استمرت الأزمة الحالية بين إيران من جهة، والولايات المتحدة ودول الخليج من ناحية أحرى، فإن اندلاع حرب كبرى في المنطقة يظل احتمالًا قائمًا»، مضيفة: «لكن هذا السيناريو سيحمل دمارًا كبيرًا وأزمة اقتصادية عالمية؛ لأن الممرات البحرية الدولية ستتعرض لضربات كبيرة، وستتوقف حركة التجارة ونقل النفط».
الثاني: «تشكيل تحالفات دولية قوية على غرار سانتينال في المنطقة، تقودها واشنطن، يمكن أن تحقق الردع المطلوب لأطماع إيران، والتوازن السياسي في المنطقة، ويجنبها الحرب»