نرى تأثيرها في طريقة تحرك النجوم داخل المجرات، وفي تحرّك المجرات نفسها. وبدون هذا، لم نكن لنتمكّن من شرح نشأة مثل هذه المجموعات الهائلة من المادة المظلمة، وبالتأكيد لم نكن لتمكّنَ من شرح كيفية سريانها في الكون. ولكن ما هي حقيقة المادة المظلمة؟
للأسف حتى الآن لا نعرف.
أهلاً بكم في إحدى أكبر أُحجيات الكون، والأكثر غرابةً أنها تُشكّل معظم الكون.
ما هي المادة المظلمة؟
يشير أفضل ما توصّلنا إليه من قياسات إلى أن حوالي 85% من جميع المواد في كوننا تتشكّل من «مادة مظلمة» مكوّنة من شيء غير الذرّات.
لم تتوصّل التجارب الضخمة، المُجراة تحت الأرض من أجل اكتشاف ماهيّة جزيئات المادة المظلمة وهي تمر بالأرض، إلى رؤية أيّ شيء.
أما تجارب تحطيم الجسيمات التي أُجريت في مصادم الهدرونات الكبير -التي كان يأمل العلماء أن ترشدهم إلى المادة المظلمة- فلم توضح شيئاً هي الأخرى.
وليس من المفترض أن يكون البحث عن مادة مظلمة أمراً يسيراً، لكن لم يتوقع العلماء أن يكون الأمر بهذه الصعوبة.
يقول دان هوبر، رئيس الفيزياء الفلكية النظرية في مختبر فيرمي الوطني الأمريكي «إن عدم الاستدلال على المادة المظلمة يعني أن كثيراً من التفسيرات المحتملة التي كان يميل إليها أشخاص مثلي منذ عقد من الزمان صارت مُستبعدة الآن».
ويضيف في ورقة نشرتها مجلّة New Scientist: «يجبرنا هذا الأمر على إعادة النظر جذرياً في الافتراضات التي لا تتعلّق فقط بطبيعة المادّة المظلمة، بل أيضاً بشأن تلك التي تتعلّق بباكورة تاريخ الكون. إليكم أحدث تطوّر في ملحمة طويلة الأمد: فشلُنا في اكتشاف الجسيمات التي تُشكّل المادة المظلمة يرجح أن بداية الكون ربما كانت مختلفة تماماً عما تصوّرناه من قبل».
لنبدأ بما نعرفه عن هذه المادة.. أو ربما المواد
أولاً: المادة المظلمة ليست مادة ذرية مألوفة، أو أياً من الأشكال الغريبة للمادة التي تكوّن في مصادم الهدرونات الكبير المدفون تحت الأرض بالقرب من مدينة جنيف السويسرية، أو تلك التي تكوّنت في مسرعات الجسيمات الأخرى.
ثانياً: إنها مادة لا تتفاعل مع نفسها، أو مع المادة العادية إلا عن طريق الجاذبية، ويمكنها أن تمر عبر الأجسام الصلبة وكأنها شبحٌ، ولا تنبعث منها أي كميات من الضوء قابلة للقياس بسهولة، ولا تمتصّ الضوء ولا تعكسه.
ثالثاً: إنها مادة غير مرئية، أو تكاد تكون كذلك.
رابعاً: دون وجود مادة مظلمة، فمن غير المرجح أن نكون هُنا. فحين تكوّنت المجرات والعناقيد المجرّية، لعبت المادة المظلمة دور السقّالات: تجمعت في سحب هائلة اجتذبت جاذبيتُها المادةَ العاديّةَ -التي يُشار إليها أيضاً باسم المادة الذريّة- وجمعتها معاً، تلك المادّة التي كانت لتشكّل في نهاية المطاف الجزء المضيء من المجرات.
ومن دون جاذبية المادة المظلمة التي تبقي النجوم في مكانها، كانت النجوم حلقت بعيداً عن مكانها، وفي بعض الحالات كانت ستهرب إلى الفضاء بين المجرات.
وببساطة، كانت العديد من المجرات ستنحلّ.
خامساً: إننا نرى أثرَ المادة المظلمة بعدة طرق أخرى؛ فعلى سبيل المثال، نستدل عليها بالطريقة التي تُحرف بها جاذبية عناقيد المجرات مسارات الضوء الذي يمر بها.
وكيف رصد العلماء وجودها إذاً؟
لعل أفضل دليل على وجود المادة المظلمة يأتي من أنماط درجات الحرارة التي لوحظت في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو الإشعاع الذي خلفه الانفجار الكبير.
تقدم قياسات هذا الإشعاع خريطة توضّح طريقة توزيع المادة في أنحاء كوننا بعد مئات الآلاف من السنين فقط من نشأته (علماً أن عمر الكون 13.8 مليار سنة).
وتقول هذه الخريطة إن كوننا كان موحداً للغاية في مقتبل عمره، مع اختلافات طفيفة فقط في الكثافة.
وبدون عونِ المادة المظلمة، لم تكن هناك طريقة يمكن أن تتجلّى بها هذه الاختلافات في الكثافة بسرعة تكفي لتشكيل المجرات وغيرها من التكوينات الهائلة في الكون الذي نعرفه اليوم.
ما العلاقة بين الانفجار الكوني العظيم والمادة المظلمة؟
قبل عقد من الزمان أو أكثر، اعتقد العديد من علماء الفيزياء أنهم توصلوا لما يُرجّح أن تتكوّن منه المادة المظلمة؛ «إذ ظننا أنها تتألف من تفاعل ضعيف بين الجسيمات الضخمة، أو ما يُعرف باسم اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ» حسبما قال هوبر.
ومثلما يوحي اسمها، فهذه جسيمات ثقيلة نسبياً، وإلى جانب الجاذبية، لا تتفاعل إلا عبر القوة النووية الضعيفة، التي تحكُم أيضاً العمليات دون الذرية.
وبدا وجود اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ حتمياً، لأننا تمكنّا هكذا من فهم كيفية تكوّنها في مهد الكون.
ولكن خلال جزء من مليون جزء من الثانية أو نحو ذلك بعد الانفجار العظيم، امتلأ الفضاء بكامله ببلازما ساخنة كثيفة تضمّ جميع أنواع الجزيئات، بداية من الفوتونات والإلكترونات إلى جسيمات الكواركات العليا وبوزونات هيغز، التي كانت تتكوّن وتتحطّم باستمرار.
لكن مع اتساع الفضاء، كانت درجة حرارة البلازما تنخفض على نحو مطرد.
في النهاية، لم تتمكّن من توفير الطاقة اللازمة لصنع جزيئات أثقل، وتوقّف إنتاجها.
وعندما يحدث هذا لأنواع من الجزيئات، يُدمّر معظمها ويُباد ويتحوّل إلى أشكال أخرى من الطاقة. ويعتمد العدد الباقي منها على طريقة تفاعل الجزيئات وعدد مرات حدوثه.
هل تم اختبار هذه العلاقة مادياً؟
يقودنا هذا التحليل إلى مصادفة سعيدة؛ فلِكي تنتج أنواع جزيئات عن الانفجار الكبير بمستويات توافر مساوية لتلك الموجودة في المادة المظلمة اليوم، يتحتم أن يكون التفاعل عبر قوة تعادل قوة التفاعل النووي الضعيف.
وفيما كانت هناك قوة أكبر تتسبب في إتلاف الكثير من الجزيئات، كانت القوّة الأضعف تسمح للكثير من الجزيئات بالبقاء.
وبخلاف درجات الحرارة التي تتوسّط بين شدّة السخونة وصقيع البرودة، يبدو أن قوّة التفاعل الضعيف بإمكانها شرح كيفية تشكّل المادة المظلمة في خِضمّ حرارة الانفجار الكبير.
لكن هذه القصة تبدو الآن خرافية.
إذا كانت المادة المظلمة تتكون بالفعل من اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ، فيمكننا تقييم مقدار تفاعلها مع المادة الذرية العادية من خلال التفاعل الضعيف، ومن ثم يتسنّى تصميم التجارب لاكتشافها.
وهذه التجارب، الموجودة في مختبرات عميقة تحت الأرض لتفادي قصف الإشعاع الكوني المستمرّ بدأت صغيرة؛ إذ نُشرت مستشعرات لا تزن أكثر من بضعة كيلوغرامات من المواد البلورية، مثل الجرمانيوم أو تنجستات الكالسيوم أو يوديد الصوديوم، التي تتسم بحساسيتها للضوء والحرارة والشحنات الكهربائية الناجمة عن اصطدام اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ مع المادة العادية.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تنامى حجم هذه التجارب بشكل كبير.
وكانت عمليات تكرار هذه التجارب مؤخّراً هائلة؛ إذ استخدم ما يصل إلى أطنان من الزينون السائل لدواعي الاستشعار.
وتتسم تلك التجارب -على غرار XENON1T تحت جبل غران ساسو في إيطاليا، وLUX في ساوث داكوتا، و PandaX-II في سيتشوان، بالصين- بحساسية تفوق بنحو 10 آلاف ضعف تلك الخاصة بأجهزة الكشف عن المواد المظلمة الأكثر تطوراً التي كانت تعمل في عام 2006.
لكن تلك التجارب أيضاً قد فشلت في إيجاد اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ.
رحلة البحث عن الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل
والتجربة الوحيدة التي زعمت أنها اكتشفت شيئاً ما يشبه المادة المظلمة، أُطلق عليها اسم «داما/DAMA»، ويعتقد معظم الباحثين أن الإشارة التي عثر عليها كاشف المادة المظلمة المدفون في جبل غران ساسو بإيطاليا خلال تجربة «داما» كانت ناتجة عن شيء آخر بالتأكيد؛ إذ بحثت العديد من التجارب الأخرى عن أنواع اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ التي كان من الممكن إيجادها، لكنها لم تعثر على شيء.
الدليل الوحيد المُحتمل الآخر لدينا عن حقيقة وجود الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل يأتي في صورة إشارة أشعة غاما غريبة شوهدت تنبعث من وسط درب التبانة.
ولقد رصد العلماء هذه الإشارة في بيانات مأخوذة من تلسكوب فيرمي الفضائي لرصد أشعة غاما قبل أكثر من عقد من الزمان.
واستغرق الأمر سنوات لكي يقتنع الناس بأنه حقيقيٌ، وما زال العلماء -ومنهم هوبر- يخوضون النقاشات بشأن ما إذا كانت أشعة غاما تنتج عن المادة المظلمة، أم عن شيء آخر، لتكون مثلاً مجموعة من آلاف النجوم النيوترونية سريعة الدوران.
وفي وقتنا الحالي، لا يتسنّى لنا التأكد من ذلك.
وبغضّ النظر عمّا يتمخّض عنه هذا الجدل؛ فكلما طالت مدّة بحثنا دون العثور على اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ على نحو مباشر، صِرنا أكثر اضطراراً لمواجهة الاحتمالية المقلقة التي تفترض عدم وجودها.
ومع ذلك، يجب حتماً أن تظل افتراضية المادة المظلمة قائمة، إذ إن التفسيرات البديلة، على غرار تغييرات الجاذبية التي من شأنها إنتاج نوع التأثيرات نفسه، لا تبدو في محلّها.
والآن، إذا لم تكن هناك جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل، فما هو الأمر؟
اكتشاف عالم جديد كلياً
واحد من الاحتمالات هو أن المادة المظلمة يمكنها التفاعل مع أشكال أخرى من المادة والطاقة حتى بمستويات أقل مما تصوّرناه كثيراً، قد يكون هذا فقط من خلال الجاذبية أو بعض التفاعلات الضعيفة لدرجة أننا لم نكتشفها حتى الآن.
وسيكون من الصعب اكتشاف مثل هذه الجسيمات في التجارب التي نجريها من تحت الأرض، وسيصعُّب إنتاجها أيضاً باستخدام مسرعات الجسيمات.
وتكمن المشكلة في أن مثل هذه الجسيمات غير المتفاعلة ربما قد نجت من الانفجار الكبير بأعداد هائلة، وتجاوزت بضراوة وفرة المادة المظلمة في عالمنا اليوم.
لكن إن لم تكن قد تفاعلت بالقدر الكافي، فربما يكون إنتاج تلك الجسيمات بكمّيات هائلة أمراً لم يحدث قطّ في المقام الأوّل.
وبدلاً من ذلك، يكون القدر الوفير منها تكوّن تدريجياً فقط خلال الجزء الأول من الثانية في تاريخ الكون.
ويمكن أيضاً أن تكون المادة المظلمة واحدة من بين أنواع عديدة من الجزيئات التي لا تتفاعل أبداً مع أي شكل من الأشكال التي نعرفها للمادة والطاقة.
وهذا «القطاع المظلم» من الجزيئات ينطوي على قوى وتفاعلات لم نلاحظها من قبل، وتسمح هذه التفاعلات للمادة المظلمة بالتطور بطرق شتّى.
وربما تكون هذه التفاعلات قد استنزفت كمية المادة المظلمة، دون أن تؤدي إلى أي تفاعلات ملحوظة مع المادة العادية.
وقد تصبح جزيئات القطاع المظلم من الكون مرتبطة ببعضها البعض، مُكوّنة نوى مظلمة أو ذرات مظلمة.
وفي يوم من الأيام، قد يتسنّى لنا حتى اكتشاف شيء على غرار الجدول الدوري لعناصر القطاع المظلم.
ولهذا السبب، من بين كل الأفكار الجديرة بالتصديق بشأن المادة المظلمة التي ازدادت شعبيتها في السنوات الأخيرة، ربما هذه الأخيرة هي الفكرة المفضّلة.
تجارب واختراعات لرصد المادة المظلمة
وتتطلّب العديد من الافتراضات البديلة للمادة المظلمة إجراء تجارب مغايرة تماماً لتلك التي صُمِمت بغرض البحث عن اﻟﺠﺴﻴﻤﺎﺕ الضخمة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ؛ ومن الأمثلة على ذلك تجربة المادة المظلمة المكونة من الأكسيونات (ADMX)، التي تجريها جامعة واشنطن في سياتل بالتعاون مع مختبر فيرميلاب.
وتستخدم التجربة مجالات مغناطيسية قوية لمحاولة تحويل نوع مفترض من جسيمات المادة المظلمة المعروفة بـ «الأكسيونات» إلى فوتونات.
يحاول بعض علماء الفيزياء إنتاج مادة مظلمة باستخدام حزم الجسيمات المصممة في الأساس لدراسة النيوتريونات، فيما يُصمم آخرون دوائر إلكترونية قابلة للضبط من شأنها التقاط إشارات موجات المادة المظلمة، مثلما يلتقط الراديو الموجات الكهرومغناطيسية التي تتكون من فوتونات، وهناك حتى أفكار تنطوي على مراصِد موجات الجاذبية.
وقد لا يبدو أن هذه الأفكار تنعم بالكثير من القواسم المشتركة فيما بينها، لكن الدافع وراءها هو اختبار الاحتمالات التي سبق إغفالها في تفسير المادة المظلمة.
والسر حله في الجزء الأول من الثانية في عمر الكون
يوجد ثمة احتمال أكثر دراماتيكية يفكر فيه العديد من علماء الكونيات؛ إذ ترجع مفاجأتنا بشأن عدم تجلّي المادة المظلمة إلى فهمنا الحالي لبدايات الكون؛ فربما نكون قد عجزنا عن رؤية الجسيمات لأن المادة المظلمة مختلفة في حقيقتها عما كنا نتوقعه، أو ربما لأن بدايات الكون تختلف عمّا ظنناه.
وتعتمد كمية المادة المظلمة التي نشأت في الانفجار الكبير ونجحت في البقاء من بعده على كيفية تطور عالمنا الفسيح في شبابه الساخن والمتقلب؛ إننا نعرف الكثير عن تاريخ عالمنا الذي يبلغ 13.8 مليار سنة، ولكننا لم نحظَ بملاحظات مباشرة تتيح لنا دراسة الجزء الأول من الثانية في عمر الكون، وهي اللحظة التي يُعتقد أن المادة المظلمة تشكلت فيها.
إن أحد الاحتمالات التي بحثها هوبر وزميلاه؛ هومان دافوديسل وسام ماكديرموت، هو أن عالمنا شهد فترة قصيرة من التمدد بالغ السرعة خلال هذه الحقبة. ويعتقد العلماء بالفعل أنه خاض شيئاً مماثلاً في بداية نشأته، وهو حدث يعرف باسم التضخم الكوني.
وربما يكون هناك تمددٌ هائلٌ آخر -أقل احتداماً إلى حد ما- قد حدث في وقت لاحق حين كان الكون لا يزال في الجزء الأول من الثانية من تاريخه، ولعل هذا كان من شأنه تخفيف كمية المادة المظلمة في مهد الكون، وهذا بدوره يغير توقعاتنا بشأن مدى قوة تفاعل هذه المادة ومدى صعوبة اكتشافنا لها.
وثمة بديل آخر هو أنه ربما كانت هناك مجموعة من الجسيمات التي اضمحلّت في مرحلة ما من نشأة الكون المبكرة، مما أخفاها فتكوّنت مادة مظلمة.
ويمكن لجسيمات المادة المظلمة التي تكوّنت بهذه الطريقة أن تتفاعل تفاعلاً ضعيفاً للغاية، وهو ما يفسّر ما سبب عدم اكتشافها لفترة طويلة.
الاحتمال الثالث هو أن كوننا ربما مرّ بتغير مفاجئ خلال لحظاته الأولى؛ فلم يكن ما شهده مجرّد تبريد مستمرّ، بل تحوّل وانتقال مرحليّ كامل.
إننا نعلم بالفعل بشأن حدوث تحولين من هذا القبيل تغيرت خلالهما طبيعة الجسيمات وتفاعلاتها خلال الثانية الأولى من الكون، فيما يعرف باسم «QCD and electroweak phase transitions» أي «تحولات مرحلة الديناميكا اللونية الكمومية والقوة الكهروضعيفة».
لكن ربما تكون هناك تحولات أخرى، ويمكن لمثل هذا الانتقال المرحلي في تفاعلات المادة المظلمة التأثير في كيفية تكوين المادة المظلمة في بدايات الكون، مما يغير توقعاتنا من جديد بشأن أنواع التجارب التي ربما تكتشف المادة المظلمة في وقتنا هذا.
ولم يئن الأوان بعد لنقول إن الإجابة الصحيحة هي واحدة من تلك الفرضيات أو بعضها أو إنها ليست من بين ما ذًكِر أعلاه على الإطلاق.
وربما يؤدي هذا التقدم الهائل في التجارب إلى تغيير اللعبة مرة أخرى. لكن الطابع المراوغ العنيد للمادة المظلمة قد أصاب العديد من علماء الفيزياء وعلماء الكونيات بالدهشة والارتباك.
ويحتم هوبر ورقته قائلاً: «ها نحن نعود أفواجاً إلى السبّورات بالطباشير، ونعيد النظر في افتراضاتنا ونراجعها، بغرور مُطأطئ الرأس وتواضع يزيد عن سابقه قليلاً، في محاولة حثيثة لإيجاد طرق جديدة لفهم عالم مظلم وخفيّ للغاية».