أولا
1ـ (الإف بى آى)هو البوليس الفيدرالى الأمريكى الذى تشمل إختصاصاته الجرائم العامة وتعلو سلطته على البوليس المحلى فى كل ولاية .
فى مدينة ديترويت فى ولاية ( ميتشجان )إحترفت عصابة من الأمريكيين السود طريقة طريفة فى السرقة؛كانت تقوم بتجميع معلومات عن العصابات الاجرامية الأخرى ثم تقتحم عليهم مساكنهم وهى متنكرة فى زى (الإف بى آى) ويقيدونهم ويسلبون ما لدى أفراد العصابة من اموال مسروقة أو مخدرات ، ثم يلوذون بالفرار وهم ملثمون. وبالطبع فإن أفراد العصابة المنكوبة لا يستطيعون الشكوى للسلطات.هذه العصابة المتنكرة فى زى (الإف بى آى) كانت أحيانا لا تكتفى بالسرقة ولكن قد تتعدى ذلك إلى القتل والإغتصاب.
وصلت إلى الأف بى آى الأخبار عندما وقعت تلك العصابة فى خطأ فى العنوان ، فدخلت على أسرة عادية فلم تجد لديها شيئا فاغتصبوا فتاة وقتلوا أمها .!!
سمعت هذه القصة فى برنامج (ID ) الذى يختص بذكر وتحليل الجرائم ويستضيف من قام بكشفها. وكان الضابط الأمريكى الشاهد على تلك الجريمة يستعيد الأحداث ودموعه تسيل وهو يحكى حال تلك الفتاة التى إغتصبها الجناة ، وهى تستغيث به وجثة أمها الى جوارها، كان الضابط الأمريكى حزينا وهو يؤكد على واجبه كرجل بوليس فى أن يحمى المواطنيين ، ومع ذلك تقع الجرائم.
2 ـ الثقافة التى نشأ عليها هذا الضابط الأمريكى أن واجبه هو أن يخدم الناس وأن يحميهم : serve and protect ) ). وضابط البوليس الأمريكى ضيف دائم على مدارس الأطفال يشرح لهم مهمته ويؤكد لهم أنه فى خدمة الشعب ، وصديق لكل فرد ، وانه يأخذ مرتبه من الضرائب التى يدفعها الشعب ولهذا فإن ولاءه لهذا الشعب ولكل فرد فى المنطقة التى يخدمها ، ويوصيهم بأن أى طفل منهم لو تعرض لأى إساءة أن يتصل برقم 911 وسيجدهم فورا فى نجدته.
الثقافة التى نشأ عليها هذا الضابط الأمريكى هى احترام المواطن حتى لو كان مجرما ، فهو يتحدث عن المجرمين المدانيين فى تلك القضايا بــ ( السيد فلان ) أو ( مستر كذا ). وحين يستوقف رجل البوليس مواطنا أوحين يقبض على مواطن متلبسا فلا يمكن أن يقول له إلا ( سيدى أو سير).
وفى القبض على المتهم لا بد من التحقق من وجود أدلة كافية تجعل المدعى العام (رئيس النيابة ) يوافق على القبض عليه ، وعند القبض عليه لابد من تلاوة حقوق المتهم ومنها أن له الحق فى أن يظل صامتا وألا يتكلم بما لا يضر بمصلحته ، وأن له الحق فى إستدعاء محامى وإن لم يقدر على توكيل محام فإن الولاية ستعين له محاميا...ولو حدث أى تعسف فى حق المتهم فمن حقه الرجوع على البوليس والمدعى العام بالتعويض.
والمدعى العام (رئيس النيابة ) هو الذى ينوب عن المجتمع معبرا عن حق المجتمع فى المحكمة ضد المتهم بالاضرار فى حق المجتمع وافراد المجتمع .وهو يتولى منصبه بالانتخاب ، وبقاؤه فى منصبه مرهون بكفاءته ونزاهته ، وحوله عيون متفحصة ترقب منه أى هفوة أو زلّة .
وللمحامى ـ الذى يدافع عن المتهم ـ نفس حقوق وكيل النيابة بالمساواة التامة.ولو قصر المحامى فى واجبه فللقاضى أن يطرده ، والقاضى مهمته التأكد من تجلية كل الحقائق المقدمة من المحامى والمدعى العام واتاحة الفرصة للدفاع والادعاء فى إقناع المحلفين حتى يستطيع المحلفون اقتراح حكم فيتلوه القاضى .
هذا الحرص على تحقيق العدالة للأفراد منبعه النظام الديمقراطى نفسه، ليس فقط فى إستقلال القضاء بكل درجاته عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن أيضا فى وجود حرية إعلام وشفافية يستطيع بها أى مظلوم أن يرفع صوته فسرعان ما يصل صوته إلى الجميع ويجد من يناصره من الأفراد والجمعيات والمنظمات.
ثانيا
1 ـ مصر لا ينقصها الكفاءات القانونية ، فهى رائدة النهضة القانونية و التشريعية فى أفريقيا و العالم العربى والاسلامى ، وهى لا تزال ـ حتى الآن ـ عامرة بشيوخ قضاء وفقهاء قانون على أعلى مستوى من النزاهة والنقاء.
وحتى فى الشرطة فهى لا تخلو من ضباط أبناء عائلات محترمة وعلى خلق قويم، تربواعلى الشهامة ، وعرفوا أن واجبهم هو نفس واجب الضابط الأمريكى ليس فى التسلط على الشعب ولكن فى أن ( يخدم ويحمى ).وقد كان هناك شعار قديم يقول ( الشرطة فى خدمة الشعب ).ولا يزال من أجهزة الشرطة قطاعات واجبها الخدمة فقط ، مثل المطافىء والنجدة والمرور والأحوال المدنية والجوازات ...
2 ـ هذه الملامح الإيجابية فى القضاء والشرطة كانت واضحة قبل حكم العسكر عام 1952 .
جاء العسكر فوجهوا أول ضربة للقضاء المصرى متمثلا فى الإعتداء على السنهورى باشا ووجهوا الضربة الاخرى للدستور فتعطل وبدأ حكم الطغيان والطوارىء وانتهى حكم القانون .
حكم العسكر صراحة فى عهد عبدالناصر،ففتح السجن الحربى أبوابه للمدنيين تعذيبا وسحلا ، ثم اكتسب العسكر الحنكة فى الشر بأن ترك الجيش تلك المهمة القذرة للبوليس فتأسست فى مصر الدولة البوليسية لتحمى الطاغية العسكرى ، يقودها جهاز مباحث أمن الدولة بمعاونة فرق مسلحة من الجيش (الأمن المركزى ). وبهذا البوليس (السياسى) وقبضة الأمن المركزى تحولت مصر الى سجن كبير ، وتعززت قبضة أمن الدولة على عنق الشعب، بينما إبتعدت بقية فرق الجيش ومؤسساته لمراقبة الموقف عن كثب ، بحيث لا يتدخل إلا عند عجز البوليس بإجهزته وجيشه. تأكّد هذا الوضع بوصول مبارك الحكم عام 1981،وازداد الحال سوءا مع كل يوم يمر عليه فى السلطة .
3 ـ ترتب على ذلك عدة نتائج سامة أهمها :-
*ــ إنهيار مستمر فى مستوى الكفاءة والنزاهة فى القضاء والشرطة ، وشيوع الفساد فى هذين الجهازين بحيث أصبح النزيه منهم كالقابض على الجمر .
*ــ شيوع ثقافة التعذيب وترسخها لدى القائمين على الشرطة إلى الحد الذى أضاع دور الشرطى فى حماية المواطنين وأضاع إحترافه فى التحرى وكشف الجريمة.
لم يصبح دور الشرطى خدمة الشعب ، فكيف يخدم ضابط الشرطة فردا من الشعب بإستطاعته أن يقبض عليه وأن يعذبه وأن يهينه متى وكيفما يشاء . ولم يصبح مطلوبا من الضابط أن يرهق نفسه فى العثور على المجرم الحقيقى ، وفى البحث عن أدلة الأجرام ، إذ يكفيه أن يقبض على أى شخص وأن يقوم ( بتضييق الخناق عليه ) ، أى تعذيبه فيعترف المسكين بكل شىء وأى شىء فيعترف بأنه هو الذى قتل قيصر وعمر بن الخطاب وكيندى والسادات وبنازير بوتو ... ثم تتولى النيابة أمره ويتوقف مصيره حسب الظروف .
أصبح من الوقوع فى المهالك أن يذهب المظلوم الضحية المجنى عليه إلى قسم البوليس ليشكو ، فربما يكون الجانى وثيق العلاقة بالباشا فى قسم البوليس فيصبح المجنى عليه جانيا ، ويضطر تحت التعذيب الى الاعتراف بأنه الذى قتل وسرق و اغتصب وتاجر فى المخدرات .
وفى كل الأحوال فإن الضابط لن يكلف نفسه التحرك من أجل هذا المواطن الذى يستطيع تعليقه وتعذيبه متى وكيفما شاء ، يتحرك الضابط فقط إذا كانت له مصلحه ، وعندما تكون له مصلحه فلا يهم هنا إذا كان الشاكى ظالما أم مظلوما ، وبالتالى أصبحت الشرطة ليست فى خدمة الشعب بل فى تعذيب الشعب وقهر الشعب ، وأن تقتصر على خدمة الأغنياء أصحاب النفوذ فقط من الشعب ، وليس أمام الفقير المظلوم إلا الابتعاد عن قسم البوليس والرضى بالظلم والدعاء – سرا – على الظالمين .
4 ــ مقابل هذا الفساد والأنهيار فى الأمن الجنائى لأكثر من سبعين مليون مصرى فقد تركز الإهتمام بالأمن السياسى لشخص واحد و الرئيس وأتباعه .
فى سبيل حمايته يصطف الجيش والمخابرات وكل موظفى الدولة والحكومة من حملة السلاح والأقلام وترزية القوانيين والمصفقين فى مجلس الشعب وخارجة ...
وفى سبيل حمايته أصبح الشعب عاريا من الحماية ، بل تتوجه إلى صدور الشعب العارى أسلحة الجيش والشرطة لكى يبقى الرئيس خالدا مخلدا فى الحكم...
ولكن كرسى الرئاسة لو دام للسادات ما وصل إلى حسنى مبارك ، وكل يوم يمضى يقترب بالرئيس مبارك إلى الموت ، ولن تستطيع كل جيوش العالم أن تحمى الرئيس مبارك من الموت الزاحف إليه بسرعة 24 ساعة فى اليوم .
وعندما يموت مبارك لن يجد دموعا تحزن عليه فقد استنفذ الشعب كل الدموع حزنا على ضحايا حسنى مبارك ، فلا يكاد يوجد بيت مصرى إلا وفيه فرد أو أكثر تعرض للاهانة والضرب أوالسرقة والنهب أوالاغتصاب والظلم من شرطة مبارك وجيش مبارك ونظام مبارك . وقد جفت دموع كل أسرة مصرية على ضحاياها الذين سقطوا فريسة لمبارك وأجهزة مبارك.
مبارك إحتكر لنفسه ولأتباعه كل الأمن وكل الثروة وكل السلطة ، وحتى يحتفظ بكل ذلك الى آخر لحظة فى حياته سلط قواته المسلحة والمشلحة على الشعب قهرا وإذلالا وتعذيبا واغتصابا. فكيف سيذرف الشعب عليه دمعة واحدة ؟ .
هانت .. فالحمد لله تعالى فإن ما بقى من عمر مبارك أقل كثيرا مما مضى ،فقد بلغ مبارك أرذل العمر ..والجميع فى مصر يترقبون موته ، ليس مهما عندهم ما سيحدث لهم بعده،فكل شىء يهون مقابل أن يختفى الى الأبد. الى هذه الدرجة بلغت كراهية الشعب المصرى له ، وهو يعلم هذا ، و الشعب يعلم هذا. وكل منهما يتربص بالآخر.. والموت هو القول الفصل .
وهناك أكثر من سبعين مليون مصرى يعيشون كل يوم على أمل وصول مبارك الى لحظة الموت لتنطلق مظاهراتهم تحيى الموت وتهتف (يحيا الموت ) ..
5 ـ ما أروع الموت !!
إنه اللاعب الأكبر فى حياة الشعوب العاجزة عن مواجهة الطغاة ، يقوم الموت بالنيابة عن تلك الشعوب المقهورة بعملية تبادل السلطة فيموت الطاغية ليتولى بعده آخر فيقف له الموت متحفزا . ويحاول الطغاة الهرب من الموت الحتمى بلا جدوى . فليس الموت شيبا فى شعر الرأس يستطيع الطاغية إزالته بالصبغة السوداء ، وليس تجاعيد فى الوجه يمكن مدارتها بالماكياج والمساحيق.
إن حاول الطاغية الفرار من الموت فسيدركه الموت من خلفه:(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) ( النساء 78 ) ، وأن حاول الطاغية الهرب من الموت فسيجد الموت أمامه يقابله (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) ( الجمعة 8 ). لن يستطيع انسان الفرار من الموت فالموت خلفه وامامه ،أى إن الموت فى داخله لا يستطيع منه هربا ،فكيف إذا بلغ ـ فعلا ـ أرذل العمر ؟
وعندما يأتى الموت الى مبارك فلن ينفعه طنطاوى ولا طنطاوى ، لن يستطيع وزير الحربية المشير طنطاوى إنقاذه ، ولن يستطيع شيخ الأزهر الشيخ طنطاوى الشفاعة فيه ..!!
6 ـ جميع الشعوب العربية المقهورة العاجزة تقف فى طابور أمام شباك الموت فى انتظار أن يحل الموت مشكلتها مع الطاغية المتحكم فيها القابض على انفاسها ، وإن آجلا أو عاجلا ستأتى لحظة الاحتضار لكل واحد من الظالمين والفجّار ، وعندها لا فرار ولا مهرب ولا أعذار ، يقول الله جل وعلا : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) ( الأنعام 93 ـ )
7 ـ ودائما ـ وأبدا ـ صدق الله العظيم