الصور التي تعكس «الرفاهية» في السجون المصرية، التي أثارت جدلاً على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الجاري، جاءت في سياق استعداد مصر للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في جنيف، فما هي تلك الآلية التابعة للأمم المتحدة، وهل يمكن أن يكون لها تأثير فعلي على الأرض؟
ماذا تعني المراجعة الدورية الشاملة؟
المراجعة الدورية الشاملة هي آلية تابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تم إقرارها عام 2006، بغرض مراجعة مدى احترام الدول لحقوق الإنسان المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجميع معاهدات حقوق الإنسان التي تكون الدولة قد وقعت عليها والتزمت بما جاء فيها.
وفي إطار هذه الآلية يتم مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل 5 سنوات، على أن تتم مراجعة عدد من الدول كل سنة، خلال ثلاث دورات يعقدها الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، وتخصص كل دورة لمناقشة تقارير 14 دولة، وعادة ما تقام هذه الدورات في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، ثم في مايو/أيار ويونيو/حزيران، ثم أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
كيف تتم عملية المراجعة؟
تتم عملية المراجعة على مراحل، تبدأ بجمع التقارير المتعلقة بحالة حقوق الإنسان في الدولة المعنية، ويتولى تلك الخطوة الفريق العامل المعني بالآلية، وهو تابع لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ويتلقى الفريق العامل تقارير خاصة بحالة حقوق الإنسان من عدة مصادر، مثل المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، سواء غير حكومية أو حكومية.
أي دولة عضو في الأمم المتحدة من حقها المشاركة في إعداد التقرير الخاص بحقوق الإنسان في الدولة المعنية بالمراجعة الدورية الشاملة، ويتولى رئيس مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وفريقه تجميع الملاحظات والتوصيات والأسئلة، وتوجيهها للدولة المعنية، للرد عليها قبل 10 أيام من موعد جلسة المراجعة.
كيف تجري جلسة المراجعة؟
مدة جلسة المراجعة ثلاث ساعات ونصف الساعة، ثلثها للدولة المعنية بالمراجعة، يقوم خلالها الفريق الخاص بالدولة بتقديم تقرير حول حالة حقوق الإنسان في الدولة، والخطوات والإجراءات التي اتخذتها للتعامل مع التوصيات السابقة، ويخصص ثلثا وقت الجلسة للدول المشاركة، التي أرسلت توصيات أو وجهت أسئلة للدولة محل المراجعة.
ومن حق أي منظمات حقوقية مستقلة أن يحضر ممثلوها جلسة المراجعة الشاملة، ولكن ليس لهم حق المشاركة في توجيه شكاوى أو أسئلة أو توصيات.
هل هناك آلية قانونية ملزمة للدول لتنفيذ التوصيات؟
لا توجد آلية قانونية تلزم الدول المعنية بالمراجعة الدورية الشاملة بتنفيذ التوصيات، ولكن يتم رفع تقارير من جانب آلية المراجعة إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتتم مناقشة تلك التقارير في اجتماعات المجلس في مقر الأمم المتحدة، ويمكن لرئيس المجلس رفع توصيات للأمين العام للأمم المتحدة حال إصرار الدولة المعنية على تجاهل التوصيات وعدم الرد عليها، وفي حالة وجود إجماع يمكن عرض الحالة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو حتى مجلس الأمن لفرض عقوبات.
ماذا فعلت مصر استعداداً للمراجعة؟
أمس الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، حضر الوفد المصري اجتماع آلية المراجعة الدورية الشاملة الحالية، وهي المرة الثالثة لمصر منذ تأسيس الآلية، وسبق ذلك اتخاذ مصر لعدد من الخطوات محلياً ودولياً لتخفيف حدة الانتقادات التي توجَّه لها في مجال حقوق الإنسان.
وبحسب تقرير مطوّل لموقع «مدى مصر»، قامت القاهرة بحملة لحشد الدول الصديقة لها للتعليق بشكل إيجابي على سجل مصر الحقوقي، ولكن ذلك لم يمنع دولاً أخرى من توجيه انتقادات وتوصيات لمصر في هذا المجال.
وأعد الملف الرسمي المصري لجنة مُشكَّلة من وزارات الخارجية والعدل والداخلية والتضامن الاجتماعي، وممثلين عن النيابة العامة والمخابرات العامة والأمن الوطني، والمجالس القومية للمرأة، وحقوق الإنسان، والطفولة والأمومة، وترأس عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب الوفد المصري في الاجتماع، والذي ضم إلى جانبه السفير علاء يوسف، رئيس البعثة المصرية لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مندوبين عن وزارات الخارجية والعدل والداخلية.
ما الدول التي وجهت توصيات وانتقادات لمصر؟
بحسب موقع آلية المراجعة الدورية الشاملة تقدَّمت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأسئلة وتوصيات وانتقادات للحكومة المصرية بسبب سجلها الحقوقي، من بينها دول صديقة لمصر، مثل السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والصين، إضافة لكل الدول الأوروبية تقريباً وإريتريا من إفريقيا، وتركزت الأسئلة حول أوضاع المعتقلين السياسيين وحالات الاختفاء القسري والقتل خارج القانون ومحاكمة الأطفال وأوضاع السجون ومراكز الاحتجاز وتقييد حرية التعبير واستهداف المنتقدين للنظام وللرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بصفة خاصة.
المراجعة الدورية لسجل مصر الحقوقي جاءت هذا العام بعد أسابيع من أوسع حملة اعتقالات أمنية شهدها عصر الرئيس عبدالفتاح السيسي، تجاوز عدد المحتجزين فيها 4000 شخص، أُخلي سبيل المئات منهم لاحقاً، كما لا يزال نحو 31 من المدافعين عن حقوق الإنسان ممنوعين من السفر بموجب قرارات من قاضي التحقيقات في قضية منظمات المجتمع المدني التي لم تُغلق حتى الآن.
بينما يستمر القبض على قيادات حزبية وسياسية وحقوقية، من بينها محمد الباقر، مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، وأحد من أسهموا في إعداد تقرير المنظمات الحقوقية المصرية المفترض مناقشته أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة نفسها. وسُئل الباقر عن الجانب الذي أعدته منظمته في التقرير خلال جلسة التحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة، بحسب تقرير مدى مصر.
كيف ردّت مصر على الانتقادات الحقوقية؟
اتَّسم الرد المصري خلال جلسة المراجعة بالتعميم، حيث قال مروان إن القانون المصري يجرم التعذيب، وإن معظم حالات الاختفاء القسري ثبت أنها «غير دقيقة»، بعد أن قدمت وزارتا الداخلية والعدل ومكتب النائب العام ما يثبت أن غالبية تلك الحالات خاضعة للاستجواب، دون تقديم ردود على باقي الحالات، أو تفسير أسباب إخفاء مكان مَن يخضعون للاستجواب عن ذويهم أو محاميهم.
وفيما يتعلق بتقرير المقررة الأممية أغنيس كالامار، الخاص بوفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، التي وصفها التقرير بأنها يمكن أن ترقى إلى «اغتيال تعسفي بموافقة الدولة»، قال مروان إنّ القاهرة تحقق في وفاته، مضيفاً في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية: «لقد توفي الرئيس الأسبق في قاعة المحكمة أمام الجميع».
وذكرت المُقرِّرة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بحالات الإعدام التعسفي في الأمم المتحدة ومجموعة خبراء الأمم المتحدة المعنية بمسألة الاحتجاز التعسفي، أنّ مرسي كان محتجزاً في ظروف «قاسية جداً» خلال فترة سجنه لمدة خمس سنوات في سجن طره، وأنّ وفاته يمكن أن ترقى إلى «اغتيال تعسفي بموافقة الدولة».
ما علاقة زيارات السجون بجلسة المراجعة؟
جلسة المراجعة تفسر ما يمكن تسميته بحملة العلاقات العامة التي قامت بها السلطات المصرية في الأيام الأخيرة، من زيارات لأعضاء من مجلس النواب وأعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان لبعض السجون، ونشر صور تُظهر مدى «الرفاهية التي يتمتع بها المسجونون في مصر، وهو ما أثار عاصفة من السخرية على منصات التواصل الاجتماعي.
كما نشرت وزارة الداخلية، أمس الأربعاء، خبراً عن السماح لمراسل قناة الجزيرة محمود حسين بالخروج من محبسه بسجن طرة في القاهرة، رفقة الحراسة اللازمة، لأداء صلاة الجنازة وحضور مراسم دفن والده المتوفَّى، وأرفقت صورة مع الخبر الذي بثته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، بدأته: «في لفتة إنسانية ومبادرة من وزارة الداخلية…»
يرى غالبية المراقبين لأوضاع حقوق الإنسان في مصر أن التصريحات الرسمية والزيارات التي يتم ترتيبها للسجون وغيرها من الإجراءات لا تزيد عن كونها مجرد حملة علاقات عامة، هدفها تخفيف حدة الانتقادات خلال جلسة المراجعة الدورية الشاملة، وليست توجهاً حقيقياً لدى السلطات المصرية لاتخاذ خطوات جدية من شأنها وقف التعذيب والاعتقال والاختفاء القسري وملاحقة المعارضين والتضييق على حرية التعبير، وغيرها من الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور المصري، والاتفاقات الدولية التي وقَّعت عليها مصر.
وعلى الرغم من أن آلية المراجعة الشاملة التابعة للأمم المتحدة لا تحمل صفة إلزامية لتنفيذ التوصيات أو فرض عقوبات على مصر، حال فشلها في تقديم ردود شافية على الأسئلة والانتقادات، تسعى القاهرة لحشد لوبي صديق بعد أن أصبح سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان مصدر إحراج دولي يلاحق المسؤولين المصريين في التجمعات الدولية والاجتماعات الأممية.