مظاهرات إسلامية حاشدة ضد عمران خان.. هل تشهد باكستان ثورة؟

في الأربعاء ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

عمران خان هو الحاكم الأقل كفاءة في تاريخ بلادنا السياسي، والإطاحة به ضرورية؛ لتجنيب البلاد والعباد المزيد من المصاعب»؛ هكذا خاطب زعيم «جمعية علماء الإسلام» آلاف المتظاهرين الإسلاميين الذين تجمعوا مطلع الشهر الجاري في العاصمة إسلام آباد بعد مسيرةٍ استمرت أيامًا للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء عمران خان.

لماذا يطالب المتظاهرون باستقالة خان؟

يوجه المحتجون أربعة انتقادات محورية لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان:

(1) ينفِّذ أجندة خارجية

تتهم جمعية علماء الإسلام – ضمن تحالف يضم سبعة أحزاب لديها 16 مقعدًا من مجموع 342 مقعدًا في مجلس النواب – رئيس الوزراء – الذي تولى منصبه صيف 2018 – عمران خان بـ«تنفيذ أجندات خارجية لا تخدم مصلحة باكستان». 

(2) وصل إلى السلطة بالتزوير

تصر المعارضة على أن الانتخابات التي أوصلت خان إلى السلطة «مزورة»، وتطالب بإجراء «انتخابات جديدة حرة ونظامية»، لكن بالنظر إلى أن حزبه لم يظهر على الساحة الوطنية إلا في عام 2013، فإن حجم النصر الذي أحرزه في انتخابات 2018 «يقول شيئًا ما»، على حد قول الباحثة مديحة أفضل في معهد بروكنجز، مضيفة: «من الصعب إنكار أن خان حشد شعبية حقيقية، وأحرز نصرًا حقيقيًا». 

(3) يحظى بمحاباة الجيش

تتهم المعارضة الجيش بمحاباة حركة الإنصاف الحاكمة، وتقول: إن القوات المسلحة تدخلت في السباق الانتخابي لصالح عمران خان، بعد خلافها مع الحزب الحاكم السابق بقيادة نواز شريف، الذي يشكو حزبه من أنه لم يُمنح فرصة متكافئة في الفترة التي تسبق انتخابات يوليو (تموز) 2018.

 بيد أن الباحثة مديحة أفضل تعتبر أن ما تمخضت عنه الانتخابات الباكستانية الأخيرة «قصة يجب دراستها بما يتجاوز دعم الجيش».وترى أنها «تعكس التغيير الذي شهدته باكستان، على مستوى التركيبة السكانية، والدعم الذي حصل عليه خان في صفوف الناخبين الشباب وسكان الحضر».

(4) لم يفِ بتعهداته الإصلاحية

يقول النقاد: «إن عمران خان لم يستطِع حتى الآن الوفاء بالتزاماته، وعلى الرغم من أنه أطلق حملة تقشفية لخفض النفقات الحكومية، إلا أن هذه الخطوة كانت سطحية إلى حد كبير»، متهمين فريق رئيس الوزراء بعدم امتلاك خطة اقتصادية حقيقية لإصلاح القضايا الهيكلية الخطيرة في باكستان.

 

من أين تستمد هذه الاحتجاجات أهميتها؟

هذه المظاهرات التي وصفها شامل شمس في تقرير نشرته «دويتشه فيله» بأنها «تحدٍ سياسيّ قاسٍ» لرئيس الوزراء الذي وصل إلى السلطة بأغلبية متواضعة، تتميِّز بثلاثة أمور رئيسة:

أولًا: أنها أول حركة احتجاجية واسعة ضد حكومة عمران خان، الذي وصل إلى السلطة صيف 2018. وفضل الرحمن يدرك ذلك، لذلك صرح أمام أنصاره بأن «(مسيرة الحرية) تحولت إلى حركة وطنية، ولا بد أن تنجح». وأضاف: «من كراتشي إلى لاهور وإسلام آباد، قرر الناس أنه لم يعد هناك مجال لهذه الحكومة».

ثانيًا: أن المظاهرات لم تخرج فقط بدعوةٍ من جمعية علماء الإسلام – أحد أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد – لكنها تحظى أيضًا بدعم الأحزاب الباكستانية الرئيسية المعارِضة لخان: حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف، رئيس الوزراء السابق) وحزب الشعب (بقيادة الرئيس السابق آصف علي زرداري وابنه بيلوال). إلى جانب حزب باختونخوا ميلي عوامي، والحزب القومي الوطني، والحزب الوطني، وحزب عوامي الوطني. 

ثالثًا: أنها تعزف على وتر السخط الشعبي من أداء الحكومة، خاصة في المجال الاقتصادي، إذ يأتي هذا التجمع الحاشد بعد أسبوع واحد فقط من تنظيم الشركات الباكستانية إضرابًا على مستوى البلاد للاحتجاج على الضرائب التي فرضتها الحكومة مؤخرًا، والتي تقول المعارضة إنها جزء من خطة صندوق النقد الدولي البالغة قيمتها 6 مليارات دولار.

لماذا تتظاهر أحزاب المعارضة ضد تزوير الانتخابات بعد عام كامل؟

على الرغم من أن الأحزاب السياسية الكبرى شجبت الانتخابات العامة التي أجريت العام الماضي، ووصفتها بأنها «مزورة»، إلا أنها اختارت عدم تنظيم احتجاجات على الفور، وبمجرد أن تفاقمت مشاكل خان، بسبب تدهور الاقتصاد واتهاماته بسوء الإدارة، وجدت المعارضة القوة الدافعة أخيرًا لمحاولة إزاحة حكومته.

واستشهد رشيد محمود سومرو، المسؤول في جمعية علماء الإسلام، بتقرير صادر مؤخرًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي كشف عن زيادة في الفساد بنسبة 3٪ منذ وصول حزب خان «حركة الإنصاف» إلى السلطة. وقال سومرو لوسائل الإعلام المحلية: «تراجع الاقتصاد، وارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، ويعيش الناس في فقر مدقع».

أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر الشهر الماضي أن باكستان تحتل المرتبة 110 على مؤشر التنافسية العالمية، لينخفض تصنيفها لعام 2019 ثلاثة مراكز بسبب الأداء الضعيف في المجالات الرئيسة مثل حريات الصحافة، والحكم، والابتكار، والفساد، ومتوسط العمر المتوقع، والإنتاجية، والتنمية البشرية. 

 

هل ينفذ خان أجندة خارجية لا تخدم مصلحة باكستان حقًا؟

رغم أن تهمة «تنفيذ أجندات خارجية لا تخدم مصلحة باكستان» التي ألصقتها جمعية علماء الإسلام بعمران خان ليست محورية في التظاهرات الحالية، إلا أنها لافتة خاصًة أن السياسة الخارجية التي تنتهجها باكستان في عهد خان ترفض بإصرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتدعم إقامة تحالف إسلامي ثلاثي بين تركيا، وماليزيا، وباكستان، وتتوسط لتخفيف حدة التوترات بين دول الخليج وإيران. 

– لن نعترف بإسرائيل حتى ينعم الفلسطينيون بوطن

بعد أسابيع من احتفال الصحف الإسرائيلية ببقرب تطبيع العلاقات رسميًا مع باكستان، خرج رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مؤخرًا لينفي كل التكهنات بأن بلاده تتجه نحو إقامة علاقات دبلوماسية مفتوحة مع دولة الاحتلال، قائلًا إن «باكستان لن تعترف بإسرائيل حتى يكون هناك وطن للفلسطينيين».

وبالتنقيب عن أصل هذه التكهنات نجدها مبنية على تغريدة نشرها الصحافي الباكستاني كامران خان يوم 25 أغسطس (آب) تساءل فيها: «لماذا لا يمكننا مناقشة سلبيات وإيجابيات فتح قنوات اتصال مباشرة وعلنية مع دولة إسرائيل؟». 

لكن الإسرائيليين لا ييأسون بسهولة، بل تركوا التكهنات جانبًا وانطلقوا يتحدثون هذه المرة عن «مدرسة فكرية» – على حد وصف صحيفة «جيروزاليم بوست» – يؤيد أتباعها «التخلي عن – أو على الأقل التشكيك في – رفض إسلام أباد الراسخ لتدشين علاقات الرسمية مع الدولة اليهودية». 

– تأييد التحالف الإسلامي بين تركيا وماليزيا وباكستان

حين أطلق رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، مبادرة لتشكيل تحالف إسلامي ثلاثي بين تركيا وماليزيا وباكستان، أواخر يوليو (تموز ) الماضي،  صدَّقت باكستان على الفكرة في اليوم التالي مباشرة، بتصريح أدلى به وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي: «أرحب ترحيبًا حارًا بتأكيد رئيس الوزراء الدكتور مهاتير محمد والرئيس رجب طيب أردوغان على ضرورة عمل ماليزيا، وتركيا، وباكستان معًا لبدء النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي».

3 دول كبرى تسعى للتحالف.. هل حان وقت الحديث عن «اتحاد إسلامي» حقيقي؟

وكان لافتًا أن خان أجرى اتصالا هاتفيًا مؤخرًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد خلاله وقوف إسلام أباد إلى جانب أنقرة حتى القضاء على الممر الذي وصفه بـ«الإرهابي» الذي أريد تأسيسه على حدود تركيا الجنوبية وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، بحسب خان.

 وأصدرت رئاسة الوزراء الباكستانية بيانًا ذكرت فيه أن إسلام أباد تتفهم تمامًا المخاوف التركية، لا سيّما وأن الإرهاب حصد أرواح نحو 70 ألف إنسان في المنطقة، وأن تركيا تتحمل كدولة عبء أكثر من 3 ملايين لاجئ. 

وأشار البيان إلى أن باكستان تقف على الدوام إلى جانب تركيا، وتقدم دعمها الكامل لأنقرة في الخطوات التي اتخذتها وتتخذها على صعيد دعم الحل السلمي وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي في المنطقة. بل ذهب البيان إلى حد التنويه بأن عمران خان أبلغ الرئيس التركي بأن باكستان حكومة وشعبًا يصلّون من أجل نجاح تركيا، في خطواتها الرامية لإحلال السلام في سوريا.

– التوسُّط بين الخليج وإيران

«تحدثت مع الأمير محمد بن سلمان، وهو أيضًا طالبني بالحديث إلى الرئيس الإيراني، وكذلك الرئيس ترامب طالبني بالمساهمة في وقف التصعيد.. نحن نبذل جهدنا»، هذا ما صرح به عمران خان، في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، في معرض رده على سؤال حول ما أثير بخصوص طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال رسالة إلى روحاني.

وتلعب باكستان بقيادة عمران خان «دورًا دبلوماسيًا لافتًا في العديد من الملفات الدولية»؛ فإلى جانب الوساطة ما بين الولايات المتحدة والخليج وإيران، سبق أن استضافت إسلام أباد العديد من جولات المفاوضات لتسوية العلاقات بين قادة حركة طالبان وواشنطن.

هل أوفى خان بوعوده الانتخابية؟

يركز جدول أعمال حزب «حركة الإنصاف» على ستة محاور هي: (1) إعادة هيكلة نظام الحكم وتقوية النظام الاتحادي (الفيدرالي)، (2) تنشيط النمو الاقتصادي، (3) النهوض بالزراعة، (4) الحفاظ على المياه، (5) إحداث تغيير جذري في القطاع الاجتماعي، (6) ضمان الأمن القومي.

وتعهد خان – 66 عامًا – خلال حملته الانتخابية بتوفير 10 ملايين فرصة عمل، وتيسير الأمور للقطاع الخاص لبناء 5 ملايين مسكن منخفض التكلفة، والحد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومعالجة أزمة الطاقة، مع إيلاء أهمية كبيرة للممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.

وبعيدًا عن انتقادات المعارضة من الواضح أن خان نفسه غير راضٍ عن أداء حكومته، حتى أنه اضطر إلى استبدال فريقه الاقتصادي بالكامل، وأبرزهم وزير المالية السابق أسد عمر، على إثر الإخفاق في إعادة اقتصاد البلاد المتأرجح إلى مساره الصحيح.  

وبينما حين يُقرّ اقتدار شميم، وهو مدير شركة بناء في كراتشي، بأن «الأمور ليست مُرضية كما ينبغي أن تكون»، فإنه يؤكد أنها «ليست سيئة بقدر ما يجري تصويرها». وهو إذ يتهم الحكومة السابقة بـ«تخريب الاقتصاد»، يؤكد أن «خان ورث اقتصادًا منهارًا، ولم يكن أمامه خيار آخر سوى زيادة أسعار الغاز والطاقة والبنزين وغيرها من السلع الأساسية لإنقاذ الاقتصاد من كارثة كاملة».

تجرُّع السم.. آخر قرض باكستاني من صندوق النقد 

«الموت أفضل من الاعتماد على مساعدات صندوق النقد الدولي. إنه يمنعك من تحقيق إمكاناتك، تماماً كما فعل الاستعمار. المساعدات مهينة. كل بلد أعلم عنه استعانته ببرامج صندوق النقد الدولي لم تكن النتيجة إلا أن أفقر الفقراء وأغنى الأغنياء فحسب»، هكذا أعلن خان خلال حملته الانتخابية متعهدًا بتسيير شؤون بلاده، دون الحصول على قروض أجنبية.

لكن مع ارتفاع معدل التضخم إلى 8٪، وخسارة الروبية ثلث قيمتها خلال العام الماضي، واحتياطي العملات الأجنبية يكفي بالكاد تغطية شهرين من الواردات، اضطرت حكومة خان – الذي يصفه معارضوه بأنه «رجل التحولات» – إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي (IMF) في مايو (أيار) للحصول على «حزمة إنقاذ».

وصرح مستشار الحكومة الباكستانية للشؤون المالية، عبد الحفيظ شيخ: «تخطت ديوننا الخارجية 90 مليار روبية، وصادراتنا كانت في حالة ركود في السنوات الخمس الماضية، بل بالأحرى حققت نموًا سلبيًا في السنوات الخمس الماضية. لذلك ستتلقى باكستان 6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي».

ولأن شروط إنقاذ صندوق النقد الدولي الصعبة لا تحظى بشعبية في باكستان، وجدتها المعارضة فرصة لاستخدام «الغضب الشعبي» لإخراج خان من السلطة. وكان لافتًا أن الفريق الاقتصادي الجديد في حكومة خان يضم موظفين سابقين في صندوق النقد الدولي، من بينهم القائم بأعمال وزير المالية، عبد الحفيظ شيخ، الذي شغل المنصب ذاته في الحكومات السابقة للحاكم العسكري السابق برويز مشرف، وحكومة «حزب الشعب الباكستاني» (يسار وسط).

واعتبر حزب التحرير أن قبول مطالب صندوق النقد الدولي تعني «تعزيز الاستعمار الأمريكي»، ووصفت الاتفاق بأنه «تصرف بائس من الحاكم في باكستان». لكنه في الوقت ذاته انتقد حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الذين بدورهم «لم يتوقفوا عند حد اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فحسب، ولكنهم يتصورون أن ذلك اللجوء ضروري، مثلهم كمثل الجاني الذي يتهم غيره».

وتوجهت باكستان 13 مرة  إلى صندوق النقد منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وحصلت على قرض بقيمة نحو 6,6 مليارات دولار من المؤسسة الدولية في 2013. لكن وزير الإعلام فؤاد تشودري أعلن أن الحكومة تتعهد بأن يكون هذا القرض هو الأخير، وهي مضطرة إليه الآن لمعالجة العجز في ميزان المعاملات الجارية، الذي يُنذر بحدوث أزمة في ميزان المدفوعات.

وأضاف: «لا نريد شروطا تضر بآفاق النمو في باكستان. نريد اتفاقًا عادلًا يمكن أن يساعد باكستان بالفعل في الآجل القصير، بدون التأثير على الأهداف الاقتصادية الطويلة الأجل».

الهجوم لا الدفاع.. هكذا يواجه نجم الكريكيت السابق الهبة

في مواجهة كل هذا الصخب، أكد خان أنه لن يستقيل، ولن يُبرم حتى اتفاق مصالحة مع «السياسيين الفاسدين». وإذ قرر لاعب الكريكت الدولي السابق تبنِّى أسلوب الهجوم لا الدفاع، فإنه يحاول ضرب خصومه في أعز ما يملكونه، وهو شرعيتهم ومصداقيتهم، قائلًا: «يستخدم خصومي الدين ضدي. لديهم أفكار مفككة، ولا يمتلكون أي جدول أعمال». 

وفيما أشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى أن «معدلات الفساد في باكستان زادت خلال فترة حكم حزبي المعارضة» «الرابطة الإسلامية»، و«حزب الشعب»، وأن حكومات الحزبين «دمرت اقتصاد ومؤسسات البلاد»، فإنه لوّح بملاحقة الرؤوس قائلًا: إن «الزمن الذي يستخدم فيه الناس الإسلام ليكونوا في السلطة قد ولّى، وكل الفاسدين يخافون بسبب فسادهم في العقد الأخير، إنهم يعرفون أنهم سيسقطون في النهاية».

وصرح خان بأن الاحتجاجات ليست سوى محاولة للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة للإفراج عن قادة حزبي الرابطة والشعب المحتجزين حاليًا في السجون بسبب تهم الفساد، بل شجبت الحكومة التظاهرات باعتبارها «تهديدًا للدستور وللديمقراطية». 

أين يقف الجيش الباكستاني؟

حين أعلن المتحدث باسم جمعية علماء الإسلام، مفتي أبرار أحمد، إن حكومة خان «غير الشرعية» وصلت إلى السلطة من خلال دعم الجيش، لم يكن كلامه سوى صدىً لانتقادات كثيرة طالت المؤسسة العسكرية التي حكمت باكستان لنحو نصف تاريخها وتتولى ترتيبات الوضع الأمني ورسم السياسة الخارجية. 

وبينما نفى كلًا من خان والجيش هذه الادعاءات، أصرَّ زعيم الاحتجاج، فضل الرحمن، على استدعاء الجيش في حديثه، حيث أعلن أمام مؤيديه أنه لا يريد «تصادمًا مع المؤسسات»، في إشارة مستترة إلى الجيش، داعيًا إلى التزام الحياد. 

في الواقع، ليس سرًا أن عمران خان يتمتع بعلاقة طيبة مع جيش البلاد القوي، الذي كانت علاقاته سيئة بالحكومتين السابقتين. ولم يكن مستغربًا أن يعلن خان مؤخرًا دعم له في مواجهة محاولات المعارضة الإطاحة به.

بل أكد الجيش الباكستاني صراحةً دعمه للحكومة المنتخبة واحترامه لدستور البلاد. وصرَّح المتحدث باسم الجيش، اللواء آصف غفور: «نؤمن بالقانون والدستور، ودعمنا للحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، وليس لأي حزب». 

وقال غفور: «ينبغي أن يعرف رحمان أن الجيش كان محايدًا، ولا يجب جره إلى السياسة»، ورغم نشر شرطة مكافحة الشغب والقوات شبه العسكرية لتأمين العاصمة، حث قائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، الحكومة على التعامل مع الاحتجاج بطريقة سلمية.

تصعيد أم احتواء.. على أي بر سيرسو الغضب الباكستاني؟

أثارت الميول الإسلامية لمنظمي الاحتجاجات بعض المراقبين، خاصة بعدما رفض المنظمون مشاركة نساء في تجمعاتهم؛ ما أثار انتقادات حادة على شبكات التواصل الاجتماعي.

 وروت شفاء يوسفزاي في تغريدة على «تويتر» أنها بينما بدأت تتحدث أمام كاميرا «جاء رجل وبدأ يقول: إن النساء لا يمكنهن المشاركة، وأنهن لا يستطعن البقاء وعليهن الرحيل». وأضافت «خلال دقيقة واحدة طوقنا حشد من الرجال وبدأوا يرددون شعارات؛ مما اضطرنا لمغادرة المكان»، معبرة عن استيائها من نظرة الحشد إليها «ككائن قادم من الفضاء».

لكن فضل الرحمن أعلن أن الاحتجاجات المستمرة كانت جزءًا من الخطة «أ» وأن لديه خطة «ب» و«ج»، ملوحًا باتخاذ قرار بشأن مواصلة الاعتصام في إسلام أباد أو توسيعه، وأكد أن «هذه الحركة وطوفان الناس سيستمر حتى إزاحة عمران خان من السلطة». مضيفًا وسط هتافات الحشد: «إذا لم يتحقق ذلك فسنتخذ إجراءات إضافية… لن نتسامح أكثر من ذلك».

«فورين بوليسي»: كيف تتلاعب باكستان بترامب؟

على نقيض لهجة فضل الرحمن الواثقة، يرى البعض أن الأجواء الداخلية في باكستان والسياق الإقليمي والدولي ترجح أن المظاهرات سيتم احتواؤها في النهاية، حتى لو امتدت أسبوعًا أو أسبوعين؛ مستأنسين بأن المعارضة الباكستانية ليست على قلب رجل واحد، رغم دعمهم المعلن للاحتجاجات، والأهم أن سيف الفساد الذي أشهره خان مُعَلَّق على رؤوس الجميع، ناهيك عن أن قطاعًا كبيرًا من الشعب لا يزال يراهن على صاحب هذه الدماء السياسية الجديدة، ويرى أنه لم يأخذ فرصته كاملة.

اجمالي القراءات 2126